2008/09/03

كمال شاتيلا: ليكن رمضان شهر إنتصار الوحدة على الفتنة

كمال شاتيلا: ليكن رمضان شهر إنتصار الوحدة على الفتنة

لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك للعام 1429 هـ، 2008 م، وجّه رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني، كمال شاتيلا، رسالة الى المؤمنين طرح فيها رؤية لتوحيد المسلمين ومواجهة ثقافة الفتنة، في ما يلي نصها الكامل:

بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة والأخوات،
كل عام وأنتم بخير لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.
إن هذا الشهر الفضيل، وعلى الرغم من قساوة ظروف الحياة والمخاطر التي تهدد البلاد، هو المعين الأول على الصمود، والمصدر الأول لتجديد الإيمان، والعامل الأول لمد المؤمنين والمؤمنات بأسباب الصبر والنصر والتغلب على المحن والشدائد.
إن إسلامنا العظيم هو رسالة خالدة نقلت الملايين من الظلمات الى النور، ومن التخلف الى الحضارة والتقدم، ومن التقاتل والشرذمة الى التوحيد والوحدة.
إن الإسلام العظيم هو العامل الأول لقوة الأمة ووحدتها، لذلك ركّز المستعمرون دائما ويركّزون على محاربة الإسلام كعقيدة وثقافة منيرة، وعلى إستهداف المسلمين كقوة حضارية عالمية. ولجأ أعداء الأمة الى إستغلال ظهور متطرفين فيها يوظفون الدين لأهداف فئوية وبما يشوّه صورته الحضارية المشرقة، باستخدام وسائل إرهابية ضد مدنيين أبرياء، فيما يعلم أعداء الإسلام أن المتطرفين متواجدون في كل الأديان والتيارات السياسية، لكنهم يعبّرون عن قلة محدودة في المجتمع، فملايين المسلمين في العالم هم أهل وسطية وإعتدال وإنفتاح ويتعرضون لحملات ظالمة من الذين إخترعوا الإرهاب واستعمار الشعوب.
فالإرهاب الصهيوني يواجهه الفلسطينيون واللبنانيون بالمقاومة، وهي حق مقدس تقرّه شرائع السماء والقوانين الوضعية. كذلك يقاوم العراقيون الإحتلال، وهذا حق شرعي لتحرير الأرض وتحقيق الحرية والإستقلال.
إن هناك فارقاً، لا يعترف به عنصريو الغرب، بين مقاومة مشروعة ضد الإحتلال وبين إرهاب عشوائي موجه ضد المدنيين. ومن المؤلم أن جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، مع تقديرنا لجهودهما، لا تقومان بالدور المطلوب لتوضيح الفوارق بين الإرهاب والمقاومة، وبين الإسلام والتطرف، وبخاصة لدى قوى العالم الثالث التي يحاول المستعمرون عزلنا عنها وتخويفها منا لإحكام الحصار حول الأمة.
وعلى الرغم من جموح المشروع الإمبراطوري الأميركي، واستهدافه العرب والمسلمين بصورة مركزة، وعلى الرغم من حال التجزئة في الأمة، فإن عوامل الصمود العربي الإسلامي أحبطت الحلقات الأساسية في مشروع الشرق الأوسط الكبير، لكن القوى الأطلسية، وإن تراجعت نسبياً، إلا أنها لا زالت تركّز على إضعاف الأمة عبر استهداف أمنها وثرواتها ووحدة كياناتها الوطنية. من هنا تأتي أهمية التركيز في العالمين العربي والإسلامي على ما يجمع لا على ما يفرّق، على ما يوحّد وليس على ما يقسّم.
إن الإسلام ينهض على ثقافة الوحدة في مواجهة الفتنة، وهي مهمة رسالية لكل المراجع الإسلامية والهيئات الثقافية والدينية في العالم الإسلامي.
إن الوصول الى التضامن الإسلامي، وهو واجب ديني وقضية مصير دفاعاً عن الوجود والدور الحضاري، يتطلب أن تحترم الدول والقوى الإسلامية خصائص بعضها البعض، فتحل مشاكلها بالحوار على قاعدة العدالة، وتمتنع عن التدخل في شؤون بعضها البعض، وتركّز على الجوامع المشتركة التي تنبع من العقيدة الواحدة والمصالح المشتركة.
إن التضامن الإسلامي ينهض وينتعش بالتشخيص الموحد من جانب القوى الإسلامية للمخاطر التي تواجه الإسلام والمسلمين، من أجل الوصول الى وحدة الكلمة والإتفاق على خطة متكاملة لإيضاح معالم الحضارة الإسلامية وتسامح الإسلام وإنفتاحه الحضاري على الأمم الأخرى، حتى يعرف العالم أننا دعاة سلام وحوار بين الشعوب على أساس المساواة والإحترام المتبادل، نطالب بالسلام القائم على العدل، ونرفض الظلم والإستبداد والطغيان لنا وللأمم الأخرى.
أيها المؤمنون والمؤمنات،
يتعرض المسلمون في لبنان منذ فترة إلى حملة مدروسة ترمي الى تهميش دورهم وإضعافهم، لتسهيل تمرير مشروعٍ أطلسي تقسيمي على أرض لبنان، وذلك عبر الوسائل الآتية:
1 - إختراق طائفة إسلامية بعناصر التغريب والإنعزال، خلافاً لتاريخها وتزويراً لطبيعتها ورسالتها، الأمر الذي يحدث إنشقاقاً سنّياً – سنّياً بين قوى تغريبية وأخرى تحررية، ثم إثارة التناقض بين السنة والشيعة لإضعاف الطرفين خدمة للمشروع الغربي العنصري.
2 - تشجيع جماعات التطرف السنية لإضعاف المعتدلين وإظهار السنة بمظهر التطرف لمواجهتهم من قوى أخرى.
3 - تشجيع الغلوّ في الطائفة الإسلامية الشيعية لإحتكار القرار الإسلامي اللبناني، بما يحقق التصادم مع أطراف سنية أخرى ويوجد شرخاً بين شيعة معتدلين وشيعة متطرفين.
وإذا كانت الأوضاع الإقليمية، بتوافقاتها وخلافاتها، تنعكس على حالة لبنان، فإنه بوسع أحرار المسلمين أن يبادروا إلى سد الثغرات وإمتصاص العصبيات وإحباط مخططات أعداء لبنان ووحدة المسلمين، ليقدموا للعالم العربي والإسلامي نموذج تفوق ثقافة الوحدة على مخططات الفتنة. فتاريخ المسلمين في لبنان حافل بالعلماء والمفكرين اللبنانيين الذين كانوا في الأمة رواداً بالدعوة والتبشير وتقديم العلم المنير.
وأمام مخططات الفتنة بين المسلمين، لا بد من إستحضار تجربة العمل الإسلامي الوطني الموحّد، فهي تقدم لنا دروساً هامة عن إنتصار روحية التوحيد على التقسيم في صفوف المسلمين.
أ - ففي مواجهة الإنتداب الفرنسي في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، بادر المسلمون الى عقد مؤتمرات الساحل التي شملت أحرار السنة والشيعة والدروز، ثم توسعت لتضم مسيحيين أحراراً، واجهوا الإنتداب جميعاً، يداً واحدة حتى حققوا الإستقلال عن الإحتلال.
ب - ويوم حاول الرئيس كميل شمعون، عام 1958، إلحاق لبنان بحلف بغداد الإستعماري وبمشروع أيزنهاور الأميركي، وتحويله الى منصة تخريب ضد الجمهورية العربية المتحدة، نهض الوطنيون اللبنانيون لتشكيل أوسع معارضة وطنية دفاعاً عن حرية لبنان وعروبته وإستقلاله، فإجتمع الشيعة والسنة والدروز وأحرار المسيحيين ضد هذا المشروع الإستعماري،وتكونت وحدة الصف الإسلامي على أساس هدف وطني مشترك.
ج - وتكررت التجربة الوحدوية عام 1983، حينما كانت قوات الغزو الإسرائيلي لا تزال جاثمة على تخوم بيروت، فإنطلقت الدعوة التي شارك فيها المؤتمر الشعبي اللبناني لتأكيد وحدة صفوف المسلمين في مواجهة الغزو الصهيوني ومفاعيله، فكانت صلاة العيد في ملعب بيروت البلدي بمشاركة أصحاب السماحة المفتي الشهيد حسن خالد والإمام محمد مهدي شمس الدين والشيخ حليم تقي الدين، رحمهم الله، النواة الأساس في تعزيز روح المقاومة ضد المحتل ومشاريعه، ومهدت الطريق لمقاومة إتفاق 17 أيار المذل بين العدو الإسرائيلي وحكام لبنان آنذاك وإسقاطه، فكان لوحدة الصف الإسلامي أثرها الحاسم في إحباط هذا الإتفاق.
وفي الوقت الذي تزايد فيه النشاط الإستعماري الصهيوني في لبنان بدءاً من العام 2003، إبان الإجتياح الأميركي الوحشي للعراق، الأمر الذي كان يتطلب التماسك ووحدة الصف، فإن أطرافا محسوبين على المسلمين السنة تورطوا - بقصد أو بغير قصد – في مواكبة المشروع الغربي وأسقطوا إعتبار إسرائيل عدواً، ورافق هذا الأمر تصاعد موجات التطرف وسط أطراف شيعية وسنية في إطار إحتدام الخلاف السياسي بين المعارضة والموالاة، والذي حوّله البعض الى صراع مذهبي مقيت أصاب روحية الصمود في المجتمع، وأشاع روح الإنقسام على حساب روحية التضامن والوحدة.
وساعد على هذا المناخ لجوء أطراف إسلامية شيعية للإنفراد بقرارات سياسية فئوية لم تكن وليدة مشاركة بقية أطراف المعارضة (وبخاصة من العروبيين المؤمنين) مما أعطى إنطباعاً عن فئوية المعارضة واحتكار مجموعة لقرارها، خلافا لواقعها وتركيبة عناصرها المتعددة.
إن استعادة وحدة الصف الإسلامي لا تقوم على إستمرار العوامل السلبية المشار اليها، ولا تنهض وحدة الصف بغلبة فريق إسلامي على آخر، ولا بالدعوة لمواكبة المسلمين لمشاريع أجنبية خارجية تهدد وجودهم ودينهم ومصالحهم الوطنية. إن وحدة الصف الإسلامي تنهض على العوامل الآتية.
أولا: تحييد أي عامل سلبي خارجي يرمي الى زعزعة الوحدة الإسلامية، والعمل على عزل عناصر التطرف وسحب أي غطاء ديني أو سياسي عنها، وعدم إستخدامها بأي شكل من الأشكال مادة استغلال سياسي أو انتخابي، ثم سحب كل غطاء عن المتطرفين الذين يتجاوزون القانون.
ثانياً: عند حدوث أي إشكال فردي أو غير فردي، ينبغي على المعنيين تسليم المتجاوزين للسلطة، بحيث يكون الجيش وحده مسؤولاً عن أمن المواطنين، وتحريم إستخدام السلاح داخلياً من أي جهة كانت.
ثالثا: عقد لقاءات إسلامية على المستويات كافة تتسم بالصراحة والإنفتاح، لوضع خريطة تشخيص للمخاطر على المسلمين والوطن ينبثق منها مشروع سياسي لبناني موحد بعنوان "كيف نحمي حرية لبنان وإستقلاله ووحدته وعروبته ودور المسلمين الحضاري الوطني؟".
رابعاً: إحياء ونشر وثيقة "المؤتمر الإسلامي الموحد" الذي عقد بتاريخ 11/1/2007، والعمل بمضامينها وتشجيع بقية الأطراف الإسلامية للإلتزام بها.
خامساً: جعل المشاركة المتكافئة بين الأطراف الإسلامية القاعدة الدائمة لإتخاذ القرارات الأساسية في الشأن الوطني العام، وإلتزام دستور الطائف وإستكمال تطبيقه، والتمسك بالنظام الديمقراطي ومقتضيات الدستور التي تؤكد حقوق المواطنة المتساوية، بعيداً من تحكم الطائفة أو الطبقة أو المذهب أو أي فئة بنظام لبنان. فلبنان قائم على نظام متوازن دقيق غير قابل لحكم أي ثنائيات، ولا يتحمل مغامرات فئوية من أي مصدر كان تعبث بهذا التوازن الوطني الحساس.
سادساً: إحترام خصائص كل مذهب وإدانة كل أنواع الغلو والتكفير والتعصب، وإلتزام وثيقة الأزهر الشريف بالإعتراف المتبادل بين كل المذاهب الإسلامية.
سابعاً: تنقية الكثير من خطب علماء سنة وشيعة، يعتمدون على مصادر غير دقيقة وأحيانا غير حقيقية، في رواية التاريخ الإسلامي، بما يشوّش العقول ويعبّئ الأفئدة باتجاه الإنقسام بدل الوحدة.
ثامناً: الإبتعاد عن إقامة تحالفات داخلية أو خارجية من جانب أي طرف إسلامي على حساب أطراف إسلامية أخرى، واعتبار أن العمل لوحدة الصف الإسلامي الوطني هو الأولوية المطلقة، وهو حجر الأساس لتمتين الوحدة الوطنية اللبنانية.
ان وحدة الصف الإسلامي الوطني ليست موجهة ضد أي فريق لبناني، إنها دعوة للوحدة ضد الفتنة، دعوة حضارية للتمسك بالإيمان وبجوهر الدين بعيداً عن التبعية الأجنبية، دعوة متحررة من الإنعزال والتطرف والعصبية.
فان واجب المسلمين الأحرار، الى جانب المسيحيين الأحرار، هو المحافظة على صيغة العيش المشترك واحترام حرية المعتقد والحريات العامة وحقوق الإنسان التي لا تخضع لأي شكل من أشكال التمييز.
أيها الأخوة والأخوات
بهذا التشخيص الموجز لواقع المسلمين ولكيفية درء مخاطر الفتنة بينهم، نطرح هذه الرؤية الإسلامية الوحدوية، آملين الإستجابة الواسعة معها، فهي ليست نظرة فئوية أو حزبية للأمور، ولكنها رؤية تستهدي بروحية الإسلام العظيم وبمصالح المسلمين والوطن.
أيها المسلمون والمسلمات
ليكن شهر رمضان المبارك شهر انتصار الوحدة على الفتنة، ولننشر على أوسع نطاق ثقافة الوحدة باعتبارها واجباً إسلامياً، وليعمل كل مؤمن ومؤمنة على سحب فتائل الفتنة في كل مكان تتحرك فيه، وعلى تشجيع المصالحات بين المختلفين وعزل وإدانة كل من يعمل لإثارة إضطرابات أمنية أو يهدد السلم الأهلي.
إن شهر رمضان المبارك هو امتحان للمؤمنين والمؤمنات في مراجعة مسلكهم وأعمالهم على ضوء مبادئ الإسلام الحنيف وقيمه النبيلة السمحاء.
وفي ظل ظروف بالغة القسوة على المواطنين معيشياً وإجتماعياً، فإن مسؤولية كبرى تقع على أثرياء المسلمين في التخفيف من معاناة المحتاجين. والمسؤولية أيضا كبرى على الحكومة في تقصيرها في مجالات الضمان الإجتماعي والصحة والتعليم.
إن شهر رمضان المبارك هو نداء يومي للتضامن الإجتماعي، نداء لمواساة المريض والمعوق، نداء لسد رمق المحتاج وإغاثة الجائع والملهوف، نداء للتضامن مع الأطفال اليتامى والمحتاجين الذين لا يتمكنون من الإلتحاق بالمدارس أو دفع المتوجبات لها.
أيها الأخوة والأخوات
ان الإيمان لا يقتصر على العبادات فقط، فالإسلام رسالة انسانية متكاملة شاملة تدعو لربط الأقوال بالأفعال وإلتزام العمل بمقتضيات المبادئ الإسلامية.
إننا ندعو الله تعالى أن يوفق أمتنا للحفاظ على الدين والأرض والهوية.
ندعو الله تعالى أن يلهم قيادات المسلمين ليكونوا أحراراً في قراراتهم للدفاع عن حقوق ومصالح الأمة بلا تهاون.
ندعو الله تعالى أن يلهم المؤمنين والمؤمنات الصبر والصمود والقوة لمواجهة التحديات، وأن تصبح محبة المسلم للمسلم هي القاعدة الحاكمة لتصرفات المؤمنين والمؤمنات مع بعضهم البعض.
إن قوتنا في وحدتنا، ووحدتنا أساس نهضتنا، وهي تدفع الأمم الأخرى على احترامنا. ففي تاريخ الأمة كان الإنقسام دائماً وراء النكبات، وكانت الوحدة دائماً وراء الإنتصارات.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لنحظى برضاه عز وجل.
إن ينصركم الله فلا غالب لكم
ولا غالب إلا الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
==========================
لبنان - بيروت - برج أبي حيدر - بناية شاهين
الهاتف
009611819650
009611350549
فاكس
009611312247
صندوق بريد
ص.ب: بيروت - لبنان 7927/11
البريد الإلكتروني
info@kamalchatila.org

ليست هناك تعليقات: