2008/12/21

صور بالعين المجردّة

تنويه :
هذه الصور هي نقل حي لوقائع عشتها, وصور شاهدتها بأم العين ... أردت من خلال رسمها أن تكون تحية إكبار وإجلال وانحناء , الى مدينة الرديّف لؤلؤة الحوض المنجمي , وبوصلة مدن التخوم المحرومة , وعنوان هبتها النضالية .
صورة رقم 1:

السجن للسّجان

هل كان حضور "مواطن تونسي " مقيد بالاغلال موكب تشييع جثمان والده الذي قضى كمدا وحسرة نتيجة ماآل إليه حال ابنه (وان كنا نؤمن كأشد مايكون الايمان بقضاء الله وان لكل اجل كتاب ) يمثل خطرا على امن الدولة التونسية ؟؟؟
وان كان هذا" العذر" الذي برّرت به السلط المعنيّة عدم السماح للمناضل القومي الناصري "حفناوي بن عثمان"السجين بسجون الاقليمية العفنة منذ يوليو 2008
على خلفية أحداث الحوض المنجمي , صحيح ؟ .. فأية دولة هذه التي ترتعد فرائسها لمجرد طلب تسريح سجين مقيّد , لبضع ساعات خشية اهتزاز أمنها ؟؟ في العاشر من ديسمبر 2008 وبالذات في ذكرى يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , يحرم الإنسان في تونس حتى من حق توديع أحبائه وهم يغادرون الى الأبد .. حتى وان كان المصاب جلل والراحل أحد الأبوين ؟
وهنا لسائل ان يسال , أبهذه المعالجات العقيمة سيستقر أمن البلاد ؟؟؟
أماأنا فأقول للمناضل والمواطن الصاّلح بامتياز "حفناوي بن عثمان ": اناّ نعزّيك في رحيل والدك الذي حرمت من حق إلقاء النظرة الأخيرة عليه ... ونشد على يديك وأسرتك الكريمة الشجاعة وخاصة تلك الأم العظيمة الصابرة , في هذه اللحظات العصيبة التي تزامنت مع صدور تلك الأحكام الظالمة والقاسية بحقك وحق رفاقك , ونقول لك تلك ضريبة النضال , والرجال مواقف , وأنت اليوم تقف مثل رجال شرفاء سبقوك في الايمان وما هانوا وما بدلوا تبديلا , وكلنا ثقة ان إيمانك وعزمك وصبرك أقوى وأبقى و أكبر من بطش سجّانيك .
صورة رقم 2:


العدل أساس العمران .. و الظلم أبو الثورات

عندما تكون قادما من مدن مترفة ذات منسوب تنموي مرتفع , ورفاه حياتيّ واجتماعيّ واضح , وبنى تحتية عالية الجودة مقارنة بما ستفاجئ به من غياب شبه تام لكل تلك المرافق , حيث تأخذك المسافات بعيدا الى تلك القرى والمدن العصيّة.. فإنه لابد ان يسكنك الاستغراب والدهشة والاسى , لتلك الفوارق التنموية والاجتماعية الكبيرة المجحفة التي تلمسها بين جهة وأخرى وأنت تجوب البلاد نفسها ؟.. فمسافة ما يقارب 200 كلم كانت كافية لتجيب على عشرات الأسئلة التي سكنت رأسي منذ أن بدأت تلك التحركات الاحتجاجية التي عرفت بأحداث الحوض المنجمي ( وتنسيبا أصحّح وبعد الذي شاهدت بأم عيني من صور الحرمان والمعاناة, فأسميها إنتفاضة المدن المحرومة ) .
قبل أيام لم أكن اعرف عن معاناة تلك المدن والقرى سوى ما كنت أقرأه عنها متابعة لتلك الأحداث في بعض الصحف وبعض وسائل الأعلام والمواقع الالكترونية أومن خلال بعض الوقفات "التضامنية " التي جرت مساندة لتلك التحركات ورفضا لما ووجهت به من قمع ومعالجات أمنية عقيمة من لدن السلطة.
فعلى مدى العصور والى اليوم عرف الظلم أنه عنوان للقهر والاستبداد والجور واعتداء على الحياة والوجود معا , ومساس بحق وحقوق الناس أفرادا كانوا أوجماعات . لذلك لم يختلف المفكرون والفلاسفة وحتى الشعراء كثيرا في تحديد معنى لذلك المصطلح البغيض المسمّى - ظلم - والذي قاومته البشرية منذ فجر التاريخ والى يوم الناس هذا, ولم تتراجع ولم تهن عزيمتها . وقد كان مالمسته وشاهدته من مظاهر الحرمان وغياب للكثير من مقومات الحياة الإنسانية الكريمة في تلك المناطق التي كانت مسرحا لتلك الأحداث (ولا تزال مهيأة لها ) دليلا قاطعا على أن الظلم كان هو الدّافع الأساسي لتلك الهبّة , وأن ما تعانيه تلك المدن والقرى من تفقيروحرمان واهمال وعدم توزيع عادل للثروة والمشاريع التنموية والاقتصادية في تلك الربوع قياسا بما تشهد ه غيرها من المدن والجيهات الأخرى من نمو وازدهار, هو الذي دفع بتلك الجموع من الناس الى الانتفاض والاحتجاج ورفض تلك السياسات , خاصة فيما يتعلق بمشكلة البطالة ومعضلة التشغيل , وما يحيط بهذا الموضوع من ظواهر مرضية ليس اقلها تحكم المتنفذين في سوق الشغل, وتفشي ظاهرة الفساد السياسي والمالي والرشوة والمحسوبية "كمقاييس" للانتداب بين طالبي الشغل بدل الكفاءة والأهلية .
وان كان أبو ذرالغفاري رضي الله عنه قد قال:(الجوع أب الكفار) فإني أرى أن (الظلم أب الثورات), وماهو واقع على تلك الربوع من ظلم واهمال , وعدم تمتع الاهالي هناك بالمرافق الضرورية للحياة والعيش الكريم , ولامبالاة الجيهات الرسمية بمشاكلهم كلها عوامل ساعدت على خلق تلك الأزمة - وتبقى مساعدة - على المزيد من الاحتقان والتصعيد , خاصة بعد صدور تلك الأحكام القاسية والمجحفة في حق قادة الحركة الاحتجاجية والتي لن تنهي القضية باعتبار ان الاسباب التي قادت الى تفجّر تلك الأوضاع في بداية السنة 2008 , لازالت قائمة الى حد الآن هذا ان لم تزدد حدة , وهي لن تنتهي الا متى رفعت تلك المظلمة عن تلك المدن والقرى وأهاليها , الذين هم في الأخير جزءا لايتجزّأ من أهلنا وشعبنا , قدموا الغالي والنفيس في سبيل تحررهذا القطر - تونس- من نير الاستعمار المباشر . ومن حقهم كل الحق ان ينالوا حقهم في الشغل والعيش الكريم , وحقهم في الثروة التي تنتجها جهتهم والتي تقدرباكثر من مليار دينار تونسي سنويا , لوخصّص جزء منها لتنمية الجهة لحلّت الا زمة .
فوضع حد لمعاناة أهالي مدن الحوض (وغيرها من المناطق التي تعيش نفس الاوضاع) وابطالالاحكام الصادرة بحق تلك الكوكبة من الشباب المناظل ,الذين لم يرتكبوا جرما سوى انهم حاولوا وبطرق سلمية ولمدة ستة اشهر كاملة ان يدفعوا بمشكلات جهتهم الى السطح , ومحاسبة المسؤولين الحقيقيين عن تحول تلك الاحتجاجات من مسارها السلمي الى تعاطي قمعيّ عنيف راح ضحيته اكثر من شهيد برصاص القوى الامنية , هووحده الكفيل بتفكيك تلك الازمة وصياغة حلول عادلة لها .

صورة رقم 3 :

مدينة ثكنة .. و أحكام على وقع الهتاف

منذ ساعات الصباح الاولى والى حد ساعة متأخرة من مساء يوم الخميس 11/12/2008
كانت مدينة قفصة تبدو كثكنة عسكرية و كانت عوامل عدة قد تظافرت لتجعل من ذلك اليوم , يوم بائس بكل المقاييس ...قسوة الطبيعة , برودة الطقس , توجّس أهالي المساجين من امكانية صدور احكام جائرة بحق ابنائهم "وهوماحصل فعلا" حالة الاستنفار والحدّة التي بدى عليها أعوان الامن الذين ضربوا طوقا محكما حول مقر المحكمة حيث كانت تجري المحاكمة .
صور لاتبعث على التفائل , اما اذاكنت من المحضوضين واستطعت ان تلج الى داخل المحكمة فإنك لن تستطيع ان تصل الى قاعة المحاكمة حيث كان يجري ذلك الفصل من تلك المحاكمة (المسرحية) التي انتهت بادانة الضحية وتبرئة الجلاد ؟؟
مابقي عالقا بذهني وانا اغادر ردهات تلك المحكمة تردد في صدى تلك الهتافات التي تعالت على وقع القيود تدعو بسقوط الظلم والاستبداد والطغيان وكنت اشعر وكأن المدائن كلها تنشد معي هذه الابيات للشاعرالكبير محمود درويش :

"..لاغرفة التعذيب باقية
ولازرد السلاسل
نيرون مات ,
ولم تمت روما ..
بعينيها تقاتل..
وحبوب سنبلة , تجّف
ستملأ الوادي سنابلا..."

والتي اهديها الى قادة الحركة الاحتجاجية في سجنهم فرّج الله كربهم .


فائزة عبدالله /تونس
13/12/2008

ليست هناك تعليقات: