2008/09/27

رسالة من جمال عبد الناصر



من حيث أنا الآن ,ومن ملكوت الله,اشعر كأنني مازلت معكم أعيش قضاياكم ومشاكلكم,وأتمثل توجهاتكم وشواغلكم, وأتحسس أفكاركم ومشاعركم , وأتصور إنني استطيع أن أكون قريبا من حالتكم بأكثر مما يستطيع أبطال أمتكم العظام الذين اطلوا عليكم من هذه الزاوية قبلي ,وسبب ذلك واضح وهو إنني كنت بينكم إلى سنوات قريبة وقبل أن يجيئني نداء رب العالمين إلى جواره فألبي .

لله حكمة لا نراها نحن البشر في دنيانا عندما نكون فيها,ونحن نتقبل بالإيمان إحكامها ,لكننا عندما نعود إلى الملكوت الأبدي نلقاها أمامنا فيضا ونورا أوسع وأعمق من كل ما تستطيع قلوب الناس أن تحمله مهما رقت وصفت .لا أخفيكم إنني كنت أتمنى على رب الخلق إن يمهلني في دنياكم حتى أخوض معكم حربنا الحقة والعادلة لاستعادة الأرض وتطهير التراب بعد محنة قاسيناها معا قبل ثلاث سنوات من ذهابي بحساب الزمن في دنياكم, ولقد كنا كما تذكرون اعددنا للأمر عدته , ثم جاء إلى إذني نداء الحق قبل أن يصل إلى أذانكم نفير الحرب. ولقد أطعت النداء ورحلت . وهناك في رحاب مالك الملك استأذنت أن أظل موصولا ولو بشعاع مع عالمكم , وأذن لي .

ورحت أطوف من حول الشعاع انتظر في كل لحظة أن أحس من ارتعاشات خيوط الضوء فيها ما ينقل الي صدى نفير يتردد في آفاقكم , وطال انتظاري أكثر من ثلاث سنوات ولم يصبني ملل في الانتظار ولا اعتراني يأس ,فقد كنت اعرف عن أيامي بينكم كم هي صعبة تلك المسؤولية التي تركتكم معها وتركتها معكم , سوف تترددون بعض الوقت وتتهيبون, لكنكم بما أستودعكم الله من سر عزته سوف تقبلون وتتقدمون ,وعندما أقبلتم وأقدمتم ذات يوم من أيام شهر رمضان قبل أكثر من ثلاثة عقود بحساب زمنكم – رفعت بصيرتي عن الشعاع وتوجهت إلى صوب مصدر النور القدسي أناجيه دعاء وصلاة, حمدا وشكرا.. وجاءني من بعيد صوت قائل لا أراه :" تمهل يا عبد الله ولا تتعجل فما جاءك إشارة وليس بعد بشارة " ومضى الصوت القادم من بعيد يقول لي :"ألا تعرف ياعبدالله ما الفرق بين الإشارة والبشارة ؟ الأولى علامة تؤذن بشيء, والثانية علامة بأن الشيء جاء وبأنه خير لمن جاءهم ".

وقلت :"صدقت".

وتوافقت الحوادث مع قول القائل القادم صوته من بعيد. لقد أخطأتم انتم أيضا في الفارق بين الإشارة والبشارة , وفي حين وجدت في عالمي من ينصحني فأحمد له, فإنكم في دنياكم أعرضتم عن النصح وكان متاحا لكم لو أتبعتم الهدى . لكنكم أتبعتم الهوى , فرحتم تتنازعون الاسلاب والحرب دائرة , و ظن بعضكم انه يستطيع ان يفوز على حساب الاخرين ,و حل بالكل خسران مبين .

حزنت .حزنت .حزنت لا اقول لكم الى أي درجة ؟ و مع ان عالمنا هنا معفى من الاحزان الا ان ما جرى لكم و بينكم سرى الينا من بين افلاك النجوم , واستأذنا ان نأسى ,فأذن لنا عطفا علينا و رحمة. كان يجب ان ينقطع ما بيننا و بين الدنيا , لكن القدرة الاعظم شاءت ان تعطي الضعف الانساني فسحة علّ خواطره تطمئن و تهجع و تذوب بعدها في لا نهاية الأبدية .

لن اقول كثيرا, و لا تقولوا, فنحن هنا نعرف مثلما تعرفون و أكثر, فانتم ترون الأعمال , ونحن نراها و معها الضمائر. و انتم ترون الواقع , ونحن نراه و نرى ما بعده ؟

لو ان الذي حدث لكم بعد 1973 – كان قد حدث لنا بعد 1967 لفهمت وعذرت. في المرة الأولى كان نذيرا , و في المرة الثانية جاء بشيرا لكنكم بأيديكم حجبتم الضياء وأبحرتم الى بعيد مع ضلالات الهوى , اعرف ان حياة الأمم متجددة, لكن ما يحزنني ان عملا صالحا كبيرا بذل في سبيله أخياركم ما لا يسهل تعويضه أو تكراره – عبث به أشراركم في غفلة منكم , وباءت امتكم كلها بالخسران ولم يعد يجدي الندم .

لن اقول كثيرا , ولا تقولوا. ما فات مضى . والمستقبل ميلاد جديد ولكن متى ؟ انني اسمع اصداء تصل الي من عندكم الى هنا تحمل دعوات يتنادى بها بعضكم الى الوحدة في مواجهة خطر داهم وشر مستطير. نوايا طيبة , ولكنني اذكرمن دنياكم قولا مأثورا لحكيم من بني البشر قال فيه "ان النوايا الطيبة لاتصنع سياسات طيبة ". قول صادق كما ترون ونحن هنا في عالمنا لا نعرف غير الصدق ولا نستطيع ان نخفيه أو نداري فيه .

دعواتكم كما تصل الينا هنا نوايا طيبة تمنعها حقائق الأشياء وطبائع الامور ذاتها من ان تتحول الى سياسات طيبة .

كنت مشغولا بهمومكم حينما جاءني صوت من بعيد :"يا عبد الله انهم يطلبون رأيك".

قلت "من الطالب "؟

قال:"بشر من أمة العرب في ركن هناك على خليج شبت فيه نيران حريق ".

قلت :" وكيف يصل رأيي اليهم هناك في وسط الدخان واللهب وعتمة اليأس ".

قال :"لا شأن لك بذلك يا عبد الله . قل ما عندك وسوف يصل الى طالبيه حيث هم".

ْ ْ ْ

لي ان اطمئن إذا ان القول واصل اليكم ,ولكن ماذا اقول ؟ وكيف اقوله ؟

نحن هنا لا نمارس ما تسمونه انتم "تفكيرا" وإنما نحن هنا "نستجلي".ذلك

اننا حيث نحن قرب الحق وفي عزة ضيائه ,وأما التفكير فأداة انسانية منحت للبشركوسيلة للبحث عن الحقيقة .

في ملكوت الحق الكامل لا يحتاج احد لادوات ولا لوسائل . ولالبحث اوتفكير. هنا نستجلي .او قولوا نستوحي إذا وجدتموها أسهل .

انني اعرف ما اريد قوله ,فليس هنا من يستطيع غيرالصدق . مشكلتي انني اريده رفيقا بكم وليس فظا غليظ القلب تخشون لقاءه وتفرون منه .

الرفق في الحق شيء اخر غير التزويق , بمقدارما ان الامل في الغد شيء اخرغير رؤى السراب. لكي اريحكم سوف اقول لكم انني مطمئن على المستقبل الذي هو ميلاد جديد , ولكن المستقبل ليس هو الغد المباشروانما هو مابعد الغد .

اليوم وغدا عناء ,وعليكم تحمل اقدار المؤمنين الصابرين , فلا تتعجلوا الاوهام تطلبون فيها الخلاص ولاتتسابقوا الى النجاة حيث لا نجاة .

تتنادون الى الوحدة واخشى ان اقول لكم انه نداء راح منكم اوانه.. دقت ساعته من زمن ولم تصل الى اسماعكم .

اعرف ان عبادا من خيرة امة العرب شاركوا من عالمنا هنا في التصديق على نداء الوحدة , ولكنكم فهمتم ما قالوه على غير ما قصدوه .

لقد توجهوا اليكم من هنا بالدعاء , الدعاء نوع من الرجاء . طلب شفاعة لا اكثرولا اقل . وعليكم ان تستوعبوا وتضعوا الكلام في مواضعه ولا تثقلوه بامانيكم حتى ولو كانت طيبة.

انكم تتحدثون عن الوحدة ...

وحدة ماذا ؟ ووحدة من ؟

تأملوا ما جرى ويجري في فلسطين ؟ ماجرى ويجري في لبنا ن ؟ ماجرى ويجري في العراق وغيره وعلى امتداد تلك المساحة التي نسميها وطنا عربيا ؟؟ , ماجرى ويجري في صفقات التآمربين قوى العدوان الجاثمة على الارض الآن وبين قوى اقليمية اخرى متحفزة للعدوان ..وكيف ؟ ولماذا ؟ ومتى ؟ والى اين ؟ من يسيطر على موقعكم الآن ؟ من يحكم توجهاتكم ؟ كنوزكم التي كانت في باطن ارضكم كيف تبددت وتبدد؟؟

هل تحرك احد ؟؟؟

هل تكلم احد ؟؟؟

وتتنادون الى الوحدة ؟

ادركتم او لم تدركوا فأنتم تتحدثون عن وحدة حكام ؟ اسألكم ماجدواها الان ؟ لن تكون في احسن احوالها غيراتفاق صمت لا يحل عقدة ولا يفتح بابا .

دعوهم يتخبطون فيما هم فيه الان , فهم لا يملكون اكثر من حاضر مالت شمسه الى المغيب .

اما اذاكنتم تقصدون وحدة امة فاسمعوني اقول لكم : ان الامة لم تكن متحدة في تاريخها القريب بقدر ماهي متحدة الان .

كان مناي ان نوحدها على الامل في المستقبل لا تقلقوا - تولى الالم توحيدها على أي حال .. من الخليج الى المحيط - كما كنا نهتف ايام دنيانا – امة واحدة تعلمت درس الالم بعد ان فاتها درس الامل .

انظروا حولكم وتاملوا في روية وبلا عجلة وسوف ترون وجه الحقيقة ظاهرا امامكم بدون خفاء او رياء.

اقرأوا الصورة بأمانة ولاتخشوا في الحق او تهابوا . امامكم امة باسرها تشعر حتى النخاع بمرارة العلقم الذي شربته جداول وانهارا وبحارا .

وفي احساسها العميق بالمرارة فقد استطاعت اخيرا ان تعرف . والمعرفة وحدها بداية صحيحة . خصوصا اذا لحقتها ارادة .

الامة الان تعرف بمرارة العلقم ما عجزت حلاوة الامل عن تعريفها به .

حلاوة الامل نشوة لها اجنحة تحلق في الهوى . ومرارة الالم نزول على الارض وارتطام بالصخور .

لا بأس , ولا يضر الامم في بعض مراحل تاريخها ان ترتطم بالصخور على الاقل لكي تفيق من اوهامها وتهجر اعراض الامور الى جواهرها .

جواهر امور امامكم تعرض نفسها عليكم فلا تعرضوا انتم عنها :

-اما بان للامة كلها ان تقسيمها الى دويلات تحت دعوى الاستقلال خدعة ؟ - اذا ادركتم ان وحدة الامة بأي شكل يناسب عصركم لامفر منها - فهذا جوهر بان.

-اما بان للامة كلها ان ثراءها بهويتها , محتوى حضارتها , وليس ثراء الامم ارقاما في كشوف حساب او كتل ذهب في خزائن بنوك ؟ - اذا ادركتم ان ثروة الامم ليست مالا فحسب وانما قيم اغلى من المال واعز- فهذا جوهر بان .

- اما بان للامة كلها انه لا امن ولا تنمية ولا تقدم وراء حواجز التقسيم او مصائد الانقسام ؟ - اذا ادركتم ان الامن او التنمية اوالتقدم في بلد واحد هي ضروب من المستحيلات وان هذه الاهداف العظيمة لا تتحقق لغير الامم الكبيرة- فهذا جوهربان..

- اما بان للامة كلها ان حماية القوى الكبرى في هذا العصر لغيرها من الامم هي ذاتها حماية الذئب للغنم ؟ امريكا اوغير امريكا ؟ كل امة بما لديها , والا فهي رهينة للوحوش حتى تتحول من رهينة الى غنيمة ؟ - اذا ادركتم انه لابديل

لقوتكم الذاتية في حماية مستقبلكم - فهذا جوهربان.

- اما بان للامة كلها ان عدوها الواقف ببابها والذي تسمونه "إسرائيل" ليس خطيرا الى الحد الذي صوروه لكم حتى تغلبكم الاوهام على اعصابكم - حتى وان امسك بيده بما يطلقون عليه اسم القنبلة الذرية ؟ - اذا ادركتم ان سلاح الارهاب المنظم الموجه اليكم عقيم - فهذاجوهر بان .

- اما بان للامة كلها ان معظم ما يوجهونه لها من خارجها خديعة ومعظم ما يظهرونه لها خداع , فلقد ارادوا ان يفتنونكم , ولئن افتتن البعض فإن مجموع الامة استطاع ان يتبين الخبيث من الطيب , مجموع الامة تبين وفرز - اذا فهذا جوهربان .

-اما بان للامة كلها ان تجارة السلاح وتكديسه ليست هي بالضبط حماية الامن القومي وتاكيده , بل ان محنة الهوان والاختراق جاءت في عصر شدة التسلحيح وكثافته ؟ - اذا ادركتم ان الانسان هو السلاح وهوا لحرب وهو النصر - فهذاجوهربان .

جواهر كثيرة امامكم وهذه بعضها , وكلها في متناول ايديكم , والشواهد تقول انكم بالغون بها مستقبلا تستحقونه ولكن موعده ليس اليوم او غدا .

بعد غد موعدكم بإذن الله وبهداه يقيني . سوف اقول لكم لماذا ؟ وسوف اختصر لانني لا اريد ان اثقل على "السرالامين" الذي يحمل قولي الى طالبيه هناك على شطآن خليج شبت فيه نيران حريق .. ومحيط فيه باحثون عن ميلاد وطريق .

اسمعوني جيدا قبل ان انصرف عنكم الى ما انا عائد اليه في هذا الملكوت اللانهائي .

اسمعوني جيدا . اسمعوني بقلوبكم وعقولكم قبل ان تسمعوني بآذانكم , ذات يوم كنت بينكم , جئت الى هذه الدنيا ورحلت عنها , ومنذ اليوم الاول لوعيي فيها اعطيتكم حياتي وفكري واعصابي بمقدارما هيا لي رب العرش من الاسباب , ولقد اعطيتمونني قريبا منكم وبعيدا عنكم فضلا كبيرا ولا تزالون , وكرهني اعداؤكم قريبا وبعيدا ولا يزالون , وهذا ايضا فضل كبير , فالحياة عندكم على الارض ليست مثلها هنا عندنا . عندكم الحياة جدل وصراع وحرب بين المبادئ والمصالح والامم . من خلال الاحتكاك والحرارة والنار يتبدى وجه الحقيقة بينما هي عندنا لا تحتاج الى شيء من ذلك يكشف عنها لانها محيطة بكل شيء .

- اقول لكم : انتم الان مايقارب الثلاثة مائة مليون بحساب عددكم .

- اقول لكم :انتم الان عر فتم بأنفسكم درس حياتكم , وعرفتموه بالمر اكثر مما عرفتموه بالحلو , ولم يعد في مقدور الايام ان تلهيكم اوتخدعكم . وعلى أي حال تنبهوا. اقول لكم بصرف النظر عن كل العذاب فقد صنعتم كثيرا يبنى فوقه ويضاف اليه .. لم يضع كل ماجاءكم , وانما مكث بعضه في الارض بالرغم من كل شيء وهو نافع لكم ولو كبداية .

- اقول لكم : لقد عرفتم الطريق الى كثير من العلم , وبدأت بؤر نور كثيرة تظهر على ارضكم رغم الضباب والظلام فتمسكوا بها ووسعوا رقعتها – بينكم الان اكثر من ثلاثين مليونا من خريجي الجامعات ,وهذه طاقة لو تعلمون هائلة.

- اقول لكم : لقد بداتم تدركون ان المرأة و هي نصف مجتمعاتكم لم تعد سلعة ولم تعد متعة , وانما هي شريك كامل لكم في الحياة , وفتحتم لها ابواب العلم والعمل , (وهوما يستدعي منها بدورها ان تحافظ على قيمها وقيمتها ودورها كإنسان وترفض ان تكون مجرد سلعة تشترى وتباع ) وهذا شيء لو تعلمون عظيم .

- اقول لكم : انكم اكتسبتم خبرات هي ذخيرة باقية لكم , وحصلتم على مهارات هي الان طاقات فعل مبدع على أطراف أصابع قوة عمل تكاد تقارب الميائة وخمسين مليونا .

- اقول لكم : ان مواردكم من الارض والماء والطاقة وفيرة , وسوف تكتشفون بدراسة اوسع من اقفاص التجزئة التي ارادوا ان يحشروكم فيها – ان مواردكم تكفيكم وزيادة .

° ° °

يتناها الي همس يتردد في خواطركم وتحبسون السنتكم عن النطق به تحرجا اومجاملة . بلغني وان لم يصدر به صوت - وهذه ايضا خاصية منحت لنا هنا ولم تكن لدينا عندما كنا في دنياكم هناك .

همس صامت مؤداه انني وصفت لكم حالة ولم اعطيكم حلا .

جاءت الان لحظة القول المحدد .

اسمعوني مرة اخرى وسوف اتكلم بلغتكم وبمنطق الحساب عندكم الذي تلجأون اليه احيانا في تحديد المهام والمسؤوليات :

اولا - لا تشغلواانفسكم كثيرا بقضية الوحدة في وجه الخطر. الوحدة المطلوبة والمؤكدة بينكم ليست قضية طوارئ وانما هي قضية مصائروا ستعجالها في الازمات يجعلها مؤقتة , في حين تحقيقها بالاختيار الحر والاقتناع الواعي هو الذي يعطيها دوام الحياة , والحياة ليست عمر رجل اوعمر جيل وانما هي عمر البشرية وعمرالزمان .

استعجالها الان يجعلها اتفاقا بين القمم – او من تسمونهم انتم كذلك او من يتوهمون لانفسهم هذه المكانة – وهذا ماكنت وصفته لكم من قبل ب "اتفاق الصمت " وهو ما لا مصلحة لكم فيه .

ثانيا - وحدتكم الحقيقية - مصيرا ومستقبلا قبل أي عامل آخر -تنمو كل يوم بحقائق وطبائع الاشياء . حقائقها امامكم وطبائعها تسري بينكم ومن حسن الحظ

انه لم يعد هناك مركز واحد قوي يدعو اليها ويثير بدعوته حساسية الباقين .

كانوا يتهمونني في حياتي بينكم انني اريد مجدا شخصيا ,وكانوا يتهمون مصر بدورها الخاص بينكم انها تطلب إمبراطورية لم يعد لذلك كله داع او مقتضى الان , فقد تساوت كل الرؤوس وتلاشت جميع الخصوصيات الظاهرة وان بقيت دو ن جدال خصوصيات الحقائق التاريخية الكامنة . وهذا شيء طيب حتى وان كنتم دفعتم فيه اغلى التضحيات . لابأس . لقد اصبحنا جميعا في "الهم سواء" كما يقول تعبير كنت اسمعه في دنيانا من قطرات الحكمة المترسبة على ضفاف النيل كذلك الطمي الاسمر الغني . لم اكن اصدق في دنياي ان تعبير "كلنا في الهم سواء "يمكن ان تكون له فائدة .

الان عرفت بالتجلي ان كل شيء مهما كانت قوته يطوي اعماقه على شيء له فائدة .

ثالثا - لاتقلقوا كثيرا تحت ظن ان ا لتقدم سوف يترككم موكبه ويذهب , انتم في وسط العالم , وسوف يشدكم العالم معه حتى بالرغم منكم على الاقل الى القدر الذي يحتفظ لكم بنصيب لا بأس من الوعي والتنمية .

لا تنسوا ايضا ما لديكم من اسباب حقيقية قلتها قبل قليل .

لديكم امكانيات انسانية ومادية اضيفت اليها تجارب قد لاتكون كافية للتغيير الكامل ولكنها كافية كحافز. مؤثرة على المستقبل وفاعلة فيه .

رابعا - لاتجعلوا مخاطر اللحظة وهواجسها تطغى على بصيرتكم فتظنون انها نهاية التاريخ . نعم اعرف ان هناك مخاطر. لكن هناك في المقابل ظاهرة ابصرها الان عندكم واسعد لها اكثر مما تتصورون , انها ظاهرة المقاومة .. وهذه الاخيرة لها وجوه متعددة , فمقاومة الغلاة والمستغلين من سالبي لقمة عيشكم ورغيف اطفالكم لاتقل اهمية عن مقاومة عدوكم سالب ارضكم وخيراتها . كلها معارك عزة وكرامة .

دعوا المجسدين لجريمة التجزئة يواجهون عواقب ماصنعوه, واماانتم فاعملوا حيث شاء الله لكم ان تعملوا وثابروا بالقدر الذي يحفظ لكم تقدمكم وسايروا الدنيا في كل أفق يتقدم اليه العاملون , وحافظوا على وحدتكم وعزّزوها واطلقوا العنان لكل الطاقات مما اتاكم خالقكم ومن افضاله عليكم .

نعم هناك مأزق , ولكن اتركوا المأزق هذه الحظة لاصحابه , ودعوهم يتولوا بانفسهم حل ماعقدوه .

نعم لقد آمنت عندما كنت بينكم بالثورة . ونعم مازلت مأمنا . الفكر الثوري ليس عدميا ولكن هناك لحظات في الحياة عندكم يكون الصواب فيها ليس الترميم وانما البناء من جديد وعلى اساس جديد.

واراكم عند لحظة من هذه اللحظات .

خامسا - سعدت . سعدت . سعدت وانا اراكم اكثراهتماما باولادكم مما كان اباؤكم ,اجدكم تكرسون لهم ماتصل اليه ايديكم . تحرصون على ان ينالوا افضل تعليم ,وتوفرون لهم امن حياة . واهم من ذلك تعطونهم من وقتكم مالم يكن متاحا لنا في دنيانا حينما كنا في مثل عمرهم .

هنا البداية الحقة الان . كرسوا لهم واعطوهم ووفروا من اجلهم ما استطعتم من سبل . وبشروا فيهم دوما انهم امة واحدة .

هناك الامل الحقيقي في وحدة الامة . وحدة امة سليمة تقوم على اساس سليم .

هذا الجيل المقبل من ابنائكم هو الذي سيحمل اعلام الثورة للوحدة وللحرية .

للتقدم وللقوة .

بينما انا اقول لكم , اقتربت مني روح شاعر عاش ايام الإغريق اسمه "هومير"- قال لي وهو ينظر الى الارض ناحيتكم :

- " لوكنت رايت ما ارى عندكم الان لكانت الماساة عربية ولم تكن اغريقية".

رددت عليه - وبالطبع لم تسمعوا ردي - قائلا له :

- "ايها الشاعر - لم تتخلص بعد من هوى الشعراء رغم انك هناك قبلنا من الاف السنين .. لم تصف غير ما ترى .مايراه البصر ذاهب وماتراه البصيرة قادم . المأساة على وشك الرحيل والفرح قادم . مواكب جيل وشباب من امتي تتجدد فيهم دماءنا مع المستقبل آتية يملأها عزم اكيد ".

المح شلال نور يتدفق من بعيد . يقترب . الشعاع القريب مني والذي كان يحمل صوتي اليكم يتلاشى في غمرة الضياء الباهر المتدفق نحونا . صوت من اتجاهه يقول صادرا من عمق عميق:

" وذكرهم بان لا يهنوا ولا يحزنوا وان نصرالله قريب " .

هل تسمعونني ؟

لقد اقترب شلال النور وذاب فيه تماماشعاع كان بيني وبينكم يحمل اليكم رأيي فيما سألتموني عنه .

عائد انا حيث كنت قبل ان تطلبونني , نعم , نصر الله قريب ولكن تذكروا ان نصرالله باسبابه الحقيقية وليس بقصائد الشعراء واقوال الحكماء وان كانوا من القدماء , وليس بكلمات تنشرونها على صفحات اوراقكم ملأى بالنوايا الطيبة , قاصرة عن الفعل الطيب ؟

سلام عليكم .

سلام الحق وليس السلام الذي يتحدث عنه بعض المستسلمين هذه الايام .

****

تنويه :

1 ) هذه الرسالة خُطت بقلم كاتب عربي عرف الزعيم الراحل وكلاهما الان في دار الحق مقيم ..ولقد عرفت هذا الكاتب والمفكر الكبير معرفة مباشرة ,وعرفت انه كان يأثر ان تنشر هذه الرسالة بدون امضاء , حرصا منه على شد انتباه القارئ الى المضمون بدل الشغف بمعرفة ذات الكاتب وهي لعمري رفعة نفس وتواضع منه - بالرغم من سمو مكانته - لو تعلمون كبير.

2 ) لقد اعدت تحيين بعض الارقام الواردة في نص الرسالة حتى تتماثل مع المرحلة الزمنية التي نحن بصددها .

مع الاعتذار والشكر

ليست هناك تعليقات: