عن الحرية ومستلزمات تحقيقها وبقائها
حسين الربيعي
"يولد جميع الناس ويبقون أحراراً ومتساويين في الحقوق"
لائحة حقوق الأنسان
كان مصطلح الحرية الأكثر أستخداماً في السنوات الماضية ، وفي فترة نهوض حركات التحرر ، في حين أنحسر أستخدام هذا المصطلح في السنوات الأخيرة ، وشاع بدلاً عنه أستخدام مصطلح الديمقراطية وعلا صوته وتعددت استخداماته ، مع أن الحرية كمعنى أشمل وأعم وأوسع من الديمقراطية ، ناهيك من أن الحرية البوابة التي تتحقق من خلالها الديمقراطية .
والحرية هي أولاً حرية الأوطان ، التي يدعم وجودها التخلص من الطغيان والأستبداد الخارجي ، متوجاً بالأستقلال التام والتخلص من آثار الأحتلال أو الهيمنة الأجنبية ، وصولاً لحرية القرار ، وحرية إعادة الثروات الوطنية من المسيطرين عليها من الأحتكار الخارجي والداخلي ، وحرية أختيار المسلك الأقتصادي وأسلوب التنمية ، وحرية أختيار العملية السياسية ، وحرية الاستقلال في اتخاذ المواقف والقرارات وسن القوانين .
وثانياً حرية المواطنيين التي توفر العيش الكريم والمساواة ، فالحرية هي "التعبير عن حرية ارادة الانسان ، وهي التصور الحقوقي لهذه الارادة " من فلسفة الثورة الفرنسية ، وهذا يعني في مجال حرية المواطن والفرد بأنها التصور الطبيعي الحقوقي لحاجات الانسان اوالفرد .
فالحرية هي التعبير الحقوقي عن طبيعة الانسان انها حق طبيعي و"يعززه البقاء ، وبالحاجة الى استخدام مواهبه ، وبكل وسيلة اخرى تملكها للتعبير عن ذاتها" من فلسفة الثورة الفرنسية .
يقول الزعيم الخالد جمال عبدالناصر ومنذ بدايات الثورة في 30/1/953 في مفهومية الثورة لفكرة الحرية : "ان هؤلاء الضباط كافحوا الطغيان والاستبداد بكل اشكالهما ، وقد صهرتهم المقاومة ثم أدمجتهم في كتلة واحدة ، لها نفس الاهداف والميول ، وهدفهم الرئيسي هو ان يروا وطنهم وقد فاز بأستقلاله التام الخالي من كل اثر من اثار الاحتلال الاجنبي ، وامنيتهم هي ان يروا مواطنيهم يعيشون عيشة كريمة ، وهم متمعون بالحرية والمساواة ولكل منهم مكانته واختصاصه".
ان الظروف التي تمر بها بلادنا اليوم ، تتشابه في المضمون والآليات مع الاحداث التي كانت تمر بها البلاد في الخمسينيات فالاستعمار اياً كان زمانه ومكانه ، فأن له سياقاته واساليبه وهدفه المشترك.
اذاً فالاساس الذي تقوم عليه حرية الانسان ، هي حرية الاوطان ، فالاوطان التي لا تمتلك حقوقها ، لا يمكن ان يتمتع افرادها بحقوقهم ، هنا.. تتوقف فكرة الحرية في معناها الحقوقي ، لأن الحرية التي يجب ان يتمتع بها الانسان "ليست حرية امرئ يعيش لنفسه" من فلسفة الثورة الفرنسية ، هي حرية قوامها الارادة العامة ، التي يشرعها الشعب بكامله هو وحده لنفسه في سن القوانين ، في حين ان وجود الاستعمار والاحتلال ،الذين يسلبان الوطن حقوقه ، يقفان كذلك امام اية محاولة للوصول الى الحرية الحقوقية للمواطنيين ، يقول عبد الناصر: "لقد رأيتم كيف زيف الاستعمار ديمقراطيتنا فكانت مسخاً وتمويهاً ، وكيف حارب محاولاتنا لأقامة حياة دستورية فرأينا سلسلة من المهازل تمثل بأسم الدستور ، ونسي الجميع اوتناسوا ان كل سلطة مصدرها الشعب وحده" .
فالخطوة الاولى في استعادة الحقوق الاعتيادية للفرد ، إعادة الحقوق الاعتيادية للوطن وتخليصه من الاحتلال والاستعمار والهيمنة .. وهنا نجد عجزاً في المشروع الديمقراطي فيما سمي بالعملية السياسية في العراق ، حيث ان العملية برمتها تخضع لأرادة الاحتلال الامريكي ، وهنا لايمكن ان تتوائم فكرة او عقيدة المقاومة مع البناء الديمقراطي ، بأعتبار أن المقاومة الوسيلة التي لامفر منها لتخليص الوطن من الأحتلال والتبعية ، كما سوف نجد أن هذا البناء الذي يطلقون عليه تسمية الديمقراطية قسراً وكانه بناء قائم على رمال متحركة ، و لايمكن ايضاً ان تتوائم مشاريع التنمية مع المشاريع التي يفرضها المحتل ، فليس هناك احتلال على الاطلاق دون مقابل .. والكلام عن الديمقراطية والبناء والتنمية ، لا تحجب الحقيقة في ان كل تلك المفردات لا تتوافق مع الاحتلال ، فالاحتلال يرى الامور من مصالحه هو وليس من خلال المصالح الوطنية ، ان الاحتلال لا يمنح الحقوق عن طيب خاطر ، ولايردها لأهلها إلابالقوة ، فالاحتلال يأخذ بالقوة ، "وما يؤخذ بالقوة لن يسترد بغيرها " وبدون ادنى شك فأن الطريق نحو الحرية ونحو الديمقراطية لا يمكن ان يمر الا عبر مشروع المقاومة ... والمقاومة وحدها و بكل اشكالها .
المقاومة السبيل نحو الحرية
يقول عبد الناصر : ( أننا حريصون كل الحرص على الوصول إلى تسوية سلمية ، ولكننا في نفس الوقت نصرُ على حقوقنا المستمدة من حق الشعوب الطبيعي في الحرية والأستقلال ، والمستندة إلى ميثاق الأمم المتحدة . فإذا ما تبددت آمالنا فإننا لن نتردد كأي شعب يشعر بكرامته وحقه المقدس في الحرية والأستقلال في أن نسلك أي طريق يوصلنا إلى الحصول على حقوقنا ، مهما كانت التضحيات التي نتحملها لنفوز بالحرية ، ولنخلف لأبنائنا من بعدنا أغلى ما يتمتع بلد به )
في كلام الزعيم الخالد أعلاه فهمٌ لمعنى الأية القرآنية الكريم ( وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) وهذا الفهم يهيأ لثقافة المقاومة والجهاد لنيل الحقوق الوطنية ، التي بدونها لامجال للحقوق الأنسانية والسياسية للمواطن . وهذا الفهم متوافق مع القوانين والقرارت الدولية التي تقر بمشروعية مقاومة الهيمنة والسيطرة الأجنبية والأحتلال بكل الوسائل ، بما فيها المقاومة المسلحة ، بل أن تلك القوانين والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بحق الشعوب في مطالبة الدول والشعوب المساعدات بمختلف اشكالها للشعوب التي تتعرض للأستعما والأحتلال الجنبي ، ولاتعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم ـ 3070 في عام 1973 ـ وفي البندين الثاني والثالث .
وفي خضم الجزء المتعلق بحرية الوطن ، مرت التجربة المصرية في رأي عبد الناصر بعدة مراحل ، وضعت عبد الناصر على بصيرة تامة منها ، وهي كما يقول عبد الناصر في خطاب له بتاريخ 23 / 2 /1953 ، نراها بالتسلسل التالي وبلسان عبد النصر وكلماته :
1 ـ هكذا هبت رياح الحرية ـ ففي 11 يوليو 1882 ضربت الأسكندرية الوادعة بمدافع العدوان البريطاني ، ثم كان الأحتلال البغيض . وأشتعلت مصر ثائرة ، وخرج الجندي الفلاح أحمد عرابي على رأس ثواره الأحرار من الضباط والجنود ليردوا هذا العدوان الطاغي . ولكن الثورة لم تحقق أهدافها واكتفت بأن سجلت مولدها .
2 ـ‘ فما أن أقبلت سنة 1919 حتى هبت الثورة مرة أخرى تطالب بتحقيق أهدافها ، ولم تخف الثورة المصرية أمام رصاص المستعمرين ولا أمام رصاص أذنابهم من المصريين ولكنها مضت قدماً لاتبالي بالدس والخديعة . وإذاالثورة التي ولدت لجلاء المستعمرين عن أرض الوطن ترضى بدستور 1923 بديلاً عن اهدافها الكبرى .
3 ـ وثارت الثورة على نفسها وأكتفت بأن تنظر حولها وهي تسخر ممن أستغلوها وأخذوا يتجرون بها ويتلاعبون بأسمها ، كان كل من يريد أن يكسب لنفسه مركزاً ، يباهي بأنه أبن الثورة وصانعها ومحركها . وأصبحت الجماهير ضحية هذه المزايدات الوطنية وهذا اللون الجديد من الوان الأستغلال السياسي والإتجار بأسم الثورة .
4 ـ وجاء يوم 23 يوليو 1952 وهب جيش مصر يسنده الشعب ليضرب ضربته .
ولأننا نعرف أن تجاربنا القومية واحدة ، بل نضيف على ذلك من أن تجارب الشعوب ملكاً لجميع البشر ، ولأننا قوميين ، نرى وجوه التشابه بين مراحل التجربة المصرية والتجربة العراقية واحدة ، ولذلك نستعرض مراحل التجربة العراقية ، كي نوقن أن المضمون والأحداث والظروف واحدة في أرجاء الوطن العربي ، ففي فترة زمنية منذ مئة عام تقريباً أنتهت بالثورات الكبرى التي شهدتها المنطقة بعد نجاح مسيرة الثورة الناصرية ، ففي العراق :
مرت الحركة الوطنية بنضالها لأستعادة حرية العراق وأستقلاله بما يلي : فبعد الأحتلال البريطاني للعراق ، الذي جاء بعد الأحتلال العثماني الذي دام (383) عام تخلله أحتلال فارسي . وتؤكد دراسات تأريخية متعددة أن هذا الأحتلال العثماني قد واجه معارضة ، بل مقاومة عراقية شديدة ، يقول ( ريجارد كوك ) كانت هذه الفترة من حكم العثمانيين قد حصلت فيها أضطرابات كثيرة ومقاومة من العراقيين .
أما فترة الأحتلال البريطاني فيمكن تحديد مراحلها بمايلي :
1 ـ مرحلة الحكم البريطاني المباشر التي واجهتها عدد من الثورات والانتفاضات منها ثورة النجف ، التي كانت ( أول ثورة في العراق ضد الأحتلال الأنكليزي ـ الوجيز في تأريخ العراق السياسي الحديث ـ المحامي جواد الظاهر ) وقاد تلك الثورة أحد أهم شخصيات النجف الوطنية ( عطية أبو كلل ) .
2 ـ ثورة العشرين : والتي يشرح الوطني والقومي العراقي محمد رضا الشبيبي أسبابها بالأتي ( وفقاً لكتب المحامي جواد الظاهر المنوه عنه أعلاه ) ، يرجع الشبيبي ثورة العشرين لعاملين هما :
( أستنزاف جهود العاملين في ميدان الزراعة ، وخاصة الأستيلاء على المواد الزراعية بأبخس الأثمان .(
والثاني ( الضغط السياسي والحجر على الحريات والحيلولة بين أبناء الشعب وبين التعبير عن إرائهم للمطالبة بحقوقهم وفي تقرير مصيرهم وأختيار حكامهم وحكوماتهم )
3 ـ فترة (الحكم الوطني) التي شهدت العديد من الفقرات المهمة وتم خلالها عقد العديد من الأتفاقيات مع بريطانيا غايتها لجم المطالبة العراقية بالأستقلال التام ، ومن بين أهم احداثها ثورة الضباط القوميين بزعامة رشيد عالي الكيلاني ، كما شهدت هذه الفترة سيطرة الأحزاب الفاسدة التي يشرف عليها الأقطاع ورجال القصر وأعوان الأحتلال البريطاني على السلطة من خلال البرلمان
4 ـ العمل على التغيير السياسي بالقوة ونجاح ثورة 14 تموز 1958 بأسناد واضح من قبل عبد الناصر .
من الواضح جداً أن اهم ما يمكن أن يتوفر لدى (الطليعة) الثورية ، فهم التجارب الوطنية وأستيعاب دروسها ، وقد استوعب عبد الناصر التجارب الوطنية والقومية ، فأطل منها على شعبه وأمته لتحقيق حرية الوطن والمواطن ووحدة الأمة ، ولقد كانت المقاومة أهم الدروس التي استوعبها ، يقول عبد الناصر : ( أن الشعوب التي تساوم المستعمر على حريتها توقع في نفس الوقت وثيقة عبوديتها ، لذلك فإن أول اهدافنا هو الجلاء بدون قيدٍ أو شرط ، أننا نعلنها عالية مدوية : يجب أن يحمل الأحتلال عصاه على كاهله ويرحل ، أو يقاتل حتى الموت دفاعاً عن وجوده )
المقاومة مشروع قومي
وهذا الكلام مستخلص من تجربة على أرض الواقع ، فعلى أرض فلسطين تعلم عبد الناصر الدور الرائد للمقاومة كما تعلم معها أهمية الدور الذي تلعبه القومية العربية في تحصين وتمتين دور المقاومة المطلوب ، يقول محمد حسنين هيكل في ( يوميات عبد الناصر عن حرب فلسطين ) :
عن طريق فلسطين وعلى أرضها ومن خلال تجربتها المشحونة .. أستطاع جمال عبد الناصر ـ فيما أعتقد ـ أن يصل إلى رؤية قومية شاملة أثرت في فكره وفي حركته وفي أتجاهه إلى أهداف يؤمن بسلامتها وضرورتها لأمة تعددت شعوبها ولكنها تظل بالنسبة له امة واحدة . )
ويتابع هيكل كلامه :
( فقد لاحظ ـ عبد الناصر ـ أن صراعات العصر القديم ـ معظمها ـ دارت بين الشعوب التي تسكن أودية الأنهار العظيمة في المنطقة . أي ما بين النهرين ـ دجلة والفرات ـ من ناحية ـ ونهر النيل من الناحية الأخرى ـ وكانت أرض الصراع هي الصحاري والواحات التي تمتد على الطريق الذي يربط ويفصل ما بين هذه الأودية الكبيرة التي نشأت فيها الحضارات .
وفي الحقيقة في سوريا ـ من جبال طوروس إلى صحراء سيناء كانت ذلك الممر الذي شهد أهم صراعات التأريخ القديم .
وفي التأريخ الوسيط لعبت سوريا نفس الدور في الصراع ما بين المسيحية والاسلام الذي تحركت عواصمه السياسية من المدينة إلى الكوفة إلى دمشق إلى بغداد ثم إلى القاهرة .
ومن حطين ـ صلاح الدين ـ إلى مرج دايق ـ السلطان الغوري ـ كان جنوب سوريا ـ فلسطين ـ هو ساحة المعارك الحاسمة في تأريخ المنطقة .
وفي العصر الحديث لم تختلف الصورة . والواقع أن التصورات الأستراتيجية لدى أبراهيم باشا ـ والد محمد علي الكبير ـ لم تختلف كثيراً عن التصورات الأستراتيجية لتحوتموس الثالث الذي سبقه بأكثر من ثلاثة ألاف سنة .
وهكذافإن سوريا بدات تحتل مكاناً هاماً في فكر جمال عبد الناصر .
وفي إطارسوريا فان الجنوب ـ فلسطين ـ أصبحت له حساسية خاصة . فقد كان هو الجسر المباشر من مصرإلى الشام . ثم أنه عنق الزجاجة في المنطقة ما بين البحرين البيض والأحمر.)
هذه الرؤيا الناصرية جعلت عبد الناصر أعدى أعداء الأستعمار ، وجعل معسكر الدول الأستعمارية تنظر إلى عبد الناصر ، الخطر الحقيقي الذي بدأ يطلق الأمل في نفوس الشعوب المستعمرة ، ليس في الوطن العربي وحده ، بل في أرجاء العالم المستضعف (الثالث) . ومن خلال الرؤيا الناصرية هذه ، فإن حرية الوطن لم تكن محصورة في حرية مصر ، ولكن مصر شاء لها القدر آنذاك أن تكون النواة ، فمصلحة مصر الأستراتيجية ـ بمختلف اتجاهاتها العسكرية والأقتصادية والسياسية ـ والتأريخية والعاطفية مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بمحيطها العربي . لذلك قاد عبد الناصر حملة الحرية في الوطن العربي كله ، ومن خلال نهج المقاومة أستطاع أن يظفر بأنتصارات متعددة ، بطريقة التلاحم القومي ، في العراق والجزائر واليمن والسودان وليبيا ولبنان ، وكان مسانداً ومؤازراً وداعماً للمقاومة الفلسطينية ، وتحققت هزيمة حلف بغداد ، وهزيمة الأستعمار الفرنسي ، ونهاية الأحتلال البريطاني في العراق وجنوب اليمن ، وأفشل محاولات أحتلال لبنان أو أحتوائه وتحييده في المسائل القومية .. وغير ذلك .
وإن كان هذا فكر عبد الناصر ورؤيته لوحدة الوطن وحريته ، فإن ذلك يقودنا لنفس المسلك والأسلوب في التعامل مع حرية المواطن ، الأنسان .
وطن واحد وشعبٌ سعيد !
وإذا كان الشيوعيين في العراق قد رفعوا شعار " وطنٌ حرٌ وشعبٌ سعيد " فإن جمال عبد الناصر ، ومعه القوميين العرب في أرجاء الوطن الكبير ، كان يحلم ويعمل من أجل تحقيق " وطنٌ واحد وشعبٌ سعيد " ، ذلك لأن الوحدة ، وحدها تستطيع أن تحافظ على حرية أقطارنا العربية ، فلاضمان للحرية إلا القوة ، ولاوجود للقوة إلا بالوحدة .
ولكن كيف يرى عبد الناصر الترابط قائماً بين حرية الوطن وحرية المواطن ، وماهي أوجه التوافق والتحالف بين سالبي حرية الوطن من الأستعمار والأحتلال والهيمنة الأجنبية ، وسالبي حرية المواطن من المحتكرين والقطاع وسيطرة رأس المال ومؤسسات الفساد العام والخاص التي تسرق ثروات الشعب وتسلب حقوقه .
يقول عبد الناصر :
( أن أعدى أعدائنا يتمثل في ثالوث كريه هو : الظلم الأجتماعي والأستبداد والأحتلال البريطاني. نعم فلقد تمكنت فئة قليلة من الناس أن تسخر أجهزة الدولة جميعها لمصالحها ، دون نظر إلى مصالح بقية الشعب ، وبدأت تسطر أحلك صفحات الرشوة والفساد ، والإتجار بأقوات الشعب ، والعبث بمقدساته ، بأسم الحكومات المتعاقبة ، وتحت بصر البرلمانات المتتالية . وزيفوا على الشعب إرادته ، فقالوا أن الأحزاب تمثل الشعب ، وأن البرلمانات هي صوت الشعب ، ولم تكن هذه الأحزاب وتلك البرلمانات إلا المعول الذي فتك بمعنويات الشعب ومقوماته ، عن طريق الأستبداد السياسي ، فتفشت الأحقاد والضغائن ، وتفككت وحدة الشعب الخالدة ، وبدلاً من أن تتحه جهود الأمة في صف واحد نحو المستعمر الغاصب رأينا أبناء الأمة الواحدة يتناحرون ويتنابذون من أجل الجاه والمناصب ، فهانت الكرامات وفسدت الضمائر ، ووقف الأحتلال ينظر من فوقهم ليبارك خياناتهم ، ومن تحتهم راح الشعب يلعنهم في ألم مكبوت . )
ونتسائل ، بعد قرآة هذا الوصف الشامل من قبل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، أليس كل هذا واضحاً في التجربة العراقية اليوم ؟ وتحتاج الإجابة للتفكر ، لأن الأيجاب في الإجابة دعوة للمقاومة ، والأستعداد لخضم مواجهات أشرس مما فات !!
لقد كانت كل التنظيمات السياسية التي قامت وفقاً للرؤيا الناصرية ، تتوافق مع مطلب الحرية ، التي تتطلب التعبئة الجماهيرية لنيل الأستقلال الوطني الذي تأتي به الحرية ، وصولاً لمجتمع ليس فيه أستغلال أو سلب لحقوق افراده مهما كانت مستوياتهم وأنتمائاتهم . يقول عبد الناصر عن هيئة التحرير وهي أول تنظيم شعبي جماهيري أقدمت على تأسيه والدعوة اليه الثورة :
(لقد قامت هيئة التحرير لتؤكد المعنى المقدس ، وهو أن الناس قد ولدوا أحراراً متساويين في الحقوق ، لاتمييز بينهم ولافضل لأحد على أخيه إلا بما قدمه للوطن وللمجموع . لقد قامت هيئة التحرير لتغرس في النفوس أن الناس جميعاً قد خلقوا متساويين ، وأن الخاق سبحانه وتعالى قد منحهم حقوقاً لاتنتزع . ولتأمين هذه الحقوق تتكون من الناس جكومة تستمد سلطانها من رضى الشعب المحكوم . )
المقاومة من أجل الحرية والوضع الدولي
أن الظروف المحلية في الوطن العربي (العراق نموذج) ، و الظروف الأقليمية والدولية ، بل أن مساحات التأييد لمواقفنا في نيل الحرية قد فاقت التصور ولاتدع مجالاً للشك ، ولامجالاً بالأبتعاد عن نتائج التجربة الناصرية ، بل أن موقفنا اليوم ربما نحسد عليه لو قورن بالمواقف التي واجهتها أمتنا في بداية النهوض التحرري ، ففي عام 1953 كان عبد الناصر ينتظر تحركاً شعبياً بريطانياً للوقوف مع مطالب الشعب المصري والعربي في التحرر وإنهاء الأحتلال مما جعله يتسائل :
هل يقبل الشعب البريطاني لو كان مكاننا ، أحتلال وطنه ضد إرادته ؟ وهل كان يقنع بأيةِ حجة أياً كان مظهرها تفرض عليه دوام أحتلال أجنبي ؟ )
ولذلك فإن الوضع الراهن في رفض الشعب الأمريكي أحتلال العراق ، إنما يدعم مستلزمات النهوض نحو تحقيق الحرية للعراق ولفلسطين ولكل بقاع وطننا الكبير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق