2008/08/28

الاتفاقية الأمنية في العراق سباق أمريكي مع الزمن



معن بشور

كان متوقعاً أن يتم التوصل إلى اتفاقية أمنية أمريكية – عراقية في نهاية شهر تموز الفائت، فحلت نهاية شهر آب ولم يعلن الاتفاق، بل أن سفير الولايات المتحدة في بغداد أعلن أن الموعد قد أرجئ حتى نهاية هذا العام مناقضاً بذلك تصريحات لمسؤولين عراقيين، وكأننا امام مفاوضات "على الهواء" بعد تعثر المفاوضات السرية في واشنطن.

ولقد كان واضحاً مدى الارتباك الأمريكي في التعامل مع اتفاقية تريد إدارة بوش تمريرها دون العودة إلى الكونغرس في واشنطن، بل حتى دون العودة إلى مجلس الأمن الذي "أستغل" الاعتراف الرسمي العربي بالاحتلال وإفرازاته فأسبغ "شرعية دولية" على قوات احتلت العراق قبل خمس سنوات ونيّف من خارج الأمم المتحدة وضد ميثاقها وبشكل مناف لابسط قواعد القانون الدولي.

فالكونغرس بعد الانتخابات النصفية الأمريكية، والصعود المفاجئ لنجم اوباما ، هو غير الكونغرس قبل هذه الانتخابات، ومجلس الأمن اليوم لم يعد هو ذاته مجلس الأمن قبل سنوات حين كان البيت الأبيض يصدر أمراً فتخّر أمامه الدوائر الحاكمة في عواصم العالم صاغرة خانعة.

اذاً، الطريق الوحيد المتاح أمام واشنطن لتمديد احتلالها، ولجني مكاسب ملموسة تحفظ ماء وجه إدارة باتت غارقة في وحول مغامراتها حتى "النخاع"، يكمن في انتزاع اتفاقية أمنية من حكومة عينتها هي، وتقوم على حماية وزرائها.

ولكن وقفة الشعب العراقي بمعظم قواه الفاعلة ومسيراته الأسبوعية المنددة بالاتفاقية، كما بزيارة رايس نفسها من جهة، والتعقيدات الإقليمية والدولية المحيطة بالوضع العراقي لا سيّما مع تعاظم النفوذ الإيراني داخل حكومة بدأ أركانها يحسون باهتزاز عرش الهيمنة الأمريكية في المنطقة والعالم، جعلت من انصياع حكومة المالكي لمشيئة البيت الأبيض، الذي يستعد لوداع بوش وتشيني ومحافظيهما الجدد، أمراً غير سهل، خصوصاً أن في المؤسسة الأمريكية الحاكمة (Establishment)، وهي أبقى من الإدارة Administration وأكثر تأثيراً على المدى المتوسط والبعيد، من اخذ يحذر المسؤولين في بغداد من مغبة تسليم هذه الورقة لبوش في الأيام الأخيرة لولايته،وان يفرض بالتالي على الإدارة الجديدة واقعاً ليس الأنسب بالنسبة إليها.

فخبرة الشعب العراقي في تمزيق اتفاقيات ومعاهدات بدءاً من معاهدة بورتمسوث إلى حلف بغداد خبرة واسعة، والمركب العراقي هو مركب خشن كما يعرف كل الغزاة الذين تعاقبوا على احتلال العراق والسعي لتدمير حضارته.

إذن، فالاتفاقية الأمنية تتأرجح ، بل هي تترنح، لا سيّما مع التلاعب الأمريكي بالألفاظ حيث يرفض بوش جدولاً زمنياً للانسحاب ويقترح بديلاً له مصطلح "الافق الزمني" لأن بوش يعتبر الاعلان عن الجدولة امراً غير ضروري بل هو اعتراف بالخسارة، مع نهاية الولاية.

كما ان هذه الاتفاقية تترنح بشكل خاص مع دعوة مجلس النواب الافغاني لقوات "التحالف" الاجنبية لكي تعيد النظر بوجودها لا سيّما بعد أن تكاثرت مجازرها الدامية بحق الأطفال والنساء والمدنيين في تلك البلاد البائسة أصلاً.

وهكذا بعد أن كانت حسابات واشنطن لوجودها في العراق تقاس بالسنوات، أخذت ادارة بوش تقيس مواعيد توقيت الاتفاقية الأمنية العتيدة بالأسابيع وربما بالأيام، وقد تتقلّص هذه الحسابات أكثر وأكثر، إذا عرف العراقيون المناهضون للاحتلال كيف يوحدون صفوفهم متجاوزين رواسب وحساسيات الماضي التي لا يقوم مستقبل لأي وطن إذا بقي أبناؤها أسراه عقد الماضي وجراحه.

انه عالم يتحّول كل يوم من جورجيا إلى أفغانستان، ومن العراق إلى الصومال، ومن فلسطين إلى لبنان... بل عالم تتبدل فيه الأدوار، فمن كان مهيمناً بات مرتبكاً، ومن اتهم غيره "بالخشبية " بات يرى النار تلتهم خشبه هو.

ليست هناك تعليقات: