2008/08/17

الرجل الذي ضيع في الاحلام عمره قتلوه ومشوا في جنازتو


بقلم عبد الحليم قنديل

بدأ الخبر ذابلا منهكا كأنك سمعته مرارا ً من قبل رسالة علي الهاتف المحمول تقول مات المهندس ابراهيم شكري بعد صراع طويل مع المرض مات الشيخ الذي عاش 92 سنه في وضع الشهيد الحي مات ابراهيم شكري غريبا غربة الاسلام في اخر الزمن وكأن البلد الذي أحبه والأمة التي عاش لأجلها كأنه لابلد ولا أمة ولا وفاءي لمن ضحي مات الرجل علي سريره وهو الذي خاض الف معركة ونجا من الف جرح مات وهو في العزلة ويعاني الأحباط والأنكار والأستبعاد من السياسشة المصرية وهو الذي صنع اسطورة حية يندر مثيلها . ولد اثراهيم شكري في زمن الحرب العالمية الثانية ولم يكن يحتاج للعمل بالسياسة بل وربما لم يتوقع له احد ان يفعلها فقد ولد وفي يده معلقة من ذهب ولد كأبن باشا الاف الآفدنة من الآراضي الزراعية الخصبة بحوزة الاسرة وحياة كلها في رغد وتمام النعيم لكن روح الشاب التولستي كانت متمردة فلقد كان واحدا من اثنين وصلا لعضوية مجلس النواب قبل الثورة وبنفوذ الاسرة الأقطاعية الكبري كغيرهم لكنهما كان نائبين من طراز مختلف فقد قدما اول قانون للاصلاح الزراعي في تاريخ مصر ولم يقبل المشروع بالطبع في مجلس يسيطر عليه كبار الملاك الزراعيين لكن ابراهيم شكري تعامل مع نفسه واملاكه وكأن القانون قد صدر بالفعل وراح يوزع قطعا من ارضه التي ورثها علي صغار الفلاحين ووضع امواله في خدمة جماعات السياسة الشابة المتمردة كان رفيقا لاحمد حسين خطيب الادب الجامح وكان ممولا وحيدا ربما لحركة مصر الفتاة في الثلاثينات وللحزب الاشترؤاكي الذي اعقبها في الاربعينات وكان قريبا جدا من فتحي رضوان المحامي واول وزير ثقافة في عهد عبد الناصر فيما بعد كان رضوان وحسين وابراهيم شكري رموزا علي تمرد بميول وكطنية واسلامية واجتماعية وفي مشهد سياسي كان محجوزا لاخوان حسن البنا في الظل ولكبار الملاك الزراعيين وعملاءي الانجليز والقصر الملكي في مشاهد التأليف والانقضاض الوزاري

وطوال 70 سنة كان ابراهيم شكري القاسم المشترك الاعظم في السياسة المصرية اصيب برصاص الانجليز في انتفاضة الطلاب اواسط ثلاثينات القرن ةالعشرين كان الطلاب يدعون الاحزاب لجبهة موحدة معادية للاحتلال البريطاني وينادونه بالعودة الي دستور 23 وتفجرت المواجهات دامية وسقط عشؤات الطلاب في المظاهرات وكان اولهم الشهيد عبد الحكيم الجراحي رفيق لاابراهيم شكري - وقد اوصي ان يدفن الي جواره علي طريق صلاح سالم - فيما ظل شكري علي قيد الحياة بعد شفائه من جروح الرصاص وبعد ان راح في غيبوبة طويلة ونقل الي المشرحة تمهيدا لدفنه ومن وقتها عرف بأسم الشهيد الحي والتحق فيما بعد مع رفاقه المتمردين بقافلة تأييد ثورة الضباط الاحرار وشغل منصب المحافظ اكثر من مرة ثم دارت دورة الزمان ضد الاحلام وارتد السادات علي الثورة وحاول استمالة شكري وعينه وزيرا للزراعة الا ان الرجل كان يخفي في نفسه حس المعارضة لكل ما يجري كان يدرك ان الاوضاع تعود تريجيا الي اسوأ ما كانت عليه قبل ثورة 1952م ويسعي للعودة الي المعارضة التي انتسب اليها قبل الثورة وفي ظروف جديدة وهيءللسادات بغباوة مفرطة ان شكري يصلح لدور المعارضة المستأنسة وساعد السادات في انشاء حزب العمل الاستراكي في اواخر السبعينات ولم تمضي الاشهور حتي انقلب شكري ال سيرته الاولي وتحول حزب العمل برئاسة شكري الي خصم لدودلكامب ديفيد ولنظامها والي موئل لجماعات من الوطنيين والناصريين كانت ممنوعة من العمل بالسياسة والي محطة جنيسن لرجال مصر الفتاة القدامي وتكون خليط سياسي بزعامة ابراهيم شكري اقرب لاحزاب يسار الوسط وفيما بدأ ابراهيم شكري في صورة الراعي الطيب فقد افرزت الظاهرؤة رجالا ونساء من المعارضين المؤثلاين بشدة في الراي العام كان اولهم بالطبع فتحي رضون الذي سجن في العهدالملكي وفي اواخر العهد الساداتي وحلمي مراد الذي تساءل في الوقت المبكر عن بدعة السيدة الاولي وعن نفوذ جيهان السادات ومن بعدها سوزان مبارك ثم عادل حسين الذي التحق بالحزب في اواسط الثمانينات وكان له الدور البارز في اعادة صياغة هوية حزب العمل كان عادل حسين يؤمن كما قال لي مرارا بما يسميه الناصرية اخر موديل وكان يعي لتحويل حزب العمل الي مزيجا من التيارين القومي والاسلامي كان تركيزه هائلا علي الاستفادة من الحجم الكبير لجماعة الاخوان المسلمين وهكذا نشأ ما سمي بالتحالف الاسلامي

والذي الت اليه زعامة المعارضة الرسمية في برلنمان 87م بدا ان عود جزب العمل يشتد وبدأ الهجوم الرسمي مركزا علي شخص عادل حسين الذي حظي بدعم ورعاية وتأييد ابراهيم شكري فقد ظل الرجل مخلصا لا ال حسين ودعم خط عادل حسين وفاء بحق شقيقه الاكبر احمد حسين فقد كان شكري من طراز رومانسي فريد وظلت جريدة الشعب الناطقة بلسان حزب العمل تؤثر بشدة في الراي العام طوال التسعينات ولم يكد يطوي القرن اوراقه وحوادثه حتي وقعت الواقعة وانقلب نظام مبارك وريث السادات علي ابراهيم شكمري وحزبه بالجملة وتقرر حل الحزب واغلاق الجريدة في سنة 2000م كان ابراهيم شكري قد وصل وقتها الي عامه ال84م وظن النظام ان الرجل مع تقدم السن ووهن الصحة ربما يميل الي المساومة لكن الرجل صمم ان يحتفظ بصفحته بيضاء وبسيرته ناصحة ولجأ الي القضاء الذي انتصف له مرارا وتكرارا واصدر عشرات الاحكام بعودة جريدة حزب العمل للصدور لكن النظام الذي يحتقر القانون ويدهس القضاء صمم علي رفض التنفيذ وهكذا بدا ان شكري قد احيط به حاصره الاحباط المستعجل وذهب الي العزلة والمرض ولم تعد تسمع عنه او تقرأ له والي درجة تصورت معه اجيال ان ابراهيم شكري قد مات وغادر الدنيا من زمن بينما بينما كان الرجل وحيدا مع امراض الشيخوخة في بيته ويشكو الي الله ما لحق به من عنت الظالمين

ذهب شكري الي العزلة بغير اختيار والي خيمة الصمت المطبق وهو الذي كان مليء السمع والبصر فقد جرحته الاهانة وهو الذي جعل حيالته سيرة شرف انتهي وحيدا الي اجترار الاحزان وربما تأمل ما يجري حوله واحس ان الزمن لم يعد زمنه فقد بدت حياته كلها في المحصلة كأنها قبض ريح عاش يحلم بمصر افضلوقد رآها تتدهور من سيء الي اسوأ وتنحدر الي هاوية بلا قرار عاش حياته مناضلا من اجل حقوق العمال والفلاحين وانتهت القصة الي دهس ادمية المصريين بغالبيتهم الساحقة نا صرثورة يوليو ورأي انجازاتها تمحي من الوجود واحدا بعد الاخر كانت فلسطين قضية عمره كما كانت قضية كل المصريين وكان بيته هو المنزل المفضل لاستضافة ابوعمار رمز الثورة الفلسطينية وانتهي الامر الي ما عرف ونعرف اعلام السفارة الاسرائيلية علي حافة النيل وهدايا الغاز والبترول المصري لاسرائيل ومهانة استضافة اسرائيليين في بيت الرئيس كان شكري السياسي الرومانسي اشبه بالوتر الحساس والكل يذكر ماذا فعل شكري في جنازة الشهيد سليمان خاطر كان الشهيد قد مات غيلة في السجن وبعد ان اتهم بقتل اسرائيلييسن في سيناء وبكي شكري الفتي كأنه ابنه ولم يكن يدري انه هو الاخر سيموت وحيدا فهو الرجل الذي ضيع في الاحلام عمره وسرت المفارقة ساخرة مريرة الي حافة القبر فقد ظهر صفوت الشريف في الجنازة وهو رئيس لجنة الاحزاب التي الغت حزب ابراهيم شكري وكانهم قتلوا القتيل ومشو في جنازته

ليست هناك تعليقات: