2008/08/10

الشهيد خالد الوسلاتي بطل في ذمة الغموض!

الشهيد خالد الوسلاتي بطل في ذمة الغموض!

.. لماذا؟؟ و الى متى؟؟

الجماهير لا تغلق الدم

مهما ضياع الأدلة

تبقى تحقـــــــــــق

مهما تطول المحاضر

"مظفر النواب"

الأحد الثالث من أوت 2008 لم يكن يوم عادي بالنسبة لي، فقد منيت النفس و على امتداد تلك المسافة الفاصلة ما بين قريتي السابحة في احضان البحر، و تلك المدينة الشامخة الرابضة بين أحضان الجبال مسقط رأس الشهيد البطل خالد الوسلاتي إن يكون ذلك اليوم، يوم عرس خالد، يوم يزف فيه الشهيد إلى أحضان أمه الحاجة زهرة التي انتظرت طويلا عودة ابنها، ثم إلى أحضان تونس التي قدمته و صحبه قربانا على مذبح الحرية فداء لفلسطين و لامتهم و وطنهم العربي الكبير.

و كنت أمل أن يكون تكريم البطل في ذلك اليوم على قدر ما منحنا إياه هو و رفاقه من عزة و فخر و كبرياء.

كنت انتظر أن تطالعني جموع من الناس على مشارف المدينة و هي تحمل الشهيد على الأعناق و تهتف بالوفاء لروحه و دمائه. و بالحرية لفلسطين، بالموت للعدو، و بالعزة و الكرامة لتونس و لأمتنا قاطبة... تماما كما حصل في أعراس رفاقه قبل أسبوع.

كنت اطوي المسافة و كلي خشية من أن يسبقني الزمن، أو تفوتني لحظة واحدة من حضور الموكب!!

فخالد عريس ليس ككل العرسان، و مودَّع ليس ككل المودَّعين.

الطريق إلى مدينة الشهيد (سيدي علي بن نصر الله) من مدينة القيروان الموغلة في العطاء و النضال منذ القدم.. كانت مضللة بآمال و أمنيات كثيرة لم تنغصها أو تقطعها سوى تلك المتاريس و الحواجز التي عسكرت مداخلها، و ذلك الحشد الكبير من رجال الأمن الذين قاموا بإجبار كل قادم على التوقف و التدقيق في هويته و سبب قدومه إلى المكان و حتى أسماء الأشخاص و الأماكن المصرح بالذهاب إليها ؟؟؟!!

و هو الأمر الذي لم أجد مبررا أو تفسيرا له إلى حد ألان؟ و لئن كان مصير الكثير من محاولي العبور قد انتهى إلى إجبارهم على العودة من حيث أتوا! فان البعض الأخر حالفهم الحظ و عبروا.. و كنت من بين أولئك البعض و الحمد لله، وهو ما وفر لي فرصة اللقاء بوالدة الشهيد و عائلته.

في منزل أم خالد جلست الحاجة زهرة الوسلاتي تحتضن صور ابنها و شهائد فخر و تقدير تؤرخ للعمليات التي قام بها في فلسطين وجنوب لبنان ضد الكيان الصهيوني الغاصب. كانت أم خالد تجلس في شبه عزلة، بل الشارع كله كان يخيم عليه السكون والحيرة بعد ان طلبت السلطات الرسمية و المحلية هناك من عائلة الشهيد (وهو ما أفادنا به أقاربه) أن تعلن الصمت و تطفئ شموع أفراحها و تكف عن طرح الأسئلة حول مصير الشهيد الذي بات يلفه الغموض و الضبابية. بعد أن تنكرت تلك السلطات لما سبق أن أفادت به العائلة من نبإ وصول جثمان ابنها. بل إن تلك السلطات نفسها (معتمد المكان و عمدته و باقي الإطارات المحلية) سبق أن طلبوا من أشقاء الشهيد و والدته إعداد قبر ليضم رفات خالد و هو ما تم بالفعل منذ يوم 29 جويلية بمعية عون من بلدية المكان و حضور أمام مسجد المدينة الذي اختفى فجأة، و هو ما يؤكده شقيقا الشهيد و تصر على حصوله والدته.

إن المتمعن في تلك الأسئلة و الاستفسارات التي أمطرتنا بها أم خالد و عائلته حول مصير ابنها و هي تنزف لوعة و حزنا يخلص بسهولة إلى حجم المعاناة و الحالة الصحية و النفسية السيئة التي باتت تعيش تحت وطأتها تلك الأم بل العائلة بأسرها. فقد أغمي أكثر من مرة على إلام زهرة و بات الضغط لديها في حالة ارتفاع مستمر حتى أنها و حسب ما أفادت به تم نقلها أكثر من مرة بواسطة الإسعاف (الإستعجالي) و حالتها مرشحة للتدهور أكثر و هذا الوقع نفسه يكاد ينسحب على كل أشقاء و شقيقات الشهيد.

و قياسا على كل ما تقدم فان الواجب يدعونا.. و يملي على كل الفعاليات الوطنية في البلاد من منظمات و تنظيمات و هيئات وطنية و ذوات معنوية و لجان مناصرة و قطاعات عمالية و فنانون و مثقفون ملتزمون و نخب واعية و عائلات الشهداء الذين هنئوا باستلام رفات أبنائهم. الوقوف إلى جانب هذه الأم و مؤازرتها و مساعدتها على إطفاء نار لوعتها و ذلك بالسعي لدى الجهات المسؤولة و السلطات المعنية بهذا الموضوع في أعلى هرمها و مطالبتها بفك هذا اللغز و إزالة هذا الغموض ز و تمكين هذه الأم وهذه العائلة من استلام رفات ابنها و إكرامها بالدفن كما حصل مع كل الشهداء الذين عادوا إلى موطنهم و هو ابسط حق و اقل واجب يمكن أن يقدم إلى تلك الأم العظيمة في صبرها و صمودها، الكريمة في جودها و عطائها لتونس و لأمتها.

في الختام لا يسعني إلا أن اشد على يد هذه العائلة التي احيي فيها صبرها و صمودها و استعدادها الدائم للعطاء، أحييها على كل ما أكرمتنا به من حسن استقبال و سعة صدر و ما بثته فينا من روح معنوية عالية و نخوة و اعتزاز. احيي ام خالد على على كل تلك الكلمات العظيمة و المعبرة التي جاش بها خاطرها عن فلسطين و تونس، عن الشهداء عن العروبة و عن الأمة كلها، احيي فيها رباطة جأشها و سمو أخلاقها و عزة نفسها، و أقول لها أنت اكبر من كل الكلمات و أعلى من كل الهامات و يكفيك فخرا انك صرت أما لشهيد.

كما احيي كل الذين رابطوا و استبسلوا في الوصول إلى بيت الشهيد في ذلك اليوم بالرغم من كل الحواجز و بالرغم من الحصار. احيي كوكبة الشباب من المحامين و ممثلي لجنة إحضار الشهداء، احيي ممثلي الاتحاد العام التونسي للشغل من نقابتي التعليم الأساسي و الثانوي و اخص بالذكر تلك الأخت التي أمطرت المكان دموعا و عاطفة إنسانية جياشة. و احيي أهل الحي و الشارع الذين فكوا الحصار و حضروا متضامنين و مرحبين. و أقول مازال في شعبي البركة.

فائزة عبد الله - صفاقس

ليست هناك تعليقات: