2008/08/28

أمريكا عاجزة عن الخروج بمفردها من المستنقع العراقي

برلين- العرب اونلاين - سمير عواد:

رأى كريستوف برترام الخبير السياسى الألمانى أن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها بالكامل من العراق وسوف تفعل كما فعلت فى ألمانيا بعد الإطاحة بنظام هتلر فى بناء قواعد عسكرية وتحرص على أن تكون الحكومات التى تتعاقب على السلطة فى بغداد موالية لها.

واعترف برترام بأن حرب العراق عام 2003 أضرت بجهود السلام فى الشرق الأوسط ورغم أن بوش نفسه تحدث مرارا عن حل الدولتين إلا أنه ليس فى الأفق ما يلوّح بأن هذا الحل سوف يتحقق فى وقت قريب. وقال أيضا إن الحرب أضعفت جهود قوى الإصلاح فى العالم العربى التى كانت تتوق إلى نشر الديمقراطية.

برترام من مواليد عام 1937 وهو من أشهر محللى السياسات الخارجية فى ألمانيا، ترأس فى الفترة بين 1982 و1974 المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى لندن قبل انتقاله للعمل فى صحيفة "دى تسايت" الأسبوعية وشغل من عام 1998 إلى عام 2005 منصب مدير معهد السياسة فى برلين الذى يقدم المشورة للحكومة والبرلمان فى ألمانيا ويعمل حاليا كمؤلف وخبير فى قضايا السياسات الأمنية الدولية.

هنا حوار معه يشرح خلاله وجهة نظره فى خصوص قضايا ذات صلة بالمنطقة العربية:

* قبل ما يزيد عن خمسة أعوام شنت الولايات المتحدة الأمريكية حملة عسكرية على العراق مبررة الحملة بوجود أسلحة دمار شامل فى العراق وأن النظام العراقى يتعاون مع تنظيم "القاعدة". فى الغضون نعرف جميعا أنها كانت أدلة كاذبة ولم يتمكن 160 ألف جندى أمريكى من العثور على أثر لها حتى اليوم ولم يثبت وجود صلة بين نظام صدام حسين و "القاعدة" لكن الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش مصرّ على القول إن العالم أصبح أكثر أمانا فهل هذا صحيح؟

++ بالتأكيد لا.. على العكس تماما أصبح العالم أشد خطرا ولننظر اليوم إلى بقع النزاعات فى العالم فنلاحظ أن عددها زاد وآخرها فى القوقاز. لقد تراخى السلم فى العالم بشكل مأساوي. لم يتم تحقيق السلام فى العراق حتى بعد إطاحة الأمريكيين بنظام صدام حسين، وهيئة الأمم المتحدة مازالت تواجه الضعف الذى ألم بها نتيجة لإصرار واشنطن على المضى بخططها العسكرية فى العراق رغم عدم حصولها على موافقة مجلس الأمن الدولي. وقد عجزت الأمم المتحدة عن إثناء الولايات المتحدة.

ولم يتم التوصل حتى اليوم إلى حل لمشكلة الشرق الأوسط. وكل ما نلاحظه أن إيران هى الفائز الوحيد من احتلال العراق ولا أعتقد أن هذا كان هدف واشنطن التى قامت بنفسها بإضعاف سياستها الإستراتيجية فى المنطقة والعالم.

* ليست هذه المرة الأولى التى قامت فيها واشنطن بإساءة تقدير حساباتها. هل يمكن مقارنة ما يجرى فى العراق اليوم بحرب أمريكا فى فيتنام؟

++ من الصعب تأييد هذا الرأى لكن يمكن القول إن هناك أوجه شبه بين حرب الولايات المتحدة فى فيتنام وحربها فى العراق. عندما غزا الأمريكان فيتنام تذرعوا بأن هناك ضرورة للتدخل وإلا لسقطت منطقة جنوب آسيا دولة بعد الأخرى بأيدى الشيوعيين. تدخلوا ولما انسحبوا من فيتنام فوجئت الولايات المتحدة نفسها بأن انسحابها لم يحدث فراغا فى آسيا كما أنها لم تخسر أى من شيء نفوذها الدولي. الأمر يختلف اليوم بالنسبة للشرق الأوسط والخليج. سوف تستمر حالة عدم الاستقرار يرافق ذلك توتر فى مستقبل بعض الدول المؤثرة فى المنطقة مثل تركيا وإيران. ويبقى السؤال الكبير ما إذا سيتحقق الاستقرار فى العراق وما إذا ستتأثر الدول المجاورة له بفعل الأحداث والتقلبات الجارية داخله.

لقد جازفت الولايات المتحدة كثيرا عندما غزت العراق عام 2003. وإذا تعرضت إلى هزيمة فإن أوروبا أيضا سوف تخسر لأنها ستتأثر بتراجع قوة حليفها الأكبر.

* كيف تروى مدى التغير الذى طرأ على علاقات الدول الإسلامية مع الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة؟

- بالتأكيد لم تؤد حرب العراق ونتائجها إلى تحسن هذه العلاقات. وطبيعى أن الدول العربية الخليجية ملتزمة بتعاونها مع الولايات المتحدة لكنها فى نفس الوقت أصبحت تشعر بقلق متزايد لأن واشنطن بدأت تخسر نفوذها وقوّتها فى المنطقة والعالم.

وهذا كان واضحا عندما رفضت هذه الدول بناء جبهة مناهضة لإيران نزولا عند رغبة بوش.

* ما هو أثر قيام الولايات المتحدة بغزو العراق على جهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

- حسب ما قال الأمريكان قبل غزو العراق فإن الحملة العسكرية الجديدة على بلاد الرافدين كان من المقرر أن تكون لها نتائج إيجابية على عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إذ لا يمكن تحقيق السلام فى المنطقة دون حل هذا النزاع.

وفقا لرأى واشنطن أراد الأمريكان حل النزاع الفلسطينى الإسرائيلى من باب خلفى ونشر الديمقراطية والمبادئ الغربية فى دول المنطقة. لكن هذا لم يتحقق بل على النقيض تماما زاد عدد النزاعات فى المنطقة كما أن النزاع الفلسطينى الإسرائيلى زاد حدة.

فى الوقت الحالى هناك انقسام بين الفلسطينيين أنفسهم، كما ليس فى الأفق ما يشير إلى أن حل قيام دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، الذى ذكره بوش مرارا فى خطاباته، سوف يتحقق فى القريب.

* هل أدى غزو العراق عام 2003 إلى تقوية الخطوات الديمقراطية فى الشرق الأوسط أم إلى إضعافها؟

- من المؤكد أن غزو العراق عام 2003 لم يعد بالنفع على القوى فى المنطقة التواقة إلى الديمقراطية.

لقد كانت هناك مرحلة شعر هؤلاء بالتفاؤل عندما قالت إدارة بوش إنه ينبغى عليها بناء قاعدة جديدة لعلاقاتها مع دول العالم العربى من خلال نشر الديمقراطية وأن تصبح هذه العلاقات تتسم بالشفافية وتبادل المصالح. لكن واشنطن تراجعت عن رغبتها هذه بعد وقت قصير بعدما تعرضت إلى هزيمة سياسية عندما رفض العرب تنفيذ طلبها ببناء جبهة مناهضة لإيران.

لا يهم الديمقراطيين فى الولايات المتحدة ما يفعله بعض الحكام العرب داخل بلدانهم، أو ما يتعرض له رموز المعارضة من ملاحقات فى دول أخرى متحالفة مع واشنطن. لقد غيرت إدارة بوش هدفها وأصبحت تعير أولوية إلى تحقيق الاستقرار فى المنطقة وخاصة العراق وصرفت النظر حاليا عن تحقيق الديمقراطية.

* أنت تنتمى إلى بلد ناهض حرب العراق عام 2003 ورفض رئيس حكومته المستشار السابق غيرهارد شرودر السير فى ركاب بوش. بوصفك مطلعا على العلاقات الألمانية الأمريكية ما أثر رفض شرودر الحرب على العلاقات فى يومنا هذا؟

++ مما لا شك فيه أن مرحلة التوتر التى تسيدت العلاقات الألمانية الأمريكية قد ولت وأصبحت فى عهدة الماضي. فقد انتهى دور الأشخاص الذين تسببوا بهذا التوتر إذ خسر شرودر السلطة فى سبتمبر/أيلول عام 2005 وجاءت مكانه أنجيلا ميركل التى سارعت إلى إعادة الأمور إلى مجاريها مع واشنطن. ثم أن أمريكا أدركت أنها تحتاج إلى حلفائها فى أوروبا خاصة ألمانيا وهناك رغبة عند الجانبين بأن تبقى العلاقات جيدة خالية من المشاكل. الذى لم يتغير رغم تحسن العلاقات بين إدارة بوش وحكومة ميركل أن غالبية الشعب الألمانى لديه نظرة سلبية تجاه الرئيس بوش ولا أعتقد أن هذا سيتغير قبل أشهر قليلة على نهاية ولايته الثانية والأخيرة. والسبب أن الكثير من الألمان يرون أن بوش خرق القوانين الدولية عندما أمر بشن حروبه الوقائية.

* هيئة الأمم المتحدة من ضحايا حرب العراق عام 2003، وقد استغلتها الولايات المتحدة مرة أخرى بعد حرب الخليج الأولى. ما مدى الخسائر التى لحقت بالهيئة الدولية؟

- الأمم المتحدة نفسها ظاهرة غريبة. طيلة عمرها الطويل لم تفلح فى صنع انتصار ارتبط باسمها رغم أنه من المفترض أن تكون أكبر منظمة فى العالم. بل نجد أن حلف شمال الأطلسى "ناتو" أقوى منها ويواجه الطالبان فى أفغانستان منعا لعودتهم إلى السلطة فى نفس الوقت عليه كسب الحرب ضد الطالبان و"القاعدة" لأن هزيمة الحلف العسكرى الغربى هناك ستكون لها نتائج مدمرة على أفغانستان والمنطقة ونزاعات أخرى فى العالم. تعلم الأمم المتحدة أنه كان ينبغى أن تكون قوة أكثر فاعلية فى النزاعات لكن من ناحية أخرى هى عبارة عن نمر بلا أنياب إذ أنها منظمة لا تملك جيشا وتحتاج دائما إلى موافقة الدول الأعضاء لصنع قرار أو الضغط من أجل تنفيذه.

* ما هى الفرص المتوفرة أمام الولايات المتحدة لإنهاء مغامرتها فى العراق؟

- لا أعتقد أن الولايات المتحدة سوف تسحب قواتها بالكامل من العراق. مثلما فعلت بعد الإطاحة بنظام هتلر فى ألمانيا، سوف تقيم قواعد عسكرية لها وسوف تحافظ على أن تكون الحكومات العراقية التى تتعاقب على السلطة موالية لها وتعمل ما يرضى مصالحها. لكن استمرار وجودها فى العراق قد يؤدى إلى استمرار عدم تحقق الاستقرار والأمن فى العراق والمنطقة.

وليس هناك ما يشير حاليا إلى أن العراقيين يستطيعون إدارة أمور بلدهم بأنفسهم.

إن الاستقرار والأمن فى العراق ليس فقط حاجة عراقية بل يخصان دول الجوار.. أوروبا تشاطر الولايات المتحدة ودولا أخرى فى المنطقة القلق بأن الاستقرار سوف يتزعزع أكثر إذا انسحب الأمريكان الذين يعرفون أنه عندما يطالب بعض العرب بانسحابهم فإنهم لا يفعلون ذلك عن طيب خاطر. لقد تسببت الولايات المتحدة فى وقوع نتائج خطرة بفعل الحرب لكن الكثيرين عليهم مساعدتها لإصلاح الدمار الذى وقع وهذا ينطبق أيضا على أوروبا والدول العربية، إذ أنها عاجزة عن الخروج بنفسها من المستنقع العراقي.

كريستوف برترام الخبير السياسى الألماني

ليست هناك تعليقات: