2008/08/30

دعوة بالعودة إلى ألأصولية الناصرية

نحو ديمقراطية عربية
حسين الربيعي

أن مفاهيم الديمقراطية تختلف بأختلاف المستوى الأجتماعي ؛ أن الديمقراطية في أسيا وأفريقيا هي لقمة العيش أولاً ، وهي الكساء وهي المسكن ؛ فإذا ما عز ذلك على الفرد ،،، فكيف يمكن أن تكون هناك حرية وديمقراطية ؟
الزعيم الخالد جمال عبد الناصر
في بداية عصر النهضة العربية الذي قاده الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، أرتفعت نداءات الأشتراكية العربية لتمييز الفكر الأشتراكي الناصري عن غيره ، وأصدر الكثير من الكتاب والمفكرين القوميين دراسات متعددة في هذا الجانب ، ومن بينهم الاستاذ كلوفيس مقصود الذي أصدر كتاباً عنوانه نحو أشتراكية عربية ، حيث كانت الحاجة ماسة لتسمية النمط والأسلوب الناصري في العمل على إقامة الدولة الأشتراكية . ولما كانت الحاجة اليوم لأيضاح النهج الديمقراطي في التجربة الناصرية ، بسبب المتاهات التي دفعوا الناس أليها من خلال تغطية الفساد والأستغلال السياسي والاقتصادي الذي هيمن على الوسائل والمؤسسات السياسية في الوطن العربي ، بالإضافة للأحتلال والهيمنة الأجنبية ، فلقد وجدت أن من واجب الوطنيين والقوميين المساهمة في وضع رؤيا ديمقراطية حقيقية تتوافق مع واقع المجتمع العربي ، مستحصلة من نتائج التجربة الناصرية .
أن على الناصريين فعلاً ، وبعضهم يقف مكتوفاً دون أن يدري ما يفعل ، والبعض منهم وجد نفسه وسط الزفة الديمقراطية الجديدة بموضتها الأمريكية ، يشارك اصحابها ؛ فإن على البقية التي تبحث عن سبيل للخروج من الحالة السلبية السرابية ، أن تعود لأصولية تجربتها الناصرية ، لكي تقرأ فصولها بدقة ومقارنتها بواقع العمل السياسي القائم على الأرض ، وهو العمل المضاد دون شك لمبادئ تجربتها ، لتستخلص أيجابياتها بتمسك عالي دون ان ترضخ لأحتمالات زعزعة ما تتوصل أليه ، ودون ان تترفع عن الإضافة العلمية له أيظاً .
ورغم أني لاأؤمن بما يسمونه الديمقراطية الغربية ، لكونها لاتعني معنى الديمقراطية الحقيقي وهو سلطة الشعب ، فيما الديمقراطية الغربية تعبير عن وسيلة ما لتفادي الصراع الدموي بين قطبين أو أكثر ضمن دائرة عملية سياسية تضمن أستمرار تنقل السلطة بينهما أو بينهم ، وعلى قاعدة سلبها (السلطة) من مستحقيها (الشعب) .
ومع ذلك ، فنحن نضطر لأن نحتكم أليها (الديمقراطية الغربية) الأن لأمرين : أن نرفع الهالة الكاذبة عنها ، وأن نحاول ثانياً التخفيف من وطأة مضارها .. وربما الأرتقاء بها . فالأفصاح عن خدع هذه الديمقراطية ، وفضح ممارسات روادها في الأتجاه الذي يساويها بالدكتاتورية والشمولية أو يتغلب عليهما أحياناً ... يتطلب تكثيف الرقابة والملاحقة التامة لمجريات مسيرتها ، ما يمكن أن يخلع القناع الذي يضعه الجامحون لإحتكار السلطة من خلال ما يسمى عملية تداول السلطة ، فعلى الأقل يتعرض المعنى هنا للأهتزاز ، فإذا كانت الديمقراطية هي حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، ومن أجل الشعب ، فمع من تتم عملية تداول السلطة هذه ؟
ولعل التجربة المريرة في العراق ، التي تغنى بها الأحتلال كثيراً ، وأربابه المحليين من طوابير الرجال والنساء من دالة الأحتلال ، ومسوغيه ، أو من البعض الذي أراد أن (يغتنم) الفرصة في الولوج نحو عالم السياسة والرئاسة ، الذين لايعني لهم الشرف الوطني والكرامة ولاغيرهما مما لايمكن صرفه أو تحويله (لمصاري) ، لإصطياد الفرصة جزءاً أو بعض جزء والأستئثار من الثروة المستباحة بغياب السلطة الشعبية ، عبر التمكن من الهيمنة على وسائل النفوذ والقوة ، لضمان المشاركة فيما أصطلح على تسميته (العملية السياسية) وبمباركة أصحاب السلطة الفعلية والقوة المتنفذة على الأرض وهو الأحتلال ، ولا أحد غير الأحتلال . حتى أن درجة الأدعاء بمفاخر ومزايا هذه العملية السياسية (الديمقراطية) ، في الجانب الأعلاني لها بمقايس ترويجها بالأسلوب التجاري المحض ، الذي يستخدم المبالغة والكذب المحبك بتفريط ( على شاكلة القوة الفولاذية التي تمنحها رقائق البطاطا المقرمشة أو مشروب غازي معين لأغراء المستهلك بشراء هذه المادة والأيحاء له دون وجه حقيقة بتلك القوة والأنتعاش) أوقعها (ديمقراطية العملية السياسية) في حبائل أعمالها ، حين أوصلت الناس لقرار المقاطعة الجماعية لأيةِ أنتخابات تجري تحت سيادة العملية السياسية الحالية .
ولأن السياسة فن الممكن ، فلقد وضعنا أحلامنا جانباً خوفاً (أن تجربا) .. ولكن دون أن نهجرها أو نتغافل عنها ، لأنها الأكثر واقعية وتجاوباً مع مفردات المجتمعات الأنسانية ، والمجتمع العربي بشكل خاص ، ولأن المواجهة الحضارية قلما تستوجب اللجوء لوسيلة سفك الدماء ، فقد كان الأختيار الأفضل لرواد الديمقراطية الحقيقية والسليمة سلوك سبل الحوار والفكر والثقافة ، ولابد أن يكون الأعلام في مقدمة هذه الوسائل الثقافية والفكرية بأعتباره القناة التي تعالج الصعوبات الأكاديمية وتيسيرها للمتلقين غير المتخصصين .
يقول لازويل :( أن من وظائف الأعلام مراقبة البيئة المحيطة ، ومنع أي ثقافة أخرى من أختراق المجتمع ، والعمل على ترابط المجتمع وأفراده من جهة أخرى ، والأهتمام بنقل التراث الأجتماعي . ) وعليه يجب أختيار السبيل الممكن المتاح بالمواجهة الأخلاقية ، مع يقيننا أن الطرف الأخر أمامه وسائل غير عادية ، وغير أنسانية ، وغير أخلاقية . أن التفاني الذي يمتلكه المؤمنين بالديمقراطية الشعبية ، لايمتلكه ولو بالحد الأدنى رواد التحريف من أتباع الديمقراطية الغربية التي تفتح الطريق لأستبداد أشد قسوة ًتمارسه الدول أو الدولة المستبدة على الشعوب الأخرى ، أي بمعنى تدويل الدكتاتورية بتحويلها من دكتاتورية فرد أو حزب أوجماعة أو طائفة أو عشيرة .. من أبناء الوطن ، إلى دكتاتورية تمارسها ألة أو جيش أو مؤسسات أو شركات تجارية وأقتصادية من خارج الوطن .
لقد أصبح العراق من خلال التجربة الديمقراطية التي (يرعاها) الأحتلال ، مكباً لكل النفايات السياسية الخطرة والسامة والغريبة ، ومرتعاً لكل ما يوحي به الغرباء الذين هم على أقل تقدير لايحسون بمصالحنا وطموحاتنا ، بدعاة لهم مسخرون لخدمة أغراض وأهداف آولئلك الغرباء المدججين بالسلاح المرفوع في وجوهنا ، والذي يحسب أنسانيتنا وكرامتنا ووطنيتنا إرهاباً نستحق عليه أشد الويل والعقاب ، يجيره علينا آولئك الدعاة ، وذلك هو منطق الزمان حين تأبوا شمس الفضاء ويرتد الصحاء ويسود دموس الليل .
أن الشعار الواقعي لوضع المجتمع على طريق الديمقراطية الحقيقية ، والذي لايقبل التأويل هو : إرادة الأمة هي القانون الأعظم ، مع الأخذ بالأعتبار ما يمكن تطويره وفقاً لهذا النص في إطار السلطة ، إذ لايمكن أن تتحول السلطة الشعبية لغير الشعب ، ولايمكن أن توضع المعوقات في رغبة المواطنين على المشاركة في هذه السلطة وتصنيع قوانينها ، وبالمناقشة المستفيضة عبر لجان وآليات محددة . أما السلطة التنفيذية ، فهي الإدارة العامة المستخدمة من قبل السلطة الشعبية ، والخاضعة لمراقبتها ومحاسبتها . فلايمكن أن يكون الأمر ديمقراطياً أن يمتلك نفرٌ ما السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ولايمكن أن يعرقل نفرُ ما إرادة الشعب ، ولايمكن أن يتم تطعيم الديمقراطي بصلاحيات لهذا الفرد من المجتمع أو ذاك ليستخدمه في نقض قرار ما صدر بطريقة ديمقراطية يجري العمل بموجبها وقت القرار ... فكيف يعترض الموظف على قرار أصحاب القانون الأعظم ؟

مفاهيم وتفاسير غريبة وفوضوية للديمقراطية :
هناك أسئلة تفرضها طبيعة التجربة القاسية في العراق ، يمكن أن أن تتمحور في أهم نقطتين أولهما ـ هل الديمقراطية أنفلات على مختلف الأتجاهات ، نحو الأسوء ؟
ثانيهما ـ هل الديمقراطية نسف وأفناء تام للوطنية ، نزولاً في السلم نحو الأدنى ، وصولاً لحالة التلاشي ؟
قبل الأجابة على هذين السؤالين ، أسيق ما قاله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر من صميم الأصولية الأولى للتجربة وبشفافيتها ، مثالاً :
ففي حديث عبد الناصر مع ويلتون وين مدير مكتب وكالة الأسوشيتد برس في القاهرة وهاري أليس مراسل صحيفة كريستيان ساينس مونيتور بتاريخ 9 / 10 / 1959 ، أجاب عبد الناصر على سؤال لهما عن الحزبية :
دعني أسألك ، ماذا فعل واشنطن في أمريكا عقب معركة الأستقلال ؟ هل كانت هناك أحزاب ؟ الواقع أن جورج واشنطن كان يرى عدم قيام الأحزاب ، وكان يرى أنه لو تعددت الأحزاب في هذه المرحلة الحرجة التالية للحصول على الأستقلال مباشرةً لأدى ذلك إلى قيام حرب اهلية ،، وكان رأي واشنطن أن وحدة الشعب الأمريكي وأبتعاده عن مشاكل أوربا هي خير ضمان للأستقلال الوليد ، وعندنا في مصر قبل الثورة كانت هناك أحزاب ، وكانت هناك واجهة لحياة برلمانية ، فهل كانت هناك ديمقراطية ؟
كان هناك برلمان ، وكانت هناك قوة احتلال ، وكانت هناك أنتخابات شعبية ، أو هكذا كان مفروضاً أن تكون ، وكان القصر هو المرجع الأول والأخير
وكانت هناك أحزاب ، وكان السفير البريطاني هو الذي يجيء بالوزارات ويذهب بها ، فهل كانت هذه ديمقراطية ، أم أن تلك مجرد واجهة مضللة ؟
إذاً الإجابة تتطلب العودة لمسيرة التجربة العراقية الجديدة ، وفك أشكالياتها المعقدة ، مع الأخذ بنتائج تجاربنا القومية ودروسها البالغة ، خصوصاً أن تجربتنا الوطنية العراقية على تماس مباشر بالتجربة القومية ، فثورة تموز 1958 كانت الثورة الشقيقة للثورة الناصرية الكبرى في مصر وقد جاء في بيان ثورة 1958 الأول من بين أهم أهدافها ما يدلل على التطابق في الرؤى بين الثورتين بأتجاه قيام السلطة الشعبية وبالنص : ( وأن الحكم يجب أن يعهد إلى حكومة تنبثق من الشعب وتعمل بوحي منه ، وهذا لايتم إلا بتأليف جمهورية شعبية ) لاسيما وأن الواقع السياسي للقطرين الشقيقين مصر والعراق مر بنفس الأحداثيات ، حيث كانت هناك ديمقراطية برلمانية وأحزاب وأنتخابات
وعلى العموم ، ومن خلال أنتمائي القومي ، فإن ما قرأته عن تجربة المناضل القومي معن بشور في اطلاقه تسمية التيار العروبي التوحيدي الديمقراطي ، كتعبيرعن حالة الحركة القومية المعاصرة ، ما يمكن ان يحدد أطر ومسارات الفكر الديمقراطي العربي بالمسارات الأخرى التي لاتستقيم بدونها ديمقراطية حقيقية وسليمة في عالمنا العربي .
فالديمقراطية الشعبية الحقيقية لاتقوم في ظل عبودية الوطن للمحتل أو المستبد الخارجي أو الدول المتنفذة ، فالديمقراطية التي يسمح بقيامها المستعمرون والمحتلون ، هي ديمقراطية الفوضى والفساد التي تفتح الأبواب على مصاريعها للفرقة وفق نظرية (فرق تسد) ، مما يعني بطلان الدعاوي الديمقراطية بسبب ولادتها غير الشرعية من خلال ما يمكن أعتباره أغتصاب قهري أدى لممارسة محرمة ، وكل ما يبنى على باطل فهو باطل .
لذلك لجأ المحتلون لنشر مفاهيم وأساليب فوضوية ، لمجاميع المتسلطين من حملة فكر (الحواسم) وتطوراته اللاحقة نحو الفكر (المليشياوي) ، الذي حول العراق لصورة مطابقة للقرون الوسطى ، حتى أصبحت تلك المفاهيم والأساليب الفوضوية القانون الأقوى في البلاد ، إذ لايمكن أن تكون هناك ديمقراطية إذا أجتمع القاضي والمجرم والجلاد في شخصية واحدة ! فكيف يكون بناة الدولة أول الخارجين على قوانينها ( البيشمركة الكردية تواجه القوات الرسمية في محافظة ديالى مثلاً ) ؟؟
أن مقولة الديمقراطية يجب أن ترتبط بوحدة الدولة أرضاً وشعباً وأن لايكون قيها متسعاً للقوى والأحزاب والشخصيات الداعية للأنشقاق أو الانفصال أو الطموحات الخاصة أو الأنحياز لفئة دون أخرى ، أن ممثل الشعب (النائب) يجب أن يكون بحق ممثلاً للشعب ، وليس ممثلاً لجزءٍ من الشعب (من وجهة نظر المؤمنين بالبرلمانية) ، إن ذلك يحول (حول) القبة البرلمانية لساحة للصراع وليس ساحة للحوار .
أن ظاهرة المظلومية المتعالية والمؤججة لدى البعض على البعض الأخر ، ومرافقة هذه الظاهرة بالخروج عن الثقافة والنهج الوطني ، وتعزيز ذلك بصرامة وقونين المنظمات شبه العسكرية لهؤلاء وهؤلاء ، لن تقود لعملية بناء تجربة ديمقراطية يتوافق الجميع على حمايتها وتطويرها وأستمرارها ، فالظاهرة مسلكاً لقيام نزاعات لاطائلة ولانهاية لها ، حولت الوطن لجزيئات ، كل جزء يطالب بتعويض مظلوميته بأن يأخذ الحصة الأكبر من الأخر وبمختلف الوسائل التي تفرض ‘ارادة القلة على الأكثرية ، ليس بدواعي القانون الوطني ولكن بدواعي قوانين الأحتلال وحمايته ، وصار الولاء الوطني للجزء وليس للوطن ، والديمقراطية هنا يمكن أن تكون للجزء الذي له أهداف غير اهداف الجزء الأخر ، وبما أن الديمقراطية التي يمثلها الدستور (القانون الأعظم) هي إرادة أمة ، فلا ديمقراطية عندنا على الأطلاق بسبب غياب مفهوم الأمة الواحدة في الدستور القائم الأن وفي فعاليات القائمين على تنفيذه.

الحرية والديمقراطية
أن التطبيق الحقيقي للديمقراطية حتى على مستوى الديمقراطية الغربية يحتاج للحرية كمدخل أساسي لها ، إذ لايمكن ممارسة ما يسمى حرية الأختيار في جو الفوضى والأضطراب الأمني ، وتحت تهديد بنادق الأحتلال ونيرانه الشديدة ، وبنادق الأحزاب والحركات السياسية التي كونت لها عصابات مسلحة فحرية الأختيار يجب أن تكون مضمونة بالقانون وسيادة القانون أما الأحتلال والفوضى فلا قانون لهما أعتماداً على ما أدرجناه سابقاً من أن القانون الأعظم هي إرادة الأمة ، والأمة هنا هي الأمة التي تقع تحت تأثير الأحتلال وعصاباته وإرادتها .
والحرية لاتقف عند هذه الحدود ، لآن أحد أهم منطلقاتها التحرر من الحاجة ، ونعني به التحرر من سطوة الأستغلال الأقتصادي لأن هذا الأستغلال تقع تحت هيمنته سطوة الأستغلال السياسي الذي يستطيع أن يتحكم بقوانين الانتخاب ، وشروط الترشيح ، وأسلوب الدعاية وتاثيراتها ، ناهيك عن الرشاوي وشراء الذمم والأصوات .
والحرية كما يقول الزعيم عبد الناصر : ( الحرية ليست برلماناً ومجموعة من الناس نضعهم في البرلمان ، ولكن الحرية هي المساواة ، الحرية هي الديمقراطية الأجتماعية ، الحرية هي القضاء على القطاع وسيطرة رأس المال على الحكم ، والحرية هي القضاء على القطاع وعلى أن يكون لكل فرد الحق في أن يجد رزقه ولايهدد في رزقه .
كان الشعب ينشد الحرية ، وكان يدرك أن الحرية لاتنفصل عن الخبز ، وأن المساواة لاتنفصل عن الحرية ، وكان يدرك ألا حرية من غير خبز ولاحرية من غير مساواة
هذا هو الدرس الذي أخذناه من المرحلة التي مضت من سنة 23 ، ومن التجارب التي حاول الأستعمار أن يضللنا بها ، والتي حاول المستغلون أن يضللونا بها تحت أسم الديمقراطية وتحت أسم البرلمانية )
إذا فتطبيق الديمقراطية مرتبط بتوفير وحماية حرية المواطن ، وهي تحتاج لوسيلتين :
أولهما ـ القوانين والألية القادرة على صيانة الامن العام وحماية أفراد المجتمع .
ثانيهما ـ تامين الوسائل التي تضمن المساواة ، في الحياة والعمل أولاً ، وفي الممارسة الديمقراطية ثانياً .

الحزبية سطوٌعلى الديمقراطية وتحريف لها
قامت في بلادنا العربية ثورات وانتفاضات متعددة في الوقت الذي كان بعضها يتمتع بكرامات وبركات الديمقراطية البرلمانية ، وذلك يعدو فشلاً بتلك الديمقراطيات ، ومع هذا يصر البعض على الأنتقال من مربع الدكتاتورية الشمولية إلى مربع (الدكتاتورية الديمقراطية) وهي الديمقراطية التي تمارسها الأحزاب (المنتخبة) !! وكأن لامجال امامنا سوى مسلكين لاثالث لهما ، فأما نسير بالاتجاه الذي يضمن معيشتنا دون أن نتفوه في أي شأن سياسي أو اجتماعي حسب المثل العراقي القائل : ( أكل و وصوص ) وأن تشكر مكارم القائد والزعيم والسلطان الأوحد والضرورة و و إلخ ، وأما أن يحل عليك عصر الديمقراطية التي تعطيك كل مجالات الكلام ، مقابل ان تسرق ثرواتك وتنهب البلاد ، وتعمم الفساد .
الدول الكبرى الأستعمارية وعملائها تريد ان تقطع الطريق على الفكر كي يبحث وينتج ، وتحاول ان توقف عجلة التأريخ من المسير قدما ً ، فالديمقراطية الغربية التي يتم تطبيقها اليوم ، ليست إلا عودة غير حميدة لما كان قبل ثورات العرب الكبرى ، وهي لذلك محاولة رجعية للعودة بالأحوال السياسية والأجتماعية التي كانت قائمة قبل تلك الثورات ، وهنا يحتاج البعض من الذين يسوقون جماهيرهم مع هذه الحملة الجديدة القديمة ، على الأقل للتراجع بوضوح عن مشاركاتهم القديمة في تلك الثورات ، وان يطلقوا عقولهم من ذكرياتها التي يلوحون بها كلما أشتد عليهم ونهم تذمر المواطنين ، والانتقال بشكل جهوري للعمل في بورصة المنافع الشخصية التي توفرها أسهمهم في العمليات السياسية التي ترعاها الأحتكارات الأستعمارية .
يقول عبد الناصر : ( واننا رأينا الحزبية في مصر ، رأينا الحزبية في سوريا ، ماذا عملت ؟ يعني قبل الوحدة كان فيه حزبية في سوريا ، وكان فيه الوطنيون ، كان فيه ناس وطنيون وناس عايزين يعملوا ما قدروش . لأن الحزبية زادت من الاحقاد وطبعاً فيها انتهازية ، فيه ناس أنتهازيين في كل حزب من الأحزاب عايزين من هذه الحزبية وظيفة أو منفعة أو أو إلى أخره )
لقد كانت الحزبية ولم تزل الطريق الذي من خلاله تنفذ الدول الأجنبية لداخل الوطن عبر عملائها من أجل تحقيق أهداف تلك الدول ، ولذلك فإن الصراعات الدولية سوف تتحول تلقائياً لصراعات داخلية تحرق الأخضر واليابس من الوطن ( والتجربة العراقية خير شاهد على هذا الكلام ، الذي صوره عبد الناصر في تجربته السياسية : ( في الأحزاب كان الأمر الطبيعي يبقى فيه حزب رجعي يتصل بالدول الأجنبية ويأخذ منها فلوساً ، ويأخذ منها مساعدات لنفسه ليصل إلى الحكم وبعد ما يصل إلى الحكم يسلمها البلد . إذن الأحزاب الرجعية هي جسر البلد إلى الخضوع للأستعمار )
ويتابع عبد الناصر رؤيته للحزبية في الجانب الأخر : ( وبعد ذلك يظهر حزب شيوعي ليتصل بالأحزاب الشيوعية وياخذ منها المساعدة ، وإذا أستولى على الحكم يعلن دكتاتوريته ، والرجعيون إذا أستولوا على الحكم من الوطنيين ، وإذا الشيوعيون أستولوا على الحكم كذلك يعلنون دكتاتورية ويتخلصون من العناصر الوطنية )
ويتناول عبد الناصر العناصر القومية والوطنية النظيفة ، ثم لايستثني من المعادلة القوميين والوطنيين الذين ينخرطون في العمل الحزبي ، فيقول : ( إذن الجماعة التي " حيتوهوا " في الحكاية ، هؤلاء هم العناصر القومية الوطنية النظيفة التي لاتقبل أن تكون متصلة بالحزب ، ودول إذا كونوا حزباً يعملون حزباً قوميا ، حزباً وطنياً ، بيتوهوا بين أخوانه الشيوعيين ، وأخوانه الرجعيين . )

شكل التنظيم الناصري الديمقراطي
قبل أن نحدد باختصار شكل التنظيم الناصري الذي يمكن أن يتطابق مع المفهوم والفكر الديمقراطي الناصري باختياره الثالث بقواعد ما سعى عبد الناصر إلى تحقيقه في طريقه النضالي نحو ديمقراطية عربية لها خصوصياتها التاريخية ، يتسأل البعض عن أمرين :
الأول ـ يتعلق بالتنظيم الذي أسسه عبد الناصر تحت تسمية حزب الطليعة ، فإن هذا الحزب لم يدخل أنتخابات برلمانية ولم يمارس سلطة الحكم ، ولم يفتح له مكاتب وفروع لغرض الأنتماء اليه ، أن هناك مسؤلية قومية كبيرة حاول عبد الناصر ان يصنع لها آلية (قومية) طليعية للأخذ بها .
الثاني ـ ما ذكره عبد المجيد فريد في كتابه ( من محاضر أجتماعات عبد الناصر العربية والدولية ) في جلسة اللجنة التنفيذية العليا للأتحاد الأشتراكي العربي في 3 / 8 / 1967 والجلسة التي تلتها والتي وردت سهواً بتاريخ 4 / 7 / 1967 ، ومع تقديرنا واعتزازنا بما طرحه الأستاذ عبد المجيد فريد ، فإن بيان 30 مارس لم يؤيد هذا الأتجاه ، ولدى الأخذ بأمرٍ ما ، فإن النظرية المطبقة على أرض الواقع أفضل بالأتباع ، وأيلاء جانب التجديد فيها ضروري جداً .
ومن خلال ما أطلقنا عليه الأصولية الناصرية ، فان اهم ما يمكن ان يكون عليه التنظيم الديمقراطي الناصري ، في أطلاق الأمكانيات الفعلية للتعبير " عن الآمال والحلام التي يتمناها كل فرد منا ، وإلا أن يعبر عن المجتمع الذي يريده كل فرد منا بحيث لايكون هناك أستغلال ، بل تكون هناك مساوآة ، وبحيث لاتكون هناك سيطرة ، بل تكون هناك عزة وأخاء ، وبحيث لا يكون هناك سيطرة لفئة من الناس أو لمجموعة من الناس أو لطبقة من الطبقات ، بل يكون هناك وطن واحد يجمع الجميع وهو للجميع والعمل للجميع ـ جمال عبد الناصر وهو يتحدث عن تجربة الأتحاد القومي"
أما التنظيمات الأحزاب القائمة الان فيجب أن تتحلى بالأمتناع عن ممارسة العمل البرلماني لأنه في خالص وضعه فلا يخدم أغراضاً ليست هي الأغراض والأهداف التي قامت عليها الفكرة التي قامت عليها النظرية الناصرية وأن يكون دورها محفزاً للفعل الجماهيري لأستعادة سلطته التي سلبها النفوذ والسيطرة والاستبداد الأجتماعي والأقتصادي والسياسي .

ليست هناك تعليقات: