2008/09/08

حق العودة... ولعبة المعابر... وحل أبو مازن "الخلاق"!

عبد اللطيف مهنا
هل من مجادل في كون حق العودة للاجئين العرب الفلسطينيين، الذين طردوا وشردوا من وطنهم إثر نكبة فلسطين أو اغتصابها وقيام إسرائيل على انقاضها، هو جوهر القضية الفلسطينية، وإنه إذا ما مسّ أو تم التنازل عنه، فإن هذا يعني وبكل يساطة التسليم بضياع فلسطين وتصفية قضيتها العادلة نهائياً، وبالتالي تكريس الكيان الغاصب في قلب الوطن العربي، بما يراد له منذ أن أنشئ من دور في خدمة المشاريع الغربية المعادية في بلادنا وجوارها، وتدشينه كمركز مقرر يطال مصائرها ويتحكم في مستقبل أجيالها؟!
ليس هذا فحسب، بل أن التنازل عن حق العودة أو المساومة عليه، أو مجرد عرضه في بازار المفاوضات، أو التلويح بإمكانية التفريط به، هو يعني بكل بساطة القبول بالتشريد النهائي لأكثر من نصف الشعب الفلسطيني، الذي يعيش راهناً في الشتات، وتحت عناوين تتردد منذ عقود، مثل، التوطين، الذي الوجه الآخر في بعض منه التهجير مجدداً إلى أربع جهات الأرض، والتعويض الذي يعني التوطين، وهو الذي هو حق للفلسطيني لقاء 60 عاماً من التشريد واغتصاب الحقوق، على أن يكون هذا بعد عودته إلى دياره، وليس لقاء تنازله عن هذه العودة، التي لا يمتلك أحد يرى نفسه في مركز القرار حق التنازل عنها.
وقد نسترسل فنقول أن فلسطين هي ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وعليه لا أحد منهم له حق التنازل عنها، باعتبارها قضية قومية قبل أن تكون وطنية، أو كما كان يقال سابقاً قضية العرب المركزية، حتى وإن تم إغفال هذا المصطلح في العقود الأخيرة، وحاول الكثيرون نفض اليد منها والتنصل من هذا الهم القومي، الذي يطال مصير أمة وليس شعب من شعوبها فحسب، وتصوير الصراع بأنه فلسطيني – إسرائيلي، وليس كما كان في حقيقته صراعاً عربياً صهيونياً.
وكما هي ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، فهي ايضاً ليست قضية العرب وحدهم، إذ أن الموصوفة دائماً بالديار المقدسة، وفيها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، هي أيضاً قضية إسلامية. وكذلك تضم مقدسات مسيحية، وكما أنها لعدالتها قضية إنسانية ، حيث العدالة الإنسانية، كما يفترض، لا تتجزأ. ومن هنا يمكن تفسير ما يلحظ من تعاطف شعبي في كل أصقاع العالم مع النضال الفلسطيني، والتعاطف مع المعاناة الفلسطينية، ورفع العلم الفلسطيني غالباً في مختلف التظاهرات الكونية الشعبية.
مبرر الكلام عن مثل هذه البديهيات، هو ما اصبح يتردد مؤخراً في معظم الأحاديث التي يدلى بها رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود أبو مازن لوسائل الإعلام المختلفة، ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ما أدلى به لصحف مثل: "دير شبيغل" الألمانية، و"المصور" المصرية، و"معاريف" الإسرائيلية، ثم ما شابه ذلك من تصريحات رافقت زيارته الأخيرة للبنان.
للصحيفة الأولى، قال أنه "مستعد للتفاوض بشأن المكان الذي سيعود إليه اللاجئون"، بما يعني هذا من نيّة التخلي عن حقهم غير القابل للتصرف بالعودة إلى ديارهم التي طردوا منها حصراً، وبالتالي الاستعداد لبحث مسألة التوطين حيث هم أو في منافٍ جديدة، أو عودة البعض منهم إلى كانتونات السلطة، إذا ما قيض لها أن تغدوا نوعاً من مسخ يدعى دولة، أو حتى في سياق ما يسمى جمع الشمل لآلاف قليلة من العجائز الذين لا زالوا أحياءً لا أكثر، وبالقطارة، إلى فلسطين المحتلة في العام 1948.
ويزيد أبو مازن فيطمئن الأوروبيين عبر "دير شبيغل" بأن "هناك خمسة ملايين لاجيء نعرف أنهم لن يعودوا جميعاً"!!!
وللصحيفة الثانية، يقطع جازماً في هذه المسألة بقوله، "إنني لا أريد أن أغير ديموغرافيا الدولة الإسرائيلية". لكنه يكون الأوضح وهو يخاطب الإسرائيليين عبر "معاريف" بقوله: "لا أحد يستطيع إجباركم على استيعاب ملايين اللاجئين"!
وبما أن الأمر كذلك في نظره، فهو يسارع فيطالبهم كشركاء بما تتطلبه مقتضيات هذه الشراكة، وهو أنه "يتعين علينا أن نجد حلاً خلّاقاً" لمسألة حق العودة، الذي أصبح وفق المسار التسووي، وفي ظل الراهن الفلسطيني البائس، والعربي المنحدر، قابلاً للمساومة عليه!
وحيث موازين القوى في ظل الراهن الفلسطيني والعربي الموصوف آنفاً، الذي وصل حد استجداء الحلول من عدو لا يجد ما يدفعه لها إلا باعتبارها حلوله هو ووفق منطقه وتخدم في المحصلة استراتيجيتة التي لم ولن تتغير الساعية لتهويد كامل فلسطين، لم يجد أبو مازن ما يغرى الإسرائيليين لقبول دعوته "للحل الخلاّق"، سوى تذكيرهم بأنه إذا ما قبلوا المرحومة المبادرة العربية، التي تقول بحلول متفق عليها بين الطرفين لمسألة عودة اللاجئين، بأن "علمهم سيرفع في 57 عاصمة في العالم، أي ربع العالم"، ويعني بالطبع العالم العربي والإسلامي!
خطورة ما تقدم تكمن في إمكانية ربطه بما يدور طي الكتمان والغموض في المفاوضات المكتومة التي تدور بين فريقي احمد قريع وتسيبي ليفني. ثم اصرار أبو مازن على القول بأنه متفائل بحل، ربما لا أحد يشاركه تفاؤله به والذي يتراجع عنه أحياناً ليعود إليه... حل قبل نهاية العام، أو بلغة أخرى قبل رحيل راعي السلام العتيد وصاحب رؤية حل الدولتين الشهيرة، أو تلك التي ورثها عن شارون وطبعها باسمه، الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، الذي يستعد لحزم حقائبه ومغادرة البيت الأبيض في مهلة لا تتجاوز الأربعة أشهر. وقد يسبقه للرحيل ، وربما إلى السجن، شريك الحلول المزعومة إيهود أولمرت في مهلة قد لا تتعدى الأسابيع... ألم يقل أبو مازن ل"معاريف" في معرض تأكيده على إصرار بوش على إنجاز هذا الحل المأمول قبل رحيله، لقد: "سمعت هذا بإذني" منه؟!!
وقد نذهب أبعد لنقول: هل بإمكان إغفال ما يربط ما تقدم، بحكاية لعبة المعابر، التي تفتح لساعات ثم تقفل لأشهر، تنفيساً مدروساً، وبالقطارة، للحصار شبه الإبادي المفروض على غزة تجنباً لانفجارها، أو هذا المعتقل الكبير لمليون ونصف المليون فلسطيني، والذي يشارك في حراسته وإحكام إغلاقه العدو والشقيق، وما يسمى "المجتمع الدولي" ، تحت ذرائع عديدة، ومنها حالة الانقسام التي يسهم كل هؤلاء في تكريسها، ولهدف واحد أحد، وهو إجبار من لم يتنازل بعد عن حق العودة بالتنازل عنه، أو القبول بالحلول "الخلاقة"، التي يتم التلويح بها؟!
قد لا يكون من الصواب تحميل أصحاب المسيرة الأوسلوية وحدهم مسؤولية الوصول إلى مثل هذا الحال التصفوي والكارثي الغني عن الوصف، بل لا بد من إشراك كافة القوى والفصائل الفلسطينية كلٍ من موقعه في جزءٍٍ من هذه المسؤولية... وقديماً قالوا، الساكت عن الحق شيطان آخرس.
...وبقي أن نقول أن حق العودة هو جوهر القضية الفلسطينية، والقضية الفلسطينية أكبر وأعقد وأصعب وأقدس من أن تصفى باتفاق مبادئ أو جرة قلم، وهي إن لم يكن بعض الفلسطينيين والعرب في مستوى من يحملها، فقد أثبتت على مدار قرن وأثبت شعبها أيضاً إنها هي من تحمل دائماً من يحملها... والتاريخ لا يرحم.

ليست هناك تعليقات: