2008/05/11

في مصطلحات القضية الفلسطينية عشية ذكرى النكبة




د. إبراهيم علوش

تعودنا أن نسميها "النكبة"، وهناك من يقول: "ذكرى اغتصاب فلسطين"، وأشياء أخرى كثيرة، ولكن نادراً ما تسمع بينها تعبير "احتلال فلسطين"... المصطلح سلاح قاتل. والتعبير السياسي يستبطن موقفاً. فهل يكون تغييب تعبير "احتلال فلسطين" يا ترى، للإشارة ببساطة لاحتلال فلسطين، إحدى طرق تحويل ما جرى عام 48 من حدث سياسي راهن - ما زال راهناً – إلى مجرد حدث تاريخي عابر؟ كذكرى أليمة لا بد من تجاوزها مثلاً؟


قد يبدو ما سبق نوعاً من المبالغة، وما حدث عام 48 كان نكبةً واغتصاباً بالتأكيد، و"تطهيراً عرقياً" و"جرائمَ ضد الإنسانية" عند المولعين بغواية "الرأي العام الغربي"، ولكنه كان ويبقى قبل كل شيء احتلالاً، ومع ذلك تجد محترفي "الدفاع" عن القضية الفلسطينية، ومعظم وسائل الإعلام، تستخدم كل وصف ممكن بصدد احتلال فلسطين عام 48 إلا كلمة احتلال. أليس هذا غريباً؟!

ولكن لا! ليس في الأمر صدفة. فمنذ نهاية التسعينات أطلق سلمان أبو ستة وقبله إدوار سعيد حملات تصف ما حدث عام 48 بكل شيء قبيح إلا كلمة احتلال... والاحتلال يطرح فوراً مهمة التحرير، والتحرير يعني العمل المسلح بالضرورة. بينما المطلوب دولياً اليوم هو "التعايش" و"نبذ العنف" و"قبول الأخر" وإلى ما هنالك من خرابيط التسوية والتفريط.

لاحظ هنا كيف يصبح "اعتراف الإسرائيليين عن مسؤوليتهم التاريخية بما جرى عام 48" مقدمة لهذا "التعايش"، ولكن ليس للتخلص من الاحتلال. ويصبح موقف المؤرخين الجدد في "إسرائيل" منطقياً ومنسجماً مع نفسه تماماً. فقد وضعوا المجلدات في وصف وتوثيق الجرائم التي ارتكبها اليهود في فلسطين عام 48، ومنها مئة وأربعة مجازر موثقة، وعشرات حالات الاغتصاب المنهجية التي لم نكن نعرف عنها شيئاً كانت تستهدف دفع السكان العرب الفلسطينيين لترك أرضهم، ليعتبروا ذلك مقدمة للتعايش وقبول الأخر... أي قبولنا بهم بعد اعترافهم بالذنب. وبعضهم يؤكد علناً، كما يفعل بني موريس، إن تلك الجرائم لم يكن هناك مفر من ارتكابها!

ثم لاحظوا كيف يصر مروجو خطاب "التطهير العرقي" و"الجرائم ضد الإنسانية" دوماً على "الشرعية الدولية" التي تنطلق في قراراتها بشأن القضية الفلسطينية بالضرورة من الاعتراف بحق الكيان الصهيوني بالوجود.. وما دام الاعتراف بالكيان موجوداً، لا تعود هناك مشكلة بالحديث عن نكبة فحسب أو عن ذكرى... اغتصاب فلسطين.

وعلى سيرة الأستاذ سلمان أبو ستة، فنلاحظ كيف بدأ الحديث عن العودة مع بداية الثورة الفلسطينية المعاصرة يتحول تدريجياً إلى حديثٍ عن "حق العودة"! أليس هذا الأمر غريباً أيضاً؟!

فلنفكر لحظة: هل هناك فرق بين من يتحدث مثلاً عن العودة، ومن يتحدث عن حق العودة؟ قد لا يتضح الفرق للوهلة الأولى، وليس المقصود أن كل فلسطيني في الشتات يفترض أن يجبر على العودة إلى فلسطين ولو لم يرغب. المقصود، مثلاً في القانون، أن الحق في الطلاق لا يعني وجوب الطلاق. والحق في البيع لا يعني وجوب البيع. وبالتالي، فإن تحويل العودة إلى مجرد حق يعني عملياً إمكانية التخلي عن هذا الحق وعدم ممارسته، وإمكانية مقايضته بشيء أخر، ما دام هذا الحق حقاً فردياً بالأساس حسب هؤلاء.

بداهةً، من يمتلك رؤيةً أو مشروعاً للعودة حقاً لا يتحدث عن حق العودة، بل يتحدث مباشرة عن العودة، أليس كذلك؟ وهو لا يطرح العودة بشكل منفصل عن مشروع التحرير، فلا عودة بدون تحرير، وبالتالي تصبح قضيته "طريق العودة"، أي قضية الثورة المسلحة، وليس "حق العودة"! ومن الغريب حقاً أن بعض دعاة حق العودة اليوم يتجنبون الحديث عن عروبة أرض فلسطين، مع أن مشروعية العودة تنبثق بالأساس من عروبة الأرض التي طرد الاحتلال الصهيوني أهلها منها.

ومن أخر صيحات مصطلحات القضية الفلسطينية الرائجة اليوم إرفاق تعبير "العنصري" كلما تعلق الأمر ب"إسرائيل" أو سياساتها, فهناك مثلاً "جدار الفصل العنصري" أو "الكيان الصهيوني العنصري" أو "جيش الاحتلال العنصري" أو "التصريح الأخير... العنصري". فهل تتلخص مشكلتنا مع العدو بأنه عنصري أم بأنه احتلال؟ في الواقع، إن التركيز على مشكلة العنصرية يجعل أولويتنا وبرنامجنا أن يتصدق علينا المحتلون بحقوق سياسية وإنسانية وغيرها، وقضية العنصرية هذه قضية ثانوية يمكن أن تطرح فقط كالملح والبهار فوق الطعام، ولكنها ليست طعاماً بحد ذاتها، لأن اللحم والعظم يبقى الاحتلال.

...ومثلها إضافة تعبير "النازي" أمام كل شيء صهيوني أو "إسرائيلي"، فهنا لا نرد كيد العدو إلى نحره كما يظن البعض بسذاجة. فاليهود كرسوا النازية عالمياً كمقياس للشر والقسوة، ومن هنا استمدوا تعاطف العالم معهم باعتبارهم أول ضحاياها، وبالتالي، فإننا بتكريس النازية كمقياس للشر المطلق نسهم فقط بتكريس اليهود كضحية عالمية مطلقة، كأضحية تقريباً، من أجل خلاص العالم...

أخيراً، وليس أخراً بين المصطلحات الشائعة، ذاك الهراء عن "وحدة وطنية فلسطينية" مع غير وطنيين لا يستطيعون الاستمرار إلا بالتنسيق الأمني والسياسي مع العدو الصهيوني؟! فكيف تكون هناك "وحدة وطنية" مع من لا يؤمنون أن فلسطين محتلة أصلاً؟!

ليست هناك تعليقات: