2008/09/10

العمل الجماعي... الفضيلة الغائبة بين الناصريين



بقلم:عادل الجوجري
رئيس تحرير مجلة الغد العربي
مدير المركز العربي للصحافة والنشر
القاهرة


كان المشهد مبهجا للغاية ،ناصريون من أجيال مختلفة ، ومن أقطار متنوعة ،ومن أعمار متباينة التقوا صباح 22شباط "فبراير " عند ضريح القائد المعلم


اجمال عبد الناصر وتحت راية واحدة تعكس الشوق الساكن في اتجاه الوحدة، وتستدعي في اللحظة ألق وحدة مصر وسوريا ودولة الجمهورية العربية الواحدة، كانت الهتافات في اغلبها تعكس طموح الناصريين إلى توحدهم أولا وقبل أن تنطلق مسيرتهم في اتجاه الحلم الأكبر وهو الوحدة العربية ،ولا أنكر في الوقت نفسه أن قلة حاولت أن تجير المشهد لمصلحتها أو تخطف الأضواء في اتجاهها غير أن الضمير الناصري الجمعي صمم على تنفيذ وتجسيد إرادته في أن يكون الاحتفال الناصري لناسبة مرور 50عاما على الجمهورية العربية المتحدة هو عيد لكل الناصريين يشاركون فيه على قدم وساق من دون إقصاء أو استبعاد.
وقد برز سؤال له معطيات :لماذا لايبني الناصريون على ما تحقق من وحدة الأداء،ووحدة الراية ووحدة العمل لاسيما الجماهيري منه؟
وتفرع السؤال بالضرورة إلى جداول وأفكار :هل أن التشتت التنظيمي بين الناصريين له أسباب فكرية أم أن الظاهرة لها أسباب شخصية ونفسانية؟وهل ورث الناصريون مرض الانقسامية والتشرذم من الماركسيين أم أن الظاهرة موجودة في كلب التيارات لغياب المشروع القومي الجامع غير المانع؟
من موقعي داخل التيار الناصري أود أن اطرح رؤيتي للظاهرة غير مدع بأنني امتلك الحقيقة وحدي ، و لا أزعم أنني أقدم وصايا لرفاق العمر،لكنني هنا أريد أن أفكر بصوت مسموع وان أدير جدلا مع الذات ومن يحب ،اعتز بكوني كنت ولازلت أعمل داخل التيار الناصري بما أعتقد انه الحق،وقد اختلفت مع كثيرين واختلف معي كثيرون ،وأسجل للجميع تقديري واحترامي فقد تعلمت مابين أيديهم من معرفة ونهلت من خبراتهم الكثير.
والآن إلى هذا الحوار
أين يقف الناصريون اليوم؟
لا يختلف اثنان –ولو كره الكارهون-على أن التيار القومي هو ركن أصيل في المشهد السياسي العربي اليوم ،وهو يشكل مع التيار الإسلامي في ساحات عديدة أبرز مكونات المقاومة السياسية والثقافية وأيضا العسكرية ضد الاحتلال الأجنبي للوطن بمختلف ألوانه،ويبرز الناصريون داخل التيار القومي في غير قطر عربي بل وفي الخارج أيضا متقدما ساحة النضال ضد الاستبداد الداخلي والاستعمار والتخلف ،واتسم الناصريون بكونهم"1" الفصيل الذي ظل على نقائه السياسي وانحيازه الاجتماعي إلى حلف الفقراء،وباستثناء حالات قليلة فقد ظل الناصريون منذ رحيل القائد ناصر في الشارع وليس في السلطة ،بل ظلوا في كثير من الأحيان على مسافة بعيدة من سلطات ظالمة إن سياسيا أو اجتماعيا في حين أن تيارات أخرى وقعت في قبضة السلطة أحيانا وفي قبضة العدو في أحيان أخرى ،وقد سجل التاريخ وقوع جناح أو أكثر ممن ينتسبون للتيار الإسلامي في خندق الاستخبارات الاميركية في حرب عبثية ضد ماسمي وقتها الاحتلال الروسي لأفغانستان،وقاتل الإسلاميون أو بعضهم تحت راية اميركية في العراق،وفتحوا أبواب بغداد أمام الغازي الأجنبي ثم شارك فصيل مما ينسب للتيار الإسلامي "الحزب الإسلامي" في العملية السياسية التي جرى طبخها في مطبخ العدو الاميركي ووفق أجندته وتحت مسميات وتبريرات سوف تسقط حتما في سلة مهملات التاريخ فيما قاتل القوميون "البعثيون والناصريون"ولازالوا في العراق ومعهم أجنحة إسلامية ووطنية وعشائرية بشرف وبسالة.
وإذا كانت فئة من الماركسيين سقطوا في بئر التطبيع الأسود ،وروج أقطاب فيهم إلى سلام زائف ووهمي،وأسسوا مجموعات في كوبنهاجن وعواصم أخرى لتنشيط التطبيع ،ومات بعض على غير دينهم "كانوا ماركسيين فماتوا متصهينين"،فأن التيار الناصري وقف في الخندق المقابل تماما،وقاد النضال ضد التطبيع في ساحات اتسمت بالاستبداد السلطوي والقيود الشديدة ،وتحملوا أعباء النضال وكانوا زوارا شبه دائمين في السجون العربية،ولم يعان الناصريون مثل آخرين بعمى ألوانهم يفقدهم القدرة على التمييز بين العدو والصديق بل كانوا أكثر قدرة على حسم المواقف ،والانحياز إلى الصديق الإسلامي والماركسي والليبرالي الذي لم يتلوث بالتعاون مع الاستعمار والصهاينة والحكام المستبدين.
"2" حافظ الناصريون على منهج العمل الجبهوي مع الأحزاب والتيارات السياسية لاسيما في مسألتين هما الديمقراطية وحقوق الإنسان والصراع العربي الصهيوني،ومنذ بواكير العمل الناصري في جامعات مصر شكل الناصريون أشكالا جبهوية مع كل المدافعين عن الديمقراطية والتعددية واحترموا حق الجميع في تكوين أحزابهم المستقلة ،ودافعوا بشكل خاص عن حق التيار الإسلامي في امتلاك أدوات الفعل السياسي في الوقت الذي تنكر لهم كثيرون وعاداهم كثيرون،بل أسس الناصريون بفعالية المؤتمر القومي الإسلامي كمؤسسة للحوار والتنسيق بين التيارين الكبيرين في الوطن،وشارك الناصريون بنجاعة في تأسيس أكثر من إطار جبهوي في اليمن وموريتانيا وشاركوا في الانتخابات أحيانا على قائمة مشتركة،أو بمرشح رئاسي واحد مثلما حصل في الانتخابات اليمنية التي جرت عام 2006حيث ترشح فيصل بن شملان ممثلا للمعارضة بكل ألوان الطيف وكان في وسطها المعارضة الناصرية مجسدة في التنظيم الوحدوي الناصري.
"3"اتسم الناصريون بدرجة من الوضوح الفكري الذي يسمح بالاجتهاد في الأفكار من دون تكفير أو اتهامات بالدوجماطيقية "الجمود العقائدي"وبالتالي لم يتعرضوا لظاهرة التخوين الإيديولوجي أو التباين الذي يصل إلى حد الصدام مثلما كان بين الماركسيين الذين توزعوا إلى عناوين لينينية وماوية وتروتسكية،أدت إلى توزيع الاتهامات بالتحريفية أو الطفولية بين رفاق المنهج الفكري،أو كما جرى في أوساط التيار الإسلامي حين تم تكفير جماعة الإخوان في كتب صادرة عن جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية في نهاية الثمانينات في مصر ،ما أدى بالإخوان إلى تبرئة أنفسهم من الجماعتين والى أعمال عنف قام بها شباب الجماعتين ضد قيادات دينية تقليدية"قتل الشيخ الذهبي على يد جماعة التكفير والهجرة 1974اوالصدام بين تيار الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي مع الإخوان في السودان في النصف الأول من التسعينات.
هل الصورة الناصرية وردية؟
في اعتقادي أن هناك امورا تشوه الصورة الناصرية ينبغي التعامل معها بقدر من الصراحة وبقدر من نقد الذات ،ليس بمنظور أخلاقي مع أهميته وإنما من منظور عملي على النحو التالي:
"1"لقد فشل الناصريون في بناء حزب واحد قومي ومؤثر في أي ساحة عربية وبخاصة في الساحة المصرية،ومنذ منتصف السبعينات حتى اليوم لم يفلح الناصريون في بناء حركة سياسية واحدة تتجسد في إطار سياسي واحد رغم الانسجام الفكري،ومن حزب كمال احمد إلى حزب فريد عبد الكريم إلى حزب ضياء الدين داود لم تعبر أي محاولة منهم عن مجمل التيار الناصري ولا حتى القطاع الأكبر،وقد تخلى البعض عن مقولات وشعارات عظيمة من نوع "حزب ناصري واحد وان تعددت الآراء والأجيال "وصاروا يشكلون الأحزاب أو الجماعات خارج إطار الحزب الواحد تحت مبررات واهية جدا،فلو كان أخوتنا المنضوون في جماعة الكرامة- وكاتب هذا المقال من بينهم – قد بذلوا نصف الوقت والجهد الذي بذلوه لتأسيس حزبهم "ولم يحصلوا عليه"لإصلاح الحزب الديمقراطي الناصري لكانوا قد حصلوا على أجرين في الدنيا ،أجر الحفاظ على وحدة التيار الناصري وأجر تقوية الحزب ودعمه بالشباب المفعم بالحيوية حتى يقود المجتمع في اتجاه التغيير الذي ننشده،لكن البعض نسي أن خير الجهاد وأعظمه هو جهاد النفس التي هي أمارة بالسوء،واستسهل هؤلاء وغيرهم فكرة تأسيس أحزاب جديدة بدلا من الجهاد الديمقراطي داخل الحزب الناصري،وهكذا صارت هناك رايات ناصرية متعددة في مصر تفتقر إلى التنسيق، وقد سمعت من رئيس أحد الأحزاب الناصرية التي شاركت في الحوارات التي نظمها الحزب الحاكم قبل عامين في مصر أنه كان يجد رئيس حزب الوفد أقرب إليه من رئيس حزب ناصري آخر .واستمعت في اليمن عام 1993إلى آراء مشابهة بين التنظيم الوحدوي وبين حزب التصحيح الناصري وكان هناك –وربما لا يزال –خمسة أحزاب ناصرية ما يعكس أحد أبرز أشكال الأزمة الناصرية اليوم،ويؤكد في المقابل أن العمل الجماعي هو الفريضة الغائبة بين الناصريين الذين يفترض فيهم أنهم دعاة وحدة عربية ،علما بأن فاقد الشئ لا يعطيه،إذ كيف يدعو الناصريون إلى وحدة عربية شاملة بينما هم منقسمون.؟
أنهم في هكذا حالة ينطبق عليهم القول "يأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم".
"2" أن التشتت الناصري أدى إلى إضعاف التيار وتراجع حضوره في المشهد العربي ،إلى حد انه لم يعد في برلمان مصر إلا اثنان يعبران عن التيار الناصري ينتسبان إلى حزب الكرامة الذي لم ير النور ،في حين أن الحزب الناصري ليس له ولا نائب ،ولو قارن محلل سياسي منصف قوة الناصريين في مصر أو لبنان أو اليمن قبل تأسيس الأحزاب الناصرية أو قبل الانشقاقات لأكتشف على الفور حجم التراجع الذي حصل في قوة الحضور الناصري،فقبل تأسيس الحزب الديمقراطي برئاسة ضياء الدين داود عام 1992كان التيار الناصري متماسكا وقد تداعى أعضاؤه إلى أكثر من فعالية جماهيرية فكانت الحشود تأتي بالآلاف رغم المضايقات الأمنية والاعتقالات ،ومنع المواطنين من المشاركة،ورغم وجود منظمات وتجمعات وأندية كلها تطمح إلى هدف واحد هو بناء حزب ناصري جماهيري كأداة للتغيير ،لكن حجم الانقسامات التي وقعت بعد تأسيس الحزب كانت بلون وطعم الكارثة ،فقد ظهرت الطموحات الشخصية لدى بعض الناشطين في تولي مواقع قيادية ،وحدث صدام الطموحات الذي أنتج انشطارات،بعضها شخصية مثل غضب الفريق محمد فوزي والأستاذين محمد فائق و سامي شرف،وبعضها جماعية ومنها انشطار جماعة الكرامة وبعدها جماعة المؤتمر الناصري العام،والوضع مرشح لانشقاقات أخرى أو بالاحرى انسحابات إلى زوايا الاجتهاد الفردي،وربما إلى زوايا النسيان.
وإذا كان هناك من يعتبر أن الحالة الناصرية في مصر هي القدوة فلاشك انه سوف يصاب بقدر من الإحباط،ويبدو أن ذلك قد حدث فالناصريون في العراق صاروا قبائل شتى، ونحمد الله على أن أحدا منهم لم يسقطك في قبضة المحتل الغاشم وأعوانه ،وأن الانشقاقات لم تدفع بالبعض إلى أحضان المجهول،أما في لبنان فقد تنوعت التعبيرات الناصرية من نجاح واكيم شمالا إلى أسامة سعد جنوبا،مرورا بعبد الرحيم مراد في المنتصف ،وظل السؤال قائما لماذا لا تتوحدون ياعباد الله الصالحين؟
ويرجع الصدى كأنه النحيب على حد قول شاعرنا النبيل بدر شاكر السياب.
هل الصورة الناصرية قاتمة؟
هذا هو مربط الفرس،مانبغيه هنا ليس النحيب،ولا بكاء الإطلال وإنما البحث عن سبل عملية وواقعية لتحقيق الوحدة بين الناصريين في كل قطر قبل أن نطمح إلى حركة قومية واحدة تقود التغيير الثوري في عموم الوطن،وتعالوا نعترف بالحقوق الطبيعية للبشر من نوع التطلع إلى مواقع أو مناصب عليا داخل الحركة أو الحزب أو الصحيفة،وتعالوا نتفق أيضا على حق البعض في الدفاع عن منصب أو موقع وصل إليه بطريقة أو أخرى ،وأنه لن يفرط فيه بسهولة سيما إذا شعر أن هناك طامعا أو متربصا،وبالتالي فأن المطلوب هو الاجتهاد في أبداع أشكال تنظيمية متنوعة تستوعب طموحات البشر من جهة وتحقق للتيار روافد سياسية وإعلامية من جهة أخرى،وهذا يعني عمليا أن يقوم الحزب الديمقراطي الناصري بإعطاء ترخيصات للمجموعات الناصرية التي تشعر أن لديها أفكارا أو حتى طموحات في أن تصدر صحيفة،علما بأن الحزب الناصري هو أقل حزب لجهة الترخيصات التي أصدرها لإنشاء صحف جديدة،إذ لم يكن منطقيا بأي حال أن ينتظر مؤسسو حركة الكرامة ثمانية أعوام حتى يحصلون على رخصة لإصدار صحيفتهم بينما كان في مقدور الحزب الناصري أن يمنحها لهم في شهور ،فهذا شح في غير موضعه،واستمساك بغير معروف وإحسان،فالمنطق يقول بتوسيع رقعة المؤسسات التي تستوعب طموحات البشر وليس تضييقها.
وفي المقابل فان مؤسسي الكرامة وجماعة المؤتمر الناصري العام وجماعة المحامين الناصريين واللجنة العربية لتخليد عبد الناصر (على سبيل المثال في مصر)عليهم ابتداع مؤسسات سياسية جديدة ربما من بينها منظمات للعمل الأهلي، ومنظمات للعمل الطلابي وجمعيات للشباب والمرأة ،وتنشيط وتفعيل الحضور داخل النقابات المهنية حتى لا نفقد مواقعنا فيها،ويشار هنا إلى أننا خسرنا موقعين في مجلس نقابة الصحفيين فضلا عن موقع النقيب في الانتخابات التي جرت في تشرين أول "نوفمبر الماضي ،وأمامنا معركة شرسة في نقابة المحامين بعد انتهاء مدة النقيب الحالي الناصري سامح عاشور،ولا يستطيع تيار سياسي أن يزعم أنه حاضر وفاعل في الحياة السياسية إلا إذا كان وجوده في النقابات المهنية معمدا بأصوات الأعضاء،وقد نذكر هنا بدور النقابات في قيادة التغيير في أوروبا الشرقية،بل ودورها في قيادة الحركات الاحتجاجية في أميركا اللاتينية بدءا من حركة الفلاحين "الزاباتيستا"في المكسيك وصولا إلى حركة عمال بلا وظيفة في الأرجنتين.
والناصريون معنيون اليوم كذلك بتأسيس منابر فكرية وثقافية تصدر مطبوعة أو أكثر وكتب ونشرات لها طابع تأصيلي للفكر القومي الناصري وتساهم في إثراء الحوار بين الكوادر المعنية ـوتواجه حالة الجدب الفكري التي تمر بها الحركة الناصرية اليوم وتتعاطى مع الأسئلة الجديدة حول مفاهيم الديمقراطية وتحالف قوى الشعب العامل وتبدل مواقع ومفاهيم العمال والفلاحين ودور الجيش أو الرأسمالية الوطنية في النسق الاجتماعي ،ثم تتم الدعوة إلى مؤتمر لوحدة الناصريين لا يستهدف بالضرورة الدمج المطلق لكل الأطر في المرحلة الأولى وإنما يمهد عمل مشترك أو أكثر يوفر مناخات للتعاون ويعمق العلاقات الإنسانية،ويرطب الجفوات التي قد تكون قد حدثت على مر الأيام،لأن غياب العمل الجماعي المشترك هو الذي يفتح الباب أمام شيطان الخلافات والانشقاقات فإلى العمل هداكم الله

ليست هناك تعليقات: