2008/09/16

دعوة بالعودة إلى الأصولية الناصرية (2)



عن الحرية ومستلزمات تحقيقها وبقائها

حسين الربيعي

"يولد جميع الناس ويبقون أحراراً ومتساويين في الحقوق"

لائحة حقوق الأنسان

كان مصطلح الحرية الأكثر أستخداماً في السنوات الماضية ، وفي فترة نهوض حركات التحرر ، في حين أنحسر أستخدام هذا المصطلح في السنوات الأخيرة ، وشاع بدلاً عنه أستخدام مصطلح الديمقراطية وعلا صوته وتعددت استخداماته ، مع أن الحرية كمعنى أشمل وأعم وأوسع من الديمقراطية ، ناهيك من أن الحرية البوابة التي تتحقق من خلالها الديمقراطية .

والحرية هي أولاً حرية الأوطان ، التي يدعم وجودها التخلص من الطغيان والأستبداد الخارجي ، متوجاً بالأستقلال التام والتخلص من آثار الأحتلال أو الهيمنة الأجنبية ، وصولاً لحرية القرار ، وحرية إعادة الثروات الوطنية من المسيطرين عليها من الأحتكار الخارجي والداخلي ، وحرية أختيار المسلك الأقتصادي وأسلوب التنمية ، وحرية أختيار العملية السياسية ، وحرية الاستقلال في اتخاذ المواقف والقرارات وسن القوانين .

وثانياً حرية المواطنيين التي توفر العيش الكريم والمساواة ، فالحرية هي "التعبير عن حرية ارادة الانسان ، وهي التصور الحقوقي لهذه الارادة " من فلسفة الثورة الفرنسية ، وهذا يعني في مجال حرية المواطن والفرد بأنها التصور الطبيعي الحقوقي لحاجات الانسان اوالفرد .

فالحرية هي التعبير الحقوقي عن طبيعة الانسان انها حق طبيعي و"يعززه البقاء ، وبالحاجة الى استخدام مواهبه ، وبكل وسيلة اخرى تملكها للتعبير عن ذاتها" من فلسفة الثورة الفرنسية .

يقول الزعيم الخالد جمال عبدالناصر ومنذ بدايات الثورة في 30/1/953 في مفهومية الثورة لفكرة الحرية : "ان هؤلاء الضباط كافحوا الطغيان والاستبداد بكل اشكالهما ، وقد صهرتهم المقاومة ثم أدمجتهم في كتلة واحدة ، لها نفس الاهداف والميول ، وهدفهم الرئيسي هو ان يروا وطنهم وقد فاز بأستقلاله التام الخالي من كل اثر من اثار الاحتلال الاجنبي ، وامنيتهم هي ان يروا مواطنيهم يعيشون عيشة كريمة ، وهم متمعون بالحرية والمساواة ولكل منهم مكانته واختصاصه".

ان الظروف التي تمر بها بلادنا اليوم ، تتشابه في المضمون والآليات مع الاحداث التي كانت تمر بها البلاد في الخمسينيات فالاستعمار اياً كان زمانه ومكانه ، فأن له سياقاته واساليبه وهدفه المشترك.

اذاً فالاساس الذي تقوم عليه حرية الانسان ، هي حرية الاوطان ، فالاوطان التي لا تمتلك حقوقها ، لا يمكن ان يتمتع افرادها بحقوقهم ، هنا.. تتوقف فكرة الحرية في معناها الحقوقي ، لأن الحرية التي يجب ان يتمتع بها الانسان "ليست حرية امرئ يعيش لنفسه" من فلسفة الثورة الفرنسية ، هي حرية قوامها الارادة العامة ، التي يشرعها الشعب بكامله هو وحده لنفسه في سن القوانين ، في حين ان وجود الاستعمار والاحتلال ،الذين يسلبان الوطن حقوقه ، يقفان كذلك امام اية محاولة للوصول الى الحرية الحقوقية للمواطنيين ، يقول عبد الناصر: "لقد رأيتم كيف زيف الاستعمار ديمقراطيتنا فكانت مسخاً وتمويهاً ، وكيف حارب محاولاتنا لأقامة حياة دستورية فرأينا سلسلة من المهازل تمثل بأسم الدستور ، ونسي الجميع اوتناسوا ان كل سلطة مصدرها الشعب وحده" .

فالخطوة الاولى في استعادة الحقوق الاعتيادية للفرد ، إعادة الحقوق الاعتيادية للوطن وتخليصه من الاحتلال والاستعمار والهيمنة .. وهنا نجد عجزاً في المشروع الديمقراطي فيما سمي بالعملية السياسية في العراق ، حيث ان العملية برمتها تخضع لأرادة الاحتلال الامريكي ، وهنا لايمكن ان تتوائم فكرة او عقيدة المقاومة مع البناء الديمقراطي ، بأعتبار أن المقاومة الوسيلة التي لامفر منها لتخليص الوطن من الأحتلال والتبعية ، كما سوف نجد أن هذا البناء الذي يطلقون عليه تسمية الديمقراطية قسراً وكانه بناء قائم على رمال متحركة ، و لايمكن ايضاً ان تتوائم مشاريع التنمية مع المشاريع التي يفرضها المحتل ، فليس هناك احتلال على الاطلاق دون مقابل .. والكلام عن الديمقراطية والبناء والتنمية ، لا تحجب الحقيقة في ان كل تلك المفردات لا تتوافق مع الاحتلال ، فالاحتلال يرى الامور من مصالحه هو وليس من خلال المصالح الوطنية ، ان الاحتلال لا يمنح الحقوق عن طيب خاطر ، ولايردها لأهلها إلابالقوة ، فالاحتلال يأخذ بالقوة ، "وما يؤخذ بالقوة لن يسترد بغيرها " وبدون ادنى شك فأن الطريق نحو الحرية ونحو الديمقراطية لا يمكن ان يمر الا عبر مشروع المقاومة ... والمقاومة وحدها و بكل اشكالها .

المقاومة السبيل نحو الحرية

يقول عبد الناصر : ( أننا حريصون كل الحرص على الوصول إلى تسوية سلمية ، ولكننا في نفس الوقت نصرُ على حقوقنا المستمدة من حق الشعوب الطبيعي في الحرية والأستقلال ، والمستندة إلى ميثاق الأمم المتحدة . فإذا ما تبددت آمالنا فإننا لن نتردد كأي شعب يشعر بكرامته وحقه المقدس في الحرية والأستقلال في أن نسلك أي طريق يوصلنا إلى الحصول على حقوقنا ، مهما كانت التضحيات التي نتحملها لنفوز بالحرية ، ولنخلف لأبنائنا من بعدنا أغلى ما يتمتع بلد به )

في كلام الزعيم الخالد أعلاه فهمٌ لمعنى الأية القرآنية الكريم ( وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) وهذا الفهم يهيأ لثقافة المقاومة والجهاد لنيل الحقوق الوطنية ، التي بدونها لامجال للحقوق الأنسانية والسياسية للمواطن . وهذا الفهم متوافق مع القوانين والقرارت الدولية التي تقر بمشروعية مقاومة الهيمنة والسيطرة الأجنبية والأحتلال بكل الوسائل ، بما فيها المقاومة المسلحة ، بل أن تلك القوانين والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بحق الشعوب في مطالبة الدول والشعوب المساعدات بمختلف اشكالها للشعوب التي تتعرض للأستعما والأحتلال الجنبي ، ولاتعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم ـ 3070 في عام 1973 ـ وفي البندين الثاني والثالث .

وفي خضم الجزء المتعلق بحرية الوطن ، مرت التجربة المصرية في رأي عبد الناصر بعدة مراحل ، وضعت عبد الناصر على بصيرة تامة منها ، وهي كما يقول عبد الناصر في خطاب له بتاريخ 23 / 2 /1953 ، نراها بالتسلسل التالي وبلسان عبد النصر وكلماته :

1 ـ هكذا هبت رياح الحرية ـ ففي 11 يوليو 1882 ضربت الأسكندرية الوادعة بمدافع العدوان البريطاني ، ثم كان الأحتلال البغيض . وأشتعلت مصر ثائرة ، وخرج الجندي الفلاح أحمد عرابي على رأس ثواره الأحرار من الضباط والجنود ليردوا هذا العدوان الطاغي . ولكن الثورة لم تحقق أهدافها واكتفت بأن سجلت مولدها .

2 ـ‘ فما أن أقبلت سنة 1919 حتى هبت الثورة مرة أخرى تطالب بتحقيق أهدافها ، ولم تخف الثورة المصرية أمام رصاص المستعمرين ولا أمام رصاص أذنابهم من المصريين ولكنها مضت قدماً لاتبالي بالدس والخديعة . وإذاالثورة التي ولدت لجلاء المستعمرين عن أرض الوطن ترضى بدستور 1923 بديلاً عن اهدافها الكبرى .

3 ـ وثارت الثورة على نفسها وأكتفت بأن تنظر حولها وهي تسخر ممن أستغلوها وأخذوا يتجرون بها ويتلاعبون بأسمها ، كان كل من يريد أن يكسب لنفسه مركزاً ، يباهي بأنه أبن الثورة وصانعها ومحركها . وأصبحت الجماهير ضحية هذه المزايدات الوطنية وهذا اللون الجديد من الوان الأستغلال السياسي والإتجار بأسم الثورة .

4 ـ وجاء يوم 23 يوليو 1952 وهب جيش مصر يسنده الشعب ليضرب ضربته .

ولأننا نعرف أن تجاربنا القومية واحدة ، بل نضيف على ذلك من أن تجارب الشعوب ملكاً لجميع البشر ، ولأننا قوميين ، نرى وجوه التشابه بين مراحل التجربة المصرية والتجربة العراقية واحدة ، ولذلك نستعرض مراحل التجربة العراقية ، كي نوقن أن المضمون والأحداث والظروف واحدة في أرجاء الوطن العربي ، ففي فترة زمنية منذ مئة عام تقريباً أنتهت بالثورات الكبرى التي شهدتها المنطقة بعد نجاح مسيرة الثورة الناصرية ، ففي العراق :

مرت الحركة الوطنية بنضالها لأستعادة حرية العراق وأستقلاله بما يلي : فبعد الأحتلال البريطاني للعراق ، الذي جاء بعد الأحتلال العثماني الذي دام (383) عام تخلله أحتلال فارسي . وتؤكد دراسات تأريخية متعددة أن هذا الأحتلال العثماني قد واجه معارضة ، بل مقاومة عراقية شديدة ، يقول ( ريجارد كوك ) كانت هذه الفترة من حكم العثمانيين قد حصلت فيها أضطرابات كثيرة ومقاومة من العراقيين .

أما فترة الأحتلال البريطاني فيمكن تحديد مراحلها بمايلي :

1 ـ مرحلة الحكم البريطاني المباشر التي واجهتها عدد من الثورات والانتفاضات منها ثورة النجف ، التي كانت ( أول ثورة في العراق ضد الأحتلال الأنكليزي ـ الوجيز في تأريخ العراق السياسي الحديث ـ المحامي جواد الظاهر ) وقاد تلك الثورة أحد أهم شخصيات النجف الوطنية ( عطية أبو كلل ) .

2 ـ ثورة العشرين : والتي يشرح الوطني والقومي العراقي محمد رضا الشبيبي أسبابها بالأتي ( وفقاً لكتب المحامي جواد الظاهر المنوه عنه أعلاه ) ، يرجع الشبيبي ثورة العشرين لعاملين هما :

( أستنزاف جهود العاملين في ميدان الزراعة ، وخاصة الأستيلاء على المواد الزراعية بأبخس الأثمان .(

والثاني ( الضغط السياسي والحجر على الحريات والحيلولة بين أبناء الشعب وبين التعبير عن إرائهم للمطالبة بحقوقهم وفي تقرير مصيرهم وأختيار حكامهم وحكوماتهم )

3 ـ فترة (الحكم الوطني) التي شهدت العديد من الفقرات المهمة وتم خلالها عقد العديد من الأتفاقيات مع بريطانيا غايتها لجم المطالبة العراقية بالأستقلال التام ، ومن بين أهم احداثها ثورة الضباط القوميين بزعامة رشيد عالي الكيلاني ، كما شهدت هذه الفترة سيطرة الأحزاب الفاسدة التي يشرف عليها الأقطاع ورجال القصر وأعوان الأحتلال البريطاني على السلطة من خلال البرلمان

4 ـ العمل على التغيير السياسي بالقوة ونجاح ثورة 14 تموز 1958 بأسناد واضح من قبل عبد الناصر .

من الواضح جداً أن اهم ما يمكن أن يتوفر لدى (الطليعة) الثورية ، فهم التجارب الوطنية وأستيعاب دروسها ، وقد استوعب عبد الناصر التجارب الوطنية والقومية ، فأطل منها على شعبه وأمته لتحقيق حرية الوطن والمواطن ووحدة الأمة ، ولقد كانت المقاومة أهم الدروس التي استوعبها ، يقول عبد الناصر : ( أن الشعوب التي تساوم المستعمر على حريتها توقع في نفس الوقت وثيقة عبوديتها ، لذلك فإن أول اهدافنا هو الجلاء بدون قيدٍ أو شرط ، أننا نعلنها عالية مدوية : يجب أن يحمل الأحتلال عصاه على كاهله ويرحل ، أو يقاتل حتى الموت دفاعاً عن وجوده )

المقاومة مشروع قومي

وهذا الكلام مستخلص من تجربة على أرض الواقع ، فعلى أرض فلسطين تعلم عبد الناصر الدور الرائد للمقاومة كما تعلم معها أهمية الدور الذي تلعبه القومية العربية في تحصين وتمتين دور المقاومة المطلوب ، يقول محمد حسنين هيكل في ( يوميات عبد الناصر عن حرب فلسطين ) :

عن طريق فلسطين وعلى أرضها ومن خلال تجربتها المشحونة .. أستطاع جمال عبد الناصر ـ فيما أعتقد ـ أن يصل إلى رؤية قومية شاملة أثرت في فكره وفي حركته وفي أتجاهه إلى أهداف يؤمن بسلامتها وضرورتها لأمة تعددت شعوبها ولكنها تظل بالنسبة له امة واحدة . )

ويتابع هيكل كلامه :

( فقد لاحظ ـ عبد الناصر ـ أن صراعات العصر القديم ـ معظمها ـ دارت بين الشعوب التي تسكن أودية الأنهار العظيمة في المنطقة . أي ما بين النهرين ـ دجلة والفرات ـ من ناحية ـ ونهر النيل من الناحية الأخرى ـ وكانت أرض الصراع هي الصحاري والواحات التي تمتد على الطريق الذي يربط ويفصل ما بين هذه الأودية الكبيرة التي نشأت فيها الحضارات .

وفي الحقيقة في سوريا ـ من جبال طوروس إلى صحراء سيناء كانت ذلك الممر الذي شهد أهم صراعات التأريخ القديم .

وفي التأريخ الوسيط لعبت سوريا نفس الدور في الصراع ما بين المسيحية والاسلام الذي تحركت عواصمه السياسية من المدينة إلى الكوفة إلى دمشق إلى بغداد ثم إلى القاهرة .

ومن حطين ـ صلاح الدين ـ إلى مرج دايق ـ السلطان الغوري ـ كان جنوب سوريا ـ فلسطين ـ هو ساحة المعارك الحاسمة في تأريخ المنطقة .

وفي العصر الحديث لم تختلف الصورة . والواقع أن التصورات الأستراتيجية لدى أبراهيم باشا ـ والد محمد علي الكبير ـ لم تختلف كثيراً عن التصورات الأستراتيجية لتحوتموس الثالث الذي سبقه بأكثر من ثلاثة ألاف سنة .

وهكذافإن سوريا بدات تحتل مكاناً هاماً في فكر جمال عبد الناصر .

وفي إطارسوريا فان الجنوب ـ فلسطين ـ أصبحت له حساسية خاصة . فقد كان هو الجسر المباشر من مصرإلى الشام . ثم أنه عنق الزجاجة في المنطقة ما بين البحرين البيض والأحمر.)

هذه الرؤيا الناصرية جعلت عبد الناصر أعدى أعداء الأستعمار ، وجعل معسكر الدول الأستعمارية تنظر إلى عبد الناصر ، الخطر الحقيقي الذي بدأ يطلق الأمل في نفوس الشعوب المستعمرة ، ليس في الوطن العربي وحده ، بل في أرجاء العالم المستضعف (الثالث) . ومن خلال الرؤيا الناصرية هذه ، فإن حرية الوطن لم تكن محصورة في حرية مصر ، ولكن مصر شاء لها القدر آنذاك أن تكون النواة ، فمصلحة مصر الأستراتيجية ـ بمختلف اتجاهاتها العسكرية والأقتصادية والسياسية ـ والتأريخية والعاطفية مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بمحيطها العربي . لذلك قاد عبد الناصر حملة الحرية في الوطن العربي كله ، ومن خلال نهج المقاومة أستطاع أن يظفر بأنتصارات متعددة ، بطريقة التلاحم القومي ، في العراق والجزائر واليمن والسودان وليبيا ولبنان ، وكان مسانداً ومؤازراً وداعماً للمقاومة الفلسطينية ، وتحققت هزيمة حلف بغداد ، وهزيمة الأستعمار الفرنسي ، ونهاية الأحتلال البريطاني في العراق وجنوب اليمن ، وأفشل محاولات أحتلال لبنان أو أحتوائه وتحييده في المسائل القومية .. وغير ذلك .

وإن كان هذا فكر عبد الناصر ورؤيته لوحدة الوطن وحريته ، فإن ذلك يقودنا لنفس المسلك والأسلوب في التعامل مع حرية المواطن ، الأنسان .

وطن واحد وشعبٌ سعيد !

وإذا كان الشيوعيين في العراق قد رفعوا شعار " وطنٌ حرٌ وشعبٌ سعيد " فإن جمال عبد الناصر ، ومعه القوميين العرب في أرجاء الوطن الكبير ، كان يحلم ويعمل من أجل تحقيق " وطنٌ واحد وشعبٌ سعيد " ، ذلك لأن الوحدة ، وحدها تستطيع أن تحافظ على حرية أقطارنا العربية ، فلاضمان للحرية إلا القوة ، ولاوجود للقوة إلا بالوحدة .

ولكن كيف يرى عبد الناصر الترابط قائماً بين حرية الوطن وحرية المواطن ، وماهي أوجه التوافق والتحالف بين سالبي حرية الوطن من الأستعمار والأحتلال والهيمنة الأجنبية ، وسالبي حرية المواطن من المحتكرين والقطاع وسيطرة رأس المال ومؤسسات الفساد العام والخاص التي تسرق ثروات الشعب وتسلب حقوقه .

يقول عبد الناصر :

( أن أعدى أعدائنا يتمثل في ثالوث كريه هو : الظلم الأجتماعي والأستبداد والأحتلال البريطاني. نعم فلقد تمكنت فئة قليلة من الناس أن تسخر أجهزة الدولة جميعها لمصالحها ، دون نظر إلى مصالح بقية الشعب ، وبدأت تسطر أحلك صفحات الرشوة والفساد ، والإتجار بأقوات الشعب ، والعبث بمقدساته ، بأسم الحكومات المتعاقبة ، وتحت بصر البرلمانات المتتالية . وزيفوا على الشعب إرادته ، فقالوا أن الأحزاب تمثل الشعب ، وأن البرلمانات هي صوت الشعب ، ولم تكن هذه الأحزاب وتلك البرلمانات إلا المعول الذي فتك بمعنويات الشعب ومقوماته ، عن طريق الأستبداد السياسي ، فتفشت الأحقاد والضغائن ، وتفككت وحدة الشعب الخالدة ، وبدلاً من أن تتحه جهود الأمة في صف واحد نحو المستعمر الغاصب رأينا أبناء الأمة الواحدة يتناحرون ويتنابذون من أجل الجاه والمناصب ، فهانت الكرامات وفسدت الضمائر ، ووقف الأحتلال ينظر من فوقهم ليبارك خياناتهم ، ومن تحتهم راح الشعب يلعنهم في ألم مكبوت . )

ونتسائل ، بعد قرآة هذا الوصف الشامل من قبل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، أليس كل هذا واضحاً في التجربة العراقية اليوم ؟ وتحتاج الإجابة للتفكر ، لأن الأيجاب في الإجابة دعوة للمقاومة ، والأستعداد لخضم مواجهات أشرس مما فات !!

لقد كانت كل التنظيمات السياسية التي قامت وفقاً للرؤيا الناصرية ، تتوافق مع مطلب الحرية ، التي تتطلب التعبئة الجماهيرية لنيل الأستقلال الوطني الذي تأتي به الحرية ، وصولاً لمجتمع ليس فيه أستغلال أو سلب لحقوق افراده مهما كانت مستوياتهم وأنتمائاتهم . يقول عبد الناصر عن هيئة التحرير وهي أول تنظيم شعبي جماهيري أقدمت على تأسيه والدعوة اليه الثورة :

(لقد قامت هيئة التحرير لتؤكد المعنى المقدس ، وهو أن الناس قد ولدوا أحراراً متساويين في الحقوق ، لاتمييز بينهم ولافضل لأحد على أخيه إلا بما قدمه للوطن وللمجموع . لقد قامت هيئة التحرير لتغرس في النفوس أن الناس جميعاً قد خلقوا متساويين ، وأن الخاق سبحانه وتعالى قد منحهم حقوقاً لاتنتزع . ولتأمين هذه الحقوق تتكون من الناس جكومة تستمد سلطانها من رضى الشعب المحكوم . )

المقاومة من أجل الحرية والوضع الدولي

أن الظروف المحلية في الوطن العربي (العراق نموذج) ، و الظروف الأقليمية والدولية ، بل أن مساحات التأييد لمواقفنا في نيل الحرية قد فاقت التصور ولاتدع مجالاً للشك ، ولامجالاً بالأبتعاد عن نتائج التجربة الناصرية ، بل أن موقفنا اليوم ربما نحسد عليه لو قورن بالمواقف التي واجهتها أمتنا في بداية النهوض التحرري ، ففي عام 1953 كان عبد الناصر ينتظر تحركاً شعبياً بريطانياً للوقوف مع مطالب الشعب المصري والعربي في التحرر وإنهاء الأحتلال مما جعله يتسائل :

هل يقبل الشعب البريطاني لو كان مكاننا ، أحتلال وطنه ضد إرادته ؟ وهل كان يقنع بأيةِ حجة أياً كان مظهرها تفرض عليه دوام أحتلال أجنبي ؟ )

ولذلك فإن الوضع الراهن في رفض الشعب الأمريكي أحتلال العراق ، إنما يدعم مستلزمات النهوض نحو تحقيق الحرية للعراق ولفلسطين ولكل بقاع وطننا الكبير .

فقط في نهاية هذه الحلقة أود أن أعتذر عن كثرة ربط الموضوع بالمسألة العراقية ، وربما تكون تماسي مع هذه المسألة اليومي ، والمعاناة التي يعانيها أخوانكم العراقيين ، والقوى الأعلامية المخربة الكبيرة والمتمكنة بالمال السحت ، تجعلني أنشد هذا التلازم

ليست هناك تعليقات: