2008/08/09

الناصرية والعلمانية د. مخلص الصيادي







مقدمة :

في الحلقتين الأولى والثانية تناولنا رؤية عبد الناصر لمسألة الدينية وسياسات الثورة تجاهها على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وما يتصل بمكانة هذه المسالة في وجدان وضمير قائد الثورة ، وكما أشرت في ختام الحلقة الثانية فإنني سأخصص هذه الحلقة لحديث عن الناصرية والعلمانية باعتبار الأخيرة هي حديث القوى السياسية على اختلاف انتماءاتها في هذه المرحلة، بل إن البعض ذهب الى اعتبار العام 2007 عام العلمانية في المشرق العربي ، استنادا الى الاهتمام الذي حظيت به هذه المسألة في هذا العام ، حيث عقدت مؤتمر خاص لها وخصصت عدة أعداد من مجلة فكرية رزينة لتغطيتها ، وكتبت العديد من المقالات في صحف ومجالات عديدة في هذا الميدان وأنشيء موقع على الشبكة العنكبوتية خاص بالعلمانيين وبالدعوة الى العلمانية.




الحلقة الثالثة

الناصرية والعلمانية


هل الناصرية علمانية ، الإجابة على هذا السؤال تبدو ضرورية لفهم الفكر الناصري ، ولتحديد إمكاناته في صنع مستقبل هذه الأمة ، وما يمكن أن يقدمه في هذا الجانب .
قد يسارع البعض الى اعتبار طرح مثل هذا السؤال غير ذي ضرورة ، فإذا لم تكن الناصرية علمانية فماذا تكون !؟ إسلامية !؟

لكن هذه المسارعة فيها الكثير من استسهال الإجابة وفيها الكثير من استدعاء حكم مسبق، وفيها الكثير من إطلاق الرغبة وليس إعمال العقل ، وقد نستطيع القول إن هناك تيارين رئيسيين يريان أن أمر الجواب على هذا التساؤل محسوما، وهما بالتحديد التيار السياسي الاسلامي، والتيار المتغرب ماركسيا كان أم قوميا، ودافع كلا التيارين الى مثل هذه الإجابة لا يتصل بالناصرية فحسب وإنما أيضا بالقضايا التي تقيم عليها مثل هذه الإجابة ،والى جانب هذين التيارين فإن هذه القضية قضية خلافية داخل التيار الناصري ذاته، فمن الناصريين من يرى ذلك أيضا،وأنا في هذه الحلقة الأخيرة من بحث الاسلام والناصرية أحاول أن أجلي الموقف الفكري للناصرية من هذه المسألة، وأوضح الموقع الذي تطل منه الناصرية عليها ، وعبر هذا أحاول أن أملك الناصريين وغيرهم معايير للحكم على علمانية أي موقف أو فكرة.

1ـ من الناحية الشكلية ليس في تاريخ الناصرية ـ وفق علمي ـ ما يشير الى تبنيها للعلمانية من حيث المصطلح ، ولم تثر هذه القضية في تاريخ الناصرية ، ولا يعرف أن جمال عبد الناصر أتى عليها، على الرغم من أنها كانت مثارة بقوة وبوضوح في المجالين الاسلامي بالنموذج التركي، والعربي بالنموذج البورقيبي.

كما كان تبني العلمانية " المخففة " مطروحا أيضا من جانب الأحزاب القومية أو بعضها وخير من يمثل هذا الجانب هو حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تناول مفكروه العلمانية وأعلنوا تبنيها من خلال فهم خاص لها تحدثوا عنه مرارا منذ أن كان الحزب حزبا واحدا، ثم بعد أن انقسم، وحتى هذه المرحلة، وأقاموا سياساتهم العملية على قاعدة هذا الفهم، والذي عايش تجربة حزب البعث في السلطة وخارجها يعرف تماما كيف جسد هذا الحزب مفهومه للعلمانية.

ولم يكن عبد الناصر ليخشى أن يطرح هذا المصطلح أو يتبناه لو أنه فعلا يراه مناسبا لهذه الأمة ومنسجما مع توجهاته، فقد عُرف هذا القائد المعلم بالشجاعة الفكرية والعملية،
ولقد تعرض لمحرضات في طرح هذه المسألة لو كان لها في فكره ووجدانه شيء، إذ أنه دخل في معارك فكرية وسياسية مع قوى داخلية وعربية ودولية استخدم الآخرون فيها سلاح الاسلام ووسموه خلالها بما راق لهم، وكانت هذه الأجواء مناسبة لأن يتخذ أي موقف يريد خصوصا وأنه كان يتمتع بتأييد جماهيري طاغ، قد يختلف البعض في تفسيره وفهمه لكن لا يمكن لأحد أن ينكره، لكنه لم يفعل ذلك، وكان دائما يقدم رؤيته للقضية الدينية من جوانبها المختلفة الإيمانية والاجتماعية غير متأثر بهذه المعارك، وبذلك الاستغلال للدين، ودون أي مواربة أو استثمار ذاتي.


2ـ وفي كل مسار التغييرات الاجتماعية التي قام بها عبد الناصر كان يستدل دائما على تطابق مقاصد هذه التغييرات مع المقاصد الاجتماعية التي تطلع إليها التشريع الاسلامي،
وكان الاستشهاد مستمر بالأحاديث النبوية وبسلوك الصحابة رضوان الله عليهم، وكان الاستدلال توجيهي وليس تشريعي ، أي استدلال لرؤية المنحى ، منحى التغيير، واتجاهه وليس استدلال يقصد فنه الوقوف عند حدوده، فالحديث عن شركة الناس في الماء والنار والكلأ كان مدخلا لفهم ضرورة تأمين الدولة للاحتياجات الرئيسية للمجتمع وحق الناس في هذه الاحتياجات.
وكان يؤكد دائما على صيانة الملكية الخاصة وحفظها باعتبارها حقا شرعيا، لكن على أن يكون ذلك في إطار مصلحة المجتمع واحتياجاته.

وفي فلسفة الإصلاح الزراعي كان يربط بين قيام الفلاح بزراعة الأرض واستصلاحها وبذل الجهد فيها وهذا مما يعطيه حقا شرعيا بها، وبين التملك غير الشرعي لهذه الأراضي من قبل الإقطاعيين، باعتبار أن هذا التملك كان في كثير منه نتاج مواقف الإقطاعيين من ثورة عرابي، ونتاج تصرف الخديوي أو الملك بهذه الأراضي من زاوية أنها ملك له ولأسرته، والأمرين هنا يتصلان بمفهوم العدل، وبين ضرورة توزيع هذه الأراضي على الفلاحين لتحقيق الارتباط بين الفلاح والأرض ولتحقيق هدف تنمية المجتمع والإنتاج،


3ـ ولقد كان عبد الناصر يتبنى سياسة دينية واضحة جسدتها أكثر ما جسدتها فلسفته في تطوير الأزهر.

في أدبيات حركات الاسلام السياسي ، يلقى قانون تطوير الأزهر هجوما عنيفا ، ويعتبر البداية لجهد نظام عبد الناصر في السيطرة على هذه القلعة الاسلامية، ولأصحاب هذا الرأي أن يقولوا ما يشاءون، لكن الدراسة العلمية لواقع الأزهر في ذلك الحين، ولتطلعات أبنائه وخريجيه، وللجهود التي كان يبذلها الكثيرون لتطور هذا الواقع، تكشف بلا أية شبهة أن تطوير الأزهر كان هدفا يرتجى، وأن ما قامت به الثورة بإصدارها القانون رقم 103 لعام 1961 الخاص بتطوير الأزهر إنما جاء استجابة لهذه الحاجة لكن هذه الاستجابة لم تأخذ أبعادها إذ عاجلتها الردة التي عاجلت كل شيء في المجتمع المصري، على كل حال فإنني هنا لا أتناول نصوص وإجراءات القانون ـ وهي نصوص أصابها التعديل المرة تلو الأخرى ـ ولكني أتناول الفكر الذي دفع الى هذا القانون والذي يمثل في عمقه رؤية ثورة يوليو وقائدها للإسلام ، وعلاقته بالمجتمع والحياة على مختلف المستويات ورؤيته لهذه المؤسسة الدينية العريقة ولودرها ومكانتها في المجتمع الاسلامي ككل ، أي في مجتمع أمة العقيدة، ولعل أهم وأوجز ما يكشف عن هذه الرؤية هي المذكرة الإيضاحية التي مهدت لهذا القانون وتعتبر جزءا منه، ولقد جاء في هذه المذكرة الإيضاحية:

"والإسلام في حقيقته الأصيلة لا يفرق بين علم الدين وعلم الدنيا ، لأنه دين اجتماعي ينظم سلوك الناس في الحياة ليحيوا حياتهم في حب الله عاملين مؤثرين في المجتمع في ظل طاعة الله ، ولأن الاسلام يفرض على كل مسلم أن يأخذ نصيبه من الدين والدنيا: فكل مسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا في وقت واحد ، والله في يقين المسلم أقرب إليه من حبل الوريد ، يجيب دعوة الداع إذا دعاه ، فليس في حاجة الى شفيع أو وسيط يقربه إليه.

على أن العالم الاسلامي اليوم وقد انفسح مداه واتسع نطاقه ن واطل على آفاق فكر جديد ووضعته الظروف السياسية التي تمر به موضع اختبار في مجالات شتى وأكثره قد خرج منذ قريب من تحت النير الاستعماري وفي نفوس أهله آمال ضخمة لاستكمال أسباب تحرره ونهضته والارتفاع بمستوى معيشته ، وكانت الثقافات الاستعمارية تحاول طوال السنين التي يطر فيها الاستعمار على العالم الاسلامي أن تلون أفكار أهله وعقائدهم وأن تضع في نفوسهم موازين جديدة وقيما جديدة يمكن أن تباعد بينهم وبين الاسلام ، فلولا طبيعة المقاومة في نفوس المسلمين لسحقتهم المحاولات المتوالية خلال تلك السنين وأخرجتهم عن دينهم.

ولعلها قد بلغت في ذلك مبلغا ما حين أوقعت في أذهان كثير منهم أن الاسلام عبادة وقربى الى الله وفناء في الآخرة ن وأن العمل للحياة شيء آخر يختلف عن الدين أو يتعارض مع الدين ، وربما وقعت في أذهان بعضهم كذلك أن المذاهب الاجتماعية المستحدثة تضمن للبشرية سعادة ورفاهية لا يكفلها الاسلام، وربما لا يكفلها غير الاسلام من الأديان السماوية .

وفي كثير من البلدان التي تخلصت من ربقة الاستعمار رغبة في التخطيط وللبناء والعمل والإنتاج في مجالات الصناعة والتجارة والتعدين والتعليم والصحة وغيرها من أسباب النهوض ،وهي حين تتلمس الخبراء في كل نوع من أنواع هذا النشاط ، لا تكاد تجد إلا أجانب عن بيئتها ودينها من لمواطنين أو من غير المواطنين ، وحين تلتمس من المواطنين خبراء يملكون مع الخبرة معارف دينية صحيحة ، وعقيدة واعية لا تكاد تعرف أين توفدهم ليتعلموا ويستفيدوا الخبرة والمعرفة والعقيدة وهي عناصر ثلاثة ضرورة لتستكمل هذه البلاد نهضتها وتمضي في وجهها على الطريق السوي .

وإذا كان الأزهر وحده هو المعهد أو الجامعة التي يحرص المسلمون وراء الحدود على أن يعد فيه أبناؤهم لهذه المستويات فلقد كان من الطبيعي أن يكون نظام الأزهر وعلوم الأزهر بحيث تعد هؤلاء الخبراء مستكملين لكل العناصر التي تهيئهم لحمل أعباء النهضة في بلادهم .

لكن الأزهر إذ يعد علماء في الدين ، وفي اللغة العربية ، لم ينهي بعد لتأهيل العالم الديني المتخصص في عمل من أعمال الخبرة والإنتاج التي تحتاج إليها نهضة المسلمين في كل البلاد ، وحين تنبهت بعض الدول الاسلامية الى هذه الحقيقة المؤسفة فحولت بعثاتها كلها أو بعضها الى الجامعات المدنية في الجمهورية العربية المتحدة أو في غيرها من البلاد عاد إليها مبعوثوها بعد إتمام دراستهم وهم يملكون الخبرة ولا يكادون يعرفون الدين ، في حين يعود المبعوثون منهم الى الأزهر وقد حصلوا من علوم الدين وعلوم القرآن حظا كبيرا ولكنهم لا يحسنون عملا ، ولا يطيقون إنتاجا ولا يقدرون على المشاركة في لون من ألوان النهضة التي أشرنا إليها آنفا ، وبهؤلاء وأولئك تعقدت الحياة الاجتماعية في كثير من بلدان العالم الاسلامي وتعثرت النهضة في تلك البلدان ........................
ولعلاج المشكلة من صميمها كان لابد من تقرير مبادئ لتكون أساسا لكل محاولة إصلاح، وعلى أساس المبادئ التي انتهينا إلي تقريرها كان مشروع الإصلاح التي تضمنه هذا القانون .

وهذه المبادئ هي :

أولا : أن يبقى الأزهر وأن يدعم ، ليظل أكبر وأقدم جامعة إسلامية في الشرق والغرب .

ثانيا :أن يظل كما كان منذ أكثر من ألف سنة ، حصنا للعروبة والإسلام يرتقي به الاسلام ويتجدد ، ويتجلى في جوهره الأصيل ويتسع نطاق العلم به في كل مستوى وفي كل بيئة ويذاد عنه كل ما يشويه وكل ما يرمى به .

ثالثا : أن يخرج علماء قد حصلوا كل ما يمكن تحصيله من علوم الدين وتهيأوا بكل ما يمكن من أسباب العلم والخبرة والإنتاج في كل مجال من المجالات العمل والإنتاج فلا تكون كل حرفتهم أو كل بضاعتهم هي الدين .

رابعا: أن تتحطم الحواجز والسدود بينه وبين الجامعات ومعاهد التعليم الأخرى وتزول الفوارق بين خريجيه وسائر الخريجين في كل مستوى وتتكافأ فرصهم جميعا في مجالات العلم ومجالات العمل .

خامسا : أن يحقق قدر مشترك من المعرفة والخبرة بين المتعلمين في الجامعات والمعاهد الأزهرية وبين سائر المتعلمين في الجامعات والمدارس الأخرى ـ مع الحرص على الدراسات الدينية والعربية التي يمتاز بها الأزهر ـ لتتحقق بخريجي الأزهر الحديث وحدة فكرية ونفسية بين أبناء الأمة ، ويتحقق بهم للوطن والعالم الاسلامي نوع من الخريجين مؤهل للقيادة في كل مجال من المجالات الروحية والعلمية.

سادسا : أن توحد الشهادات الدراسية والجامعية في كل الجامعات ومعاهد التعليم في الجمهورية العربية المتحدة.

ولست هنا في معرض الحديث عما كان عليه الأزهر قبل الثورة ، وما كان عليه خريجو الأزهر في سلم العمل والمكانة الاجتماعية من حال مزرية ، فالحديث هنا ليس عن الزهر وإنما عن رؤية الثورة للمسألة الدينية، لكن يكفي في هذا الجانب أن أشير الى ما سطره الداعية الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه "كفاح دين" عن الأزهر وحاله وحال الأزهريين .

مظان العلمانية في الناصرية

إننا ذهبنا الى التأكيد على أن عبد الناصر لم يكن علمانيا وأن الناصرية لم تكن علمانية،وأتينا بالشواهد على ذلك من الفكر ومن السياسة ، أي من الرؤية النظرية ومن التطبيق ، وقد كان يكفي أن نصل الى هذا الرأي في حسم الأمر لكن لابد حتى تتضح الصورة أن نسأل أنفسنا عن الدوافع الموضوعية التي جعلت خصوم عبد الناصر وخصوم الناصرية يسمونهما بالعلمانية ، فهل منبع هذه الصفة خيار عبد الناصر الاشتراكي، وخياره القومي،
بمعنى هل كان عبد الناصر قبل ظهور هذين الخيارين غير علماني ، وصار من بعدهما علمانيا ؟!
أم هل وجود بنوك ربوية ، وسفور في المجتمع ، ومظاهر غير مطابقة أو أنها مناقضة للسلوك الاسلامي هي ما يسم الثورة وقائدها بالعلمانية؟!
أم أن وجود دستور مكتوب يلتزم به المجتمع يعتبر من دلائل العلمانية بظن هذا الدستور بديلا عن القرآن الكريم دستور الأمة الاسلامية ؟!

قلنا من قبل أن الحديث عن القومية والحديث عن الاشتراكية ولو بصيغ مختلفة أو متفاوتة كان حديثا عاما أخذ به العديد من العلماء وقادة الفكر الديني، وكتبوا وأصًلوا له ولم يجدوا في ذلك حرج، وهنا أعاود التأكيد أنني لست بصدد الحديث عن صواب هؤلاء فيما كتبوا أو خطئهم ، وإنما يعنيني أنهم فيما قاموا به لم يكونوا علمانيين ولم يصبحوا علمانيين بنظر أي من قوى المجتمع أو قادته الفكريين، ولم يكن هذا الاقتحام للفكر القومي والاشتراكي حصرا على مصر، ولا حصرا على فترة جمال عبد الناصر، وإنما كان الأمر قبله بكثير من الوقت وبقليل من الوقت، وكان في مصر وكان خارج مصر، وكان عند المفكرين المسلمين من العرب، وكان عند المفكرين المسلمين من غير العرب، وكان يتم تداول واعتماد هذه المصطلحات في مجال العمل والإنتاج الفكري داخل التيار الاسلامي، وكذلك في مجالات عمل وتحالفات هذا التيار السياسية.

أما إسناد هذه الصفة " العلمانية " بسب وجود مظاهر أو مؤسسات أو تشريعات تخالف التشريع الاسلامي، فإن هذه الظاهرة كانت موجودة في مراحل عديدة من تاريخ مجتمعاتنا الاسلامية، وهي موجودة راهنا في كل المجتمعات الاسلامية دون استثناء، وموجودة بحكم القانون وليس بحكم الواقع، أي أن القانون ينظمها، ومع ذلك لا توسم هذه المجتمعات بأنها علمانية،


إذا من أين تنبع هذه الصفة عند من يطلقها؟!.

قبل محاولة الإجابة يجب استذكار التأكيد بأن من يطلق هذه الصفة على الناصرية وقائدها ليسوا من صنف واحد،لاتجاه العلمانية ولا تجاه الناصرية.

فهناك علمانيون يؤكدون أن الناصرية وعبد الناصر في جوهر الموقف العلماني .
وهناك "إسلاميون " يؤكدون الشيء نفسه، وإن اختلفوا في تحديد الدافع الى هذا الحكم .
وهناك ناصريون يؤكدون أن الناصرية وعبد الناصر عبرا دائما عن الموقف العلماني.
وهناك ناصريون يرون أن عبد الناصر لم يكن أبدا علمانيا وكذلك ثورته.
إذا كيف نفهم ونقرأ هذه المواقف المتعارضة أو المتفقة في توصيف العلاقة بين الناصرية وقائدها وبيين العلمانية.

إن عبد الناصر كان قوميا واشتراكيا ومع بناء الدولة الحديثة، الدولة الجمهورية، دولة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين أبنائها، ومع الحرية، وإعطاء السيادة للشعب، ومع الديموقراطية.

وحتى لا يدخل أحد في جدل ليس هذا موضعه، يتصل في حقيقة ديموقراطية عبد الناصر، وهل كان فعلا يريد السيادة للشعب، أقول إننا نبحث هنا المسالة من زاوية الأفكار والمفاهيم ، لأن صفة العلمانية التي نمحصها تتصل بالأفكار والمفاهيم قبل أن تتصل بالتطبيقات، وتتصل بالرؤى قبل أن تتصل بالوقائع,

إن الذين يقولون بعلمانية عبد الناصر يقولون ذلك استنادا الى هذا الالتزام الفكري الناصري وتثبيتا له ، لكن ليسوا سواء في تقدير هذا الالتزام ،

العلمانيون من خصوم عبد الناصر ومؤيديه يريدون تثيبت علمانية عبد الناصر وعلمانية ثورته لجعل تراث هذه الثورة ومكانتها في التاريخ العربي المعاصر وفي الوعي الشعب رصيدا يدعم طروحاتهم بشأن قضية العلمانية، وليقولوا كذلك بأن لا سبيل لأخذ مفاهيم الدولة الحديثة " المواطنة، المساواة، الحرية، الديموقراطية، سيادة الشعب، تداول السلطة سلميا " إلا بالتزام العلمانية بغض النظر عن برنامج التغيير الذي يلتزمه الشخص أو القوة السياسية والاجتماعية : اشتراكيا كان أم ليبراليا، إصلاحيا كان أم ثوريا، وخصوم عبد الناصر من العلمانيين يرون أن الكثير مما وقع فيه عبد الناصر من الناحية التطبيقية ووقعت فيه الثورة كان من نتاج عدم وضوح العلمانية لديه، وعدم اكتمالها.

و"الإسلاميون" يرون أن هذه الأفكار هي مصدر الحكم على علمانية عبد الناصر وثورته وبالتالي فإن كل من يتبنى هذه الأفكار فهو علماني، إذ ليس في الاسلام ديموقراطية، ولا سيادة للشعب ولا مساواة ولا فكرة الوطن والمواطنة، ولا قومية أو وطنية، ولا الجمهورية ولا أي من هذه المفاهيم، وطن المسلم دين، والإسلام فيه خلافة كما كان الأمر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أهل ذمة وفيه جزية يؤديها غير المسلم وهو صاغر، والتشريع فيه لله فقط .. الخ، وعند هؤلاء قد يكون الموقف من عبد الناصر وثورته مهما لكن الأهم الموقف من هذه الأفكار، وصدها عن الاسلام والمسلمين ومجتمعهم.

التعرف الى العلمانية

إن الفصل في هذا الخلاف ومحاولة فهم دوافعه يستلزم بالإضافة الى فهم القوى المشتركة فيه واستهدافاتها فهم معنى العلمانية وخصائصها.

فإذا كان الالتزام ببناء الدولة الحديثة بطبيعتها التي أشرنا إليها يعني الالتزام بالعلمانية تصبح العلمانية صفة عبد الناصر وصفة ثورته بلا شك، ويصبح كل من التزم هذه المفاهيم والقيم علمانيا فردا كان أم قوة أم نظاما، وفي إطار هذا الاعتبار إذا أجلنا نظرنا في اتجاه كل النظم الموجودة في العالم العربي والاسلامي فإن النظر يرتد إلينا مؤكدا أن هذه كلها علمانية.

وإذا كانت الصلة مشكوك فيها بين هذه المفاهيم وبين العلمانية، وأن للعلمانية مفهوم آخر أكثر وضوحا وصلابة، يمكن اعتماده والقياس عليه، فإننا نكون بحاجة للتعرف الى هذا المفهوم واعتماده وقياس الأفكار والحركات والبنى الاجتماعية على هذا المقياس كي نصل الى حكم صحيح على صلتها بالعلمانية.

لقد دلنا علماء الأصول في الاسلام أن القاعدة التي تفصل عليها الأشياء ابتداء هي قاعدة العقيدة، ثم بعد هذه القاعدة نذهب للبحث في الفروع، لأن سلامة الموقف العقدي يجعل الخلاف فيما دونه سهل يمكن تفهمه ويمكن تجاوزه والتعايش معه، أما الخلاف في العقيدة فلا توسط فيه.

واستنادا الى هذه القاعدة الفاصلة فإن علينا أن ننظر في العلمانية أولا وقبل كل شيء من الزاوية العقدية من زاوية الجوهر والأساس، ما هي العلمانية، ثم إن علينا ونحن ننظر ونبحث في العلمانية أن نتعرف عليها من مصادرها وعند رجالاتها، وليس مما نعتقد أو نريد نحن أن تكون عليه، فعلماء الأصول لدينا قالوا أيضا إن الحكم على الشيء فرع من تصوره، فإذا كان تصور الشيء "أي معرفته" غير صحيحة أو غير دقيقة أو خالطها الهوى فإن الحكم عليها لا يأتي صحيحا ويتلبسه الباطل.

وإذا كان الحديث المفصل عن العلمانية يحتاج الى سعة ، وليس هذا مقامه ـ سيأتي إن شاء الله في بحث مستقل ـ فإنني أكتفي هنا بالتوقف عند المفاهيم الرئيسة للعلمانية والتجليات الأهم لها ،

باطمئنان أقدم هنا ثلاثة مؤلفات تناولت العلمانية، وهي أكثر من كافية للتعرف عليها بتجرد وبأصول، اثنان منها لمفكرَين علمانيين لا غبار عليها في انتمائهما العلماني وفي جهدهما العلمي في هذا المجال، والمؤلَف الثالث لباحث وعالم قدم ما يمكن أن ندعوه بموسوعة العلمانية وهو أيضا ممن يشهد لهم في النزاهة العلمية:

** العلمانية من منظور مختلف ، للدكتور عزيز العظمة، وقد صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 1992
** الأسس الفلسفية للعلمانية ، الدكتور عادل ضاهر، دار الساقي، بيروت ، 1998.
** العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة " جزءان"، للدكتور عبد الوهاب المسيري، وصدر عن درا الشروق عام 2002 .

والعلمانية في هذه المراجع / المصادر وبغض النظر عن الخلاف في نطق الكلمة " العلمانية" بفتح العين أو كسرها هي موقف معرفي، رؤية معرفية ، أي أنها موقف من الكون والحياة وتفسيرهما وطريقة التعامل معهما.

فإذا كنت تعتقد أن الكون مكتف بنفسه، ويفسر ذاته، وأن مصدر المعرفة هو هذا الكون المادي، وبالتالي فإنه لا حاجة لشيء من خارج هذا الكون الذي يحيط بنا لفهمه، لا قدسية لشيء في هذا الكون، ولا ثبات لشيء،ولا غائية في هذا الكون،ومن أهم مصادر التخلف المعرفي والعملي في الفكر العلماني هو دخول أي قيم أو مفاهيم غير هذه على الفكر العلماني ، إذا كنت تعتقد ذلك فأنت علماني، وهنا فالعلماني من حيث الجوهر ملحد، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا بالغيب، وهو يختلف عن تيار الإلحاد عبر التاريخ "وهو تيار ممتد في التاريخ امتداد الحياة نفسها " بأنه في هذا العصر عصر العلم والنظريات العلمية التي تعمل على فهم كل شيء واقتحام كل شيء ، يُعمل فكره ويَنشط في توظيف النظريات والأفكار والاكتشافات لتبرير وتوكيد ونشر فكره الإلحادي ، ولذلك نرى نظريات في كل الاتجاهات والعلوم وجدت أو وظفت لدعم هذه الفكرة العلمانية أو اتخذت سبيلا لدعمها" الداروينية، الفرويدية، الهيجلية، المادية الجدلية، الوجودية ... الخ".

والعلمانية من هذا المنظور المعرفي الوجه النقيض للمنظور الإيماني الذي يبني نظرية المعرفة لديه على مصدر الغيب ومصدر المشاهدة" الوحي والعلم المادي "، ولديه لا غنى في تحقيق معرفة سوية ومتراكمة ومنتجة عن المصدرين معا ، وعنده مقدسات وغائية ، ويرى أن مصدر التخلف في عدم تحقيق التوازن في هذين المصدرين.

ومن جميل ما أتى عليه المفكرون في حديثهم عن العلمانية ، تناولهم واحدا من مظاهر الحياة ، وهو تلاقي العلمانيين وغير العلمانيين في موقف واحد إزاء مسألة معينة،وكيف يتم النظر والحكم على هذه الحالة .

ولقد أكد هؤلاء أن وحدة الموقف إزاء حدث أو قضية بعينها لا يعني اتفاقهم حولها فالمسألة تتصل بالدافع أو النية في اتخاذ هذا الموقف وحين يختلف الدافع والنية يختلف التصنيف والحكم. وهذا في الحقيقة يتصل بقاعدة من قواعد أصول الفقه تربط العمل بالنية والدافع.

وللمثال نقول:

قد يتفق العلماني والإيماني في تحريم الخمر أو المخدرات ، لكن هذا الاتفاق لا يسمح بالحديث عن موقف واحد لهما، لأن باعث الأول هو الخطر الذي يولده المخدرات والنية تستهدف درء هذا الخطر، أما الآخر فدافعه أن الله حرم هذا الأمر ودافعه رضا الله.

وقد يتفق العلماني والإيماني في وقت ما على اعتبار الأسرة " المعروفة " هي الأسرة التي يبنى عليها المجتمع، لكن ذلك لا يعكس اتفاقا يبنى عليه للسبب السابق نفسه، إذ دافع العلماني أن المجتمع أخذ بهذا الاعتبار فهو يلتزمه لهذا السبب فإذا تغير هذا الاعتبار في وقت قادم " تغير الزمن " أو تغير هذا الاعتبار عند مجتمع آخر" تغير البيئة " فلا حرج، بل يصبح الحرج في رفض " الأشكال الأخرى المدعاة للأسرة " التي يروج لها حاليا والقائمة على تشريع الشذوذ والزنا من خلال مفهومي "والمثلية، والمساكنة"، بينما الأمر عن الإيماني لا يخضع للزمن ولا يخضع للبيئة، وإنما تحريم وتحديد الهي تشريعي لغير قابل للتغيير أو التعديل.

إذا كان هذا هو جوهر العلمانية، أو ما اسماها المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري العلمانية الشاملة أو الصلبة أو الفلسفية، فهل هناك علمانية أخرى يمكن النظر إليها، ويمكن أن نحتكم إليها في تقييم المواقف والحكم عليها.

يقولون بالعلمانية الجزئية، أو العلمانية السياسية، أو العلمانية المرنة، أو ما الى ذلك من أوصاف تريد جميعها أن تتخطى الأساس المعرفي للعلمانية وتذهب مباشرة الى ما اعتبر أوجه سياسية واجتماعية لها من مثل الديموقراطية، وتحرير الدولة من سيطرة رجال الدين، وتحييد المجتمع وأجهزة إزاء المسألة الدينية وحصر هذه بالجانب الشخصي والتعبدي،

ونحن نشاهد هذا النموذج من العلمانية في المجتمعات الغربية، وهي مجتمعات نفعية "براغماتية" بطبيعة أنظمتها ، وحين حقق قادة التيار العلماني الثوري " بدء من الثورة الفرنسية " انكفاء المسيحية الى داخل الكنائس، رضوا بذلك حدا فاصل يفصل الديني عن الدنيوي، وذهبوا الى الحياة الدنيا يعملون بها الى ابعد مدى ولعلهم في أعماقهم يطلعوا الى غلبة الدنيا على الدين في مجتمعاتهم، والى قدرة العلمانية على تحويل الكنيسة الى مجرد تابع يتمثل ويتغير مع المفاهيم والتطورات التي تحدثها الحياة في كافة المجالات ، فتتخلى عن المقدس والمحرم والأبدي وتجعل كل شيء نسبي وقابل للتغيير، ولعلنا نشاهد منذ حين هذا التحول، ففي وقت مبكر تراجعت الكنيسة عن تحريم الخمر وتحريم الربا، ومن آخر ما نتابعه اعتراف بعض الكنائس بالشذوذ والزنا " المثلية والمساكنة حسب تعبيراتهم" كأشكال من العلاقات تكون أسراً معترف بها كنسيا.

هذا النموذج الغربي الذي يدعي بالعلمانية الجزئية اعتبر من النماذج القادرة على دخول المجتمعات المختلفة، والغالب أنه حين يتحدث البعض في المجتمعات الاسلامية عن العلمانية فإنه يتحدث عن هذا النوع، أو عن هذا النموذج للعلمانية،

والحق أن هذا نموذج مخادع لأنه إما أن يكون منطلقه مرحلي حيث يكون أصحابه على يقين من أن قيم العلمانية الأصيلة سوف تتغلب في نهاية المطاف وبالتالي فإن التطور السلمي والتدريجي في الوصول إليها يكون في عرفهم أسلم، وإما أن يكون الدافع إليه العجز عن ابتكار النظام السياسي الذي يستطيع الانتفاع بما آل إليه تطور الفكر السياسي الإنساني دون أن ينخلع من دينه وثقافته وأصوله الراسخة، وهي جميعها تستند الى حقائق إيمانية والتمسك بها تمسك بهذه الحقائق وتمسك بالفاعلية والقوة، وليس تمسك بموروث وماض لا غير، وقد يكون مبعثه يقين معاكس بأن العلمانية غير قادرة على الثبات في معركة الحياة خصوصا في المجتمعات الإسلامية ، وبسبب تلبس الديمقراطية بالعلمانية، وعلاقة نظم الحكم القائمة في بلداننا بالغرب واستمداد قوتها واستقرارها مما يوفره لها من دعم، فإن الأخذ بالعلمانية الجزئية من شأنه أن يوفر متنفسا للناس يستعيدوا من خلاله موقعهم من السلطة، ويستعيدوا من خلاله ربط السلطة بإرادتهم، وبعد ذلك فإن الناس حينما يستردون سلطتهم ، سيعيدون تكوين أساسها الفلسفي، وإذا تم هذا، أو حينما يتم فلن يكون هذا الأساس إلا منسجما ومتطابقا مع التكوين الحقيقي للأمة وهنا سيظهر الإسلام وستظهر صلته ببنية المجتمع ومؤسساتها، وللتدليل على رجاحة هذا الرأي يضربون المثل بالتجربة التركية وكيف يصعد الإسلاميون تدريجيا فيها، كما يمكن ببعض التجاوز أن يضرب المثل بصعود الجبهة الإسلامية في الجزائر في ثمانينات القرن الماضي .



المسلمون ومفاهيم الدولة الحديثة

إن قطاعا واسعا من الحركات السياسية الراهنة ومنها الإسلامية العريقة، ومن العلماء المسلمين باتوا يتحدثون الآن عن الدولة المدنية، رفضا للدولة الدينية " باعتبار المعنى التاريخي الغربي لهذا المصطلح"، ويتحدثون عن الالتزام بالديموقراطية وبسيادة الأمة،وبالمواطنة، وبالدولة الحديثة ومشروعيتها، وبالوطنية والقومية، ويؤكدون، أن هذه المفاهيم ليس فقط لا تتعارض مع الاسلام ومفاهيمه وإنما لها أصول إسلامية, ولقد كان مهما إلى أقصى حد أن نسمع هذا الحديث من الدكتور سليم العوا ، ونقرأ له ولغيره في ذلك ، وأنا اجزم بصحة ما يقولون، لكني في الوقت نفسه أرى أن هذه المواقف والآراء الصحيحة لم يتم تأصيلها من قبل هؤلاء العلماء ومن قبل هذه التنظيمات تأصيلا حقيقا يرقى الى مستوى أهميتها في الحياة المعاصرة،

إن المواطنة تحتاج الى إعادة فهم معنى وظروف "مفهوم الذمة، وأهل الذمة، والجزية، والبراء والولاء"، وبدون ذلك يبقى الموقف ضعيفا، ولا يولد اطمئنانا، ولا يساهم في ولادة مفاهيم يبنى عليها.

كذلك فإن هذه المجموعة من العلماء والأحزاب الاسلامية التي باتت تتحدث وتتبنى عن كل القضايا التي اعتبرها البعض سببا في وسم الناصرية بالعلمانية، باتت تراجع موقفها من الناصرية وتجربة ثورة يوليو، وباتت تؤكد أن الموقف الذي كان من الناصرية ونظامها لم يكن منطلقا من انحراف الثورة عن الإسلام، أو نتيجة تبني الثورة للدعوة القومية، وإنما من صراع على السلطة بين تيارين أو اتجاهين أو مجموعتين كل يرى أحقيته في تسلم هذه السلطة، وقيادة هذا المجتمع ولقد تمكن الجانب الذي سيطر على السلطة من إبعاد منافسه، "د.محمد سليم العوا ، محاضرة في جمعية الوسط العربي الإسلامي في البحرين بمناسبة الذكرى السادسة والخمسين لثورة 23 يوليو".

إن هذا الذي بسطناه من مفاهيم الدولة الحديثة، لا يمت بأي صلة للعلمانية، التي هي في جوهرها اعتقاد بأن الكون موجد نفسه، وأن الإنسان قادر على اكتشافه والحياة فيه دون عون أو إرشاد من قوة خارجية، وأن هذا الكون مكتف بذاته،
وهذه العلمانية في جوهرها نظرية معرفة قبل كل شئ، وليست نظرية في الحكم، وليس لها علاقة بإرادة الناس ولا بالديموقراطية، وبنظام الانتخابات وتداول السلطة، والحرية العامة، لقد ألصقت هذه المفاهيم بالعلمانية إما عن جهل وخلط باعثه الرئيسي التزامن أو الترافق بين ظهور هذه المفاهيم في العصر الحديث وبين ظهور العلمانية في أوربيا سبيلا للتخلص من حكم الكهنوت الفكري والعملي، أو لخدمة قوى الاستغلال والتحكم في مجتمعاتنا الاسلامية حتى لا تتحرر وتمسك زمام شأنها بيدها .

ونعود الى التساؤل الأول الذي بنينا عليه هذه الحلقة من بحثنا ، هل الناصرية علمانية، لنقول :

إنها من حيث الموقف المعرفي ليست كذلك فهي بقيادتها وأفكارها مؤمنة، تنتمي الى معسكر الفكر الإيماني الذي يقابله معسكر الفكر العلماني.

وهي من حيث سياساتها ومنهجها الاجتماعي لا يمكن أن توصف بالعلمانية إلا عند أولئك الذين يعتبرون هذه الأفكار التي أشرنا إليها والخاصة بالدولة الحديثة أفكارا علمانية,وهؤلاء " وهم من الصف الاسلامي والعلماني على السواء "لا يعبرون عن حقائق الأمور، ولا يعبرون عن الفكر الاسلامي الرئيس في عالمنا الراهن، ولا يجوز أن يؤخذ موقفهم مأخذ الجد والاعتبار، ولا بد من وضع الجهد والاجتهاد الفقهي والفكري لتجلية هذا الأمر ليس دفاعا عن الناصرية أو قيادتها، وإنما دفاعا عن هذه الأمة وحقها في امتلاك أدوات تقدمها المتسقة مع دينها وتراثها ورسالتها.

د. مخلص الصيادي

**ملاحظة :
أمامنا نموذج له خصوصيته في بناء الدولة الحديثة هو النموذج الإيراني، يمكن أن تقدم دراسته الكثير من الإجابات في هذا المضمار، مع ملاحظة خصائص نظرة ولاية الفقيه التي أقيمت الدولة الإيرانية الاسلامية على أساسها، والتي لا نظير لها في الفكر الاسلامي السني .






ليست هناك تعليقات: