2008/05/10

عهد بوش تناقضات وتضادات


د. عماد الدين الجبوري
كاتب وأكاديمي عراقي


مع دخول الرئيس الأمريكي جورج بوش في مرحلة الشهور الستة الأخيرة من فترة حكمه، فأنه دستورياً قد وصل إلى مرحلة التقييد في الصلاحيات الرئاسية. حيث ليس له نفس التخويل باتخاذ قرارات مصيرية إلا بموافقة مجلس الشيوخ. ومنها على سبيل التحديد، عدم شن حرب جديدة، أو إبرام معاهدة دولية تلزم الولايات المتحدة الأمريكية. فالأولى ما هي إلا تورية عن مجابهة الحليف الإيراني. والثانية لا تزيد عن مماطلة في تحويل الاحتلال إلى انتداب دائم في العراق. بمعنى أن الأهداف المركزية التي خطط لها المحافظون الجُدد تجاه العراق خصوصاً والشرق الأوسط عموما، والتي نفذها بوش على مدى السنوات الثماني الماضية، فرغم فشلها السياسي وخسارتها البشرية ودمارها الاقتصادي، فأن بوش قرر نقلها إلى إدارة الرئيس الأمريكي القادم.

وهنا نحاول الابتعاد عن سلسلة أكاذيب الرئيس بوش التي تجاوزت الآن الرقم المعلن 925 كذبة، والتي حصد منها الشعبين الأمريكي والعراقي جل عددها. لكننا نود أن نعرض الفكرة أو المبدأ الذي يسيطر على ذهن الرئيس وهو يرتكب سلسلة من التناقضات والتضادات السياسية في سنوات حكمه. لأن هكذا مبدأ يذكرنا بنظرية الأضداد للفيلسوف الألماني جورج هيجل (1770-1831). حيث تنص على أن الأنا ونحن، أو الوجود والعدم، أو الإثبات والنفي الخ. هي وحدة متكاملة رغم تناقضها. والسبب فيما يراه، بأنها تنتهي إلى تساوٍ منسجم بذاتها. بعبارة أخرى أن الذات واللاذات، أو الله والطبيعة هما شيئاً واحداً. فالوضع الأول عقل داخلي، والثاني عقل خارجي ليس إلا. وأن الأصل هو الذات، فلولاه لما وجدت اللاذات. وهكذا تكون حقيقة انسجام الأضداد بين الأجزاء والكل. وكما هو معروف بأننا إذا طبقنا وحدة الأضداد المنسجمة والمتكاملة مع ذاتها على الأفراد لأصبح الكيان الاجتماعي عبارة عن سيرك مفعم بالحركات البهلوانية.
ومن حيث المبدأ فأن هذا التضاد والتناقض نجده بكل وضوح في مسيرة السياسة الخارجية للرئيس بوش. ولقد ظهرت نبرتها في مراحل غزوه للعراق، ثم اشتدت وتصاعدت حدتها مع استمرار احتلاله للعراق منذ العام 2003 ولغاية الآن. فقبل شنه للحرب كان يعتبر كل من العراق وإيران من بين الدول "المارقة"، وأنها من "محور الشر". ورغم ذلك فقد عمد بوش إلى إسقاط النظام العراقي الشرعي وأتى بنظام صفوي طائفي مقيت، جل رموزه وأتباعه كانوا في إيران. بل أن رهطاً منهم إيرانيو الأصل والفصل، وعلى رأسهم حليفه الكبير رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عبد العزيز الطباطبائي الأصفهاني، وباقر صولاغ خسروي وزير الداخلية سابقاً ووزير المالية حالياً، وعلي يزدي المتحدث الرسمي لحكومة المالكي، وغيرهم من الذين مسكوا السلطة عبر الاحتلال الأمريكي وعبثوا الخراب والدمار والفساد في عموم العراق، وما زالوا.
وعلى أساس هذا المنطق التناقضي نجد أن بوش يرى ما يراه هيجل: بأن التضادات بين الإثبات والنفي هي عبارة عن وحدة متكافئة. فإذا كانت عمائم قم المتمثلة بخامنئي هي متضادة مع سياسة البيت الأبيض، فأن عمائم النجف المتمثلة بالسيستاني هي إثبات لتلك السياسة البوشية في العراق. هذا التناقض في أحدى المرات قد تجلى أكثر عندما زاد بوش في تضاداته تجاه النظام الإيراني الذي بسببه سوف "تقام حرب عالمية ثالثة" حسبما قال، وهو مستمر وبشكل أعمى يساند حكومة المالكي الطائفية المزدوجة الولاء أصلاً لعمائم الدجل الإيرانية من ناحية. وعمالتهم للبصطال الأمريكي من ناحية أخرى.
بيد أن الفرق الفكري بين نظرية هيجل الفلسفية، وفكرة بوش السياسية، أن الأول بقت أفكاره حبيسة العالم النظري ولم يؤذي أحداً. بينما الثاني فقد طبقها على أرض الواقع فأحرق الأخضر واليابس. حيث الدمار الماحق للبنية العراقية وعلى مختلف الأصعدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وامنياً ومؤساساتياً. فضلاً عن التقهقر والتراجع للسمعة الأمريكية حول العالم، وانكسار جبروتها العسكري على يد المقاومة العراقية الباسلة.
أن نظرية هيجل في "وحدة انسجام الأضداد" سوف تبقى شاخصة أمامنا طالما كانت سياسة بوش التناقضية قائمة تجاه العراق وحيال إيران والشرق الأوسط بشكل عام. وإذا كانت فلسفة هيجل قد وصلت إلى قمة "المثالية الواقعية" مما أفرزت تضاداً لها تمثلت تحديداً في الوجودية والماركسية. فأن سياسة بوش التناقضية قد جابهتا فصائل المقاومة العراقية الظافرة التي أردتها بكل جدارة نحو حضيض الواقع العراقي. مما زادت عليه تناقضاته التي وصلت به حد البكاء أمام عدسات التصوير.
وإذا حاول البعض أن يرى وحدة انسجام الأضداد قد تمثلت مرتين بلقاء عبد العزيز الأصفهاني بالبيت الأبيض مع جورج بوش، أو لقاء الأخير مع الصهيوني المخضرم هنري كيسنجر. فأنهم ودون شك قد أيدوا نظرية هيجل التي أحياها لنا بوش عبر مسيرة سياساته التناقضية والمتضادة.

ليست هناك تعليقات: