2008/08/08

مصر مبارك : فقراء ومقابر ..باشوات وقصور PDF



كتـب عادل الجوجري

لكي تتعرف على النظام السياسي والاجتماعي في بلد أنظر إلى الاعلانات المنشورة في صحفه...هذه حكمة يتداولها علماء الاجتماع وخبراء الاعلام في الجامعات البريطانية،وقد ثبت صحتها على إمتداد القرن الماضي عندما كانت الصحف السوفيتية والأخرى الصادرة في الدول الاشتراكية تنشر إعلانات عن إنتاج المصانع

والشركات الحكومية مايعني أننا ازاء مجتمع تتحكم فيه الدولة ،وتسيطر على أدوات الانتاج ،في حين كانت الصحف الغربية وخاصة في أميركا وبريطانيا تنشر صورا مثيرة وجميلة لمنتجات الشركات الخاصة لاسيما الملابس والعطور والقصور والشواطئ السياحية ،مايعنى اننا ازاء مجتمع رأسمالي يلعب فيه القطاع الخاص الدور الرائد ،ويختفي إلى حد بعيد الدور الاقتصادي للدولة بينما يظهر في السياسة الخارجية، والحروب المرتبطة بالبحث عن مستعمرات جديدة.

ماذا لدينا في مصر؟

إفتح صحيفة "الأهرام"والصحف الحكومية وكذلك المستقلة لتكتشف بنفسك يوميا حجم الصفحات الملونة ،التي تتضمن إعلانات عن قصور في الساحل الشمالي والاسكندرية والغردقة ومناطق أخرى تشير إلى فيلات وقصور وشقق فاخرة لايملك ثمنها إلا الأثرياء "جدا"، وعلى سبيل المثال هناك مدينة سكنية تعلن عن" فيلات تحقق الخصوصية" وبالتقسيط المريح ،والمفارقة هنا أن دفعة الحجز تبدأ من 145 ألف جنيه،في حين أن القسط الشهري يبدأ من خمسة آلاف جنيه، والسؤال هنا هو :لمن تبنى هذه الفيلات والقصور الفاخرة؟

الإجابة هي أن مشتري هذه القصور والفيلات هم قلة تكاد تكون نادرة في مصر وهي الفئة الجديدة التي ظهرت في المجتمع خلال العقود الثلاثة الأخيرة ،والتي يمكن وصفها بمجتمع الخمسة في المئة لكنها تسيطر على أكثر من خمسين في المئة من الدخل،وهم الذين تربحوا من الاتجار في أراضي الدولة أو استفادوا من بنوكها ومن توكيلات الاستيراد ،ومن البقرة الحلوب التي تدر لبنها للطائفة الجديدة.

في المقابل تعيش آلاف العائلات من فقراء مصر في مدافن قديمة حولها هؤلاء إلى مساكن يأوون اليها بدل الشوارع،ومعظم الذين يعيشون في هذه الأماكن هم من المهاجرين القادمين من الريف الزراعي، الذين يصابون بأولى خيباتهم عند وصولهم إلى القاهرة، حيث لا يجدون سقفا يأويهم.

وفقراء "مدينة الموتى" ليسوا وحيدين في هذه المدينة المكتظة حتى الجنون، ملايين مثلهم يملأون أحزمة البؤس التي تحيط بالقاهرة.حيث تتوالى منذ ثلاثة عقود موجات من الهجرة الكثيفة من المزارعين الأميين الذين يتركون أراضيهم وقراهم في وادي النيل بجنوب مصر ويتوجهون نحو العاصمة ومدن مصرية أخرى في الشمال الصناعي،ويعجز معظم هؤلاء المهاجرين عن ايجاد مساكن في المدن فينضمون إلى تجمعات الفقراء حول المدينة أو في مدافنها القديمة.

وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة لعام 2005 بلغ عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر في عام 2000 قرابة 16.7 بالمائة من السكان.

وفي بلد يبلغ عدد سكانه 77.5 مليون نسمة، وإذا صحت أرقام الأمم المتحدة، فعلى قرابة 13 مليون نسمة أن يعيشوا في ظروف حياتية غير بشرية.

في ظل هذه المعطيات يبرز السؤال :

لماذا التركيز على ترضية الرأسمالية الجديدة بينما نصف الشعب يعيش تحت خط الفقر؟

هذا هو بيت القصيد ،إذ هناك فجوة بين مايروجه النظام السياسي في خطبه وشعاراته ،وبين معطيات الحراك الاقتصادي وانعكاساته الاجتماعية،فالنظام على لسان الرئيس وقادة الحزب الحاكم المتحكم يتحدث عن الفقراء ومحدودي الدخل باعتبارهم الهدف الأول للتنمية ،لكن الوقائع تشير الى عكس الاتجاه فقد تخلت الدولة عن تعيين الخريجين وتخلت عن القطاع العام كما سحبت يدها مما كان يسمى الاسكان الاقتصادي ،وتركت السوق للعرض والطلب وانتشرت –بالتالي- الاحتكارات في الحديد والأسمنت والطوب وارتفعت اسعار الوحدات السكنية بشكل خرافي.

ولأنه لاتوجد طبقة رأسمالية حقيقية في مصر،وإنما شخصيات طفيلية صعدت بطرق عشوائية واستفادت من مناخ الانفتاح ،وكونت ثروات مشكوك في نظافتها ، كان توجه الرأسماليون الجدد نحو الربح السريع الذي لن يتوفر عن طريق الاسكان الاقتصادي ،او مساكن الفقراء ،وإنما عن طريق بناء القصور والفيلات الفاخرة خاصة وقد ولدت طبقة لديها طموحات وأطماع ،وقد دخلت الحزب الحاكم وسيطرت عليه كما دخلت البرلمان وتغلغلت في كافة القطاعات المؤثرة في القرارين السياسي والاقتصادي ،وأصبحت الحكومة تعبر عن مصالح رجال الأعمال أكثر مما تعبر عن شعب فقير ينتج الجريمة والخلع والاحباطات الاجتماعية .

لقد كشف تقرير إحصائي حديث لوزارة العدل المصرية، عن تزايد مضاعف لمعدلات الجريمة في مصر حيث بلغت القضايا 12 مليونا تداولتها المحاكم المصرية خلال عام 2006.

وأشار التقرير إلى زيادة في جرائم السرقات بواقع 23.8 في المائة، وبينما زادت جرائم الشروع في السرقة64 في المائة ، وزادت نسبة قضايا الرشوة بمعدل بلغ 9.6 في المائة.

وتعليقا على هذه الأرقام السابقة تقول الدكتورة عزة كريم الخبيرة الاجتماعية إنها تعكس مؤشر حجم الاضطرابات التي يعاني منها المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهو الأمر الذي أدى إلى تمزق أنظمته الداخلية، وفي مقدمتها الأنظمة الاقتصادية، التي أصبح الكل يعانيها، خاصة بعد أن أطاحت بطبقته المتوسطة.

إن أخطر مايواجه مصر حاليا هو تآكل الطبقة الوسطى التي لم تستطع التعامل مع ظروف ارتفاع الاسعار،فاضطرت شرائح منها الى دخول الباب الحرام للحصول على مكاسب حرام نمكنها من الحفاظ على مستواها الاجتماعي فبات الصيدلي يبيع المخدرات للمدمنين ،وانتشرت ظاهرة الدروس الخصوصية في الجامعات بعد ان كانت حكرا على المدارس الثانوية وظهرت عيادات الاجهاض السري، ولاتمل الصحف يوميا من نشر أخبار الجريمة التي ارتبطت بفئات لم تعرف الجريمة طريقا اليها في العهود السابقة.

ولن يحصل تغيير في معادلة العشة والقصر أو الفقراء والباشوات إلا بتغيير قواعد النظام السياسي كلها،بالعودة إلى الشعب لكي يختار نظاما يعبر عنه وعن طموحاته بعد ان تكرس نظام الرئيس مبارك عبر ثلاثة عقود اختلت فيها منظومة القيم وتبدل الهرم الاجتماعي وانتشر الفقر كما عاد الباشوات الى واجهة القرار السياسي والاقتصادي ،واتسعت الفجوة بين مايقوله النظام وبين مايعيشه المواطن.

ليست هناك تعليقات: