2008/08/20

احبك واخجل منك يا وطني

ابو العلاء عبد عبدالله

لم أزل منذ كنت صغيرا اسمع عن القرى المهجرة وحكايات لم تطوها ذاكرة النسيان وحياة الهناء والعيش الرغيد , أيام كانت فلسطين ارض بشعبها وما كان من خبر النكبة وتشريد الأهل وتمزيق الشعب لاجئين في الشتات أو مبعدين عن قراهم ومدنهم يرونها ويزرونها لكنهم لا يستطيعون قطف حبة تين أو رمان من أرضهم التي لم تعد أرضهم أو يعملون فيها كأجرين بعدما سلبت منهم أو صدرت , كأنها لم تكن لهم وطنا وبسحر ألسامري صارت كفنا وكيف يطيب العيش وتقر العين ويهدا البال والحال هو الحال من إبعاد وتشريد وتهجير وقتل وتعذيب وتضيق خناق وأمل في العودة لا يبلى ولا يصدا, بل يتجدد مع مطلع كل شمس ويتأكد مع كل غروب فهو حق سرمدي لا يزول بالتقادم أو تغيير أسماء الأماكن ومعالم الأرض وفرض سياسة الأمر الواقع .
لطالما قرأت عن هذا الوطن وعن مدنه وقراه وتلك المهجرة وكنت كلما قرأت عنها أكثر عرفت أكثر وأحببتها أكثر وزدت تمسكا بها وعشقا لها , رغم أني في الكثير من الأحيان لم أكن اعرف أين تقع هذه الأماكن على ارض الواقع وكنت في الكثير من الأوقات أجد الحرج في نفسي واشعر بالخجل من سوال الاخرين عن هذه الأماكن وأنا ابن هذه البلاد , ولدت فيها وعلى ترابها الغالي أعيش ,لذلك قررت أن أقوم بممارسة هذا العشق واحيا هذا الحب من خلال جولات ميدانية لاكتشاف وطني إضافة للكتب و المواقع الالكترونية و التراث المصور و المروي و أن أعيش ولو ليوم واحد من كل أسبوع في بلد مهجر اسمع لشكواه واقبل جراحه النازفة أتحسس خطى من سار على ترابه استأنس بآثارهم التي بقيت شاهدة عليهم رغم جرح النكبة وهول المأساة وما حل به وبنا ومحاولة التواصل مع من تبقى من أهل هذه القرى .
إن الواقع الراهن يفرض علينا واجبات ومسؤوليات في سبيل ترسيخ حب هذه البلاد في نفوسنا أولا و أولادنا ومجتمعنا ثانيا ,لان الإنسان لا يمكن أن يحب شيئا لا يعرفه أو أن ينتمي لأرض يجهلها أو يعقها وارى أن حق العودة – الذي لا تنازل عنه- رغم كل المهاترات والمزايدات ينبغي ألا يغيب عن وجدان كل واحد منا وان يتأكد قناعة لا تقبل النقاش أو الجدال فمن يملك بيع وطنه إلا خوانا, نذلا , وجبانا وحتى تتأكد هذه المعاني وتترسخ لا بد من برنامج تحضيري وتثقيفي من نشر الوعي بين أبناء هذا الشعب وجعل التاريخ والوطن والأسماء والتراث حاضرا بشكل دائم ويومي في حياتنا من اجل ضمان الثبات على هذه الأرض والتمسك بالثوابت الوطنية والدينية وحتى نقطع كل سبل النسيان أو خطط السماسرة والمنتفعين والأجرين المسوقين لأفكار تصب في خانة بيع الوطن والتنازل عن حق أزلي في العودة أو تقديم أفكار استخبراتية موسادية على شكل أنساني واجتماعي كتلك التي تسمى الخدمة الوطنية¬ وتضيع الهوية والانتماء وحتى نبقى متيقظين نجدد الأمل في النفوس ونشحذ الهمم لمواجهة كل الممارسات القمعية والعنصرية الحاقد ه التي هدفها الأول والأخير ترحيلنا من وطننا .

ماذا بعد النكبة والنكسة

كم منا يعرف القرى المهجرة ويعرف أماكنها أو البلدات والمستوطنات التي بنيت عليها وكم منا يعرف الأسماء الفلسطينية لمدننا وقرانا في هذا الوطن
فان البكاء لا يجدي نفعا ولا يحي العويل الأموات والأمر الذي لا يدرك كله لا يترك جله لذلك أرى انه من الواجب القيام بوضع تصورات وأفكار ومقترحات لمشاريع يمكن تنفيذها بشكل عام كمؤسسات واطر وجماعات أو بشكل عائلي أو شخصي مع الأصدقاء وأصحاب الاهتمام ,إن مجموعة التصورات والاقتراحات هذه من شانها الحفاظ على هويتنا وكياننا وربط أفراد الشعب في الداخل والشتات معا وترسخ الثوابت الوطنية والدينية بشرعية الوجود على هذه الأرض، هي أيضا خطوة في سبيل دعم حق العودة والتمسك به من خلال سير مرحلي يحاور ويتفاعل في كل الاتجاهات وعلى كل الأصعدة وعليه اقترح ما يلي :
* تسير رحلات سياحية عائلية أو مؤسساتية أو مخيمات ورحلات كشفية لهذه القرى والأماكن مع تقديم الشرح الوافر الغني بالمعلومات الموثقة بأسلوب سهل سلس يرغب ويحبب المشاركين بمثل هذه الفعاليات .

* إصدار نشرات توعية من اجل الحفاظ والترابط والتواصل مع هذه القرى وترميم مقابرها, مساجدها, كنائسها, وأي معلم يمكن ترميمه حتى لو عن طريق اللجوء للقانون والقضاء .

*إحياء صلوات وشعائر دينية بشكل مستمر ومتواصل في هذه القرى.
* نشر تراث هذه القرى من خلال الفنون المختلفة وإحياء الأدب الشعبي مثلا قصة جفرا في الكويكات ومقالات الأستاذ الشاعر محمود مرعي تحت عنوان زعتر وهليون التي يتناول من خلالها هذه القرى المهجرة وتراثها.

* تأسيس جمعيات خيرية من اجل إحياء تراث هذه القرى ومتابعة شؤونها وإيجاد ترابط بين سكانها المهجرين منها والموجودين في البلاد من خلال معارض لتراث كل قرية وقرية ولقاءات وحتى تزاوج ومصاهرة .

* الاهتمام بوضع دراسات وأعمال أدبية وفنية وحتى دراسات أكاديمية عن هذه القرى والاهتمام بنشر القصص الشعبية لهذه القرى وتاريخها وعموم بلادنا بشكل مكثف ومركز .

* إطلاق أسماء هذه القرى ورموزها على شوارعنا وأحيائنا ومدارسنا ومؤسساتنا التعليمية والشعبية والمصالح التجارية حتى تألفها الأذان وتتعودها العقول وتحبها القلوب .

*بناء مواقع الكترونية تحمل أسماء هذه القرى وتعمل على التعارف بين أبناء عائلاتها اللاجئين والموجودين بالداخل إضافة لتسجيل تاريخها وتراثها والأمر نفسه بالنسبة للصحف والمجلات .

*دعوة المغتربين للعودة إلى البلاد أو استثمار أموالهم وخبراتهم وطاقتهم وإقامة مشاريع تشغل أبناء هذا الشعب وتمنع البطالة وتكفل ضمان لقمة العيش وسد جميع أبواب الهجرة من البلاد .

*إقامة صناديق من اجل الإنفاق على التعليم العالي من خلال إعطاء المنح الدراسية أو التكفل الكامل بالمتفوقين والأوائل من ذوي الدخل المتدني أو الإنفاق على دورات تاهيلية مهنية وصناعية من اجل إيجاد عناصر فعالة وبناء مجتمع منتج.

*الاهتمام بتشجيع الاستثمار المحلي وإحياء الصناعات التقليدية والوطنية وتشغيل قطاع الشباب لضمان مستقبل زاهر وصرفهم عن اللهو والانحراف الذي يعني خسارة وطنية ودينية وإنسانية .

دعوة ورجاء

إن زيارة هذه القرى وقضاء الأوقات فيها ومحاولة معرفتها واكتشافها هو عمل عظيم يبعث في النفس الحياة ويشعل فيها جذوة الأمل ويصل الماضي بالحاضر بالمستقبل , ولا تستطيع الكلمات أن تعبر عن الإحساس والشعور عند زيارة هذه القرى أو الاستماع لأهلها ومذكراتهم أو حين تقف على الآثار والشواهد الباقية رغم كل المصائب والصروف , أنه اكتشاف لوطن وسيل عارم من العواطف والمشاعر يدغدغ الوجدان ونسمات سحرية الملمس تداعب الجسد وحاضر يخاطب العقل ويستدعي الهام الشاعر و الفنان ,إذ إن التصوير أو الوصف لا يغني عن التجربة والتجربة ستستدعي بعد ذلك المداومة والاستمرارية لأنها ستصبح عشقا أو إدمانا لن تستطيع التخلص منها وأنت تقدم فروض الولاء والطاعة والبر لهذا الوطن الحبيب

ليست هناك تعليقات: