2008/12/26

جمال حماد ونظرية "خالتي بطة"في رواية التاريخ

بقلم:عادل الجوجري
هناك مدارس علمية ومناهج في رواية التاريخ،هناك المدرسة التي ترد كل حدث الى ظروفه الاجتماعية والسياسية،وهناك نظرية تفسر الحدث من زاوية دور البطل "التاريخي" ثم نظرية خالتي بطة التي كانت تجلس على المصطبة وحولها بعض النسوة والاطفال وتقص عليهم أتفه القصص التي تعكس خيالاتهااحباطاتها ،فهي ترى في ثورة عرابي مجرد "هوجة" وأن سعد زغلول قال "مافيش فايدة"وقدطلب من زوجته "غطيني وصوتي" وأن المصريين قالوا لعبد الناصر بعد نكسة 67 "اللي شبكنا يخلصنا"وفي برنامج"شاهد على العصر" الذي يقدمه المذيع الاخواني أحمد منصور اكتشفت انحياز اللواء جمال حماد الى منهج خالتي بطة في رواية ماأسماه وقائع ثورة يوليو بزعامة جمال عبد الناصر ،مع انه يصف نفسه –ولم يصفه أحد- بالمؤرخ ،فهو يري التاريخ على انه شوية حواديت يمكن ان يرويها الشخص من منظوره الشخصي الضيق جدا،بمعنى أنه يشيد بمن اقرضه خمسين جنيها
،ويعتبره بطلا،ويقدح في الذين نقلوه من وظيفته ،وإن كانت هذه المهمة هي قيادة اللواء18مشاه في العريش،أو رئيس لجنة الخبراء في حرب اليمن،المسؤولة عن بناء جيش وطني لليمن ،فهو ينظر للدنيا من خلال ثقب إبرة هو مصلحته الشخصية،فهو كان مديرا لمكتب الرئيس محمد نجيب،وظن ان نجيب سيظل رئيسا فراح يضمر الشر لباقي الضباط الاحرار الذين انتصروا في معركة الزعامة،ورغم ذلك لم يضايقوه ،بل استمر يتولى المناصب حتى وصل الى درجة محافظ ،وحصل على دورة في موسكو،واللافت انه وهو في كل المناصب التي تسلمها لم يكن في موقع يتيح له الاطلاع على ملابسات القرارات الثوريةالعليا،ومع احترامنا له فقد كان موظفا من الدرجة الثالثة فكيف له ان يعرف علاقة الثورة مع روسيا او اميركا او حتى كيف كان القرار الاستراتيجي يصنع في البلاد؟
لقد راح الذي يصف نفسه بالمؤرخ يستمد معلوماته من الحكايات الأقرب إلى النميمة و الثرثرة في مقاهي ارباب المعاشات،حيث يعتقد الواحد منهم انه بطل الابطال وفارس الفرسان غير أن العمر سرقه وانه كان الاجدر بقيادة الثورة من عبد الناصر،وفوجئنا بأن المؤرخ الذي لم يؤرخ لشئ،يعارض كل قرارات الثورةبدءا من الاصلاح الزراعي وحتى قرارات التأميم ويعارض التوجه القومي ،بما في ذلك التدخل من أجل الدول العربية ،ولم ير أي ايجابية في وحدة مصر وسوريا ولا الدعم الذي قدمته مصر الى اليمن ،ولا الانجازات العملاقة في داخل مصر بدءا من بناء السد العالي وصولا الى النهضة الصناعية العملاقة،ولم يفسر الارتباط الشعبي العربي بعبد الناصر،وكيف وصلت مصر الى مرتبة القائد لالاول للعرب،كل هذا لم يره،وكل الذي لفت نظره هو ان موظفا او ساعيا في سفارتنا في بيروت حاول نقل بعض الحشيش الى سوريا،أو لأن بعض الضباط سهروا مع المشير عبد الحكيم عامر حول الدخان الازرق، واعتبر جمال حماد أن التاريخ يمكن أن يروى في غرزة،أو في جلسة أنس،فهو طوال عدة حلقات لم يظهر وثيقة واحدة و لا مستند وانما"فلان قالي" وفلان عاد لي،الامر الذي يثير الدهشة والشفقة على رجل وقع في مصيدة مذيع اخواني لايترك فرصة إلا ويقول له "احكي لنا كيف كانت تدار الدولة في عصر عبد الناصر، احكي لنا عن الفساد" وهو يضحك كأنه يستمع إلى حكايات عن الامراء العباسيين في نهاية حكمهم،وطبعا احمد منصور معروف بأنه "المذيع الاخواني الأول" وهو من الراغبين في الانتقام اعلاميا من الثورة وزعيمها ،لذا وجد ضالته في خالتي بطة التي روت له حدوتة قبل النوم ،وختمتها بعبارة "تصبحوا على خير.

ليست هناك تعليقات: