2008/08/21

شكال الفساد

بقلم: زياد عربية

يختلف شكل الفساد حسب الجهات التي تقوم به، أو المصالح التي يهدف إلى تحقيقها من يقوم بالفساد. فقد يمارسه فرد أو جماعة أو مؤسسة خاصة أو مؤسسة حكومية أو أهلية، وقد يكون الهدف من ورائه مصالح مادية أو مصالح سياسية حزبية ضيقة أو مكاسب اجتماعية.

وقد تتم يمارس الفساد فرد واحد دون التنسيق مع الآخرين (فساد صغير MinorCorruption)، وينتشر هذا النوع من الفساد بين الموظفين الصغار في المؤسسات ويكون بأخذ رشوة عن أية خدمة يقدمونها للمواطنين. وقد يقوم بالفساد كبار الموظفين المسؤولين (فساد كبير Corruption Gross) بهدف تحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة وليس مجرد رشوة صغيرة. وقد يمارس الفساد مجموعة بشكل منظم ومنسق (شبكة)، ويمثل هذا أخطر أنواع الفساد لأنه أعم وأشمل ويسبب الضرر للمجتمع في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، ويأخذ الفساد أشكالاً متعددة يأتي في مقدمتها:

- استغلال المنصب العام

يلجأ العديد من أصحاب المناصب الرفيعة والعليا في الدول النامية إلى استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب مادية، وهؤلاء يتحولون مع مرور الوقت إلى رجال أعمال أو شركاء في تجارة إلى جانب كونهم مسؤولين حكوميين، يصرفون جل اهتمامهم إلى البحث عن طرق وأساليب تمكنهم من زيادة حجم ثرواتهم الخاصة، على حساب الاهتمام ببرامج التنمية وتحقيق قدر من الرفاه الاجتماعي لمواطني دولهم.

- الاعتداء على المال العام

غالباً ما يقوم بهذا السلوك الفاسد بعض السياسيين والمسؤولين الحكوميين، كسحب قروض من مصارف الدولة بفوائد منخفضة، وتسهيل حصول رجال الأعمال من القطاع الخاص على قروض بفوائد منخفضة ودون ضمانات، مقابل حصوله على جزء من القرض على سبيل الرشوة أو السمسرة أو العمولة (Commission)، والاستيلاء على بعض الممتلكات العامة عن طريق التزوير في الأوراق الرسمية، أو استئجارها لفترة زمنية طويلة بمبالغ زهيدة، أو شرائها من خلال برامج الخصخصة بأقل من سعرها الحقيقي (السوقي).

- التهرب الضريبي والجمركي

ويقوم بمثل هذا السلوك الفاسد عدد كبير من رجال الأعمال والتجار من القطاع الخاص، فهؤلاء يدفعون الرشا للمسؤولين الحكوميين بغية حصولهم على تخفيض ضريبي أو إعفاء ضريبي لفترة طويلة نسبياً، أو لقاء غض النظر عن التصاريح الضريبية الكاذبة التي تخفض الأرباح وتعظم الخسائر. وإلى جانب التهرب الضريبي وآثاره على الاستقرار الضريبي(Fiscal Stability)، هناك التهرب الجمركي. وفي العادة يدفع رجال الأعمال والتجار المستوردون للبضائع والآلات والتجهيزات المختلفة إلى ذوي المناصب الرفيعة في الدولة أو للمسؤولين عن الجمارك وبعض أعوانهم وأذنابهم رشاً أو حصصاً من الأرباح، مقابل تخفيض الرسوم الجمركية، أو إعفائهم من دفع الرسوم بموجب استثناء، أو تسهيل دخول البضائع والسلع دون خضوعها للإجراءات القانونية المتبعة. وفي كثير من الأحيان يقوم هؤلاء بالتواطؤ مع المسؤولين الحكوميين على اختلاف مسمياتهم ودرجاتهم الوظيفية (أعضاء التنظيم البيروقراطي) بتغيير مواصفات السلع والآلات والتجهيزات المستوردة على الورق (تزوير البيانات الجمركية - تقديم فواتير مزورة (Fake invoices) والتلاعب بالوثائق (بالأوزان والأنواع وشهادات المنشأ والتحاليل) لتخفيض قيمة الرسوم الجمركية الواجب دفعها لخزينة الدولة مقابل حصولهم على رشاً من المستورد، وهذا بحد ذاته احتيال وتزوير وتلاعب على القوانين ونهب للمال العام. ويضع المصرف الدولي جهازي الجمارك والتحصيل الضريبي أو إدارتيهما على رأس دوائر الفساد الكبير لما لها من انعكاسات على مستوى الأسعار ومداخيل / إيرادات الدولة وعلى المنافسة الشريفة

(Perfect Competition) في السوق الداخلية.

- الرشوة المحلية والدولية

هذا النوع من الرشوة يدفع لكبار المسؤولين في الدول النامية، فالحكومات تقوم بشراء مواد ومستلزمات من السوق المحلية بكميات كبيرة، وتطرح عدداً من المشاريع للتنفيذ من قبل القطاع الخاص وذلك عبر مناقصات يتقدم بها القطاع الخاص المحلي، والتنافس على مثل هذه المناقصات يدفع بالقطاع الخاص لدفع رشوة لبعض المسؤولين الحكوميين للحصول على مثل هذه المناقصات. ويترتب على مثل هذا السلوك الفاسد للمسؤول الحكومي زيادة في أسعار المواد والسلع الموردة وزيادة في القيمة الإجمالية للمشاريع الاقتصادية والخدمية المتوسطة والكبيرة، إذ يقوم القطاع الخاص بإضافة الرشا والعمولات إلى التكاليف مما يؤدي إلى تحميل الدولة نفقات إضافية تتراوح ما بين 25 و40 في المئة من قيمة العقود والمشاريع.

أما فيما يتعلق بالرشوة الدولية فتدفع لقاء قيام حكومة في دولة من الدول النامية بشراء معدات ومستلزمات وتجهيزات تحتاجها من شركة دون أخرى (المناقصات الدولية لتنفيذ مشروعات ضخمة، امتيازات التنقيب عن البترول والغاز والمعادن، شراء الطائرات المدنية، والعتاد العسكري الثقيل والخفيف وبضمنها الطائرات الحربية، مناقصات قطاع الاتصالات الخليوية والفضائية، .... وغيرها). مما يدفع بالشركات الأجنبية إلى دفع عمولات كبيرة للحصول على المناقصات الخارجية والامتيازات في الدول النامية.

- تهريب الأموال

يقوم العديد من المسؤولين الحكوميين في الدول النامية بتهريب الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير قانونية وغير شرعية إلى المصارف وأسواق المال في الدول الأجنبية، ولا سيما أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، ومؤخراً إلى المصارف الآسيوية، لاستثمارها على شكل ودائع في مصارف تلك الدول لقاء فوائد مرتفعة، أو يقومون بشراء أسهم في شركات أجنبية، أو شراء عقارات. ويبرر هؤلاء المسؤولون سلوكهم الفاسد بأنه ضرورة تفرضها الأوضاع السياسية المتقلبة باستمرار في الدول النامية، فهو من وجهة نظرهم تأمين لهم في حال استبعادهم من السلطة مستقبلاً، ويرفضون اعتبار هذا السلوك سلوكاً فاسداً وإنما هو حق مشروع.

- وإضافة إلى ما ذكرنا يقوم عدد من أصحاب المناصب الرفيعة في الدول النامية بتحويل جزء لا يستهان به من المعونات والمساعدات والقروض التي تقدمها الدول الغنية المانحة للمعونات الاقتصادية بهدف تمويل عملية التنمية في تلك الدول إلى حسابات مصرفية خارجية، بدلاً من إدخالها إلى حسابات المصرف المركزي. وقد قدرت الأموال المنهوبة بنحو 30 % من حجم المساعدات والقروض الميسرة. وغالباً ما تكون هذه الحسابات بأسماء أبنائهم أو أشخاص تربطهم بالمسؤول الحكومي صلة قرابة أو من المقربين. وهذا الاختلاس هو من أسوأ أنواع الاختلاسات نظراً لضرره المضاعف على اقتصادات الدول النامية.

زياد عربية

-نقلا عن جريدة

النور- 354 (20/8/2008)




ليست هناك تعليقات: