2008/08/11

المؤتمر الناصري العام
الدورة السادسة:25- 26 تموز 2008
البيان السياسي


يمر الوطن العربى بواحدة من أكثر مراحل تطور نضاله القومى خطورة وأحفلها بالدروس والعبر التاريخية، وإذا كان شعبنا العربى فى كل شبر من الأرض العربي يبدى وعيًا كاملا بطبيعة المؤامرات التى تحاك حوله ويظهر صمودًا كبيرًا فى مواجهتها إلا أن الوقائع والمعطيات الميدانية تدعو إلى القلق ولا سيما على امتداد المحور الملتهب من العراق إلى سوريا مرورًا بلبنان وفلسطين ووصولاً إلى الصومال.
إن الباعث الأكبر لهذا القلق لهو تلك الحالة التى يبدو النظام العربى الرسمى فيها عاجزًا عن مواجهة الهجمة الأمريكية – الصهيونية على أراضيه ولا حتى الإسهام فى تقرير مصير المنطقة أو حتى الاعتراض ولو بالقول على الممارسات التعسفية والانتهاكات الوحشية التى تمارس بحق أمتنا على امتداد الأرض العربية.
إن أول الدروس التى يراها المؤتمر الناصرى العام جديرة بالالتفات هى أن نهج التفاوض مع العدو الصهيونى وعقد الاتفاقات المذلة معه بدءًا من كامب ديفيد واتفاق أيار وأوسلو ووادى عرية ثم الجلوس علنًا مع العدو فى شرم الشيخ وأنابوليس وأخيرًا باريس اليورومتوسطية كل ذلك لم يسترجع حقًا مغتصبًا ولا حرر أسيرًا ولا أوقف بناء جدار الفصل العنصرى، بل ولم يرفع حاجزًا أمنيًا فى فلسطين، ناهيك أن يحقن دماء الأبرياء من أن تستباح فى الأرض المحتلة.
ولقد أثبت خيار المقاومة جدارته مجددًا فى شهر الثورة يوليو (تموز) بعملية الرضوان التى أعادت للذاكرة العربية صفحات مجيدة من تاريخها وحررت عددًا من الأسرى العرب فى السجون الصهيونية وعلى رأسهم عميد الأسرى العرب المناضل سمير القنطار بطل عملية جمال عبد الناصر والذى طالما تشدقت الأفواه الصهيونية بأنه لم يولد بعد المسئول الذى يمكن أن يوقع على إلغاء عقوبة حبسه لمدة 42 عامًا وها هو القنطار اليوم حرًا طليقًا مع رفاقه وجثامين الشهداء من ساحات عربية شتى.
إن رؤية الناصرية لنهج المقاومة كخيار وحيد لاسترجاع حقوقنا والثأر لشهدائنا إنما تستمد شرعيتها من عدالة قضيتنا ومن التضحيات التى قدمتها المقاومة وبذلك أصبحت وبجدارة رمزًا للكرامة العربية والحرية والوحدة.
إن كل المحاولات اليائسة لإرباك نهج المقاومة بدعاوى مذهبية وعنصرية ما هى إلا محاولات ساذجة لنقل المعركة بعيدًا عن ساحتها الأولى أرض فلسطين ولتشويه سمعة المقاومة ومكانتها فى الأمة العربية والإسلامية.
إن هذا التداعى الذى يعانى منه النظام الإقليمى جاء مواكبًا لتدخلات أمريكية عميقة فى جوهر السيادة الوطنية لمكونات النظام الإقليمى.
إن الكيانات الإقليمية تطبق فى تشريعاتها الاقتصادية والاجتماعية، بل والسياسية باستثناء ما يتصل منها بالديموقراطية وتداول الحكم، ما تمليه دوائر البيت الأبيض أو ما توجبه الاتفاقات المبرمة بين الدول العربية وجهات الإقراض الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
إن هذه السياسات الموصوفة إجمالا بالليبرالية الجديدة أو تحرير الأسواق لم تؤد فقط إلى نهب مقدرات الدول العربية وثرواتها وتبديد أى فرص للإفادة من العوائد الوطنية أو النمو المستقبلى، بل قبل ذلك إلى خلق شرائح جديدة من القوى الاجتماعية الهشة عدديًا والمتخمة بفتات ما سمحت الاحتكارات الدولية لها بالتهامه.
إن هذه القوى الجديدة سواء القابعة فى أروقة الأسر والعائلات الحاكمة أو المعششة فى أوكار البيروقراطية السياسية والعسكرية أو الآتية من عالم رجال الأعمال أو المفرزة من القوى السياسية الطائفية أو العائلية، هذه باتت تمثل الظهير الاجتماعى المساند لمخططات الهيمنة الاستعمارية، لقد عززت هذه القوى من خطط إفراغ كل مقومات الإصلاح السياسى من أى مضمون حقيقى، بل راحت بالمال تارة وبالقوة المسلحة والعنف تارة أخرى تفسد كل الانتخابات وتحتكر المجالس التمثيلية. لقد بات الفساد السياسى والاقتصادى وسيلة متعددة الأغراض لاستنبات هذه القوى وتوسيع فعاليتها وزيادة أرباحها وضمان الولاء الأبدى لقوى الهيمنة.
ولأن الفساد يؤدى إلى تبديد الموارد ونشر الفقر زادت عزلة هذه القوى الجديدة فى مواجهة المواطنين الذين انتفضوا فى كل قطر عربى ضد الفساد والاستبداد والفقر، الأمر الذى أدى فى نهاية المطاف ليس فقط إلى تعزيز الطابع الاستبدادى لنخب الحكم فى الدول العربية، بل وإلى التوسع فى استخدام وسائل القمع الاجتماعى والأمنى وزيادة كلفتهما، والأهم من ذلك وأخطر إلى ارتكابها لمضامين جرائم الخيانة الوطنية باللجوء إلى قوى الاستعمار لإسنادها فى مواجهة غضبة مواطنيها.
إن السلطة العربية الحاكمة لا تلتمس فقط من واشنطن الحصول على أسلحة القمع ووسائط التجسس والمراقبة، بل وتعتمد فى بعض الأحيان على أجهزة الاستخبارات وعملائها والقواعد العسكرية الأمريكية، وكذا التغطية الإعلامية والدعم السياسى فى المحافل الدولية، كوسائل حيوية لإبقاء هذه النخب فى الحكم رغمًا عن أنف جماهيرها.
فلسطين:
لقد أثبتت الأحداث الجارية على الساحة الفلسطينية أن مبدأ التفاوض مع العدو الصهيونى قد سقط وإلى الأبد بعد أن فشل فى تحقيق أى إنجاز على طريق تحرير ولو شبر واحد من الأرض المحتلة.
لقد تداعت الاتفاقيات وبانت سوءاتها بدءًا من اتفاق أوسلو وما تلاه من تفاهمات ولقاءات عبثية ووصلت إلى طريق مسدود بفشل كل التنازلات المهينة التى قدمتها السلطة الفلسطينية فى إقناع الاحتلال الصهيونى بالتخلى عن ممارساته العدوانية ومذابحه الهمجية ضد أبناء شعبنا العربى فى فلسطين، واستمراره فى مصادرة الأراضى وبناء المستوطنات وإنشاء الحواجز المستمرة والمكثفة وبناء الجدار العنصرى العازل، الذى يهدف لتقطيع أوصال المدن الفلسطينية وتحويلها إلى مناطق معزولة عن بعضها البعض، لم تفلح سياسة التفاوض سوى فى التمكين للعدوانية الصهيونية من اقتحام المدن والقرى واغتيال المقاومين واعتقال الشباب والزج بهم إلى السجون الإسرائيلية التى تعج بأحد عشر ألف أسير فلسطينى والتهجير الطوعى للكثير من الباقين.
إن إصرار العدو الصهيونى على خططه البربرية لتركيع الفلسطينيين وتدمير الثروة البشرية إجحاف لحركات مقاومة الاحتلال. من هنا أننا نؤكد على أن المقاومة هى الخيار الأوحد لمواجهة الصلف الصهيونى وتحرير كامل التراب الفلسطينى العزيز.
أما بشأن المفاوضات السورية عبر الوسيط التركى يفيد المؤتمر الناصرى العام أن المفاوضات لا يمكن أن تحرر أى جزء عزيز محتل والمقاومة هى السبيل الوحيد للتحرير.
العراق:
أن الإخفاق الكبير والفشل الذريع هما كل حصاد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين فى مواجهة الصمود الكبير لشعبنا العربى فى العراق أن المقاومة العراقية بمختلف مكوناتها قد نجحت ليس فقط فى إلحاق العار والخسارة بالقوة العسكرية الكونية الأولى بل وفى إحباط الخطط الأمريكية الرامية لحذف العراق من الخارطة الدولية.
لقد تحطمت على صخرة البسالة العراقية خطط التقسيم العرقى والمذهبى وانكشف عملاء المخابرات الأمريكية من الذين انتحلوا صفة أعضاء الحكومة العراقية، وخاصة بعد ترويجهم ودفاعهم عن الاتفاقية الأمنية الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الاتفاقية هى صك الخيانة وتعاقد مهين مع الاحتلال الأمريكى وإسباغ الشرعية عليه.
إن المؤتمر الناصرى العام يثمن عاليًا ويدعم بكل القوة جهود القوى والأحزاب القومية والناصرية وكل قوى المقاومة التى تأبى الانزلاق إلى وهاد التعاطى مع الصيغة البائسة فى العراق بما تحمله من رفض بالاحتلال وقبول بأذنابه من الخونة وتتمسك بكل الشرف والبسالة بمواقعها الصامدة فى خندق المقاومة باعتبارها السبيل الأوحد لإزالة عار الاستعمار عن أرض العراق.
السودان:
إن المؤتمر الناصرى العام ينظر إلى ما يجرى فى السودان بوصفه استطراد لخطط الاستعمار التقليدى لفصل السودان عن محيطه العربى والقضاء على دوره التاريخى فى نشر الثقافة العربية فى داخل القارة الإفريقية.
لقد جرى تطوير آلية المناطق المغلقة القديمة لتدفع إلى التمرد رافعة لواء مقاومة التهميش علمًا بأن الاستعمار البريطانى هو الذى فرض هذا التهميش ووضع قواعده.
وزاد من خطورة الأمر عجز القوى السياسية السودانية التقليدية وافتقارها للحس القومى وعدم إدراكها لتأثير سياساتها الاستبدادية على تسهيل عمل الخطط الاستعمارية أن القوى العربية فى السودان وفى طليعتها الحزب الناصرى تتصدى بكل فعالياتها للمشروع التقسيمى فى السودان وخاصة فى أوساط الشباب وطلاب الجامعات.
وينظر المؤتمر الناصرى العام إلى طلب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إلقاء القبض على الرئيس السودانى بوصفه حلقة من حلقات المؤامرة الدولية الرامية لتشجيع النزعات الانفصالية فى دارفور وأيضًا فى جنوب السودان مع اقتراب موعد إجراء استفتاء تقرير المصير.
وهذا الطلب أيضًا هو بحد ذاته تعبير صارخ ليس فقط على العدوان على مقتضيات تحقيق العدالة من تقصى للحقائق والأوضاع بل وعلى ازدواجية المعايير التى تمكن النازيين الصهاينة من الإفلات من كل قرار دولى يهدف لإدانة مذابحهم بحق الشعب العربى فى فلسطين.
الصومال وجيبوتى:
إن المؤتمر الناصرى العام وهو يراقب عن كثب تطورات الأوضاع فى منطقة القرن الأفريقى ليدين التآمر الدولى والعجز العربى الرسمى عن ما يحصل فى الصومال الذى انهارت دولته الوطنية وتعرض لعدوان أمريكى نجح الصوماليون وهم فى حال التفكك من قهره وإرغامه على الانسحاب.
لقد وقفت جامعة الدول العربية بلا حول ولا قوة أمام التدخلات الأثيوبية فى الشأن الصومالى، وعجز النظام الإقليمى العربى برمته عن إجهاض خطط أثيوبيا وتحويل الفصائل الصومالية من زعماء للحرب والتى أدت إلى تقويض جهود أبناء الصومال فى استعادة وحدة دولتهم واستعادة الأقاليم المغتصبة من قبل أثيوبيا وكينيا.
لقد تدخلت أثيوبيا بنفسها من أجل التمكين للفصائل الموالية لها وبدعم وغطاء من الولايات المتحدة الأمريكية فيما بقيت الدول العربية عاجزة حتى عن مجرد إدانة الاحتلال الأثيوبى للصومال بل إنها اعترفت بالحكومة التى أتت إلى مقديشو على أسنة الرماح الأثيوبية.
إن المؤتمر الناصرى العام يهيب بكل عربى غيور على سلامة ووحدة الأرض العربية العمل بكل وسيلة ممكنة من أجل دعم كفاح شعبنا العربى فى الصومال ضد الاحتلال الأثيوبى وحكومته العميلة وفضح ارتباطها بالخطط الأمريكية والصهيونية المعادية للعروبة فى منطقة القرن الإفريقى.
إن العدوان الأريترى الأخير على دولة جيبوتى العربية يكشف بوضوح عن خطورة الخطط التى تنفذها دول الجوار الأفريقية بدعم وتوجيه أمريكى من أجل القضاء على الوجود العربى فى هذه المنطقة الاستراتيجية.
اليمن:
إن الاحتقان والأزمة السياسية التى تعيشها الساحة اليمنية تعود أساسًا للتراجع عن النهج الديموقراطى التعددى ونتاجًا للحرب المشئومة 1994 وإقصاء الآخر وتغييب دستور دولة الوحدة والتراجع عن مكتسبات الثورة ومواجهة الحراك السلمى الديموقراطى وهو ما فتح الباب أمام الأصوات الداعية للانفصال فى جنوب اليمن وهو الحال الذى برز فى شمال الشمال بطاهره الشباب المؤمن الحوثيين، والذى هم فى الأساس نتاج لهذه السياسات الخاطئة التى تمارسها السلطة بتماديها فى إفساد الديموقراطية وإفراغ مضمون الوحدة وتحويل الديموقراطية إلى ديكور غير محقق وغير مُلبى لمطالب السواد الأعظم وتحقيق الشراكة الوطنية وإيقاف التبديد للثروة العامة واتساع مساحة الفقر والبطالمة وهذه السياسات الخاطئة للسلطة هى من فتح الباب لهذه الأوضاع المهددة للوحدة اليمنية.
والمؤتمر الناصرى العام وهو يتابع مجريات الساحة اليمنية والأحداث الدائرة ونزيف الدم والانتهاك للحريات العامة وما يجرى من محاكمات لقادة الرأى والنشطاء السياسيين والمواجهة العنيفة للحراك السلمى الديموقراطى ويدعو السلطة للاستجابة للحوار الجاد والصادق لمضمون الديموقراطية باعتبارها رديف الوحدة وصمام أمانها
وتبقى الوحدة اليمنية الأمل المشع فى العتمة التى تعيشها أمتنا وتظل الانطلاقة للوحدة العربية الشاملة.
إن المؤتمر الناصرى العام إذ يؤكد على المقاومة كخيار وحيد لمغالبة أعداء الأمة ليعيد ما سبق أن أقرته مؤتمراته السابقة بأن تحرير كل شبر محتل من الأرض التاريخية للأمة العربية سيظل هدف لا يحيد عنه النضال العربى وفاءً لشعار الحرية والاشتراكية والوحدة.
عاش نضال الشعب العربى
عاش نضال الناصريين
على طريق الزعيم القائد جمال عبد الناصر
المؤتمر الناصرى العام
دمنهور فى 26 يوليو (تموز) 2008

ليست هناك تعليقات: