2008/08/17

معركة (ديالى) ومهمات المقاومة العراقية للمرحلة القادمة

عوني قلمجي

ليس من المستغرب عودة بوش إلى تصعيد العمليات العسكرية ضد معاقل المقاومة، سواء في المدن أو البلدات العراقية، فالإستراتيجية الجديدة التي اعتمدها في بداية العام الماضي وإرسال قوات إضافية بلغت حينها 25 ألف جندي أمريكي استندت على هذا الأساس. وخلال الشهور الماضية قامت القوات الأمريكية وما يسمى بالجيش العراقي والشرطة والأجهزة الأمنية بالعديد من العمليات ضد محافظات الموصل وصلاح الدين وديالى وبابل والبصرة والعمارة وضد المحمودية واليوسفية واللطيفه، فبوش أصبح في أمس الحاجة لتحقيق انتصارات عسكرية ذات قيمة يعزز بها ما حققه على الجانب الآخر لجهة المعاهدة الاستعبادية التي جعلت من العراق ولاية جديدة.

ضمن هذا السياق يأتي الهجوم على مدينة ديالى بهدف القضاء على المقاومة وفرض السيطرة الكاملة عليها، وليس كما أدعي بوش والمالكي، بان الهدف من هذا الهجوم هو اعتقال 30 إرهابيا خارجين عن القانون. وإلا ما كانت هناك حاجة لحشد 30 ألف جندي أمريكي وعراقي لهذا الغرض، مدعمين بطائرات مقاتلة ومدفعية ثقيلة وأسلحة متطورة ضد مدينة صغيرة مثل ديالى، ناهيك عن القوات المتواجدة فيها أصلا.

بعيدا عن القيل والقال حول عملية ديالى التي سماها المالكي بشائر الخير وعن الشكوك حول أي من الطرفين المتحاربين قد هزم او انتصر، فمما لا شك فيه أن بشائر الخير لم تنته على خير كما توقع بوش والمالكي، فقد وصف مراسل الواشنطن بوست ومراسل وول ستريت جورنال جواشوا بارتلوا على لسان ضباط أمريكيين وعراقيين في اليوم الثاني للمعركة وتحديدا يوم 30 من الشهر الماضي، بأن القوة المهاجمة طاردت أشباحا يخرجون ويدخلون دو أن نراهم. أما الملازم الأول جيمس براندون فقد ذكر، بأنّ الجنود الأمريكيين والمرتزقة العراقيين واجهوا في مدينة ديالى متمردين مدربين جيداً على حرب العصابات، فهم يتنقلون بطريقة مذهلة رافضين الانجرار إلى مواجهات مفتوحة يستطيع فيها الأميركان التغلب عليهم بأسلحتهم القاهرة، وأن المسلحين يتصلون فيما بينهم بأجهزة الراديو وأحيانا يراقبون القوات الأميركية بنواظير الرؤية الليلية، وأن بعض قناصيهم يتخذون من الحيطان الكونكريتية فوق سقوف البنايات متاريس لهم، وآخرون من المتمرّدين يستخدمون إحداثيات عسكرية في الرمي، وعندما تهاجمهم أية قوة عسكرية تجد نفسها وسط حشد من النيران ينطلق من كل اتجاه.

هذا الفشل الذي تعرضت له عملية بشائر الشر: لم يحدث بالصدفة أو ضربة حظ، فالمقاومة العراقية لم تكن غافلة عن استراتيجية حرب المدن وما تنطوي عليها من مخاطر وما يترتب جراءها من نتائج تنعكس على مجمل الصراع الدائر بين المقاومة وقوات الاحتلال. ولذلك واجهتها باستراتيجية مقابلة أساسها الدفاع عن المدن دون الدخول في مواجهات مكشوفة أو مفتوحه مع القوات المهاجمة، وإنما التعامل معها بالطريقة التي تشاء وفي الوقت الذي تراه مناسبا.

نعم لقد فشل بوش حتى اللحظة الراهنة في استعادة السيطرة على أي مدينة بما فيها ديالى، ولا يغير من هذه الحقيقة تواجد قوات أمريكية في هذه المدينة أو تلك، إذ لا يمر يوما دون تعرض هذه القوات إلى نيران المقاومة بما فيها القواعد العسكرية المحصنة. لكن ذلك لا يعني، كما يتوهم البعض، استسلام بوش للأمر الواقع أو التفكير بالانسحاب الطوعي أو القبول بالهزيمة المشرفة. فهو لازال أسير أوهام القوة والنصر جراء اعتقاده بأن جيشه لن يهزم وانه سينجز المهمة، وهذا يعني بأنه سيبقى متمسكا بسياسته الدموية وعدم التخلي عن محاولاته الخائبة للقضاء على المقاومة العراقية واستعادة السيطرة على جميع المدن العراقية قبل انتهاء ولايته الثانية والأخيرة التي لم يبق منها سوى أربعة شهور، في حين تؤكد الوقائع المدعومة بالأدلة والشواهد على أن جنود الاحتلال يعانون من إحباط شديد ومعنويات منهارة بعكس رجال المقاومة الذين يقاتلون بإرادة متميزة وصلابة فولاذية، مكنتهم من دفع العدو نحو طريق الانهيار والهزيمة، مما يستدعي من قيادة فصائل المقاومة الإنتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل الصراع مع المحتل بحيث تكون قادرة على تحقيق الهدف النهائي المتمثل حصرا بتحرير العراق واستعادة استقلاله وسيادته كاملة غير منقوصة.

ولكي لا نطيل أكثر، فان تجارب الحرب الشعبية قدمت لنا ذخيرة هامة بهذا الخصوص، نتمنى على المقاومة العراقية الاسترشاد بها أو أخذها بنظر الاعتبار بما يخدم ويؤمن مستلزمات النجاح للمرحلة الجديدة، خاصة وان حروب التحرير أو حروب العصابات المسلحة تكاد تكون متشابة، وقد تصل أحيانا إلى حد التفاصيل في جوانب معينة، أو على الأقل الاسترشاد بقوانينها العامة.

أولها: أنه من الضروري جدا لجوء المقاومة إلى العمليات الهجومية ضد قوات الاحتلال في أي مكان يمكن الوصول إليه، على الرغم من وضع المقاومة من الناحية الإستراتيجية في موقع الدفاع، واللجوء أيضا إلى العمليات الهجومية السريعة على الرغم من اعتماد المقاومة على الحرب الشعبية الطويلة الأمد، وليس في ذلك أي تناقض، فالحرب الدفاعية لا تعني إلغاء الهجوم التكتيكي والحرب الطويلة الأمد لا تلغي العمليات العسكرية السريعة،كما لا يقف أمام هذا الفعل تفوق العدو عسكريا، فقوات الاحتلال رغم قوتها وما تتمتع به من جودة الأسلحة و حسن التدريب العسكري إلا أنها صغيرة عدديا ، في حين أن المقاومة برغم أنها ضعيفة تسليحا وتدريبا، فهي ضخمة عدديا لان الشعب يقف ورائها ويساندها ويحميها، ناهيك عن أن المحتل أتى للعدوان على بلادنا دون حق أو مبررات حتى إذا كانت واهية، بينما نحن نقاوم الاحتلال الأجنبي على أرضنا وبين أهلنا.

وثانيها: إن حرب العصابات بطبيعتها تخاض بقوات متفرقة، الأمر الذي يجعل منها حربا منتشرة على نطاق واسع، وهذا يتطلب من المقاومة العراقية اعتماد مبدأ تقسيم القوات في معظم المهمات القتالية التي تستهدف التشويش على قوات الاحتلال و تقييد تحركاتها، والقيام بعمليات هجومية تستهدف تدمير منشآت المحتل ومستودعات أسلحته ومعداته وقطع خطوط مواصلاته ومهاجمة قواعده الثابتة، وهذا لا يمنع المقاومة من تركيز قواتها في حالة مهاجمة قوة عسكرية صغيرة من أجل إبادتها.

أما ثالثها: فإن مسألة المبادرة ترتدي أهمية كبيرة بالنسبة إلى حرب العصابات، ذلك أن قوات العصابات تعمل عادة في ظروف شاقة، لأنها تقاتل من دون مؤخرة تستند إليها وتجابه بقوة ضعيفة عدوا قويا، ومع ذلك تستطيع المقاومة أن تكسب المبادرة في حرب العصابات مستفيدة من نقاط ضعف المحتل الذي يقاتل في ارض غريبة عليه ووسط شعب معادي له، ناهيك بان صغر حجم المجموعات المقاتلة وقلة عددها يسهل عليها الظهور والاختفاء بسرعة مدهشة وسرية تامة دون أن يستطيع العدو عمل شيئا ضدها.

ورابعها: إن مبدأ المرونة ظاهرة ترفد في نفس الوقت مبدأ المبادرة بصورة عملية، حيث استخدام قوات المقاومة بمرونة هو أمر ضروري جدا في حرب العصابات منه في الحرب النظامية، ولذلك ينبغي على قادة المقاومة أن يدركوا أن استخدام القوات بمرونة هو أهم وسيلة من أجل تبديل الأوضاع القائمة بين المحتل والمقاومة بهدف كسب زمام المبادرة، في حين أن الجمود و بطئ الحركة يؤديان بصورة حتمية إلى موقف سلبي و يسببان خسائر لا مبرر لها.

واخيرا: وليس آخرا، فإن كسب النصر في حرب العصابات لا يتأتى بمعزل عن التخطيط، و إن من يظن إنه يمكنه إن يخوض حرب العصابات كما يحلو له، إنما هو يعبث بحرب العصابات أو يجهل ما هي حرب العصابات. إن جميع العمليات من هذا النوع، سواء كانت عمليات تشمل منطقة بأكملها من مناطق حرب العصابات، أم كانت عمليات تقوم بها فصيلة من فصائل العصابات أو فرقة من فرقها، يجب أن يسبقها تخطيط دقيق قدر الإمكان. إن الاطلاع على الظروف وتحديد المهمات وتوزيع القوات والتثقيف العسكري والسياسي وإعداد المؤن وتهيئة العتاد وكسب التأييد الشعبي، كلها تدخل ضمن أعمال القادة التي يجب أن يمعنوا النظر فيها وينفذوها تنفيذا حازما، فالقتال ضد العدو ليس مزاحا.

ليس من الحكمة السياسية الاستهانة بتجارب الشعوب وخبرة المختصين ونصائح الحريصين، ولا الاستهانة في نفس الوقت بقوة المحتل وإمكاناته الكبيرة على الرغم من مأزقها الخانق، خاصة ونحن مقبلون على حرب ضروس ودموية الطابع، فبوش يعد العدة لتوحيد معسكر الاحتلال من جهة. ومن جهة أخرى تهيئة الوضع العربي والإقليمي، سواء بالتهديد أو الترغيب، لمساعدته بكل الإمكانات المتاحة لإنقاذ مشروع الاحتلال من السقوط، وقد نجد نموذجا عنها في الاتصالات لتي أجراها بوش مؤخرا مع عادل عبد المهدي ومسعود البرزاني، كما نجدها في زيارة جلال الطالباني إلى أمريكا تحت ذريعة العلاج وكذلك في تهديداته لمصر والاردن والسعودية ودول الخليج بعصا المقاومة العراقية إذا ما هزمت أمريكا في العراق، وحتى زيارة رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا إلى بغداد والزيارة المرتقبة لملك الاردن والتبادل الدبلوماسي على مستوى السفراء بين بعض الدول العربية وحكومة المالكي والجولات التي قام بها الأخير لدول المنطقة، فإنها تدخل جميعها في هذا الإطار. في حين يسعى بوش على الجانب الآخر، إنهاء خلافاته مع إيران حول توزيع الأدوار والمكاسب في العراق ، وتهيئة الأوضاع لتفعيل التعاون بينهما لإنهاء المقاومة العراقية وتثبيت حكومة المالكي وتمكينها من توقيع المعاهدة الاستعمارية بسهولة، وإلا بماذا نفسر إقلاع أمريكا عن التهديدات الجوفاء بضرب إيران والحديث عن الحلول الدبلوماسية حول برنامجها النووي؟

إن تحقيق الانتصار النهائي على قوات الاحتلال وطردها إلى الأبد والفوز بعراق محرر وموحد وديمقراطي، لن يتحقق بما تمتلكه المقاومة العراقية من قوة وخبرة وكفاءة فحسب، وإنما بتوفير بعض الشروط اللازمة ومن بينها وأهمها، توحيد فصائل المقاومة وتشكيل جيش التحرير الشعبي تحت قيادة موحدة وإقامة الجبهة الوطنية الشاملة تحت راية برنامج سياسي يلبي القاسم المشترك لجميع تكوينات وفئات الشعب العراقي. وهذا ما يفسر إلحاح وإصرار الشعب العراقي على مطالبته بانجاز هذه المهام النبيلة لأنها الأمل ولأنها المبتغى.

عوني القلمْجي

9/8/2008

ليست هناك تعليقات: