2008/08/17

المشكلة الراهنة ليس استعادة غزة من حماس بل تحرير الضفة والقدس

بقلم د: إبراهيم أبراش

بشكل يبدو وكأنه حلقات مسلسل مُحكم الإتقان ذلك الذي يجرى في مناطق السلطة الفلسطينية،مسلسل لا يدري كثير من الممثلين في هذا المسلسل أنهم يلعبون أدوارا وليسوا أبطالا حقيقيين،وان هناك منتج ومخرج يوجه الجميع،و الحلقة التي تُعرض اليوم هي تكريس مشهد أن الصراع الفلسطيني يدور اليوم حول لمن الحكم في قطاع غزة؟ لحماس أم لفتح؟ وكأن هذا التاريخ الطويل من النضال والمعاناة وعشرات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين من اجل سلطة هشة وحاصرة في قطاع غزة،.هذا المشهد غطى على ما يجري واقعيا كتكثيف الاستيطان بالقدس والضفة والتلاعب بالمفاوضات وتصفية ما تبقى من رمزية سياسية وطنية لحكومة فياض ومؤسساتها في الضفة الغربية.

كل يوم يمر إلا و تتفاقم الأمور وتزداد تدهورا ما بين حركة حماس وحركة فتح وتتباعد المواقف والنفوس ما بين أهلنا في الضفة وأهلنا في غزة،كل يوم يمر إلا وتتغير معادلة الصراع بحيث تحل التناقضات الثانوية محل التناقضات الرئيسية،يحل أعداء داخليين محل العدو الرئيس والمشترك وهو الاحتلال الصهيوني،ولذا ليس غريبا أن يتزامن الاقتتال الفلسطيني الداخلي واستعار الخلافات السياسية الداخلية مع تزايد عمليات الاستيطان واستباحة كل قرية ومدينة في الضفة والقدس،وليس غريبا أن يتزامن حصار وتجويع الشعب في غزة ومحاولة تدجين حكومة حماس وإخضاعها لمتطلبات الأمن الإسرائيلي من خلال التهدئة وشروط استكمال صفقة شاليط ومعبر رفح ،أن يتزامن هذا مع محاولات إحراج وإذلال حكومة تسيير الأعمال في الضفة بعمليات الاقتحام والاغتيال المتواصل التي تقوم بها إسرائيل في الضفة وتخريب كل خطة أمنية للحكومة الفلسطينية وفرض شروط مذلة للتنسيق الأمني سواء في إطار فريق دايتون او فريق فريزر او مباشرة مع الإسرائيليين ،هذا بالإضافة إلى التنسيق الإسرائيلي مع الجهات المانحة لمحاصرة الحكومة ماليا وإظهارها بمظهر العاجز عن دفع الرواتب والمُهدَدة بالانهيار،وذلك إما بهدف التمهيد لقطع الرواتب عن موظفي غزة تعزيزا لمخطط الفصل و القطيعة، أو لابتزازها لتقديم مزيد من التنازلات الأمنية أو تنازلات بخصوص القدس،هذا التزامن ليس عفويا ولكنه مخطط مدروس بعناية.

لقد هالنا وهال كل فلسطيني مخلص وغيور على الدم الفلسطيني وعلى المشروع الوطني الفلسطيني،الفعل الإجرامي المتمثل بتفجيرات غزة ليس لأنه اسقط ضحايا من المجاهدين حيث فقدانهم خسارة للوطن، بل لخطورة الرسالة التي يريد المجرمون توصيلها ولخطورة تداعياتها على الحالة العامة وقد رأينا بدايات هذه التداعيات والتي تجلت بمحاولات تصفية الوجود السياسي والمؤسساتي لحركة حماس بالضفة الغربية ومحاولات تصفية الوجود السياسي والمؤسساتي لحركة فتح بقطاع غزة ـوأن تتم محاولة تصفية وتشويه هاتين الحركتين اللتين فجرتا وقادتا العمل المقاوم طوال أكثر من أربعين سنة، بأياد فلسطينية، فهذا لعمري هو الجنون بعينة لأنه الهدف الأساسي للعدو الإسرائيلي.

إن من يتابع التصريحات الصادر عن مسئولين من حركة حماس ومسئولين من حركة فتح سيصاب بالهلع من بؤس هذه التصريحات وغياب المسؤولية الوطنية والإحساس بخطورة ما يجري ،فهذه التصريحات تتعامل مع الحدث وكأنه مجرد خلاف بين حركة فتح وحركة حماس آو بين أطراف من الطرفين،خلاف حول مَن يحكم قطاع غزة؟أو كيف يمكن استعادة القطاع من سلطة حماس؟ وليس التعامل مع الحدث باعتباره تدميرا للمشروع الوطني وللقضية الفلسطينية؟تصريحات تُظهر الأمر وكأنه صراع بين من تسميهم حركة حماس بالتيار الانقلابي بحركة فتح من جهة، وتيار متشدد بحركة حماس يريد الاستمرار بالسيطرة على السلطة في القطاع وتعطيل الحوار الوطني من جهة أخرى، وكأن قطاع غزة إقطاعية يجب أن تكون ملكا لهذا الطرف أو ذاك،هذه الصيرورة للأحداث تعيدنا للمخطط الصهيوني الذي أراد من خلال الانسحاب من القطاع عام 2005رمي عظمة للفلسطينيين ليتقاتلوا عليها ليتفرغ هو لاستكمال مشروعه الاستيطاني بالضفة والقدس.

ما يجري في قطاع غزة اليوم شأن يتجاوز هذه الحسابات الصغيرة والضيقة للبعض في حركة فتح وفي حركة حماس،ما يجري يمس وجود ومستقبل القضية الوطنية ونتمنى على الرئيس أبو مازن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الشعب الفلسطيني وعلى قيادة حركة حماس، وقف كل التصريحات الاستفزازية التي تصدر من عناصرهم والتعامل مع الحدث ببعده الوطني الاستراتيجي.إن ما أقدمت عليه حركة حماس من استيلاء على السلطة ومن مداهمات واعتقالات وتعذيب لا يبرر بأي شكل من الأشكال لجوء البعض للقيام بعمليات مسلحة ضد الحركة وحكومتها في غزة، كما لا يجوز لأي مسئول من حركة فتح وخصوصا من أعضاء فتح في غزة الذين لجئوا للضفة الغربية،أن يبارك هذه العمليات أو يتشفى بحركة حماس،وأقولها كفلسطيني وكأحد أبناء قطاع غزة إن أولوية أهل القطاع الآن هي رفع الحصار وتأمين حياة كريمة وتأمين شروط حوار جاد وهادئ ينقذ المشروع الوطني،وليس إسقاط حكومة حماس والمطلب الوطني اليوم هو تحرير الضفة والقدس وليس إسقاط حكومة حماس في غزة ،حماس خصم سياسي لمنظمة التحرير ولحركة فتح ولكنها ليست عدوا ولا يمكن وضعها بسلة واحدة مع الاحتلال الصهيوني. وبالتالي فإننا نتمنى أن تبقى مهمة التعامل مع فصل غزة عن الضفة ومع الحوار الوطني ومع الأحداث الجارية بيد الرئاسة الفلسطينية والقيادة العليا في حركة حماس وان يُمنع أي كان من التصريح بهذا الشأن وخصوصا أننا سمعنا تصريحات للبعض من حركة فتح من أبناء غزة المتواجدين في الضفة الغربية تتعامل مع الحدث من منطلق الثأر الشخصي أو بمنظور حزبي ضيق،ولا ادري لماذا يتنطع هؤلاء لهذا التصرف الذي يُظهر الموضوع وكأنه صراع بين أهل غزة وبعضهم البعض ،وهذا منحى خطير يجب الانتباه له،كما نتمنى على حركة حماس أن توقف التصريحات التي يستشف منها الرغبة بإقصاء وتدمير حركة فتح مما يقطع الطريق على أي حوار مقبل ففي السياسات الوطنية لا يوجد ملائكة وشياطين بل شركاء في الوطن وقي القرار السياسي حتى وإن اختلفت البرامج.مع إننا ندرك أن الحوار والمصالحة الوطنية تحتاج لجهد ووقت وخصوصا بعد أحداث الأيام الأخيرة، وربما لن يحدث شيء مهم قبل نهاية العام ،إلا أنه يجب ألا نقطع الطريق على تفاهمات ومصالحات جزئية تخفف الاحتقان وتحفظ نوعا من التعايش السلمي بين حكومتي شطري الوطن وهي حالة قد تطول.

ليست هناك تعليقات: