2008/12/31

المذابح الإسرائيلية تذكرنا بالمحارق النازية

بقلم: فوزي الأسمر
لا أعتقد أن أحدا تفاجأ من قيام إسرائيل بمذبحة إضافيه ضدّ مواطنين عزل عن طريق قصف جوي، فهذا من شيمها المعروفة. وليس غريبا أن لا يهتم قادة إسرائيل من قتل العرب، كون ذلك من صميم الثقافة اليهودية حسب ما جاء في كتابات البروفيسور إسرائيل شاحاك في كتبه ومقالاته الكثيرة.
فقد قال شاحاك أنه حسب هذه الثقافة فإن قتل غير اليهودي على أيدي يهودي وسرقة إليهودي من غير اليهودي لا تعتبر جريمة، ولهذا فإن حساب القاتل والسارق سيكون في الآخرة وليس في هذا العالم. أما إذا قتل يهودي شخص يهودي فإنه يجب أن يحاكم على الأرض وفي الآخرة أيضا.
ولهذا عم الصمت على الأغلبية الساحقة من اليهود عندما قامت إسرائيل بمذابحها ضدّ العرب، وبررت الأغلبية هذه المذابح. واعتمدت في تبريراتها هذه على الشعور بالذنب الذي إستطاعت الصهيونية زرعه لدى الرأي العام بسبب ما تسميه بالمحرقة النازية ضدّ اليهود في أوروبا .واعتمدت أيضا على الضعف الإعلامي والتخاذل الرسمي العربي.
وما يحدث في غزة اليوم إستمرار للجرائم التي إرتكبت على مدى السنين من دير ياسين إلى كفر قاسم إلى قانا إلى غزة ولن تنتهي مع مذابح غزة. وآخر هذه التبريرات جاءت على لسان وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني أثناء المقابلة التي أجرتها معها قناة "الجزيرة" (يوم 29/12/2008).
فقد قالت أن السبب الوحيد، وأشدد هنا على كلمة وحيد، للحرب هو أن حركة "حماس" لا تريد أن تعيش بسلام مع إسرائيل. وبمفهومنا أن هذه الحركة ترفض مطالب إسرائيل المذلة. ومن ثم إنتقدت "الجزيرة" لآنها تنقل الصورة الحية عن المذابح التي تمارسها إسرائيل قائلة أن هذه الصور هي التي تثير الشارع العربي، وانها تظهر جانبا واحدا فقط
فالقول أن السبب الوحيد هو موقف "حماس" من الإعتراف بإسرائيل، وهي محتلة للآراضي الفلسطينية وتقوم بأعمالها الإرهابية، هو بمثابة رش الرماد في العيون. لقد كانت غزة تحت الحصار لفترة طويلة في محاولة من إسرائيل وبعض الدول العربية كسر شوكة المقاومة الفلسطينينة وخضوعها لمطالب تل ــ أبيب.
واستغلت إسرائيل المواقف فجاءت هذه الحرب الإجرامية قبل أسابيع قليلة من ترك جور ج بوش البيت الأبيض، وهي تعلم أنه سيمنحها كل الدعم والغطاء السياسي المطلوب. كما أن الإنقسام العربي بالنسبة للمقاومة وحقد السلطة الفلسطينية على حركة "حماس" إستغلته لكي تنفذ مآربها ومآرب بعض الدول التي أوقعتها في فخها الصهيوني، كي تبرر قيامها بقتل المدنين وهدم المنازل على رؤوس من في داخلها، وتدميرالجامعات والمساجد والحوانيت وحتى سيارات الإسعاف.
بمعنى آخرلقد أرادت إسرائيل أن تخلط الأوراق في منطقة الشرق الأوسط وأن تضع جمرة حارقة بيد الرئيس المنتخب باراك أوباما قبل دخوله البيت الأبيض، وتمنح المؤيدين لخطواتها الإجرامية إنتصارا سياسيا ومعنويا بعد أن أقنعتهم أن هذه الحرب موجة ضدّ توسع النفوذ الإيراني في المنطقة
فبالاضافة إلى ذلك فإن تفكيرها الإجرامي صّور لها أنها تستطيع أن تنتصر وتفرض إرادتها على الشعب الفلسطيني، وتنهي ثقافة المقاومة وتعيد ثقافة الهزيمة إلى قلوب ليس الفلسطينيين فحسب، بل العرب بشكل عام، وذلك بعد أن خسرت هذه المعركة أمام المقاومة اللبنانية في حرب 2006.
ومع ذلك فإن علامات الهزيمة بدأت تظهر على هذه الإستراتيجية الإسرائيلية. فبالنسبة لتسيبي ليفني وإيهود وباراك فإن هذه الحرب لن تساعدهم في الإنتخابات الإسرائيلية القادمة إلا إذا دخلوا قطاع غزة بقوات أرضية، وهذا معناه سيل من الدماء الإسرائيلية. وليس في مقدور الإثنين أن يبررا ذلك أمام الناخب الإسرائيلي، ولهذا السبب فقد يكتفيان بالهجومات الجوية وهذه لن تحسم الأمر كما يقول الإستراتيجيون العسكريون.
وعكس ما إعتقدت إسرائيل فإن الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي أدان هذه المذبحة، رغم كل محاولات غسل الدماغ التي قامت بها إسرائيل في العالم. وخرجت الجماهير إلى الشوارع تندد بها، وتحرك الشارع العربي في معظم الدول العربية.
فالموقف الذي أثار غضب إسرائيل وبرهن على فشل مهمتها، هو موقف الرئيس المنتخب أوباما. فقد قال ديفيد أكسلروود المتحث بإسمه على شبكة التلفزيون الأمريكية "إن. بي. سي" على برنامجها الشهير "في مواجهة الإعلام" (يوم 28/12/2008) أن الرئيس المنتخب أوباما "لا يزال متمسكا بتعهده بتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من القتال الدامي بين الفلسطييين والإسرائيليين المستمر منذ 60 عاما".
وهذا الموقف يجب أن يواجهه موقف عربي متضامن على الأقل من جانب الدول والمؤسسات العربية والفلسطينية التي ترفض تحركات إسرائيل الإجرامية. فقد قيل هذا الكلام، والقصف الإسرائيلي الغاشم مستمر على قطاع غزة.
وهذا معناه أيضا أنه إذا أراد أوباما الوصول إلى سلام حقيقي في منطقة الشرق الأوسط فعليه أن يضع الضغط الحقيقي على إسرائيل، وهذا في الواقع ما تهابه الدولة الصهيونية.
واخيرا، يحمل هذا العدوان الغاشم بذور محاولة تدمير إرادة المقاومة الفلسطينية على أساس أنها تمثل جزءا من إرادة المقاومة العربية التي تشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل. ولكن الشعب في غزة صامد رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه ولهذا سيفشل هذا العدوان في تحقيق أهدافه، كما فشل من قبله أمام المقاومة اللبنانية.

ليست هناك تعليقات: