2008/12/22

الحذاء...مبتدأ التاريخ وخبره البليغ

قيل قديماً إن الجنون..لغة اختفاء العقل..واقسى أنواعه جنون الحكم..هذا الجنونُ هو ما آتى بالسيد بوش، كي يَسْكر بلا قدح وهو يراقصُ الشيطان على جثثِ قتلاه.. وحيثُ يتذوق بعضنا نخب الموت وهم أحياء.. بل ويقول بعضهم "وهم دائما على حق" يجبُ أن نستقبلَ الموت بصدورٍ رحبةٍ مبتسمين سعداء.
جاء شأنه شأن كل الطواغيت حكاماً..وامراءً..وقياصرةً..وفراعنة.. وملوك، ليفاجئ بأبجديةِ البقاء، تكفرُ بدينِ الديمقراطية، وبكافةِ الدساتير الوضيعة، والقوانينٍ الانسانية، لتفسدَ عليه نشوة الانتصار الكاذب.. وتقول في ردٍ بليغ ليس شرط أن ينسحبَ شتات الجغرافيا على اشتباكاتِ التاريخ.
في تلك الليلة قرأتُ لزميلةٍ سؤالاً جائعاً ينتظرُ ولو نصف إجابة ..أيهما الحدث..أحذاءٌ عربيٌ انطلق ليعلو رأس بوش ويهوي بكرامتهِ؟؟ أم بضعُ كلماتٍ لم يكملها شذقٌ أخرسهُ حذاء..؟؟
هاجمني صمتٌ كثيف، ورحت أفكر كيف انحت الإجابة دونما طيشٍ أو تخبطٍ في الانفعال؟؟.
اشتد جوع السؤال فأطلق دفعته الثانية.. أيهما الحدث نهايةُ ولاية بوش أم نهايةُ حرية رجلٍ حافي القدمين مرفوع الرأس؟؟
أنهكني التفكير فبت مصلوباً على جذعِ سؤال..غفوتُ وأنا اتبادل أطراف الحديث مع صاحبِ النعال.. وكما الأطفال ذهبت أعيد على مسمعيه السؤال.. هز برأسهِ وقبلَ إن ينطق، شفعت حديثي بالقول: أيا من سطر بحذائهِ التاريخ لا تحدثني عن التفاصيل..فما قالتهُ النعال به الكثيرُ..الكثير.. فقط اطلق قافلة التباريح نحو النفس المثقلة بنعوتِ الهزيمة علها تستريح.
قال: ما بك تقطع عليّ صلواتي في محرابِ الكرامة لماذا أجيبكم؟ وهل يفيد محاورة الأموات؟؟ هل تُبْعثُ الأرواح بعد الممات؟؟ وإن كنتَ مصراً فاعلم وبلغ عني..أنا فقط عقدت محاكمة ميدانية، وقد استوفى حذائي كل شروط الإدانة.. فقذفتهُ بقسطٍ من الأمل.. وكثيرٌ من الألم، لعل فعلي يصبحُ أولَ الغضب ومبتدأَ الخبر يا امة العرب!.
أما فيما يخص أسئلتك.. فالأولُ مجرد نعل..وما فائدة النعال إن لم تهوِ بكرامة البغال.. وهو عاوٍ.. والعوي من خصالِ الكلاب.. والكلابُ لا تُخرسها إلا النعال.
إما الثاني: فولايته ولايةَ حرب.. والحربُ إما هزيمة أو انتصار.. والنشميُ العربي مهما تكالبت عليه الأمم لا يعرف الانكسار..وأنا مجرد رجلٍ من امةِ أحرار لا تعرف ارتداء النعال إلا ورأسها شامخاً كالجبال.. فكيف يكون لقاء الكرامة بوجهِ العار؟؟!!
على جدارِ البوح تهالكتُ وجعاً..حتى أنني خجلت من النظر إليه.. أحسستُ بنظراتهِ تحاصرني..تلاحقني.. وفي لحظةٍ تلبدت فيها السماء رحت اسأل نفسي.. ماذا أقول لرجلٍ اكبر من شظايا التنافر وسط احتدام الذات ولعنة الأنا ؟؟..وكيف ارفع عيني أمامه وهو من اختار ركوب الريح محارباً تعرفهُ الخيل الليل والبيداء؟؟ وماذا أقول وهو من كان يحدثني ولسان حاله يقول: كفاكَ تبجحاً يا كاتب التاريخ.. فالعربيُ الحر قادرٌ أن يأتي بأكثرِ من لعنةٍ تملك جرأة الانتصار.. وتمحو عن الوجوهِ تجاعيد الانكسار.
ولما حاولت الرد وجدت لساني قيد الاعتقال فاستأنست بالصمت لبرهةٍ من الوقت.. جمعت قواي وفي لحظةِ تهورٍ اتكأتُ على العدم وقلت سيدي عذراً .. نطلب منك السماح.. فشيوخُ المنابر، وزعماءُ المحافل، وقادتنا الجحافل.. قالوا (والعهدة على الراوي) إن رغيفَ الخبز قبل الكرامة.. فبالله عليك لا تجلدنا بسياطِ الذل والاهانة والعار.. خذ بيدنا من سادية الصمت المطبق.. فنحن للتو خرجنا من الهزيمة.. نجر شيئاً من الفرحِ المجبول ببعضٍ من كرامة.
أتعلم.. كانوا حتى الامس القريب يقنعوننا أن الإرهابَ في أوطانِنا قد تسبب في ثقب طبقة الأوزون.. وأننا حفنة من مرضى بالوراثة، مصابون بمرضِ جنون البقر.. حتى ظننا (وبعض الظن إثم) أننا من نقل العدوى للحيواناتِ بالتساوي.
لا بأس ولكن بربك هل لك أن تخبرنا كيف استغنيت عن الحذاء؟؟وهو منْ لامسَ تراب وطنكَ الطاهر ذاتَ مساء..أتلتقي الطهارةُ بالنجاسةِ تحت الخيمةِ الزرقاء؟؟
أأقول لكَ على أسئلتي لا تجب ..اعلم يا صديقي انك تفكر في المصير.. وأنك وحدكَ من سيدفع فاتورة التأمين ضدَ اليأس..ولكن لا تخشى فلك زملاء كانوا ينتظرونكَ منذُ زمنٍ بعيد.. ومنهم من بشرَ بك أيها المُنْتَظِر منادين في الناس شعرا:
لا تقرؤوا التاريخ في ذاك المساء
حتى يجيء غدا صديقٌ للوطن
كي يعدم التاريخ رمياً بالحذاء!!.
وها أنت لبيت النداء..والملفت حقا.. انكَ في صالةِ الرقص على جثثِ الشهداء لم تخشَ رهبة الموت!!. بل رحت تعزف بنعليكَ أنشودة الحياة..دونما اكتراثٍ لسيفِ الحجاج، وتلك وحدها من عرايا الحقائق، ليست محض صدفةٍ منسية، ولا هي هذيان.. فأنت وحدكَ من استطاع جلب الكرامة ليجعلها صرخة حق في وجوهٍ حافيةٍ بلا وطن.. لتسطرَ بحذائكَ مبتدأ التاريخ وخبره البليغ.

بقلم: أحمــد زكارنــــة

ليست هناك تعليقات: