2008/05/31

الجولان .. بالقوة يسترجع

فائز البرازي

[ ان ما أخذ بالقوة .. لايسترد إلا بالقوة ] جمال عبد الناصر

أدّعي انه يخطئ من يظن أن الجولان يمكن أن يعود إلى سوريا العربية بمفاوضات متقطعة كالتي جرت خلال عقود ماضية ، أو كالتي تجري الآن بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركية . وهذا ليس تعبيرآ عن رفض المفاوضات بحد ذاتها ، إلا أنه تعبير عن ضرورة أن تكون المفاوضات حاصلة بين قوى متوازنة القوة ، مع ملائمة الظروف والمعطيات في زمن ما . والقوة المقصودة ليست القوة العسكرية فقط ، بل المقصود القوة بكل اشكالها : العسكرية والسياسية والإقتصادية والدبلوماسية وأوراق الضغط ، إضافة هنا إلى توفير الحد الأدنى الفاعل من التضامن العربي ضمن منظومة الأمن القومي العربي بكل أشكاله أيضآ . وهذا الطرح سيفرز تساؤلآ مشروعآ لفهم مايجري .. فمن جهة أولى :

- وهي تتعلق بتوجهات أمة وثوابتها وتطلعاتها وحقوقها المشروعة ، بكون أن كامل فلسطين يجب أن يتحرر من الإحتلال والإحلال الصهيوني ، وتعود أرضآ وشعبآ بكاملها دولة عربية متحررة . وهذا ( ثابت ) لايمكن التخلي عنه ، حتى لو إستمر الزمن مئات السنين لتحقيقه ، وحتى لو كانت هناك تسويات وإتفاقات \" كمتطلبات نظم \" تنحو نحو إقامة إتفاقات بأشكالها المتنوعة مع الدولة الصهيونية ضمن مبدأ السيادة للدولة وسيادة قراراتها وحفظها لجذوة التوجه التحرري والإبقاء تاريخيآ على ثقافة السيادة العربية بكل مناحيها . وأن التمسك بالحقوق وإعادة الأمور إلى نصابها وطبيعتها ، سيبقى دافعآ ضاغطآ لخلق وإيجاد الوعي الفاعل والإرادة المصممة وتوفير أسباب القوة . ولا زلنا نتذكر عندما إنهزمت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى ، ووقعت عن ضعف وهزيمة \" معاهدة فرساي \" مع الدول الغربية المنتصرة ، وخسرت بموجبها وبموجب واقع الإحتلال ، أراضي لصالح دول أخرى وخاصة فرنسا ، وتم تقاسم مناطق نفوذها ووجودها في العالم ، وحظر عليها إنشاء جيش قوي ، وعاشت أزماتها الإقتصادية والسياسية الطاحنة ووصول معظم شعبها لخطوط ماتحت الفقر .. وفرت الظروف والمعطيات اللاحقة نهوضآ في الوعي الألماني الفاعل ، وعودة وإسترجاعآ للعزة والأحاسيس القومية الألمانية ، التي أهينت وسلبت حقوقها ، مما \" أفرز \" ظاهرة هتلر بقيادته وتنميته لذلك الوعي والحس القومي ، والحرص على إستعادة ألمانيا لحقوقها التي سلبت منها ، وكانت مقولته الشهيرة : [ إن جميع المعاهدات المذلة تداس بجنازير الدبابات ] . أي : ما أخذ بالقوة .. لايسترد إلا بالقوة . وتبقى توجهات الأمة العربية وثوابتها ومنطلقاتها وتطلعاتها تقول : لاصلح ، لاتفاوض ، لاإعتراف بإسرائيل .

من جهة ثانية : - إذآ ماذا يجري بين سوريا كدولة مقاومة ، وبين إسرائيل الغاصبة ؟؟ أكاد أعتقد أن الأطراف الأساسية : سوريا – إسرائيل – إيران – تركيا – أمريكا .. يعرفون تمامآ أن هذه المفاوضات لن تؤدي لإتفاق في المدى القريب والمتوسط ، وخاصة ضمن المعطيات والظروف السائدة الان في المنطقة . ولكل طرف ضمن هذه \" المعرفة الجمعية \" ، توجهات ورغبات وتطلعات يسعى جاهدآ لتحقيقها أو تحقيق شيء منها ، مع توقعه على جانب آخر أن لاتثمر بشيء على الإطلاق كما جرى في مفاوضات سابقة . أي أن جميع الأطراف تعي أن وقت السلام بين سوريا وإسرائيل ، لن يأت الآن ولا في سنوات قريبة قادمة ، ولا أحد يدري الإجابة عن الصورة على المدى المتوسط والبعيد . وإن حاولتُ الدخول في تصورات كل طرف من الأطراف الآن ، عما يمارسونه من خلال منطلقاتهم الخاصة بكل منهم ، فأكاد أعتقد أن :

1- سوريا : - وقد كانت في عهد المرحوم الرئيس الأسد قد وصلت بالمفاوضات وبلقاء / الأسد كلينتون / إلى قطع اللقاء والتفاوض بسبب نكوص إسرائيل عن وديعة رابين ، وبسبب \" أمتار \" قليلة مطلة على بحيرة طبريا ، لا كما يتوقع البعض اليوم ويشيعوا عن إستعداد سوريا للإبتعاد عن طبريا . وقد يكون الهدف من مسارها التفاوضي اليوم ، وكما كان .. أن تقول للعالم أنها مع السلام ، وهي حقآ مع السلام العادل والشامل . ويكون من النتائج التي تسعى لحصدها وخاصة ضمن الهجمة الصهيوأمريكية الشرسة وحلفائهم في المنطقة ومحاولات حصارها وعزلها وممارسة الضغوط الجبارة عليها بالمستوى العربي والإقليمي والدولي ، محاولة منها أن تكسر هذه العزلة وتوسع إنفراجاتها ، وتحصل على نفس زمني أطول حتى مغادرة بوش والمحافظون الجدد عروشهم . ولتسعى في ذات الوقت وضمن المهلة على دعم أكبر لعسكريتها ، وعلى تثبيت أقوى لمحور الممانعة والمقاومة : سوريا ، إيران، حزب الله ، الفصائل الفلسطينية المقاومة ، المقاومة الوطنية العراقية ، في خطوات تدرجية تراكمية وصولآ إلى مرحلة التعامل مع إدارة أمريكية جديدة .

2- إسرائيل : - ليس بمقدور \" أولمرت \" ولا أحد غيره الان وفي ظل الأوضاع الإقليمية السائدة – وخاصة مع فضيحتيه : خسارة في لبنان ، تحقيقات فساد – أن يتجاوز معارضة 65% من الإسرائيليين الرافضين تمامآ الآن عملية إنسحاب إسرائيل من الجولان : دينيآ وسياسيآ وإقتصاديآ وبمتعلقات مياة الجولان . فهو – أولمرت – يسعى على مستوى الداخل لخلط الأوراق ، ويخلق تشابكآ مبهمآ في الأوضاع وإشغال معارضيه . ويسعى – وهو متشكك – على مستوى الخارج لتحقيق :

• دفع نحو تحييد تدريجي جهة حزب الله ، إيران ، حماس ، وخلق نوع من التردد عند بعض المشاركين في القرارات السورية ، وخلق نوع من التشكك بين : سوريا ، إيران ، حزب الله ، فصائل المقاومة الفلسطينية ، الذي قد يؤدي إلى تبريد وقتي بينهم .

• وقد يكون الهدف من هذا التبريد – إن حصل – تجهيز الساحة لتدخل عسكري سريع ومحدود ضد إيران ، يتخلص فيه من مخاطر إيران ، ومن الضغوط الداخلية المهددة بسقوطه.

3- إيران : - تعلم إيران يقينآ هذه المجريات .. وهي تعي أيضآ ومن نظرة موضوعية للظروف ولطبيعة التحالفات القائمة الآن ، أن سوريا لايمكن أن تسقط في فخ التخلي عن علاقاتها الإستراتيجية معها ، ولا مع محور المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق . لأن هذا يشكل إنتحارآ سوريآ وخاصة الآن ضمن المعادلات السائدة ، وضمن تجارب الخداع والكذب والتوجهات الأمريكية والصهيونية ، وأنظمة الإستسلام العربي .

وهي – إيران – أصلآ تدير مفاوضات مع أمريكا \" الشيطان الأكبر \" فلايمكن أن تنظر إلى المفاوضات السورية الإسرائيلية إلا من ذات النظرة البرغماتية المستوعبة لطبيعة المعطيات والظروف والتحالفات .

4- تركيا : - وهو نوع من الذكاء السياسي لتحقيق تواجد مؤثر أكبر في الساحة الإقليمية ، توازن فيه دورها مع الدور الإيراني في المنطقة ، وتكسب حرية تصرف عسكرية ضد الأكراد المتمردين ، وتحقق تقاربآ وتنسيقآ إستراتيجيآ ومصلحيآ مع كل من سوريا وإسرائيل ، وتعزز ملامحها في \" الإتحاد الأوروبي \" ، وتكسب مواقف متعاطفة معها من يهود إسرائيل ويهود أمريكا والعالم ، بما يخفض درجة مخاطر الصراع بين الحكومة التركية والجيش التركي .

5- أمريكا : - وإن كانت \" غير راضية \" بنسبية عما يجري ، إلا أنها تتطلع وضمن تراجع مشروعاتها في المنطقة – ولا أقول فشل مشروعاتها - ، وتبدل نسبي في موازين القوى المؤثرة على إضعاف مشروعاتها ، وبسبب موقفها التشنجي العدائي من النظام السوري وأدواره بما ساهم مساهمة فعالة في إعاقة وإضعاف مشاريعها وسياساتها في المنطقة ، إلا أنها ومع إعتقادها أن هذه المفاوضات لن تثمر عن شيء ، فستحاول تخفيف إنعكاسات تردي مشروعها في المنطقة وتجيير السكوت على مضض عن المفاوضات ، إلى تحسين صورتها إلى حد ما في الداخل ألأمريكي بقطاع المتصهينين الأمريكان ، مما يمكن أن يكون له من إنعكاس على الإنتخابات الأمريكية القادمة دعمآ للحزب الجمهوري ، مع ماقد يساهم ذلك بتوفير ظروف أنسب لمعالجة الصراع مع إيران عسكريآ .

وأخيرآ .. وكتحديد أكثر ، أرى فيما قرأته للمحلل السياسي الإسرائيلي / عكيفا الدار / في صحيفة \" هاآرتس \" الصهيونية ، توضيح لمآل هذه المفاوضات . فيقول بوجود 8 عقبات أمامها :

• الفجوة الكبيرة بين المطلب السوري بإنسحاب إسرائيلي كامل إلى حدود 4 حزيران 1967 ، وبين الموقف الإسرائيلي الحاسم بعدم تجاوز ماكان قديمآ حدودآ دولية .

• قضية المياه .. وهي قضية إستراتيجية وأمنية الآن وفي المستقبل ضمن ما أصبح يعرف \" بحروب المياه \" .

• المستعمرات في الجولان ، وهي قضية كبيرة بين الطرفين فيما يتعلق بالإخلاء ، أو بالجدول الزمني .

• العقبة المركزية الكبرى بخصوص إصرار سوريا على علاقاتها مع إيران وحزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية .

• علاقة سوريا وأمريكا المتوترة إلى أقصى درجاتها ، ومطالبات كل طرف للطرف الآخر بتغيير سلوكه ومواقفه .

• تحديد حجم المنطقة المنزوعة السلاح بين الطرفين ، وتبادليتها بالتساوي .

• صعوبة إن لم يكن إستحالة التطبيع بين سوريا وإسرائيل ، حتى إن إنسحبت إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة .

• صعوبة إلغاء إسرائيل \" قانون هضبة الجولان \" الذي أقره الكنيست عام 1981 ، بفرض القانون الإسرائيلي في الجولان ، وتقنين – من قانون – المستعمرات الإسرائيلية فيه .

من هنا أرى .. أن مايجري ليس أكثر من إدارة مؤقتة للصراع بين الأطراف ، ضمن فترة زمنية معينة تتحكم بها طبيعة وإفرازات المعطيات والأوضاع الحالية والقادمة .

فائز البرازي

25/5/2008

ليست هناك تعليقات: