2008/08/30

دم المصريين في رقبة مبارك


بقلم/عيد الحليم قنديل
ليس ممدوح إسماعيل - وحده- هو قاتل الألف مصري في «عبارة الموت» الشهيرة، فنحن بصدد قضية فساد دولة .. ومن قمة الرأس
وليست القضية في قاضي محكمة جنح سفاجا، ولا في إقامة دعوي مخاصمة ضد القاضي المسكين كما ذهب بعض المحامين، فهذا كله حرث في البحر، وتلاعب بمشاعر الرأي العام، تماما كما فعل النائب العام بالطعن والاستئناف الفوري لحكم براءة ممدوح إسماعيل، فالنائب العام يعرف - والمحامون أيضا- أنه جري التلاعب بأصل القضية، وأنه جري تعتيم الحقائق فيمايشبه الفعل المتعمد، وأن القصة كلها انتهت إلي أمرإحالة بتهمة جزئية، وهي أن ممدوح «علم ولم يبلغ»، وكأن دم الألف مصري - ويزيد- لايهم أحدا، وكأنه لافساد ولا تواطؤ ولا إهمال ولا حمولة زائدة في عبارة هي «مركب مواشي» لابني آدمين، وكأن الشهداء قد ذهبوا بإرادتهم إلي مصائد الموت في بطن أسماك القرش، وكأن جثث المصريين الطافية المنتفخة من بطر النعمة لا من أقدار النقمة.
وربما تكون القصة كلها مقطوعة الصلة بالقانون، بل ربما يكون قصر الحديث كله في القانون خللا في العقل، وعطبا في التفكير، وعوارا في الضمائر، وفسادا في الاستدلال علي الحقيقة كلها، فظواهر سخف القانون القائم لاتنفك عجائبها، فقتل جاموسة - كما قال لي قاض كبير- يوجب الإحالة لمحكمة الجنايات، بينما قتل الألف مصري - ويزيد- يذهب إلي محكمة جنح، وفي محكمة نائية عند خط البحر الأحمر، ولدي قاض مسكين وجد نفسه محاصرا باختلاط الأوراق، وبتشوش الروايات، وبضغوط في الظلام، فرمي الحمولة كلها في البحر، وأصدر حكم البراءة العجيب الذي صار عنوانا للفضيحة لا للحقيقة.
نعم، لاتظلموا القاضي، فربما يكون هو الضحية، ولا تطلقوا الرصاص- فقط- علي حكمه العبثي، فالقانون والقاضي وحكم الجنح.. كلها أهداف وخدع شركية وضعت للتمويه، وأصل الجريمة ليس في محكمة الجنح، والحل ليس في محكمة الاستئناف، فقصة ممدوح إسماعيل تنطوي علي دهس للقانون، وعلي دوس لاعتباراته، وعلي السخرية من قانون الدولة، والعمل بقانون المافيا، وقصر الحديث - في قضية ممدوح إسماعيل- علي محاكم وأحكام نوع من العبط والاستعباط، وربما يحتمل شبهة تواطؤ بالقصد أو بدونه، فثروات ممدوح إسماعيل ليست مبررة بالقانون، ونفوذ ممدوح إسماعيل لم يصنع بالقانون، وفساد ممدوح إسماعيل لايحاكم بالقانون العادي، بل إن صعود ممدوح إسماعيل نفسه هو القانون الذي يحكم بغير حاجة إلي منصة قضاة، فممدوح إسماعيل ليس صنيعة قانون الدولة الذي نعرفه علي جوانب العوار والنقص فيه، وليس انحرافا بالقانون يستدعي التصحيح بالقانون ذاته، فقد تحول قانون الدولة إلي قناع، بينما الحكم في النهاية لقانون المافيا، وهو القانون الذي صنع ممدوح إسماعيل وغيره من مليارديرات الزمن المسروق، القانون الذي يسرق ويقتل ويزور ويتواطأ باسم السياسة، القانون الذي يحكم عمل تشكيل سياسي هو في حقيقة أمره مجرد تشكيل عصابي، قانون نظام مبارك، وليس قانون العقوبات والبراءات والمحامين والمحاكم والقضاة.. «إلي آخرالمتاهة التي يراد لنا الضياع في سراديبها المظلمة.
ومن حق أهالي الشهداء بالطبع أن يغضبوا، ومن حقهم أن يثأروا لدمائهم، لكن حقوقهم - باليقين - لن ترد إليهم في محكمة استئناف جنح سفاجا، ولا حتي في محكمة النقض، فليس من طريق «قانوني» لقصاص معجل أو مؤجل من ممدوح إسماعيل وعصابته، والمتهم الأول مشمول بالحماية المؤكدة.. ومن فوق.
وفي المناقشات التي أعقبت الكارثة أوائل 2006، وجهت لزكريا عزمي- ظل الرئيس ورئيس ديوانه- تهمة شراكة وصداقة ممدوح إسماعيل، ورد عزمي بتأكيد صداقته لممدوح وليس شراكته، ولك أن تعلم ماذا تعني صداقة زكريا عزمي، فهي الصداقة الواصلة بتوحش النفوذ ووثوق القربي إلي مكتب الرئيس، وإلي القرارات الجمهورية، وأوامر الترقي بالثراء أو في السلطة، وهي الصداقة التي جعلت ممدوح إسماعيل ملكا لعبارات البحر الأحمر، ثم أنها ذات الصداقة التي جعلت ممدوح إسماعيل - وهو المجهول المخفي - عضوا معينا في مجلس الشوري بقرار جمهوري، وبتوصيات حكيم زمانه، ثم أنها الصداقة التي جعلت ممدوح إسماعيل - مقطوع الصلة بالسياسة - أمينا للحزب الوطني بدائرة مصر الجديدة، وبقرار من الرئيس مبارك، وفي المنطقة التي تسكن بها العائلة، ثم أنها الصداقة التي ظهرت كراماتها عقب قتل إسماعيل لألف مصري ويزيد في عبارة الموت، فقد جري التراخي في التحقيق، ولم يقل أحد لممدوح إسماعيل «تلت التلاتة كام»، لم يحقق معه، ولم يصدر أمر بضبطه وإحضاره، ولم يصدر قرار بمنعه من السفر لدواعي التحري، ولم ترفع عنه الحصانة إلا بعد أن رتبوا له أوراقه وجداول الحساب، وبعد أن فاحت الروائح الكريهة، وبعد أن جري تهريبه إلي لندن، وفي رائعة النهار وتحت سمع وبصر وحماية السلطات، وربما بتشريفة صاحبته إلي باب الطائرة.
جري ذلك كله، جري تحصين الجريمة وتضييع حق الدم، ودون أن يسأل أحد، ودون أن يقال وزير الداخلية أو يستقيل، فليس له من ذنب أصلي، فوزير الداخلية هو عبد المأمور، والوزير - كما قال يوسف والي مرة - مجرد سكرتير للرئيس، والعين لا تعلو علي الحاجب، والحاجب في قصر الرئاسة بدا وفيا لشروط الصداقة، بينما القاضي - في كرسي الرئيس - يغمض عينيه كأنه لايري، لايسأل ولايحقق، فهو يعرف ماجري، وربما يخفي فرحه - في كمه - بنجاح عملية ممدوح إسماعيل في قتل ألف مصري، وهو الذي يعير المصريين دائما بزيادة أعدادهم، وربما يتمني لو غرقت مصر كلها في البحر.
وجريمة تهريب ممدوح إسماعيل هي الجريمة الكبري، وإن لم تكن مرئية في أوراق محكمة جنح سفاجا، وصناعة ممدوح إسماعيل - بدواعي النفوذ في بيت الرئاسة- هي الجريمة الأصلية، وجرائم التواطؤ والإهمال والتسهيل- في هيئة مواني البحر الأحمر- هي الفروع لا الأصل، ثم حين وقعت الواقعة، فقد كانت هناك جريمة أعظم، وصدر فيها أمر بالصمت وغلق الأفواه، ومنع النشر عنها في الصحف أو إذاعتها في التليفزيونات، ولم يرد ذكرها في البرلمان إلا علي سبيل الاستثناء الشجاع النادر، كان بطل القصة- بامتياز- نائب الشعب سعد عبود، وظل يعاقب علي التطرق إليها إلي الآن، ودون خوض في تفاصيل عن اسم الذي علم ولم يبلغ، وهو - قبل ممدوح إسماعيل - شخص آخر أرفع مقاما، فقد اتصل علم الدولة - وقبل ممدوح إسماعيل - بغرق عبارة الموت في وقت مبكر جدا، التقطت البحرية البريطانية الإشارة وأبلغتها للفرنسيين، ونقلت الإشارة من الفرنسيين للمصريين علي الفور، ولكن القصة انتهت إلي الحظ البائس، فقد كان صانع قرار التحرك للإغاثة في دورة النوم، ولا أحد يجرؤ علي إيقاظه، وطال النوم لساعات كانت فيها «تيتانيك المصرية» تغرق بكامل حمولتها، وكان الألف مصري يلاقون أقدارهم، وبغير كلمة وداع، ولا فرصة لنطق الشهادتين، وكانت أسماك القرش في بطن البحر الأحمر تلتهم موائدها العامرة بلحم المصريين.
نعم، القصة ليست فقط في ممدوح إسماعيل، بل في الذين صنعوه، ومدوا له حبل الحصانة، وأضفوا الحصانة علي الجريمة حين وقعت، بل وشاركوا فيها، وكلها جرائم متصلة بخيوطها إلي بيت الرئاسة، وإلي طرق أخذ القرارات فيه.
نعم، القصة كلها تستلزم تحقيقا شاملا في ثلاث وقائع إجرامية من النوع الثقيل، وجواباً شافيا عن ثلاثة أسئلة كبري، وهي:كيف تحول ممدوح إسماعيل إلي ملياردير مراكب محتكر وقيادي في حزب مبارك؟، وكيف جري تهريب ممدوح إسماعيل من مطاردة الدم؟، وكيف تأخرت عمليات الإنقاذ لساعات طويلة كانت كافية لحفظ أرواح المئات؟،
وبديهي أننا لانتوجه إلي النائب العام بطلب التحقيق، فالرجل معين بقرار من الرئيس مبارك نفسه، بل إننا نتوجه إلي الرأي العام، وبديهي أننا لانتوجه إلي محكمة استئناف جنح سفاجا، بل إلي محكمة التاريخ، فليست القصة - فقط- في ممدوح إسماعيل وجرائمه، القصة في الذي صنع جريمة اسمها ممدوح إسماعيل، وليس دم المصريين معلقا برقبة ممدوح إسماعيل وحده، بل حق الدم معلق في رقبة مبارك بالذات.
«شرف» جمال مبارك!
أن تنشر «الأهرام» علي صفحة كاملة حديثا لجمال مبارك إلي مجلة «السياسة الدولية» الفرنسية، فهذا شئ صار عاديا جدا، فالأهرام جريدة رسمية، ونفوذ العائلة رسمي تماما، وأحاديث جمال مبارك - وماما سوزان- تعامل ذات المعاملة التفضيلية لحوارات الرئيس مبارك نفسه.
ربما تلفت النظر - فقط - صراحة جمال مبارك، فالأخ جمال يتحدث عن الحزب الوطني بصفته «حزبه» الشخصي، ويصف نفسه بأنه «قيادة التغيير» في حزب أبيه، ويقول إنه «يعرف الرهانات ويجهز نفسه للأفضل»، وربنا يستر.
وجمال مبارك يقول في الحوار - المترجم بركاكة - إن أمامه سنتين، وبعدها «يري»، إما «أن نكمل المسيرة»، أو «أن نكون شرفاء أمام أنفسنا وأمام الرأي العام.. ونعترف بفشلنا»، ونتمني أن يفعل من الآن، فالجواب ظاهر من عنوانه والفشل بالكوم.
وقد يلفت نظرك حديث جمال مبارك - في الحوار إياه - عن «الشرف»، تخيل، ولا تتعجب فإنها إرادة الله، غير أنه - للأمانة- لايتركنا طويلا نهبا للحيرة ولعلامات التعجب، فهو يقول في الحوار نفسه - إنه تعلم معني «الشرف» من والده، ولا أخطاء مطبعية في الموضوع، فالمقصود هو «الشرف» لا «القرف»!
إشارات
«وثيقة عليش» تحولت إلي فضيحة علي طريقة فضائح تسريب امتحانات الثانوية العامة، د. رفعت لقوشة - أستاذ جامعي - يقول إنه كاتبها الوحيد ومن غير تقليد، وأن آخرين ــ نحتفظ بأسمائهم - سرقوها بدواعي التصرف في «نص مسرحي».
د. جلال أمين ود. حسام عيسي: لاعلاقة لنا من قريب ولا من بعيد بما يسمي «وثيقة مستقبل مصر»، و الوثيقة إياها «ليبرالية ركيكة»، واللهم قد أبلغت
عز الدين فرغل - رئيس الاتحاد الإقليمي للجمعيات الأهلية بالقاهرة- قدم مصحفا مطعما بالذهب هدية للمحافظ عبدالعظيم وزير، ودفع - فوق البيعة - «إكرامية» لرجال الشرطة وأمن المحافظة، ومن حساب المال العام - لامن حسابه الخاص، .. والوثيقة لدينا.
ألف تحية للمحامين والصحفيين وقادة كفاية الذين تحركوا بسرعة وكفاءة وجدية وإخلاص لنجدة وإطلاق سراح شباب 6إبريل.
موقع حركة كفاية
http://harakamasria.org/node/10324

ليست هناك تعليقات: