2008/08/20

معا على درب التحرير العراق وفلسطين


ضحى عبد الرحمن

المصيبة غالبا ما تتخذ شكل هندسي شبيه بالمثلث ذات أضلاع ثلاثة, ومصيبة الأمة العربية أضلاعها الثلاث فلسطين ولبنان والعراق حسب الأسبقية, فهذه الدول الثلاثة تنازعتها مخالب الحروب حتى أنهكتها وكانت عرضة لصراعات إقليمية ودولية وأهلية, كما أنها تثير شهية عدد من الدول المجاورة التي لا تجد منفذا فيها إلا ونفذت من خلاله, وتعرضت شعوب هذه الدول إلى معاناة شديدة وتشرد العديد منهم إلى بقية دول العالم بحثا عن الأمن والاستقرار أو تحقيق الحد الأدنى من متطلبات العيش, وتشكل الهجرة الفلسطينية أكبر هجرة في التأريخ لشعب أجبر على النزوح من وطنه, وتلتها الهجرة العراقية التي تجاوزت بعد الغزو مليونين عراقي انتشروا في بقاع الأرض كلاجئين. شعوب هذه الدول الثلاث عانوا من قص نظر شديد من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والدول العربية لقضاياهم المصيرية, وشهدوا تدخلات دولية وإقليمية وعربية في شؤونهم الداخلية بشكل مباشر أو غير مباشر, وخضعت قضيتهم إلى أبشع عملية ابتزاز عربي ودولي, وتاجرت بها أطراف محلية ودولية متعددة الأطراف, وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإيران التي انضمت مؤخرا من أهم هذه الأطراف. وشهدت هذه الشعوب بسبب تدخل هذه الإطراف صراعات داخلية ناجمة عن توليد عدد من الميليشيات والجماعات التي تحاول أن تفرض رؤيتها الخاصة على الأبجدية الوطنية بالرغم من أن هذه الرؤيا غالبا ما تكون ضبابية وخاضعة إلى أجندات خارجية. وغالبا ما تجري على ساحاتها تصفية حسابات إقليمية ودولية يسدد أبنائها فاتورتها الباهظة من دمائهم. تعرضت هذه الدول ومازالت إلى عملية مسخ الهوية الوطنية وإسنفار حالات مستمرة من الطوارئ والتعرض إلى حصار شديد وتعطيل ماكينة الاقتصاد بسبب الافتقار إلى الأمن والاستقرار, وتمت تنمية الأشواك الطائفية الجارحة بأسمدة مستوردة وعناية داخلية تثير الدهشة. وفي الوقت الذي استقرت فيه لبنان بعد الحرب الأهلية التي أحرقت اليابس والأخضر, فأن هذا الاستقرار كان على فوهة بركان ممكن أن يهيج في أية لحظة وينفث حممه المحرقة على المنطقة برمتها, وبعد انسحاب القوات السورية من لبنان بدأ البركان يغلي مجددا, في الوقت الذي تجمرت فيه الأوضاع في فلسطين والعراق وبدا وهجها الأحمر منذرا بامتداده إلى دول الجوار, كأنما كتب على جبين شعوبها الحزن الدائم.

فوضى أمنية وعدم استقرار, صراعات حزبية, اغتيالات وتصفيات سياسية, ميليشيات مسلحة, تدخلات خارجية, ولاءات متعددة ومختلفة, أعمال عنف مستمرة, إهمال عربي ودولي, خطابات تحريضية, صراع طائفي, حصار اقتصادي, تعطيل الحياة اليومية, فوضى ثقافية, مواقف متقلبة, حضور صهيوني وإيراني بارز, مشاريع غامضة, سيادة ناقصة, احتلال أجنبي كلي أو نسبي لأراضيها, تهجير قسري أو طوعي, شراء ذمم, تضارب مصالح, نهب وهدر الثروة الوطنية, ضحايا مدنيين, قواسم مشتركة تجمع بين هذه الدول الثلاث وبمستويات مختلفة. ولكل فعل ردً فعل, فمن تحت رماد هذه التراكمات ومضت شرارة المقاومة الوطنية, شرارة مقدسة ولدت لتبقى مشتعلة وتعطي للنضال الوطني والرؤية الجهادية نبضا متدفقا ودفعا مضاعفا ليجدد نفسه ويؤكده حضوره المميز للنهوض وتطهير الوطن من رجس الاحتلال, شرارة أثبتت للجميع بأن الحس الوطني هو الحس الوحيد المطلوب في زمن الاحتلال, لأنه عنوان الهوية وزاد المناضلين لتحقيق النصر المبين, المقاومة في العراق وفلسطين هي مقاومة من نوع خاص مفعمة بالحركة فهي ترفض المراوحة في نفس المكان, وترفض المسالك الدائرية التي تنتهي حيث تبدأ, مقاومة فعالة وحيوية متوثبة ويقظة تصب حممها على المعتدين من كل الجهات والزوايا وهذا ما جعل عيون المعتدين تدور في كل الجهات متوجسة ومترقبة للخطر القادم, ومن هنا جاء تعبير أحد جنود الاحتلال" إنهم –يقصد رجال المقاومة- في كل مكان"! أسود في البر وصقور في الجو وحيتان في البحر, نهارهم ليلا وليلهم نهار, جبلوا على قسوة الطبيعة فأرخت لهم أجنحتها ليمتطوها متنقلين من مكان لآخر فالمسافات في عرفهم هي الفرص الممكنة لتلقين العدو ضربات عنيفة من كل حدب وصوب. وبالرغم من إتباع قوات الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي لخطط ألحقت دمارا كبيرا في البنيتين الارتكازيتين العراقية والفلسطينية لكنهما فشلتا في القضاء على قوات المقاومة من جهة وكذلك في تأمين الحماية الكافية لقواتهما الغازية من الضربات الماحقة من قبل تلك القوات, فواجها انتكاسة حادة للخروج من أزمتهما السياسية وتعرضت عجرفتهما إلى انكسار ملفت للنظر. وقد أدى هذا الوضع المتأزم إلى كسب قوات المقاومة مواقع جديدة سواء في الوجدان الجمعي كرموز لعصر البطولة العربية من ناحية التفاف الجماهير حولها وتأييدها بشكل تصاعدي أو تزايد حجم فعالياتها الميدانية وإلحاق المزيد من الخسائر في صفوف قوات الاحتلال, يوم بعد آخر تتبخر الأحلام الأمريكية والصهيونية في القدس وبغداد وتعصف بالرؤية التلمودية لإمبراطورية الشر التي تقوم على إستراتيجية الصدمة والترويع والتي تحولت بفعل المقاومة إلى وباء أنتشر بين صفوف قوات الاحتلال فهناك أكثر من(100) ألف جندي أمريكي يعانون من أمراض عقلية ونفسية بعد انتهاء خدمتهم في العراق, ورغم الحوافز المادية الخيالية للجنود الذي يخدمون في العراق فأن التقارير الأمريكية تعترف بعزوفهم عنها وهروب أكثر من(5000) جندي أمريكي إلى كندا فرارا من جحيم العراق, وكذلك جنود الاحتلال في فلسطين أنهم يمشون على أرض ملغومة لا يعرفوا متى تنفجر بهم وتحولهم إلى أشلاء متطايرة. إن المقاومة العراقية والفلسطينية تمران من فوهة بندقية واحدة فاحتلال العراق هو امتداد للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين, فكما أن أمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة, فأن العراق وفلسطين هما أيضا وجهان لعملة واحدة فالهدف من احتلال العراق كما أعتر فتت الإدارة الأمريكية هو حماية أمن الكيان الصهيوني, بمعنى أنه يدخل ضمن إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي لذلك, فالاحتلال الأمريكي والصهيوني احتلال واحد بنيان يكمل بعضه البعض, والمؤامرة واحدة والهدف واحد وخريطة لطريق تبدأ بفلسطين وتنتهي بالعراق, والمقاومة العراقية والفلسطينية تتعرض إلى نفس التشويه من قبل إعلام الاحتلال والأبواق التي تعزف على لحنه, كما إنها تتعرض إلى نفس مواقف النكران والإهمال والخذلان من الدول العربية والإسلامية المتهاونة مع قوات الاحتلال, وتعاني من نفس العمالة الداخلية التي تبطن البلاء وتظهر الولاء, وتعاني من محاولات التفتيت والانشقاق الذي يدعمه الاحتلال بقوة لفرض إضعافها, وتعاني من نفس عملية تغليف المقاومة بالإرهاب متجاهلين إن الاحتلال هو الإرهاب بأبشع صوره! وتعاني من نفس المصطلحات الظالمة الأخرى كالمتطرفين والتكفيريين والمتشددين, ولكن مع كل الصعاب فأن الإيمان السماوي والوطني هو الذي يدرع رجال المقاومة ويذلل هذه الصعاب ويمكنهم من الاستمرار في العطاء وإرسال المزيد من قوات الاحتلال أحطابا إلى جهنم وبأس المصير. لقد أمست طوابير القتلى من قوات الاحتلال الصهيوني والأمريكي تؤرق حكومتيهما وبالرغم من محاولات التمويه عن حجم خسائرهما إلا إن الحقيقية بدأت كالشمس تفصح عن نفسها. في سفر الجهاد والبطولة فأن الانتصار في العراق هو نصر للفلسطينيين والانتصار في فلسطين هو نصر للعراقيين, فصدى المقاومة العراقية تردده مآذن القدس, وصدى المقاومة الفلسطينية تردده مآذن بغداد, صدى يحمل نسائم عليلة ويتمايل مع الرياح منشدا" الله اكبر فوق كيد المعتدي".

ليست هناك تعليقات: