2008/08/28

الحصار على العرب من العراق إلى غزة




رشيد شاهين

في الحقيقة إننا لم نستغرب ولم نصب بالصدمة أو المفاجأة عندما قامت مجموعة من المتضامنين الأجانب بالتوجه في قاربين صغيرين باتجاه قطاع غزة المحاصر في محاولة منهم سواء للفت انتباه العالم إلى ما يسببه الحصار من قتل للأبرياء من الأطفال والنساء في قطاع غزة أو في محاولة منهم لفك الحصار برغم أننا نعتقد بان هذين القاربين لا يمكنهما كسر هذا الحصار المفروض على مليون ونصف المليون فلسطيني إذا ما بقي وصولهما إلى شواطئ القطاع كحالة معزولة وغير متبوعة بعشرات القوارب والسفن المحملة بمئات وربما آلاف المتضامنين عدا عن الكثير من المواد الأساسية من شتى الأصناف وخاصة الطبية والغذائية التي يحتاجها أهالي القطاع بشكل كبير.

لا شك أن الخطوة التي قامت بها هذه المجموعة من "الناس" تدلل على مقدار من الشجاعة والإيمان بقضية آمنوا بها بشكل حقيقي وكبير كما أنها تدلل على أن من تتوفر لديه النية والإرادة يمكنه أن يحقق ما يمكن أن يبدو في لحظة ما غير ممكن التحقيق، وهي تدلل كذلك على أن مثل هذه الخطوة وبرغم رمزيتها إلا أنها تخيف دولة الكيان المحتل وهذا ربما ما جعله يوافق على مرور أو عبور القاربين في خطوة ربما كانت معاكسة لأغلب التوقعات التي راهنت على أن إسرائيل لن تسمح، وباعتقادنا أن الموافقة جاءت على خلفية عدم الظهور أمام العالم والمنظمات الإنسانية وكأن إسرائيل دولة عدوانية وترفض حتى مثل هذه الخطوة الرمزية، ولان الرفض كان يعني الكثير بالنسبة للرأي العام الغربي الذي ينظر إلى دولة الاحتلال على أنها الدولة الأكثر ديمقراطية في المنطقة.

الحقيقة إن ما أردنا أن نقوله في هذا الموضوع هو انه وعلى مدى السنوات الماضية تعرض أكثر من بلد عربي للحصار وكان من أشدها ظلما وأكثرها جورا وفتكا ذاك الحصار الذي تم فرضه على العراق بعد أن توجه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين جنوبا باتجاه الكويت، حيث تم فرض الحصار على العراق كما يعلم الجميع وكان أن قضى بسبب ذلك الحصار وبحسب كل التقديرات ما يزيد على المليون من أبناء العراق معظمهم من الأطفال عدا عن كل الآثار السلبية الأخرى نتيجة الحصار والتي امتدت لتشمل كل جوانب الحياة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية والتعليمية والثقافية.

ما حصل وانه وخلال ذلك الحصار فانه كان ينفذ بأيد عربية وكانت الدول العربية "الشقيقة" هي التي تنفذ الحصار وبطريقة فيها الكثير من الظلم والجور والقسوة والتشدد ولا ارغب هنا في سرد الكثير من القصص المأساوية التي كنت شاهدا عليها وعايشتها خلال سنوات الحصار الكافر المفروض على أبناء الرافدين، وظل البلد تحت الحصار حتى تم غزوه فاحتلاله من قبل الولايات المتحدة الاميركية ومن تحالف معها من عرب وعجم، ولكن م نريد قوه هنا هو أن من حاول كسر الحصار على العراق لم يكونوا أشقاؤه من العرب، وان من حاول ذلك كان الأجنبي.

وفي هذا الإطار لا بد من أن نتذكر الحصار الذي تم فرضه على الدولة العربية الأخرى التي هي ليبيا وظل الحصار مفروضا على هذا البلد وكان أيضا ينفذ بأيد عربية إلى أن قرر القادة الأفارقة كسر الحصار وبدأ هؤلاء بالتوجه إلى ليبيا دون استئذان أو موافقة من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وربما كان هذا احد الأسباب الرئيسية في أن يتوجه الرئيس الليبي نحو القارة الإفريقية، وأن يقول بأنه ينتمي إلى تلك القارة وليس إلى الأمة العربية، المثير في هذا الأمر بان أحدا من القادة العرب لم يجرؤ على كسر الحصار كما فعل القادة الأفارقة، ومن كان يريد التوجه إلى ليبيا لم يكن ليفعل إلا بعد أن يأخذ موافقة مجلس الأمن في مظهر فيه الكثير من الخنوع والذل والمهانة.

كسر الحصار على العراق لم يقم به أي رئيس عربي وإنما قام به الرئيس الفنزويلي شافيز وفي عز الأزمة بين العراق والولايات المتحدة، وكسر الحصار كذلك على ليبيا لم يبادر به أي رئيس عربي، وها نحن أمام حصار آخر يتم كسره من قبل أناس غير عرب ولا يدينون بالإسلام في اغلبهم ومنهم راهبة تبلغ من العمر واحد وثمانين عاما، ومن هنا قلنا في البداية بأننا لا نشعر بالصدمة لأن من بادر بما بادر به تجاه قطاع غزة هم من الأجانب، السؤال الذي يحيرنا هنا هو هل فقد العربي الشعور بالكرامة والعزة والنخوة التي كثيرا ما نتغنى بها وتتردد في أشعارنا وأدبياتنا؟ أم ترى يمكن القول بان هذا الذي كنا نتعلم عن الشهامة والنخوة كان فعلا من الماضي وكذبة كبيرة مرت على عقولنا وأنها صفات لم تكن وإن كانت فهي لم تعد من صفات هذه الأمة؟، في هذا السياق أتذكر أو استرجع هنا ما قاله العقيد القذافي في قمة دمشق عندما خاطب زملاءه من القادة العرب وهو يقول لهم بنبرة ربما كان فيها الكثير من السخرية والازدراء إن أمة العرب تعيش على هامش التاريخ والجغرافيا وعدم القدرة على الفعل، وهنا نزيد بالقول بان هذه الأمة أصبحت تعيش على هامش الضمير والكرامة والنخوة والشهامة التي طالما تغنينا بها.

بيت لحم

29-8-2008



ليست هناك تعليقات: