2008/09/16

هل ستنقسم الأمة بين مناذرة و غساسنة من جديد؟



16/9/2008

إن ظهور السيد نصر الله بعمامته وعباءته على منصة كتب عليها:"من أحب الله فقد أحب الحسين" هي لغة طائفية أرفضها بقدر ما أبارك انتصارات هذا الفارس العربي على الكيان الصهيوني

تتسارع الأحداث على الساحة العربية تباعا و منها ما ينتهي تأثيره في وقت قصير، و منها ما يضع بصماته على مستقبل الأمة العربية الممزقة إلى أشلاء يصعب لملمة جراحها؛ بسبب صمت الجماهير على تلك الأنظمة اللقيطة .

و تتجلى المخاطر على هذا البقعة الجغرافية؛

فالقوى الاستعمارية تجثم على أرضها، و تنهب

خيراتها و تمزقها إربا اربآ، وهذا الخطر واضح

للجميع ، و هو خطر مركزي و محوري، و لكن هذا الخطر ليس أقل من خطر يتسلل إلى الأمة من داخلها و يجزئ المجزأ فيها .

إن الثورة الفارسية تسعى جاهدة منذ اعتلائها عرش فارس إلى تصدير ثورتها إلى الوطن العربي عن طريق الطائفة الشيعية المتواجدة بكثرة في وطننا الحبيب ، و لا يخفى على أحد طائفية هذه الثورة و أطماعها في الوطن العربي و خيراته . فإيران علنا تدعم اتجاهات شيعية تابعة لها في العراق و لبنان و مناطق أخرى .

لقد نظر العربي إلى الكيان الفارسي من عينين متناقضتين ، عين ترفض التدخل الفارسي في العراق ، و ترفض احتلال إيران لمنطقة الأحواز و الجزر العربية (طنب الصغرى و الكبرى و أبو موسى ) و عين تبارك لإيران دعمها لحزب الله الذي أدى إلى تحقيق انتصار باهر للمقاومة على الكيان الصهيوني العدو المركزي للأمة العربية .

و أمام هذا التناقض تقف الولايات المتحدة و إسرائيل مستغلة هذا الشرخ لتنفثا فيه السموم من كل صوب و حدب. و بكل أسف ينقسم القوميون العرب انقساما حادا في نظراتهم إلى الفرس ، فمنهم معارضا ومنهم مؤيدا، و هنا تكمن المصيبة إذ كيف سيوحد القوميون أمتهم و هم متفرقون ؟

بالرغم من اتفاق القوميين على الأسس الرئيسية لوحدة الأمة العربية ؛ فالبعثيون و الناصريون تحديدا يتفقون على الاشتراكية و الوحدة و النهوض بالواقع العربي في كافة المجالات ، و لكنهم و بعد مرور عشرات السنوات ما زالوا منقسمين أحزابا و تيارات .

و يأتي الخطر الفارسي إضافة إلى المخاطر الأخرى و يبدأ بالتسلل إلى الشرائح العربية ، و تباركه القوى الاستعمارية الغربية وهذه المباركة ظهرت عندما غضت أمريكا الطرف عن التدخل الفارسي في العراق عند احتلالها له؛ لأنه يشجع على تمزيق الأمة أكثر فأكثر، و أي خطر أشد على الأمة من الطائفية المقيتة ؟ من الذي ينمي الطائفية في الوطن الربي؟ و من يسعى لبناء صرحها خدمة لمصالحه ؟

منذ العهد التركي وحتى قبل الثورة الإيرانية، لم نكن نسمع كلمات سني وشيعي لا في إيران ولا في العراق ولا لبنان، وكان المواطن العربي يسير في الشارع ولا يُعرف إلى أي طائفة ينتمي، وقد أكد الزعيم الخالد ناصر على نبذ أي وسيلة للتفرق بين أبناء الأمة العربية، فلا فرق بين عربي وعربي، مهما تعددت الديانات والطوائف، فكان العربي في مصر الناصرية لا يُعرف إن كان مسلما أو قبطيا، شيعيا أم سنيا، أم .....؛ فالكل منصهر في بوتقة العروبة وكفى.

ويأتي القائد الشهيد صدام حسين ليسير على هذا النهج وإن تعددت الطوائف في العراق الحبيب والديانات أكثر من القطر المصري، إلا أن صداما صهر العراقيين في بوتقة العروبة والبعث، فكنا نشاهد على أعلى هرم القيادة العراقية من هو مسيحي ومن هو سني ومن هو شيعي، ولكنهم متوحدين في نظرية البعث.

أما باقي الأنظمة التي عرفتها الساحة العربية فهي موجودة لتنمي الصراع الطائفي، فالنظام السعودي والمصري والسوداني والمغربي والسوري والعديد من الدول الخليجية ؛ وذلك لأن أنظمة الحكم قائمة على الطائفية المقيتة.

وتأتي الثورة الفارسية لتزيد الطين بلة وتخلط الحابل بالنابل، فالموقف السياسي الفارسي تجاه الكيان الصهيوني هو موقف مشرف للأحرار العرب ، وموقف الأنظمة العربية السياسي مخجل ومخزي، وهذا هو السبب الذي أوجد صدى للصوت الفارسي على الأرض العربية، وتوسع أكثر عندما مرغ حزب الله أنف إسرائيل في التراب اللبناني، وفي خضم هذه الأحداث باتت الطائفة الشيعية تحاول التقوقع على نفسها، بدعم فارسي طبعا، وهناك العديد ممن لم يعرفون عن هذه الطائفة شيء شرعوا إما بالدراسة عنها، بل هناك من بادر إلى التشيع هاربا من واقع الهزيمة ومرارتها؛ ليتذوق طعم الانتصارات وإن كانت مرحلية وجانبية وبراقة أكثر من تحقيقها إنجازات على الأرض، فالمقاومة لم تنه الكيان الصهيوني ولن تستطيع ذلك طبعا، والجهة الوحيدة القادرة على إنهاء هذا الكيان هي الأمة العربية المتوحدة في دولة قومية واحدة.

فأين يجب ان يقف العربي المخلص لأمته تجاه هذه الأحداث؟ أعتقد جازما أن أي حديث عن الطائفية في الوطن العربي وأي جهة تحاول كتابة هذه اللغة على خارطة الوطن العربي هي عدوة مركزية للأمة مثلها مثل أمريكا والكيان الصهيوني، وإن أيادي الفرس ليست ببريئة من هذه الفتنة المقيتة .

إن البوابة التي دخلت منها الدولة الفارسية إلى الوطن العربي، هي بوابة الموقف السياسي المعادي لأمريكا والكيان الصهيوني، والدعم اللامحدود الذي تقدمه لحزب الله قائد المقاومة اللبنانية، وهنا يجب أن نحلل هذا الموقف جيدا.

أقول واثقا أن هناك مواقف سياسية عند العرب كانت متقدمة أكثر من الموقف السياسي الفارسي مثل موقف الزعيم الخالد ناصر والشهيد صدام حسين، فكلاهما لم يعترف بالكيان الصهيوني بل خاضا الحروب ضد الامبريالية وقوى الاستعمار، وكلاهما حارب الطائفية المقيتة أيضا، فيجب أن نسير على نهجهما في هذا المجال، أما أن نتقلب ونلهث وراء جهات خارج الأمة فهذا بحد ذاته يمثل قتل الشخصية العربية المستقلة، وإن كل قومي ينتظر قراره من بلاد فارس تعتبر القومية منه براء، فالفرس دولة لها قوميتها ولغتها وحدودها ولا يجب أن ينصهر الموقف العربي في بوتقة أي موقف ليس بعربي، وإن تحالف معنا، ولنا في ناصر قدوة عندما تحالف مع الاتحاد السوفييتي ولم يتبع أو يصهر الموقف العربي بالموقف الروسي بالرغم من تقديم الأخير يد العون لمصر الناصرية في حربها ضد القوى الامبريالية وفي بناء الاقتصاد العربي القوي.

أما عن تحليل الصورة على صعيد المقاومة فهنا أتساءل وبكل صراحة على الجبهة اللبنانية خاصة ، لماذا تغلق المخيمات الفلسطينية ويمنع أبناؤها عن المقاومة في الجنوب اللبناني بالرغم من وجود العديد من التنظيمات الفلسطينية هناك، ومنها ما هو قادر حقا على المقاومة مثل الجبهة الشعبية القيادة العامة؟ لو كانت إيران تدعم المقاومة من أجل المقاومة لدعمت فصائل في لبنان غير حزب الله، إن استفراد حزب الله في الجنوب اللبناني في المقاومة يضعف المقاومة ولا يؤججها، فما هو سبب هذا الاستفراد؟ أليس هو إعطاء صورة بأن المقاومة مقتصرة على حزب الله" الشيعي".

مثلما أن هناك أحزابا شيعية مقاومة هناك أحزابا سنية ومن كل الطوائف، لماذا يمنع كل هؤلاء ويسمح فقط لحزب الله؟ هناك تيار ناصري مقاوم يقوده الدكتور أسامة سعد، لم لا تدعمه إيران مثلما تدعم حزب الله؟

إن ظهور السيد نصر الله بعمامته وعباءته على منصة كتب عليها : من أحب الله فقد أحب الحسين " هي لغة طائفية أرفضها بقدر ما أبارك انتصارات هذا الفارس العربي على الكيان الصهيوني، وإذا كان حزب الله قد خرج من رحم لعروبة، فليبتعد عن هذه اللغة ولا أعني هنا أنه يجب أن نخذل حزب الله في حربه مع الكيان الصهيوني، بل يجب دعمه ومؤازرته من كل الشرفاء في هذه الأمة، ويجب ألا تقتصر المقاومة على الحزب فقط . ولكن على الجانب الآخر يجب مطالبة حزب الله بالتقرب إلى محور العروبة والابتعاد قدر المستطاع عن الطائفية أو التحدث باسم الطائفة الشيعية أو رفع شعاراتها.

والسبب هنا واضح ، فهناك سؤال يطرح نفسه، أيهما أفضل انتصار المقاومة في بقعة جغرافية صغيرة من الوطن العربي لا تغني ولا تسمن من جوع، حيث أنها لا تغير من واقع الأمة العربية في شيء سوى الناحية المعنوية، أم واد الطائفية في الوطن العربي وعدم إذكاء نار هذه الفتنة التي إن بدأت فلن ينجو منها أحد؟

إننا نسير على غير هدى والسبب أننا نبتلى، من تلك الأنظمة العربية اللقيطة التي قلبت كل الموازين، وإنني لا أفرق هنا بين النظام السعودي المتصهين الذي يسعى جاهدا لترسيخ الطائفية وبين النظام الفارسي الذي أيضا يصب في نفس الهدف، فلا سني ولا شيعي وكلنا عرب، ورحم الله ناصر عندما قال : لا أحزاب في الدين، بقي القول: إن تعدد المخاطر التي تلم بالأمة العربية جعلنا نتشتت في تمحوراتنا ؛ لذلك أرى من يريد قيادة الأمة وخاصة القوى القومية بالذات أن تقف موقفا موحدا من هذه المخاطر والتي أرى أنها " أي المخاطر" كلها مرتبطة بخطر واحد لا ثاني له وهو خطر التجزئة وعدم وحدة هذه الأمة، وأن كل شيء يجب أن يصب في بوتقة الوحدة في كافة المجالات سواء الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية،.... ومن اجل أن يكون للأمة موقف موحد نابع من عمق الواقع العربي يجب ألا نفكر في الانصهار في أي موقف غير عربي وإن كان متحالفا معنا، أو حتى إن رفع نفس الشعارات التي نرفعها، وعلينا ألا ننقسم بين مناذرة و غساسنة، وينطبق علينا البيت الشعري التالي:

ما بين روم وفرس / تدحرجت كل رأسِ

ومن هنا فلا الأنظمة المتأمركة التي يقودها النظام السعودي والمصري تعمل لصالح الأمة، ولا النظام الفارسي وأتباعه في الوطن العربي يعملون لصالح الأمة، وإن التيار الوحيد الذي يستطيع أن ينهض بالأمة هو التيار القومي المتوحد الذي ينمو كزيتونة لا شرقية ولا غربية، ولا يحمل راية الغساسنة ولا المناذرة. ولا يعترف إلا براية ناصر على أرض العرب، من المحيط إلى الخليج.

خالد حجار

فلسطين

ليست هناك تعليقات: