2008/05/11

الرئاسية الاميركية ومصير الامبراطورية




حياة الحويك عطية

اليوم تنطلق الانتخابات الرئاسية الاميركية، الماراتون التقليدي الذي تحدد نهايته مصير العالم لست سنوات قادمة. مصير قد تدخل عليه خلال الفترة الرئاسية تعديلات تعيد السياسة الدولية الى فلك الثنائية وربما التعددية القطبية. من هنا يبدو ما تنقله وسائل الاعلام عن احتلال سؤال مستقبل اميركا من حيث موقعها في العالم، منطقيا، ومعبرا عن ادراك الناخب الاميركي لعناصر القوة التي تمتلكها بلاده. واذ تورد التقارير ان هذا الهم يترافق مع اخر هو عودة الاقتصاد الى الواجهة، فان الامر يبدو منطقيا تماما، اذ موقع واشنطن الامبراطوري يعتمد على قوتها العسكرية المتفوقة، لكنه من جهة اخرى يعاني من عقدة اخيل اساسية هي الاقتصاد. فالامبراطورية التي تشكل عملاقا عسكريا لا ينازعه احد، ليست كذلك على المستوى الاقتصادي. اضافة الى ان استمرار التفوق العسكري يتوقف على استمرار التمويل. لذا كان كثير من المفكرين الغربيين، من امثال روجيه غارودي، يراهنون منذ عقدين من الزمن على ان انهيار اميركا- الامبراطورية لن ياتي الا من الزاوية الاقتصادية.

غير ان ما اخر هذا الرهان هو هيمنة الولايات المتحدة على ثروات الشرق الاوسط العربي، وعلى اسواقه، خاصة بعد احتلال العراق المعلن واحتلال الخليج المقنّع. مما سمح – بانعاش الاقتصاد الاميركي لفترة طويلة - و بفرملة نمو العملاق الاسيوي، الصيني اولا والياباني والنمور ثانيا، وبانتصار معسكر الامركة في اوروبا، خاصة في الدولتين القياديتين : فرنسا والمانيا.

لكن ابعاد الخطر الخارجي لم يبعد الخطر الداخلي المتمثل في اتساع هوة الفوارق الاجتماعية بين طبقة فقيرة وطبقة متوسطة تزداد صعوباتها المعيشية، من جهة وبين طبقة بالغة الثراء لا تتوقف ثرواتها عن النمو، سواء بفعل السياسات الداخلية ام بفعل توظيف السيطرة على الثروات العربية والعراقية خصوصا لصالحها. وهذا ما يرتبط ارتباطا وثيقا بالسياسات النيوليبرالية التي يقودها الجمهوريون، والمحافظون الجدد بشكل خاص. من هنا قد يكون تقدم الديمقراطيين منطثيا ومدعوما بتيار شعبي واسع كنتيجة لهذا الواقع وليس فقط كترجمة تلقائية لتداول السلطة بين الحزبين الرئيسيين. كذلك فان ما يتحدث عنه المحللون من ان الرغبة في التغيير هي الاحساس المسيطر على الناخب الاميركي، ليس ترجمة لمسالة منطقية تلقائية ايضا، كما يحصل في واقع معظم المجتمعات، وانما هو يعكس قلقا حقيقيا على المستقبل، بدا منذ هزة 11 سبتمبر وربما قبلها. مع 11 سبتمبر بالنسبة للمواطن العادي ن وقبلها بالنسبة للمحللين الستراتيجيين وفلاسفة التاريخ. لقد كتب العديد من هؤلاء عما اسماه بعضهم : غياب الكتلة المقابلة، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية. كما كتب بعضهم الاخر ومنهم النقيضين : نعوم شومسكي، وصموئيل هنتنغتون، عما اسموه خوف النهاية. وذلك في سياق تحليل يقول ان سيرورة الامبراطوريات يتسم دائما بمرحلتين : مرحلة النشوء والصعود التي تتسم بدورها بقلق البداية، ومرحلة الهبوط والتراجع والتي تتسم بدورها بخوف النهاية. خوف تداريه الامبراطوريات عادة بزيادة الحروب، ورفع منسوب التسلط والهيمنة، غير ان المفارقة الغريبة هي ان هذا الدواء يسرع في النهاية ولا يؤخرها.

الطريف في الامر ان هذا التحليل قد ظهر خلال حرب البوسنة، اي قبل سنوات من احتلال العراق. وقبل سنوات ايضا من فشل هذا الاحتلال الذي كان من المتوقع ان يهيمن بدوره على المعركة الانتخابية الاميركية. هيمنة ما تزال قائمة، خاصة في ولايتي تكساس وكاليفورنيا، اللتين تدفعان ثمن الحرب اكثر من سواهما. لكن القو\راءة العامة تدلل على ان الهم قد تجاوز الحرب بحد ذاتها الى نتائجها على مستقبل الامبراطورية.

ليست هناك تعليقات: