2008/12/12

الغاسقون .... والمناورة الخطرة .





رمضان عبدالله*

قبل ان نبدأ في صلب موضوعنا هذا رأينا من الضروري استدعاء بعض الوقائع التي حدثت أثناء مسار الأحداث التي تخص تاريخ ومراحل صراعنا مع أعداء أمتنا المعروفين وهنا أتذكر ذلك اللقاء الذي طلبته شخصياً من السيد أبوعمار ( ياسر عرفات ) وعندما سمع برغبتي باللقاء به حدد موعداً بكل أريحية دون أن يسأل عن السبب أو مضمون الحديث الذي سيجري بيننا وعندما ألتقيت به سألته فوراً السؤال التالي : ( أخ أبو عمار .. لقد سمعت في الأونة الاخيرة عن طريق تسرب بعض المعلومات بأن هناك شئ يجري سراً ( في أوسلو ) وقد دار حول ذلك نقاشات بين أفراد ينتمون إلى التيار الذي يرفع رايات المقاومة فهل يكون من حقنا نحن أن نعرف ماا يجري بالضبط ؟ ) وهنا تطلع أبو عمار ونظر إلي بكل هدوء وقال الآتي : ( أسمع يا أبا عرب هل يتسرب إلى ذهنك ولو للحظة واحدة بأنني سأمارس شيئاً يضر بقضيتنا المقدسة ) .. وقال عبارة أخرى لا ينبغي ذكرها في هذا الوقت ... ولكنني ما رست حقي النضالي وشددت عليه بسؤال أخر .. ( أخ أبو عمار هل ستعترف بالكيان الصهيوني ؟ ) فوضع يده على كتفي وقال بما معناه باللهجة المصرية : ( يا أبا عرب ان خلافك معي يقوي ظهري ومحبتي لادائك النضالي الشريف تلزمني في هذه اللحظة معك أنت بالذات بأن أودع لك سراً .. وهو أنني سأقاتل هذا العدو الشرس معكم وبكم .. وأعلم إن راديكاليتكم وجذريتكم لا تسمح لكم بهامش المناورة وهي معطية تسر قلبي وتجعلني في حالة اطمئنان ) .. بعد هذا ( المديح ) قلت له .. ( لم تجب عن سؤالي المحدد والواضح ) فتحدث عبارتين باللهجة المصرية ( ما بلاش مشاكسة .. إنني بكل وضوح ) يقول أبو عمار : ( لن أعترف إلا بما يعترف به شعب الجبارين ) فقلت له .. ( إن التيار المقاوم السري قد حدث في طبائع تفكيره صداع ناجم عما تسرب في محادثات أوسلو السرية ولكن تقديراً لشخصكم سنصبر ونواصل تطوير حالات جديدة في إطار الحيز الغير معلن بالنسبة لنا كعرب يقاتلون عدو الله من خارج دائرة المقاومة الفلسطينية ) .. وبعد ذلك تطورت الاحداث واستمرت مجموعة ( أوسلو ) في تعاملها مع سلسلة وعود وهمية واتفاقات كتبت على الورق ولم ينفذ العدو منها شئ وتواصلت عمليات التمييع السياسي وهرب الحكام العرب هروباً مشيناً من مسألة الالتزام بالقضية الفلسطينية وملحقاتها المقدسة وجاء ( بل كلينتون ) لرئاسة الولايات الصهيونية الامريكية .. وعبر اتصالات واتصالات أنتهت في أواخر حكم ( كلينتون ) باستدعاء فريقين أو طرفين فلسطيني وطرف يمثل الكيان الصهيوني .. وجرت محادثات " كامب ديفيد " .. ولا أريد الخوض في تفاصيلها الخرائطية التي كانت تمثل مناورةً تشكل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية .. ولكنني هنا أبين فقط الموقف التاريخي ( لياسر عرفات ) حيث رفض بشكل مفاجئ تلك المناورة ، هذا الرفض الذي كلفه ثمناً باهضاً حيث تمت محاصرته واستفزازه وضرب ابعاده المعنوية وتهميشه بصورة غير اخلاقية وقد استمر هذا الاسلوب القهري معه إلى أن تقرر قتله بالطريقة المشينة التي تحدث عنها محضر تصفية ( أبو عمار ) تصفيةً نهائية ، حيث تقرر هذا في اجتماع سري حضره مدير المخابرات الامريكية ( جورج تينت ) و(شارون ) البشع وأطراف أخرى موسادية وصهيونية ( قد تتاح فرصة للحديث بشكل واسع عن هذا المحضر ..) رحم الله أبو عمار واللعنة على الذين تركوه محاصراً .. مهاناً .. وخاصة الانذال حكام خرابات سايكس بيكو ..

أعود هنا لتوضيح بعض المواقف التي أشرت اليها أثناء الحوار مع أبو عمار حول مأساة

( أوسلو ) وخاصة فيما يتعلق بسلسلة الافكار المتصلة بكيفية نشوء وإنشاء التيار المقاوم وخاصة في المجال القومي حيث كان أبو عمار يعلم بإن هناك نشاط يمثل رؤية وقراءة واضحة وصريحة في فهمها لطبيعة الصراع مع العدو وهي رؤية تختلف في ترتيباتها مع الاساليب البراغماتية ومن اهم ذلك ان هذه الرؤية تعتمد اطار استراتيجي يتمثل اولا في تقوية الظهير المقاوم المساند للجهد المقاوم الفلسطيني وكذلك اعداد وترتيب ظهيرا اخر يتمثل في انشاء قدرات في المجال الحيوي في العالم الاسلامي لكي يكون ظهيراً مسانداً للجهد الفلسطيني ايضاً ، كما جرت محادثات مع قوى تحررية عالمية في مناطق مختلفة ومن اهمها منطقة امريكا الجنوبية لكي يتشكل ظهير عالمي يتعاطف ويساند القضية الفلسطينية وكانت الاستجابة في هذا الموضوع في غاية الاهمية والقبول والترحيب .. واؤكد هنا ان كل ما ذكر اعلاه كان يجري في اطاره السري البحت ؛ وهنا لا بد من القول بان مجموعة هؤلاء المناضلين وخاصة على الصعيد العربي قد بدأت في تشكيل منظمات تعمل في اطار الكتمان الشديد واستخدام اساليب تغطي من خلالها انماط وفعاليات العمل المقاوم وقد نفذت بعض العمليات النوعية ضد العدو الصهيوني .. وبما ان ( اهل هذا العمل لا يزال الكثير منهم على قيد الحياة نكتفي بالحديث عن هذا الى هذا الحد ) .. وبما ان قضيتنا المقدسة لا زالت حتى هذه اللحظة في نفق مسدود فانني اذكر الحالمون والجبناء والمترددون والاغبياء والخونة من حكام هذه الامة الذين الحقوا بها عاراً تاريخياً وذلاً معنوياً وتفريطاً لم يسبق له مثيل في تاريخ المظلمة الانسانية .. اذكرهـــم باجتمـاع

( انابولس) والذين حضر منهم هذا الاجتماع بان هناك قراراً واحداً قد اتخذ في هذا الاجتماع يتجسد في اعتبار الضفة والقطاع هي محافظات اسرائيلية لا يجوز لاحد الحديث في جوهره من أي طرف كان الا بين الفلسطينيين والصهاينة فقط ، أي حواراً داخلياً يتعلق بظالم ومظلوم ونتصور هنا كيف يكون الحوار في هذه الحالة بين محتل واخرون يتذمرون من وطآة احتلال غاشم تسانده قوى الكفر والهمجية وقد استمعتم الى اطراف دولية تردد كلمة ( تشجيع الحوار بين الفلسطينيين والصهاينة ) ورايتم كيف يتم ابعاد أي جهد لاي طرف دولي من التدخل في الشئوون الداخلية لقرار ( أنابولس ) هذا القرار الذي انسجم مع طبيعة الانظمة العربية وحكامها المتخاذلون والذي يهدف الى عزل قضيتنا المقدسة عن بعدها الشعبي العربي..

ان ليل الظالمين طويل وانت مقمر يا وطني المقدس .. ان لك من اولى الالباب صابرون مؤمنون محتسبون مجاهدون وسينبلج فجر امة تحت رايات محمد رغم انف كل انفصالي عفن .. وكل انكفائي متخاذل .. ورغم كل الفتاوي التي يتفنن فيها رجال دين تعايشوا تحت ظل عمائمهم مع مظاهر الاجتياحات العسكرية وتعايشوا مع الاحتلال الصهيوني الامريكي للعراق واصدروا الفتاوى التقسيمية المشينة اثناء مواجهات شباب مؤمن في جنوب لبنان..

لقد ذكرنا تلك المحاولات والجهود التي تهدف الى ترتيب اوضاع الظهير العربي في بعديه الاجتماعي الشعبي والتنظيمي المقاوم بكل ما تعنية كلمة مقاومة في ابعادها المختلفة .. وخاصة فيما يتعلق بمسألة التطبيع مع العدو الصهيوني وعندما نما وترعرع هذا التيار وبدأت تظهر نتائج اعماله المثيرة في بعض المناطق العربية وكذلك بروز فعالياته في مناطق عربية معينة شعرت قوى الردة والكفر وعلى رأسهم اجهزة مخابرات الكيان الامريكي الصهيوني واتباعه في اوروبا وفي وطن الامة المقدس بالخطر .. وبناء على الشعور بالخطر تم تكليف انطمة عربية بمتابعة الظاهرة ورصد عناصرها واجراء تقييم شامل كامل في جميع المناطق العربية وذلك حدث بعد اجتماع جهات امنية في ( برلين ) حيث تقرر تصفية هذا التيار بامتداداته الشعبية والمقاومة ولا اريد هنا ان ادخل في تفاصيل لها صلة بالعرب الذين اشتركوا في قرار التصفية لانها ستشكل فاجعة اخرى لقراء هذه الحلقة ولكن هذه التفاصيل في اطار سرد هذه التراجيدية في ايدي امينة .. وهذا بعد ان اتخذ القرار الامني بتصفية وكنس هذا الاتجاه بدأت الاجراءات الفعلية التي تهدف الى كنس هذا التيار وازاحته من الوجود ان استطاعوا .. ولكي تتجسد امام اعيننا نتائج هذه التصفية اورد الارقام التالية :-

مجموع الذين تم اعتقالهم في تسع مناطق عربية هو ( 4182 ) ، اما الذين تم اعدامهم مقسمين على تلك المناطق هم ( 109 ) ، .. ومن بين الذين اعدموا في بعض المناطق قيادات بارزة يتمتعون بالحكمة والايمان ويحملون اماني امة تسعى لاعادة امرها الطبيعي الى ما كانت عليه ،، ويحملون جميعاً شعوراً طيباً نحو قضيتهم المقدسة فلسطين التاريخية ويعملون من اجل ارساء نظام حكم قائم على العدل والحرية وتكافؤ الفرص .. وكانت أحاديثهم في مجملها تعبر عن رؤية التيار التي تتخوف من حالة التمادي في التبعية والارتهان والتي نشاهد في وقتنا الحاضر ملامحها بينة واضحة ..

لقد تحدثنا باختصار شديد عن تلك المرحلة التي خاض فيها مناضلون شرفاء بأفكارهم الملهمة نضالاً شرساً تخللته أنماط متعددة من المعاناة التي كان سببها في دائرة الفعل أوامر خارجية وتصرفات صبيانية من طرف أتباع أنظمة الحكم التي أصيبت بعمى البصيرة حيث فقدت بوصلة الصواب واختفى العقل وراء ظاهرة الذل والتفريط ... لكن

( الضربة التي لا تقصم الظهر تقويك ) فقد كان الاثر العظيم الذي خلفه دم شهداء الامة قد نبت في الارض من جديد مزهراً رافعاً رايات المقاومة والآباء بعقل تنويري جديد وتأثر اللاحقون بتجارب السلف المناضل واعدوا ما استطاعوا من قوة على نسق جديد واع وقد تشكل تيار الامة المقاوم ورفعت وتيرته مرحلة بعد اخرى وبفعاليات هذا التيار المجاهد قصم ظهر الجيش الامريكي في العراق ولن يخرجوا بإذن الله من هذا الفخ الا ذليلا مهانا ... كما حطم تيار النبتة البعد المعنوي للعدو الصهيوني وجعل هذا الكيان لأول مرة يشعر بحالة ( ازمة كيان ) .... وبما ان الامر مرتبط بمراحل المواجهة مع الأعداء يتوجب الحديث وبشكل مختصر عن ( الهيصة ) التي جرت منذ ايام حول الانتخابات الأمريكية حيث تبين ان عددا من العرب مازالوا يعيشون تحت ضغط مفردات إعلامية تمثل لغة لا تنتمي الى عصر المواجهة هذا وبالتالي لا تستطيع هذه اللغة ان تقيم نهجا واعيا يسمي الأشياء بمسمياتها وينفذ مباشرة الى مصدر العلة خاصة فيما يتعلق بطبيعة نظام الحكم في الولايات الصهيونية الامر يكية ولم تقدم أي قراءة حقيقية بطبيعة المجموعة ( التدبيرية ) التي تحكم المسار السياسي والعسكري في هذا البلد و قد ظهر علينا عدد من ( المطبلين ) والذرائعيون الذين قدموا تقارير صحفية ساهمت في حالة التضليل للمواطن العربي وبكل ود نقول لهؤلاء أرجو أن نعمل جميعا من اجل ارتقاء الحالة الذهنية التي تمكننا من فهم حقيقي لطبيعة ما جرى في أمريكا منذ أثنى عشر عاما وعند الحديث عن ( اوباما ) يمكن فهم المشاعر العاطفية لدى البعض للونه ومرحلة الغبن والاضطهاد والعنصرية التي عاش فيها الزنوج في امريكا ... لكن العواطف والتعاطف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تؤدي الى فهم حقيقي لطبيعة الصراع ولا نريد هنا ان نسبق احداثا رهيبة ستحدث في ظل المرحلة القادمة وخاصة في وطننا العربي .... ان المناورة الخطرة التي قام بها ( التدبيريون ) الحاكمون الان في الولايات المتحدة والذين سيحكمون سوف تنجم عن هذه المناورة اساليب جديدة من أهمها إطلاق العنان لمنظمات مسيرة استخبارياً وقد ذكرت أسماء هذه المنظمات في حلقة ( الغاسقون ... وحبل الركاس ) وستبدأ حروب منسجمة مع مع طبيعة المخطط التدبيري الصهيوني العالمي الذي دخل الان في مرحلته العقائدية مرحلة التنفيذ النشط وذلك في تغلغله في بنية بعض القبائل الإفريقية المحيطة بالمجال الحيوي العربي وخاصة في بؤر التوتر المعروفة ... اما الكيان السياسي الأمريكي سوف ينشئ فريقا صهيونيا متكامل العدد والعدة يختص في الحوار مع صهاينة الارض المحتلة وسيكون الحوار ليس حوارا بين الفلسطينيين والصهاينة بل بين الصهاينة والصهاينة ... وسيبقى اوباما ( حسين ) أسيرا لهذا الإخطبوط الحاكم وسترون بالعين المجردة كيف تميع قضايانا المقدسة في ( غرف ) الألعاب القذرة وخاصة امام حالة التردي والمهانة التي يعيشها المساكين حكام هذه الأمة . وسنعود بالتفصيل في حلقة اخرى لشرح المكونات الكامنة في النظام الصهيوني الأمريكي ... كما نشير الى معطية عقائدية تختص هذه المرة فقط بتيار المقاومة الباسل الذي ستتصاعد وتيرة جهاده نحو تحقيق أهداف امتنا المجيدة ... وسنعود كما عادت من الليل شعلة تضيء وجه الزمان وتنفر ... وسيهتف من الشرق العظيم صوت يعيد العدل الى مناصبه وسيستل سيف ذو الفقار مرة أخرى ليطال اعناق من غدروا بامة الرسالة وسينبلج فجرها وسيتحقق امال شرفاءها وذلك كله تحت صوت نداء يتمثل في وعدها ... وعد الله فان الله لا يخلف وعده ...

* كاتب ومفكرمن القطرالعربي ليبيا

ليست هناك تعليقات: