2008/05/11

لولاها لكانت جيوش بوش تسرح في اكثر من عاصمة عربية


البعد العالمي للمقاومة العراقية

دشنت المقاومة العراقية، عامها الثاني، وهي تحمل معها عدة حقائق، عجزت اجهزة الاعلامي الامريكية من النيل منها. ومن هذه الحقائق، ان مقاومة الاحتلال، عمل مشروع وظاهرة مشتركة بين شعوب العالم، وتساوي ان يدافع الناس عنها بدمائهم. (القدس العربي)
ولا يعيب العراقيين ان تخرج منهم زمرة تعاونت مع الاحتلال مثل مجلس الحكم . فأمثال هؤلاء تجدهم في كل مكان وزمان.
وان المقاومة العراقية تميزت عن غيرها بانها استبقت الاحداث واستعدت لمواجهة طويلة الامد ساحتها المدن والشوارع.
وهذا ما يفسر بدء عملياتها منذ الساعات الاولي لسقوط بغداد.
ولكون الولايات المتحدة الامريكية هي هدف المواجهة، فان المقاومة تلقت تدريبات علي مستوي كبير من الدقة، واتقنت فن المناورة، ومباديء الغش والاختفاء، والوصول الي الهدف وتدميره دون خسائر. ومن مزايا هذه المقاومة تشكيل جهاز امن واستخبارات لرصد تحركات المطلوبين لها يضاف الي ذلك قدرتها علي استخدام انواع الاسلحة المتطورة والمختلفة. وجراء هذه الكفاءة، استطاعت وفي فترة زمنية قياسية، ان تلحق بقوات الاحتلال خسائر جسيمة في الارواح والمعدات، وزرعت الرعب والهلع في صفوف الجنود والضباط، دفع المئات منهم الي الانتحار وهروب مئات اخري من الخدمة.
بالمقابل وعلي الجهة الاخري، جرت محاولات يائسة لنزع الشرعية عن المقاومة وذلك بتوجيه تهمة الارهاب اليها، تارة، ونزع عراقيتها تارة اخري. ثم جاء دور اتهامها بالطائفية والمناطقية، لنزع الصفة الوطنية العامة عنها. وكان اخر هذه المحاولات، هي تشويه اهدافها النبيلة، باسناد اعمال غير انسانية اليها قامت بها اجهزة الاحتلال والموساد الاسرائيلي كالاعتداء علي مدارس الاطفال والمناطق الاهلية والمساجد. الخ.
عند هذا الحد، قد يبدو وكأني ابتعدت عن اصل عنوان المقالة حين ركزت علي محليتها، مع ان المطلوب هو التركيز علي بعدها العالمي. والواقع اني كنت ابرز مجرد الاطار العام لحجم وقوة وفعالية المقاومة العراقية وفيما اذا كانت جديرة بان تكتسب هذه الصفة ام لا. وفي كل الاحوال، فان طبيعة الصراع وتداعياته وكونه لا يخص العراق وحده وانما سيشمل دول المنطقة والعالم سيمنحها هذه الصفة.
فاحتلال العراق ليس حدثا عاديا سيكتب في زوايا صفحات التاريخ بحروف صغيرة. واذا اصبح العالم عالمان بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) اي عالم ما قبل ايلول وعالم ما بعده فان احتلال العراق ثم طرد المحتل سيكون فاصلا بين مرحلة تاريخية مظلمة واخري مشرقة.
امام هذا الوضع الذي ادركته الولايات المتحدة حاولت ادارتها واعلامها تغيير الاتجاه والترويج لوصف الاحتلال بانه عملية لازالة نظام خطير علي دول المنطقة والعالم لما يمتلكه صدام من اسلحة دمار شامل وعلاقة بالارهاب الدولي، واضطهاده لشعبه.. الخ. ولكن من سوء حظ بوش وادارته انه لم يتم العثور علي اي اثر لاي سلاح مدمر ولم تتمكن اجهزة الاستخبارات الامريكية تقديم دليل واحد علي علاقة صدام بالقاعدة. اما قدرة صدام علي شن هجوم نووي خلال 45 دقيقة فهذه نكتة سمجة بل دموية.
لا يستطيع بوش ان يفلت امام الوقائع العنيدة بان احتلال العراق هو جزء من مخطط عالمي واستراتيجية جديدة هدفها فرض السيطرة الامريكية علي العالم بالقوة العسكرية. تري ما هو هذا المخطط وما هي ابعاده؟
حين اعلن بوش الاب في 24/1/1990 في خطابه عن حالة الاتحاد ـ بان القرن الواحد والعشرين لابد وان يكون قرنا امريكيا. لم يداخل الشك جميع المعنيين بالتحولات التاريخية، انه كان يقصد بان علي امريكا السيطرة علي منابع النفط في العالم الذي يعد قوام هذا التوجه. ومن دون ذلك لا مستقبل لدولة حتي وان كانت الولايات المتحدة، ان تدمغ القرن القادم باسمها. ومعلوم ان مخازن هذا البترول مدفونة في معظمها في العراق وامارات الخليج والسعودية.
والعراق موضوع الحديث يمتلك ثاني اكبر مخزون احتياطي في العالم، وان اخر برميل نفط يخرج من ابار العراق. ناهيك عن ان الذي يسيطر علي العراق، سيفرض بسهولة السيطرة علي المنابع الاخري. وبهذه المناسبة فان زحف امريكا باتجاه العراق بدأ منذ ان كان الاخير جزءا من الامبراطورية العثمانية.
وحينما اصبح مستعمرة بريطانية في نهاية الحرب العالمية الاولي، طالبت امريكا بحصتها من نفط العراق وهددت بدخول حرب اخري من اجل ذلك، مما اضطر البريطانيين للرضوخ امام المطلب الامريكي.
كان علي بوش الاب ان ينتظر الفرصة للانقضاض علي العراق خاصة وان الاخير لم يعد مهما من ناحية نفطه فحسب وانما كونه اصبح قوة عسكرية عملاقة تهدد الدولة العبرية الحليف الاستراتيجي لامريكا في المنطقة. ومن حسن حظ بوش الاب ان فترة الانتظار لم تتجاوز شهورا عدة، دخل بعدها الجيش العراقي امارة الكويت لاستعادتها الي الوطن الام، وما حدث كان معروفا. بدءا من عاصفة الصحراء ومرورا بالحصار وانتهاء بمناطق الحظر الجوي وخلق محمية كردية في شمال العراق، ثم جاء دور الرئيس كلينتون ليكرس سيادة امريكا المطلقة علي العالم من خلال المعاهدات الدولية والاتفاقات التجارية والسياسات المالية وتوظيف الامم المتحدة ومجلس الامن لخدمة السياسة الخارجية الامريكية. واللجوء الي حل الازمات بالطرق السلمية وخاصة بين اسرائيل والدول العربية ذات الصلة في حين كان اللجوء لاستخدام القوة وشن الحروب لا يحدث الا عند الضرورة من وجهة النظر الامريكية.
ومع ذلك لم يحقق كلينتون هذا الحلم، او بمعني ان سيادة امريكا للعالم كانت ناقصة. بعد ان ظهرت دعوات جدية لاستعادة ميزان القوي للمعادلة الدولية.
وشاءت الاقدار ان يصل ابن بوش الي البيت الابيض ليحقق ما عجز الاب وخلفه عن تحقيقه، وبوش الابن هذا والذي اصبحت بيده مقادير العالم في ارض وبشر لم تتعد خبرته السياسية ولاية تكساس التي كان حاكما لها. اما في السياسة الخارجية فالوضع اسوأ من اللازم. وبسبب هذا الجهل المطبق احاطت به مجموعة من رموز المحافظين الجدد ومن اليهود الصهاينة والمؤيدين بشدة للدولة العبرية كان ابرزهم ديك تشيني نائب الرئيس و دونالد رامسفيلد وزير الدفاع وبول وولفيتز نائبه، وكونداليزارايس مسؤولة الامن القومي و ريتشارد بيل رئيس مجلس سياسة الدفاع التابعة للبنتاغون ودوف زاكهايم الحاخام اليهودي مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، وريتشارد ارميتاج نائب وزير الخارجية واخرين. وقد اطلق علي هذه المجموعة اسم العصابة السرية.
استطاع هؤلاء ادخال افكارهم في صلب السياسة الخارجية الامريكية، من خلال اقناع الرئيس بها. وما يتعلق الامر بحديثنا نركز علي اهم قضيتين فيها. هما شن الحرب علي العراق واحتلاله وتدميره كدولة ومجتمع، والثانية هي ان الولايات المتحدة يجب ان تصبح القوة الوحيدة في العالم، ومنع اية دولة واحدة او متحالفة من الوصول الي اي نوع من تعادل القوي مع الولايات المتحدة، حتي لو اضطرت الاخيرة الي اخضاعها بالقوة، ثم علي الولايات المتحدة ان تفرض هيمنتها المطلقة علي العالم بكل الطرق بما فيها العمل الجدي علي تغيير الانظمة في البلدان المعادية.
وكوالده، انتظر بوش الابن الفرصة الملائمة لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ، بعد ان انجز الركائز الاساسية لها من خلال خروجه من اهم المعاهدات الدولية والشروع ببناء جدار الصواريخ العابرة للقارات، علي الرغم من الرفض العالمي والشعبي لهذه الخطوة، ثم من جهة اخري تعطيل دور الامم المتحدة ومجلس الامن لتكون يده طليقة في كل اتجاه. وحانت الفرصة بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001، الامر الذي سهل وضع هذه الاستراتيجية الجديدة موضع التنفيذ. واحاطها بشعارات ومباديء وصفها جون لوكار وهو اشهر روائي بريطاني معاصر، بان امريكا دخلت مرحلة جنون تاريخي اسوأ من المكارثية، واسوأ من خليج الخنازير واشد كارثية من حرب فيتنام .
ولقد كان اهم هذه الشعارات والمباديء هي من ليس معنا فهو ضدنا وكان الاخر الضربات الاستباقية وتعني حسب اقطاب الادارة الامريكية، ان من حق الولايات المتحدة ان تهاجم اية دولة تعتقد انها تشكل خطرا عليها من دون الرجوع الي مجلس الامن او الامم المتحدة. اما شعار الحرب الوقائية فله مفهوم ابعد واخطر، وصفه او فسره الكاتب الامريكي الليبرالي المعروف نعوم تشومسكي بقوله ان مبدأ الاستباقية تحول الي مبدأ الوقائية. وهذا يعني ان من حق امريكا ان تشن حربا علي اية دولة تهدد امنها ولو علي بعد عدة سنوات ويأتي دور او مبدأ تغيير العقيدة النووية من عقيدة دفاعية الي عقيدة هجومية، وضع بوش قائمة باسماء الدول المشمولة بهجوم نووي محتمل هي روسيا والصين وكوريا الشمالية وايران والعراق وسورية وليبيا. واذا اخذنا بنظر الاعتبار بان امريكا قد وضعت نفسها الخصم والحكم وان الامم المتحدة ومجلس الامن قد دخلا متحف التاريخ، فان العالم كله سيصبح مهددا وتصبح كل دولة فيه عرضه لهجوم امريكي اذا ما تم توجيه تهمة الخطر علي الامن القومي الامريكي اليها. وكان من ضحايا هذه التهم العراق حيث جري احتلاله علي مسمع ومرأي من الامم المتحدة ومجلس الامن ودون ان يحرك احدهما ساكنا. بل علي العكس من ذلك فقد اعترف مجلس الامن بقراره 1483، بأن امريكا وبريطانيا تعتبران قوتي احتلال في العراق. من يحمينا اذن كشعوب ودول صغيرة، من هذا الجنون التاريخي ؟ من يحمي العالم من شخص مسه الجنون وبين يديه اضخم ترسانة نووية واكبر قوة عسكرية في العالم؟
امام الشعوب خيار واحد ولا بديل له، وهو اللجوء الي حق الدفاع عن النفس عبر تشكيل فصائل المقاومة لمواجهة الخطر الامريكي بعد ان عجزت الدول عن حماية شعوبها. هذه المقاومة هي وحدها التي بامكانها دحر اية قوة حتي وان كانت امريكا ذاتها وهناك من هذا الخصوص امثلة عديدة وفي بلدان مختلفة ابرزها هزيمة امريكا في فيتنام وهزيمة الدولة العبرية في جنوب لبنان.. الخ.
لقد قال بول كندي صاحب كتاب نشوء وسقوط الدول العظمي قبل بدء العدوان علي العراق وفي مجلة الفايننشال تايمز بان امريكا ستؤتي بالسلاح الذي لا تتوقعه، كما تؤتي اسرائيل الان بالعمليات الانتحارية.. ان اسلحة بسيطة وبدائية ربما تؤدي الي سقوط القوة الامريكية .
لقد صدقت ايها السيد بول كندي فها هي امريكا تواجه هذا المصير علي ارض العراق. بدليل ان جميع اقطاب الادارة الامريكية وكل القادة العسكريين والحاكم المدني في العراق اعترفوا بانهم يواجهون حرب عصابات منظمة وان القوات الامريكية في العراق باتت في وضع حرج. الامر الذي دعا بوش هذا الرجل المتغطرس ان يلجأ الي متحف التاريخ ويعود ومعه الامم المتحدة ومجلس الامن علها تنقذ امريكا من ورطتها، وراح يستجدي الدول لان تقدم يد العون بارسال قوات عسكرية الي العراق، ثم العودة الي دول اوروبا، بعد ان اتخذت السياسة الامريكية موقفا واضحا منها حيث وصفتها تارة بالقديمة وتارة بالعجوز. كيف لا وقواته حسب اعتراف قائد الجيش الامريكي في بغداد ريكاردو سانشز تواجه كل يوم 35 عملية، وعدد القتلي تجاوز 600 اما عدد الجرحي الذين اصيبوا بعاهات دائمة فقد تجاوز 3000 وهناك ما لا يقل عن 7000 اعيدوا الي امريكا بسبب الامراض، منهم 1000 مرضهم عقلي في حين ان جميع هذه الارقام هي جزء من ارقام اكبر تحرص امريكا علي اخفائها. ولكن ليس هذا كل شيء فلقد حققت المقاومة اولي انتصاراتها ذات البعد العالمي. انها اوقفت مخطط بوش بالنسبة للمنطقة واستطيع ان اؤكد دون اي تردد بانه لولا المقاومة العراقية لكانت جيوش بوش تسرح وتمرح في اكثر من عاصمة عربية.
اما اذا حدث وسيحدث قطعا واستطاعت مجموعات المقاومة المسلحة توحيد نفسها في جبهة تحرير واحدة وتحت قيادة مركزية وجناح سياسي وبرنامج معلن عندها سيبدأ العد العكسي لزوال الاحتلال يشهد العالم اكبر هزيمة في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية. ازعم ان عيون العرب والعالم تتجه صوب المقاومة العراقية.
تري هل ستحقق هذه المقاومة الباسلة الانتصار علي اكبر قوة عرفها التاريخ، كما فعل الاجداد وهزموا اكبر قوة عظمي انذاك في ثورة العشرين وهي بريطانيا العظمي التي كانت لا تغيب عنها الشمس؟
نعم وان غدا لناظره قريب .

عوني القلمجي
كاتب سياسي من العراق يقيم في الدانمارك

ليست هناك تعليقات: