2008/05/10

دفاع عن الشعب

د. عصمت سيف الدولة

نص الدفاع عن انتفاصة الشعب العربي في مصر يومي 18 و19 يناير 1977 الذي طرح أمام محكمة جنايات أمن الدولة العليا ايام 10 13 نوفمبر 1979

تقديم


يوم 18 يناير 1977 فوجىء العالم كله بما حدث في مصر. فقد انتفض الشعب العربي في مصر انتفاضة تصاعدت حدتها حتى اصبحت في اليوم التالي 19 يناير قتالأ حقيقيآ في الشوارع بين الجماهير وبين السلطة، لم يتوقف الا بعد الاستعانة بالقوات المسلحة وفرض حظر التجول . يومها قيل ان السبب كان قرارات اقتصادية اتخذتها الحكومة فاقمت من أزمة المعيشة. وطغى هذا السبب في اجهزة الاعلام الرسمية على الاسباب الاكثر عمقآ . فقد تبين من التحقيقات والمحاكمات التي لم تتوقف منذ ذلك التاريخ، إن الشعارات الاساسية التي رفعها الشعب المناضل خلال الانتفاضة كانت اكثر شمولاً.

رفعت الجماهير شعارات تطالب برفض قرار مجلس الأمن 242 ، والغاء اتفاقية فض الاشتباك، ومقاومة السيطرة الامريكية، والمشاركة في نشاط الثورة الفلسطينية على ارض مصر العربية وفتح الحدود لعملياتها العسكرية ضد اسرائيل . وتوجت الجماهير مطالبها بشعار اسقاط السلطة الخائنة لقد ظهرت هذه الهوية العربية التقدمية الوحدوية واضحة خلال المحاكمة التي بدأت منذ يوم اول ابريل (نيسان) 1978 امام محكمة امن الدولة العليا بالقاهرة . حيث واجه 176 مناضلا من الطلائع الوطنية فى مصر تهمة تحريض الشعب وتحريكه وقيادته. ووقف معهم اكثر من خمسين محاميا يدافعون عنهم . وقد اختار المحامون زميلهم الدكتور عصمت سيف الدولة لافتتاح الدفاع ، فاستطاع بمرافعته التى استمرت اربعة ايام أن يحول المحاكمة من محاكمة 176 مناضلآ من طلائع الشعب الى محاكمة للنظام المصرى فى المرحلة التاريخية التى بدأت من عام 1973. فجاءت مرافعته تأريخآ دقيقا لاحداث واسرار تلك المرحلة. وكان من ابر ز محاور الدفاع الذى احدث صدى واسعا ، ما أقام عليه الدليل القانونى ، من ان مصرتعيش فى ظل انقلاب غير شرعي وان من حق الشعب مقاومته بكل الوسائل المتاحة. كما كشف عن امر لم يكن احد قد انتبه اليه من قبل ، وهو ان الاحكام الدستورية المطبقة فى مصرتمنع بنصوص صريحة التفاوض والصلح والاعتراف باسرائيل .

نحن اذن أمام كتاب يجيب على الاسئلة الخطيرة : كيف ولماذا تم الصلح بين حكام مصر والصهاينة؟ وأشد الناس حاجة الى قراءته هم اولئك الذين وقفوا مع السادات فى تلك الأيام وساهموا معه فى تشويه اسباب الانتفاضة العظيمة، علهم يتبينون كم أخطأوا فى حق شعبنا العربي فى مصر، ويتعلمون كيف يثقون بهذا الشعب العظيم .

الناشر


بسم الله الرحمن الرحيم

" ومالكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا "

صدق الله العظيم

دفاع عن الشعب

السادة المستشارون

في الصفحة رقم 10084 من اوراق التحقيق الابتدائى محضر مؤرخ 31 مايو 1977 اثبت فيه الاستاذ رئيس نيابة امن الدولة ما نصه : " نظرا لوحدة النشاط موضوع تحقيق هذه القضية مع قضايا اخرى لم يتم التصرف فيها فقد امرنا بضم القضايا الاخيرة للقضية الحالية لوحدة وارتباط موضوعها جميعا "، ثم اورد بيان القضايا . وكان ذلك استجابة لرأي وطلب مباحث امن الدولة كما هو ثابت في محضر 10 مايو 1977 صفحة 10073. على اثر هذا القرار اصدر الاستاذ النائب العام " امر الاحالة " وقرار الاتهام متضمنا تحديدا للفترة الزمنية التي حدث فيها النشاط الموحد بنحو اربع سنوات ، من اواخر عام 1973 حتى منتصف مايو 1977. وبالرغم من ان قرار الاتهام لم يشمل الا 176 متهما فان التحقيقات قد شملت اضعاف اضعاف هذا العدد من المواطنين (815 على وجه التحديد) . وبالرغم من ان التهم الموجهة الى المتهمين الماثلين امام هذه المحكمة محدودة فلا حدّ لانواع النشاط التي شملتها اوراق التحقيق . ومن هنا ترون انكم لن تقضوا في امر المتهمين الماثلين الا بعد ان تكونوا قد قضيتم في شأن ما تضمنته اوراق التحقيق من وقائع اكثر تنوعا من التهم الموجهة، ومواطنين اكثرعددا من المتهمين الماثلين ، ونشاط شعبي امتد على مدى اربع سنين . ان هذا يعني في رأينا انكم قبل ان تقضوا في امركل متهم من خلال القضاء في تهمته ستقضون في امر الشعب من خلال حركته . فالشعب ماثل امام هذه المحكمة وان لم يكن متهما بحكم الطبيعة الفذة لهذه القضية التى بلغت اوراق التحقيق فيها نحو خمسة عشرالف صفحة لا يخص المتهمين فيها الا بضعة آلاف . لهذا لم يكن غريبا ان تحاول النيابة استدعاء الشعب الى جانب موقفها وهى تطلب ادانة المتهمين وتسند اليهم ما تستعدي به العقاب ضدهم . وباسم الشعب ستصدر احكامكم. والدفاع لا يستطيع ان يغيّر خصائص الدعوى ولا يقبل الهـرب من خوض معركته على مدى الساحة التي حددتها التحقيقات لهذا فانا نقدم باسم الشعب ، ومن خلال الدفاع عن المتهمين ، دفاعا عن الشعب نفسه.

الجزء الأول

الوقائع

ماالذي حدث

قبل وبعد 18 و19 يناير 1977

الانتفاضة:

1- يدخل في العلم العام ان الصحف الصادرة صباح يوم 18 يناير 1977 قد نشرت قرارات اتخذتها الحكومة التى كانت قائمة وقتئذ (رئاسة السيد ممدوح سالم) بالكف عن دعم الدولة بعض السلع الغذائية والاساسية مما كان سيترتب عليه ارتفاع فاحش في اسعار المواد الضرورية للاستهلاك الشعبي الجاري (الخبز- الارز- السكر- السجاير- الوقود السائل- المعكرونة.. الخ). فانفجر الشعب غضبا في كافة المدن على مستوى الجمهورية. وعبّر عن غضبه بمسيرات ومظاهرات ملأت شوارع المدن تهتف ضد القرارات ومصدريها وتعبّر بكل اسلوب متاح لجماهيرمحتشدة ومتحركة بدون تنظيم سابق ، وفي كل المدن في وقت واحد، عن رفضها القاطع للاعباء التي اثقلتهم بها القرارات الجديدة . وفي العاصمة بالذات اتجهت المسيرات والمظاهرات من اطرافها متجهة الى حيث مظنة من يملك سلطة الغوث من القرارات الجائرة : مجلس الشعب . هناك رأت الشرطة ان تحول بين الشعب وبين من يقال لهم ممثلوه ، فاقتحمت قوات الأمن المركزي الكتل الجماهيرية تحاول تفتيتها فتفريقها بقوة السلاح . فاشتعل الغضب المتفجر والتحمت الجماهير العزلاء ، الا مما اتاحته الصدف من طوب او نحوه ، مع قوة متفوقة الكفاءة القتالية والتسليح. وتصاعدت المعارك وتصاعدت احداثها وغلب عليها العنف وعمت مدن الجمهورية جميعا ثم استمرت طوال يوم 18 يناير 1977 واستمرت ليلا ولم تهدأ الا فجرا . ولكن ما ان بدأ اليوم الجديد حتى استؤنفت المسيرات اكثر جموعا ، والمظاهرات اكثر عنفا ، والمعارك اكثر حدة . وقبل ان ينتهى اليوم كانت الحكومة قد سحبت قراراتها الجائرة ، وكان قد سقط 74 قتيلا من ابناء الشعب ولكن سلطة البوليس ، كانت قد سقطت ايضا فاستغاثت الحكومة بالقوات المسلحة وفرضت حظر التجول فهدأ الموقف و لم يلبث ان خمد الانفجار مع مطلع فجر يوم 20 يناير 1977، وانقضى يومان مشهودان في تاريخ مصر .

2- هذا ما يدخل في العلم العام مما نشرته الصحف وبثته الاذاعة المسموعة والاذاعة المرئية. اضيق منه نطاقا واكثر منه تحديدا ما ثبت في التحقيقات التي تولتها النيابة العامة، وان كان لا يختلف عنه دلالة. ففي الساعة الرابعة والنصف فجر يوم 19 يناير 1977 تلقى الناثب العام بلاغا من وزير الداخلية يقور فيه : " بتاريخ 18/1/1977 الساعة التاسعة وخمس واربعين دقيقة وقعت في مدينة القاهرة حوادث مظاهرات وشغب من بعض عمال المنطقة الصناعية بحلوان وكلية الهندسة بجامعة عين شمس والفنون الجميلة والتربية والمعهد التجاري بالزمالك ، وبعض المدارس الثانوية، انضمت اليها عناصر اخرى بدعوى الاحتجاج على القرارات الاخيرة برفع اسعار بعض السلع وامتدت موجات التظاهر لتشمل عددا من اقسام المدينة وادت الى وقوع حوادث حريق عمد واتلاف وتعد على قوات الشرطة والمتظاهرين وحدوث اضرار ببعض المباني والسيارات والاجهزة العامة. وقد تم ضبط تلك الوقائع وضبط عدد من المتهمين فيها بمعرفة اقسام الشرطة المختصة. وقد استمرت وقائع التظاهر حتى الساعة الثالثة صباح اليوم 19/1/1977 حتى تم فضها واتخذت الاجراءات المناسبة لتأمين المناطق التى وقعت فيها حوادث الشغب . نخطركم برجاء الاحاطة واتخاذ اللازم " . وفي الساعة العاشرة من صباح يوم 20/ 1/ 1977 عاد وزير الداخلية فابلغ النائب العام بأنه : " الحاقا لاخطارنا امس بشأن حوادث الشغب التي وقعت في مدينة القاهرة فقد تجدد وقوع هذه الحوادث من صباح امس 19 الجاري باحياء متفرقة بالمدينة ونتج عنها وقوع عدد من حوادث الحريق العمد والاتلاف والتعدي على المنشآت العامة والخاصة وقد قامت قوات الشرطة بواجبها في الدفاع عن هذه المنشآت وحمايتها وتم ضبط الوقائع التي ارتكبت بمعرفة اقسام الشرطة المختصة كما تم ضبط بعض المتهمين في الحوادث وحجزوا على ذمة التحقيق مع المتهمين المضبوطين في اليوم السابق بسجن " طره " وسجن " الاستئناف " وقد امتد وقوع هذه الحوادث حتى الساعة التاسعة مساء امس نخطرللاحاطة " .

3- وفيما بعد طلب النائب العام ، يوم 5 فبراير 1977، الى كل من ادارة امن القاهرة والجيزة مذكرة " بتسلسل الحوادث وتطورها يومى 18 و 19 يناير 1977 " ، فجاءته اخبار القاهرة كما صاغتها مديرية امن القاهرة في تقرير يقول : " بدأت احداث الشغب بمدينة القاهرة صباح يوم الثلاثاء 18 يناير 1977 في حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا بخروج عمال شركة " مصر- حلوان " للغزل والنسيج بتحريض العاملين بالشركة في مظاهرات اخذت تطوف بمنطقة حلوان مرددة هتافات عدائية ضد سياسة الحكومة وقرارات رفع الاسعار والقيادة السياسية . ونجح المتظاهرون في اخراج بعض عمال المصانع الاخرى الكائنة بالمنطقة . واثناء تجولهم كانوا يتلفون ما يصادفهم من منشآت عامة وسيارات عامة وخاصة وقاموا بتعطيل المواصلات العامة وذلك بوضع الاحجار وفروع الشجر على امتداد " شارع الكورنيش " وقذف بالحجارة على السيارات والمارة بهذا الشارع . وقد تم عزل منطقة حلوان عن باقي انحاء المدينة ولكن امكن لبعض المتظاهرين التسلل الى وسط المدينة . وفي حوالي الساعة الواحدة والنصف مساء نفس اليوم بدأت مظاهرة من كلية الهندسة بجامعة عين شمس قوامها حوالي 200 طالب من الدارسين بتلك الجامعة واخذت مسارها حتى " شارع الجيش " متجهة الى مجلس الشعب وكان بعض المشتركين فيها يرددون هتافات معادية للنظام القائم والقيادة السياسية والحكومة وقرارات رفع الاسعار . حاول المتظاهرون الالتحام برجل الشارع وانضم الى هذه المظاهرة مظاهرات اخرى من كليات الفنون الجميلة والتربية بالزمالك والمعهد العالي التجاري بالزمالك وبعض طلبة الثانوي . وقد تمكن بعض المتزعمين لتلك المظاهرات من توجيهها الى مجلس الشعب وانضم اليهم عدد من العمال الذين تمكنوا من التسلل من منطقة حلوان وبلغ عدد المتظاهرين امام مجلس الشعب حوالي 2000 شخص يرددون نفس الهتافات العدائية السابق الاشارة اليها . واخذوا يقذفون رجال الامن بالحجارة فأسدى اليهم النصح بالانصراف ولكنهم لم يمتثلوا فانذروا بالتفرق ولكنهم استمروا على موقفهم وحاولوا اقتحام مجلس الشعب فتصدت لهم قوات الامن المركزي وامكن تفريقهم الا انهم تفرقوا الى مظاهرات فرعية تسللت الى صفوفها شراذم من الغوغاء وضعاف النفوس والمخربين واخذت كل منها تجوب منطقة وسط المدينة حيث قام بعض المتظاهرين باتلاف العديد من المنشآت العامة والخاصة ووسائل المواصلات العامة والنقل والسيارات الخاصة واقسام الشرطة وسياراتها وبعض المحلات التجارية الخاصة والعامة والفنادق كما اشعلوا النيران في بعض المبانى والمؤسسات الصحفية. هذا وقد اصر المتظاهرون على الاستمرار في التظاهر حتى فجر اليوم التالي واستمروا في اعمال العنف والشغب والاتجاه الى تخريب بعض المنشآت العامة وفي مقدمتها مباني لبعض اقسام الشرطة ووسائل المواصلات العامة وبعض المرافق العامة .

" وفي حوالي الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي 19/ 1/ 1977 عاود عمال منطقة حلوان التجمع امام محطة مترو باب اللوق ولكن امكن تفريقهم بمعرفة قوات الشرطة واخذ المتظاهرون في التفرق في مظاهرات تجوب وسط المدينة متخذة ايضا اسلوب التخريب والاتلاف. كما خرجت مظاهرة في وقت معاصر من مصنع " سوجات " التابع لشركة " مصر- حلوان " والكائن بحدائق القبة. وتوالى انتشار المظاهرات بنفس الاسلوب في جميع انحاء المدينة واستمر المتظاهرون في التعدي على المنشآت ووسائل المواصلات العامة والخاصة واقسام الشرطة رغم الاعلان بوسائل الاعلان المختلفة عن ايقاف العمل بالقرارات الاقتصادية الاخيرة الخاصة برفع الاسعار.

" ونتج عن ذلك وقوع حوادث حريق واتلاف وتعد على رجال الشرطة اصيب من جرائها العديد منهم ومن المتظاهرين كما حدثت تلفيات ببعض المباني ووسائل المواصلات الامر الذي اوجب استخدام طلقات الخرز (الرش) في الهواء للارهاب والانذار والتحذير لتفريق المتظاهرين ولكنهم لم يمتثلوا فاضطر رجال الامن الى اطلاق هذا النوع من الرش في الارجل . وازاء اصرار المتظاهرين على اقتحام بعض اقسام الشرطة واشعال النيران فيها والاستيلاء على ما بها من اسلحة اضطرت القوات في تلك الاقسام الى اطلاق الاعيرة النارية لاحباط تلك المحاولات حيث نجحت في السيطرة على الموقف والحد من خطورة اعمال العنف ومنع كثير من عمليات الاعتداء والتخريب. وتم القبض على عدد كبيرمن المتظاهرين والمخربين وتحرر عن كل واقعة محضر بمعرفة اقسام الشرطة قدم بالمتهمين فيه الى النيابات المختصة. كما اتخذت الاجراءات المناسبة لتأمين جميع المنشآت والمؤسسات بالمدينة.

" وقد صدر قرار الحاكم العسكري بفرض حظر التجول اعتبارا من الساعة الرابعة مساء هذا اليوم واشتركت بعض وحدات القوات المسلحة مع الشرطة في تنفيذه وعاد الهدوء يعم المدينة.

4- وجاءت الى النائب العام اخبار " تسلسل الاحداث وتطوراتها يومي 18 و 19 يناير بدائرة محافظة الجيزة " في مذكرة اعدتها مديرية امن الجيزة يوم 1 فبراير 1977 قالت فيها : " في حوالي الساعة الواحدة مساء يوم 18/1/1977 عبرت مجموعات من المواطنين كوبري التحرير قادمة من القاهرة الى ميدان كوبري الجلاء بالجيزة وقدّر عددها بحوالي 150 شخصا تقريبا. وتبين انهم كانوا يشتركون في مظاهرة كانت في ميدان التحرير بالقاهرة . وقام هؤلاء بقذف بعض الحجارة على فندق شيراتون مما نتج عنه تلفيات بالواجهة الزجاجية لمكاتب شركة مصر للطيران الكائنة بالدور الارضي للفندق . وعندما تصدّت لهم قوات الامن تفرق بعضهم في اتجاه شارع النيل دائرة قسم " العجوزة "، واتجهت قلة منهم الى شارع التحرير حيث قام المتظاهرون بقذف بعض الحجارة على " محطة بنزين مصرللبترول " بميدان الجلاء بينما تجمع من اتجهوا الى شارع النيل بالقرب من مستشفى هيئة الشرطة. وكانوا في طريقهم الى هذا المكان يقومون بالتعدي على السيارات العامة والخاصة التي يتصادف مرورها او وقوفها بالمنطقة. وكانت قوات الامن تتابعهم وتمكنت من تفريقهم بمنطقة مستشفى هيئة الشرطة بعد ان تم ضبط اثني عشرشخصا من المتظاهرين .

" وفي حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء خرج بعض الطلبة المقيمين بالمدينة الجامعية بشارع احمد عرابي بامبابة وتجمع حولهم بعض المارة والاهالي بالمنطقة بميدان " الكيت كات " واخذوا في قذف السيارات المارة والموجودة في الميدان بالحجارة كما قذفوا مكتب بريد " امبابة " بشارع "السودان" ووضع بعضهم بعض مواسير المجاري التي كانت موضوعة باستطالة الجزيرة الوسطى بشارع " ترعة السواحل " . ووضعوها بعرض الطريق لاعاقة حركة المرور . وتم تصدي قوات الأمن لهذه التجمعات وتمت السيطرة على الحالة حوالي الساعة الواحدة صباحاً يوم 19/1/1977 وضبط شخصان من المتظاهرين وأعيدت مواسير المجاري الى وضعها الأول .

" وفي حوالي الساعة السابعة صباح يوم 19/1/1977 تلكأ عمال الورديات الليلية بمصنع " الشوربجي للغزل والنسيج " بامبابة في الخروج وتقابلوا مع افراد الوردية الصباحية وتوجه بعضهم ليتجمعوا امام مصنع شركة " الشرق للصوف " الموجودة بنفس المنطقة . وقد خرج من المصنع الأخير عمال قسم النسيج . وتوجه هؤلاء العمال الى مقر " هيئة المطابع الأميرية " القريبة من هذه المصانع حيث رفض عمالها الخروج وواجهوا هذه التجمعات بخراطيم المياه . وقام المتظاهرون بقذف مبنى المطابع بالحجارة . وترتب على ذلك حدوث تلفيات بزجاج نوافذها . وقد تصدّت قوات الأمن لهذه المظاهرات وحالت دون استمرارها في التعدي على مبنى المطابع الأميرية .

" تجمع هؤلاء المتظاهرون في شارع النيل بامبابة امام مبنى قسم ومركز شرطة امبابة حيث قاموا بقذف المبنى بالحجارة . وتم تفريق المتظاهرين ومنعهم من استمرار التعدي فاتجه المتظاهرون للتجمع بمنطقة " تاج الدولة "، و" المنيرة الغربية " بامبابة عن طريق الشوارع الفرعية. وقام بعضهم بوضع اجسام صلبة على خطوط السكك الحديدية وتعرضوا للقوات التي حاولت التصدي لهم بالقذف بالحجارة وكانت كثافة المتظاهرين قد ازدادت بشكل كبير .

" عاد المتظاهرون حوالي الساعة الثانية عشرة ظهر ذلك اليوم الى محاولة مهاجمة قسم شرطة امبابة وقذفوه بالحجارة مما تسبب في اتلاف نوافذه الزجاجية ، كما اشعلوا النيران باحدى سيارات الشرطة واتلفوا البعض الآخر منها ومن بينها سيارة اطفاء كانت قد حضرت لاخماد الحريق . وكان المتظاهرون يصرون على اقتحام مبنى قسم الشرطة الذي توجد به مخازن أسلحة وذخيرة مديرية الأمن والدفاع الشعبي . وأطلق بعض المتظاهرين الأعيرة النارية تجاه مبنى القسم . وتمكنت قوات الشرطة من السيطرة على الموقف والحيلولة دون اقتحام المتظاهرين للقسم وتم تفريقهم . واصيب نتيجة ذلك بعض ضباط الشرطة والجنود بإصابات مختلفة كانت أشدها اصابة عريف " سري " (مخبر ) بطلق ناري في صدره ونقل الى المستشفى حيث توفي بعد ذلك متأثراً بإصابته . كما نتج عن ذلك أيضاً إصابة مواطن من المواطنين المتظاهرين أدت الى وفاته . وتم ضبط 22 شخصاً من المتظاهرين خلال هذه العمليات .

" وفي حوالى الساعة الواحدة والنصف مساء يوم 19/1/1977 تمكن بعض المتظاهرين بمنطقة " المنيرة " بامبابة من اشعال النيران في احد قطارات الركاب الذي كان قد توقف بسسب ما وضع من عوائق على شريط السكة الحديد بالمنطقة بعد ان قاموا بنهب محتويات القطار. وتطاير بعض الشرر والاجزاء المحترقة من القطار الى " شونة " (مكان تجميع بضائع) لشركة " الشوربجي " المجاورة لشريط السكة الحديد فاشتعلت بعض " بالات " القطن بها . وقد تصدت قوات الشرطة للمتظاهرين وتوجهت سيارات الاطفاء لاخماد هذه الحرائق ، الا ان جموع المتظاهرين تصدت للقوات ولسيارات الاطفاء ووضعت العوائق على الطريق للحيلولة دون وصولها الى مكان الحرائق وواجهت القوات باطلاق بعض الاعيرة النارية من جانب المتظاهرين . الا انه قد تمت السيطرة على الحالة بعد ذلك . واتضح ان المتظاهرين كانوا قد اشعلوا النار ايضا في محطة سكة حديد امبابة وتولت سيارات اطفاء " هيئة السكة الحديد " اخمادها . وتمكن عمال شركة " الشوربجي " للنسيج بالتعاون مع نقطة مطافىء المصنع من السيطرة على الحريق الذي امتد الى " شونة " الشركة واخماده ونتج عن كل ما تقدم اصابات لبعض رجال الشرطة والمواطنين وتلفيات لبعض السيارات الخاصة والعامة منها احدى سيارات الاسعاف واكشاك المجمعات الاستهلاكية بمنطقة "تاج الدوله " وشارع " الورّاق " وسرقة محتوياتها، ومقر وحدة " الاتحاد الاشتراكي " بجزيرة امبابة.

" وتوالت تجمعات المتظاهرين وتحركاتهم بمنطقة امبابة وكانت تلك التجمعات تعود الى محاولة التعدي على القوات عند التصدي لها . ثم تركزت هذه القوات في ميدان " الكيت كات " و"المنيرة". وخلال ذلك وحوالي الساعة الخامسة مساء ذلك اليوم قام المتظاهرون باشعال النيران في عدد 2 "تروللى باس " واتلاف مكتب ناظر المحطة بميدان " الكيت كات "، واستمرت التجمعات وتصدي القوات لها حتى حوالي الساعة الثانية من صباح اليوم التالي 20/1/1977 .

" وفى وسط المدينة (الجيزة) كانت بعض المظاهرات تتحرك في انحاء متفرقة بدائرة قسم شرطة "الدقى " و" العجوزة " وتعدى بعضها على السيارات الخاصة والعامة وبعض مباني المصالح الحكومية والمحال الخاصة. وخلال هذه التحركات قذف بعض المتظاهرين مبنى " المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية " بالحجارة فاتلفوا بعض الواح زجاج المبنى . كما كان مبنى وزارة الزراعة والسيارات المحيطة به سواء الخاصة او العامة هدفا للمتظاهرين الذين قاموا بعمليات اتلاف للمبنى ولهذه السيارات . وحوالي الساعة الرابعة والنصف مساء يوم 19/ 1/ 1977، وبينما كانت قوات الامن تقوم بتفريق تلك المظاهرات والتصدي لها وتحول دون استمرارها في التعدي على المصالح الحكومية والمنشآت الخاصة تم ضبط 13 شخصا من الذين اشتركوا في تلك المظاهرات وتوفي اثنان واصيب اخرون من المتظاهرين .

" و في منطقة قسمى " شرطة " الجيزة " و" بولاق الدكرور " بدأ تجمع حوالي 200 شخص في ميدان الجيزة في الساعة التاسعة صباح يوم 19/1/1977 . وبدأوا في التعدي على وسائل المواصلات العامة والخاصة بعد ان زاد عددهم . وبدأت قوات الامن في التصدي لهم لمحاولة تفريقهم ومنع تعدياتهم الا انهم كانوا يعاودون التجمع وباعداد متزايدة بمنطقة " الربيع الجيزي " وشارع " المحطة " وميدان محطة الجيزة ومنطقة " نفق الاهرام " وميدان الجيزة حتى كوبري الجيزة . وقاموا خلال ذلك بالاعتداء على مبنى " مجمع المصالح الحكومية " والمباني الحكومية الاخرى ومنها مبنى " بنك التسليف " و" مديرية التموين " واشعلوا النيران في بعض سيارات الشرطة والسيارات الحكومية امام تلك المصالح وبعض سيارات " التروللي باس " و" الامنيوبوس" وبعض سيارات قوات الاطفاء التى حاولت مكافحة تلك الحرائق . وكانت تلك الاحداث في الفترة من بدء المظاهرات حوالي الساعة الثانية عشرة مساء ذلك اليوم (19/ 1/ 1977) .

وحوالي الساعة الواحدة مساء بدأ وصول افراد من القوات المسلحة بسياراتهم الى ميدان الجيزة حيث شرعوا في تفريق المتظاهرين الذين كانوا مستمرين في التجمع في جميع الشوارع المحيطة بالميدان ومنطقة " نفق الاهرام " وكانوا مستمرين ايضا في عمليات اشعال الحرائق في سيارات النقل العام ولافتات الاعلانات ومحطات البنزين ووضع المعوقات في شارع " الاهرام ".

" تحركت ، جموع من المتظاهرين من منطقة الجيزة الى شارع " الاهرام " حيث انضم اليهم بعض اهالي المنطقة المحيطة وحاول بعضهم قذف مبنى " محافظة الجيزة " بالحجارة الا ان قوات الشرطة قد تصدت لهم وحالت دون استمرارهم في التعدي على مبنى المحافظة. وهاجم البعض الاخر " ملهى الاوبرج " بشارع الاهرام . وتوالت بعد ذلك مهاجمة باقى الملاهي الليلية بالشارع ونهب محتوياتها ومحاولة احراق البعض منها . وتمكنت قوات الشرطة من مطاردتهم ومنع استمرار تعدياتهم .

" استمرت التجمعات واعمال الشغب بميدان الجيزة والشوارع المحيطة به وتصدي رجال القوات المسلحة والشرطة حتى ساعة متأخرة من الليل وامكن في هذه الاثناء ضبط 24 من المتظاهرين . ونتج عن هذه العمليات وفاة عشرة مواطنين واصابة 88 مواطنا بدائرة قسمى " الجيزة " و" بولاق الدكرور ". كما اصيب بعض ضباط وافراد الشرطة والقوات المسلحة باصابات مختلفة .

5- هذا ما كان من امر الاحداث في محافظة الجيزة كما سجلتها اوراق تحقيق النيابة العامة. وقد سجلت اوراق تحقيق النيابة العامة اخبار الاحداث كما جرت في الاسكندرية . فقد تلقت النيابة العامة في الاسكندرية مذكرة من مباحث امن الدولة تقول : ".. كانت مجموعة من العمال.. بشركة الاسكندرية للترسانة البحرية يعقدون (اجتماعات) في مقار عملهم وبعض المقاهى والساحة الشعبية " بالمفروزة " بقصد دراسة الاحوال الاقتصادية التى تمر بها البلاد والاتفاق فيما بينهم على استغلال اي فرص للعمل على اثارة الجماهير على مستوى المدينة واظهار مشاعر الاستياء ضد الحكومة واثارة الجماهير ضد السلطة .. وكان من ابرز مظاهر نشاطهم في الفترة الاخيرة تبني بعض المطالب العمالية وتحقيقها لاثارة البلبلة في وسط زملائهم والظهور بالمظهر البطولي امامهم لكسب ثقة زملائهم وتطويعهم لرغباتهم واهوائهم حتى ان سمحت لهم الفرص مساء الامس بصدور القرارات الاقتصادية برفع اسعار بعض السلع الاستهلاكية وقرروا فيما بينهم القيام صباح اليوم بالعمل على تجميع اكبر عدد ممكن من زملائهم عمال الشركة والخروج بهم في مظاهرة في الطريق العام بحجة اعلان سخطهم على رفع الاسعار وتأليب الجماهير الشعبية على الحكومة...

" وقد افلحت هذه العناصرفعلا في التأثيرعلى زملائهم عمال الشركة الذين بدأوا الخروج في جماعات متفرقة منذ الصباح من مقر شركتهم . خرجوا الى الطريق العام في طريقهم الى بعض الشركات المجاورة لهم . وقد كان خروجهم تحت ملاحظة رجال الامن الذين حاولوا مرارا اقناع قيادات هذه المظاهرات بالعدول عن هذا الاتجاه واتباع الاسلوب القانونى في ابلاع رأيهم الى القيادات السياسية بالبلاد عن طريق قياداتهم النقابية والتنظيمات الشعبية الا انهم لم يمتثلوا لهذا النصح واستمروا في مسيرتهم حتى وصلوا الى " الشركة المصرية للاحذية- باتا " حيث فشلوا في اخراج العاملين بالشركة للانضمام اليهم . واستمرت المسيرة حتى وصلت الى ميدان التحرير "بالمنشية " حيث انضم اليها بعض عمال الشركات الاخرى وبعض افراد من طبقات الشعب المختلفة حتى وصل عدد هذه المظاهرة ما يقرب من عشرة الاف شخص . وهناك تقابل السيد محافظ المدينة مع بعض افراد هذه المظاهرة واسدى اليهم النصح للعدول عن الاستمرار في التظاهر الا انهم رفضوا الامتثال لنصيحته واستمروا في تظاهرهم حتى تلاقوا مع جموع طلاب الكليات التى خرجت في مظاهرات مماثلة مستجيبين لدعوة زملائهم الطلبة.. الذين تزعموا هذه المظاهرات صباح اليوم من كلياتهم ...

" اتفقت آراء تلك المظاهرات على الخروج في شكل عدّة مظاهرات تغطي جميع انحاء المدينة مما اعطى الفرصة لبعض مثيري الشغب من الغوغاء والانتهازيين للاشتراك معهم في مظاهراتهم المتفرقة مما نتج عنه بعض حوادث التخريب والاتلاف وحرق بعض نقاط الشرطة بالمدينة التي يجري حاليا حصرها . كما تسببت هذه المظاهرات في اصابة بعض رجال الشرطة والمواطنين جاري حصرهم واصاباتهم .

" وكان المتظاهرون ومتزعموهم يرددون الهتافات المعادية للقيادة السياسية ولنظام الحكم القائم والتحريض علانية على قلب هذا النظام والازدراء به واثارة السخط والبغضاء للقائمين عليه وزعزعة الثقة فيهم ووقوع هذه الجرائم في الطريق العام ودون اذن من السلطات المختصة وذلك في زمن الحرب...

6- وقد حرص رجل مباحث امن الدولة بالاسكندرية- بعكس مديري امن القاهرة والجيزة- على ان يسجل امام النيابة قائمة كاملة بالهتافات التى قال ان المظاهرات في الإسكندرية كانت ترددها وهى:

" بالطول بالعرض حنجيب السادات الارض - بالطول بالعرض حنجيب ممدوح الأرض- تسقط وزارة ممدوح سالم- سيد مرعى حيطلع ايه.. هو اكمنه نسيب البيه- انور بيه يا أنور بيه هي تكية ولا ايه- انور بيه يا انور بيه نعل الجزمة بعشرة جنيه- انور بيه يا انور بيه شوف جيهان بتعمل ايه- لم كلابك يا ممدوح دم الطلبه مش حيروح- سادات يا سادات مش حتخوفنا التهديدات- العيشة بقت مره عاوزين حكومة حره- ما تلهوناش بالشانوره احنا حنحرق المعمورة - ثورة ثورة يا شباب مش عاوزينك يا سادات - عبد الناصر ياما قال لا حرية مع استغلال- مش حنخاف مش حنخاف غلوعلينا العيش الحاف - عبد الناصر ياما قال خلوا بالكم من العمال- الثوار رفعوها شعار ربط الاجر بالاسعار- ما تفرحشي يا ممدوح ورا شعراوي بكره تروح - يا سادات يا جبان خدت الهدمة من العريان- اصحى يا شعب اصحى يا شعب السادات عدو الشعب- بالاضراب بالاضراب تأخذ حقك بالاضراب- الاضراب هو سلاحنا ضد السلطة اللى بتدبحنا- ياللى بتحكم باسم الدين انزل انزل من عابدين- انزل شوف الملايين بايتين جعانين- انور انور يا جبان يا عميل الامريكان- مصر يا ام البلاد لسه فيكى اضطهاد في السياسة والاقتصاد عاوزه ثوره يا بلادي- ناصر ناصر يا حريه...

7- ولم تكن تلك الا نماذج مما حدث في كل مدن الجمهورية من السويس الى اسوان التى أضاءت ليلها الاف المشاعل فظن المترفون من " المستجمين شتاء " في فنادقها الفاخرة ان المشاعل المتماوجة تتجه اليهم، ففزعوا وغادروا المدينة متنكرين . اوهكذا شاع القول في ذلك الحين لا نثبته ولا ننفيه. أيآ كان الامر فان كل ما حدث يومي 18 و 19 يناير 1977 كان منطقيا مع سياق الامور في مصرخلال السنوات القليلة التي سبقته. بل كان متوقعا . وذهب توقعه الى حد وصف الاحداث كما وقعت قبل وقوعها بعام كامل كما سنرى . ولم يكن سياق الامور في مصر الا مطحنة رهيبة حاصرت الشعب بين فكين من الجوع والكذب ، فلما كادت ان تسحقه سحقا حاول الافلات دفعا لخطر يتهدد حياته وكرامته وخلقه .

جنون.. وفنون:

8- اما الجنون فهو جنون الاسعار التي انطلقت منذ اواخر عام 1973 تقفز وتعربد بغير ضابط من يد الحكومة المسترخية لتدمر حياة الشعب وتدخل القلق والكآبة في كل منزل مصطحبة معها كل ما يصاحب الفقر عادة من افساد للامن والكرامة والخلق . واما الفنون فهي فنون الحكومة العاجزة في الكذب على الشعب ومخادعته وزرع وعود من الآمال الوهمية في تربة حياته الجافة. ولقد عمرت الصحف بالجنون والفنون معا متلازمة سنين سابقة على احداث 18 و 19 يناير1977 . تكفينا مثلا سنة واحدة نختارها لانها سابقة مباشرة على الاحداث ومتصلة بها اتصال السبب المباشر بالنتيجة الحتمية. انها سنة 1976.

ففى اواخر عام 1975 كانت مشكلة الاسعار وارتفاعها المطرد وما تسببه من اضطراب وعناء في حياة شعب محدود الدخل حتى الكفاف، قد تجاوزت نطاق الشكوى الفردية والتبرم الجماعي لتصبح مشكلة " قومية " كما يقولون . وعلى هذا الوجه كانت انباؤها الكئيبة تستحق مكانا ثابتا او متكررا في الصحف التي يسمونها " قومية " ايضا . وهي صحف لم يكن الشعب يقرأ غيرها اذ لم تكن تصدر في مصر صحف غيرها . ومن هنا كان تأثيرها " الاحتكاري " في تشكيل وعي الشعب. ومن هنا ايضا كانت مسؤولية الذين يصدرونها ويوجهونها - مسؤولية منفردة - عن حدّة التناقض الذي مزّق الشعب بين جنون الاسعار وفنون الكذب يستقيها من مصدر وحيد . لقد كانت ابواقهم التى يخاطبون الشعب من خلالها فلا يستطيعون ان ينكروها او يتنكروا لما جنوا على الشعب من خلالها. ولقد اريد للصحفيين يوما ان يكونوا " مسؤولين "، ولو جزئيا، عن الاحداث التي وقعت يومى 18 و 19 يناير 1977. وحملت الصحف ذاتها وثيقة اتهامها ونشرتها عندما نشرت ما اسند الى محرريها من انهم لم يروا في الصورة الا جانبها الاسود ولم يروا في المجتمع الا سواته وانهم بسوء نية او برعونة قد " شوهوا " صورة " الواقع " فاسهموا في كراهية الشعب له . وعندما تحمل صحيفة وثيقة ادانة محرريها تكون قد حُملت عليها لتعبر- بهذا النشر وحده- عن براءتهم مما اسند اليهم . ولقد كانت الصحافة- من حيث هي خبر- بريئة براءة المرآة التى لا تملك من ذاتها الا ان تعكس صورة ما يجري امامها أسود كان ام ابيض، سويا كان ام شائها. ان كانت قد نقلت جنون الاسعار فقد كانت تعكس جنونها . وان كانت قد نقلت الوعود الكاذبة فقد كانت تنقل ما يقوله الكذابون . وان كان وعي الشعب قد تأثر بما نقلت فلا تثريب عليها فيما نقلت ولا تثريب على الشعب فيما وعى، ويسقط حتى قاع الوقاحة ما قاله العميد منير محيسن في شهادته امام هذه المحكمة يوم 18 مارس 1979 متهما الشعب بالبلادة وبطء الفهم حين قال : " فيه قرارات بتصدر لا يعيها الشعب في الاول وبعد ان يدرسها يحدث اثرها بعد ذلك ".

9- لقد قرأ الشعب ووعى وعدا منشورا بان " مجلس الشعب " سيعقد جلستين للرد على اسئلة الاعضاء، ومناقشة اجراءات مواجهة ارتفاع اسعار بعض السلع الغذائية (اهرام 24 نوفمبر 1975) . فما ان بدأ عام 1976 حتى قرأ الشعب ووعى عنوانا لافتا " مانشت " يقول : " جلسة خاصة لمجلس الوزراء لاعادة النظر في سياسة الدعم ". وسياسة الدعم - كما هو معروف - ارساها قرار مجيد في عهد كان " الفقراء ومحدودو الدخل " يحتلون بجدارة الموقع الاول من اهتمام الحاكمين . وكان من شأن القرار ان تحمل الدولة عن الفقراء ومحدودي الدخل ما تضيفه الى اسعار السلع الضرورية مضاربات السوق او اضطرابات الظروف الاقتصادية المحلية او العالمية. فكان فقراء مصر ومحدودو الدخل فيها آمنين في ظل رعاية دولتهم الديمقراطية الاشتراكية الى ان اسعار مئات من السلع الضرورية لحياتهم ستبقى دائما في حدود المقدرة الشرائية لدخولهم النقدية. كان ذلك هو " الامن الغذائى " صدقا بمفهومه العلمي حقا . ولقد استقر الامن الغذائي للشعب في حماية الدعم فاستقرت له الحياة . وكان المساس بالدعم يعنى دس اسباب الاضطراب في حياة مستقرة . وكان الغاء الدعم ولو جزئيا يعنى نكوص الدولة عن حماية رعاياها وتعريض " امنهم الغذائي " لمخاطر المضاربة بقوت الشعب . فحملت اليه الصحف في بداية عام 1976 ذلك الخبر اللافت الذي يعني ان الحكومة قد قصرت بها الحيل فانتبهت ، او التفتت، او استدارت لتعيد النظر في استقرار حياة الشعب . ولكن الصحف قد خفت " لتطمئن " القلقين على قوتهم فاضافت تحت العنوان ذاته : " ان مجلس الوزراء سوف يعقد جلسة خاصة لمناقشة موضوع الدعم والسياسة السعرية فور الدراسات التي تقوم بها اللجان المختلفة حاليا، وذلك لاعادة النظر في سياسة الدعم والاسعار واتخاذ القرارات التي تستبعد تماما اي اثر لها بالنسبة للطبقات الكادحة ". ثم اضافت : " ان المناقشات المكثفة في هذا الشأن والتي جرت في الاجتماعين الاخيرين للجنة العليا للتخطيط قد اسفرت عن عدة اتجاهات هامة يتم الان وضعها في صورتها النهائية وهي : (1) عدم المساس باسعار السلع الاساسية.. (2) ضرورة ضغط ا لمصروفات.... " ( اهرام 7 فبرا ير 1976) .

ولما كان ما تتحمله الدولة من اجل دعم السلع يدخل في نطاق " المصروفات " التي قالت الصحف ان ثمة اتجاها الى " ضغطها " مما قد يثير الشك بان اعباء جديدة ستلقى على كاهل الشعب فقد اذيع على الشعب- من خلال الصحف- تفسير من تقرير قدمته الى مجلس الوزراء " الادارة المركزية للخطة والمتابعة ". يقول صراحة : " من الخطأ الاعتقاد ان ترشيد الانفاق مؤداه الضغط على أفراد الشعب والطبقات المستفيدة منه " (اخبار 14 مارس 1976) . فقرأ الشعب ذاك التفسير ووعاه .

ولقد قرأ الشعب ووعى ايضا ان تلك الوعود ليست مقصورة على السلع المنتجة محليا او السلع الزراعية والحيوانية بل انها شاملة كافة السلع الضرورية للشعب ولو كانت صناعية ، ولو كانت خاماتها مستوردة . قرأه الشعب ووعاه في تصريح منشور اكد فيه وزير الصناعة : " انه لن تكون هناك زيادة في اسعار المنتجات الصناعية التي تستورد خاماتها من الخارج ما دامت من السلع الضروية للشعب ".. وضرب مثلا : " السجاير والصابون والسمن الصناعي وغير ذلك من منتجات القطاع العام اللازمة والضرورية للشعب " (الجمهورية 7 مايو 1976) .

ثم قرأ الشعب ووعى وعدا مؤكدأ من رئيس الوزراء حينئذ، السيد ممدوح سالم ، فقد ابلغته الصحف القومية، ابلغت الشعب، ان السيد رئيس الوزراء قد : " بحث خلال اجتماع اقتصادي موسع حضره وزراء المالية والاقتصاد والتخطيط والتجارة والتموين وشؤون مجلس الوزراء ومستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية " الموقف الاقتصادي والتمويني واستقرار الاسعار وتوفير السلع الضرورية . وجاء ابلاغ الشعب " بمؤتمر القمة " الحكومي تحت عنوان صاخب : " خطوات هامة لتحقيق استقرار الاسعار وتوفير السلع التموينية ".. وعناوين اقل صخبا واكثر استجداء للثقة : "رئيس الوزراء يبحث في اجتماع اقتصادي موسع اجراءات التخفيف على الفئات محدودة الدخل". و" 612 مليون جنيه لاستيراد 100 سلعة تموينية ". و" لا زيادة فى اسعار المواد الغذائية ".. (اهرام 10 مايو 1976)

وأخذت جوقة الوزراء " تغني على الشعب " مرددة مقاطع مما قاله رئيسهم . فيقول وكيل وزارة المالية : " ان السلع الاستهلاكية والتموينية التي سيتم استيرادها بالاسعار الرسمية حماية لمحدودي الدخل هي : الدقيق - العدس- البن- الشاي- السكر- زيت الطعام- اللحوم- الاسماك- الاغذية الحية- اللحوم المجمدة والمحفوظة- الدواجن المجمدة- الاسماك المحفوظة والمجمدة- الالبان ومنتجاتها- الفاصوليا- الفول- المسلى- زيت الزيتون الاسود- الفلفل الاسود- مواد العطار المختلفة- الذرة- السمسم- الشحوم الحيوانية- زيت جوزالهند- الزيوت الطبية- الشحوم الغذائية... الخ 100 سلعة " (اهرام 10 مايو 1976)،

أهوحلم ام علم؟

هل يمكن حقا ان تتاح للشعب كل تلك السلع باسعار في حدود الدخول المتاحة؟ وماذا يريد الشعب فى مصر اكثر من هذا؟.. انه الرخاء الموعود . وحتى لا يظن الشعب في مصر الذي قرأ ووعى ان وكيل وزارة المالية (وهو محدود الدخل على أي حال) قد خلط بين ما يتمناه شخصيا وبين ما وعد به الشعب ، انبرى من هو أعلى منه درجة وعلما ببواطن الامور فقال وزير التخطيط : " ان نتائج هذه الدراسات التي تشترك فيها كل الوزارات ستراعى عند اعداد الخطة التي يبلغ حجمها في السنوات الخمس القادمة ثمانية الاف مليون جنيه (8000,000,000 ) . رأت الخطة تثبيت الاسعار لتكون في متناول الشعب وترشيد الاستهلاك .. " (اخبار 6 يونيو 1976).

أكان حلما او علما؟

10- لم يكن حلما او علما، بل كانت فنونا من الوعود الكاذبة. كذبها بهدوء قاتل السيد جمال الناظر وكيل وزارة الاقتصاد حين قال ونشر : " ان الزيادة في الاسعار في الخمس سنوات الاخيرة بلغت 120% . على الأقل " ( اهرام 4 1 أغسطس 1976) . وكذبتها حتى الصحف " القومية " التي اصبحت تكتب عن الاسعار تحت اصدق العناوين دلالة : " جنون الاسعار "، وتنعى الى الشعب ما يزيد في الاجور بان ستلتهمه زيادة الاسعار ( اهرام 14 ديسمبر 1976) فيفزع العمال ويدعو "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر " الى مؤتمر لدراسة " الاجور والاسعار " حضره واشترك فيه كبار المسؤولين في الدولة . فاوصى المؤتمر- حتى لا تلتهم الاسعار الاجور- باعادة تقدير الحد الادنى لاجور العمال وايجاد تقارب بين معيشة الطبقة العاملة والقطاعات الاخرى في المجتمع (اهرام 20 ديسمبر 1976). وكانت تلك محاولة جادة من جانب عمال مصر، أكثر المحاولات جدية في الواقع، لوضع المسؤولين على اول الطريق الى الحل الصحيح وجذب انتباههم الى موطن الداء وجرثومته. كان نداء من اكثر المواطنين انتاجا الى المسؤولين عن الاستهلاك ان كفوا عن الاقتطاع ممن يموتون جوعا واقتطعوا ممن يموتون تخمة. وكان دعاء الى العلم اسلوبا والعدالة غاية. وكان نذيرا بان قد كادت طاقة الشعب على الاحتمال ان تنفد. لم يستمع اليهم احد. آية الصمم دون ما اوصى به المؤتمر ما اعلنه وزير التموين من " ان سياسة الوزارة التي سيعلنها امام مجلس الشعب تتركز في تثبيت اسعار المواد الغذائية والتموين وعدم رفع سعر اية سلعة منها وذلك تمشيا مع سياسة الحكومة بعدم اثقال كاهل المواطنين باعباء جديدة " (اهرام 22 ديسمبر 1976). كيف؟.. لا احد يدري أو لا احد يريد ان يدري . فذاك مسؤول آخر كان مساهما في مؤتمر "الاجور والاسعار " يصم اذنيه دون الحقائق فيعلن المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب ، امام المؤتمر- في بساطة جريئة : " ان الدولة تعمل على تحقيق الاستقرار للاسعار وخفض اسعار بعض السلع التي ارتفعت اخيرا بدون مبرر " (اهرام 29 ديسمبر 1976).

اسعار السلع ترتفع عند رئيس مجلس الشعب " بدون مبرر "!! يا سبحان الله . ان كان هو خارج- فوق- نطاق المعاناة الشعبية افما كان يقرأ الصحف؟.. على أي حال لقد عرف قبل ان يمضي شهر واحد ان لارتفاع الاسعار مبررات خطرة ولم يغن شيئا قوله حينئذ : " نحن لم يؤخذ رأينا بالنسبة لقرارات زيادة الاسعار ". (اهرام 22 يناير 1977) . لم يغن شيئا لان الاحداث كانت قد وقعت .

وجاء يناير 1977:

11- انقضى عام 1976 بجنون اسعاره وفنون اكاذيبه. فاستهل رئيس الوزراء العام الجديد بحديث قديم . فقد نشرت له الصحف تحت عنوان : " الاحتمال.. والممكن " تجميعا لكل الوعود التى لم تصدق في الاعوام السابقة. مضافا اليها وعد جديد بانها ستصدق في العام الجديد. قالت الصحف تحت عنوان عملاق : " ممدوح سالم : يثبت اسعار السلع في عام 1977 " قالت : " اكد السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء ان حكومته ستركزخلال عام 1977، الى جانب اصلاح الهيكل الاقتصادي، على رفع المعاناة عن الشعب وتحقيق العدل الاجتماعى . وفي هذا الاطار فان من اهم اهداف الحكومة تثبيت اسعار جميع السلع باجراءات حاسمة ستتخذ في هذا الشأن نتيجة الدراسات التي تجرى فعلا بين جهاز تخطيط الاسعار وبين الوزارات المعنية " (اهرام اول يناير 1977).

قرأ الشعب هذا التصريح ووعاه واضافه الى مخزون ذاكرته التي شحنتها المعاناة الطويلة فاستخلص نتيجته الصارمة : ان حكومة السيد ممدوح سالم اما جاهلة بكيفية حمايته من وحش الغلاء الذي يلتهم حياته يوما بعد يوم ، واما عاجزة عن ان تحميه ضد الوحوش الذين اطلقوا عليه الاسعار المسعورة ، وفي الحالتين فان الحكومة تكذب. تكذب تقية غضب الشعب . اوتكذب تقية غضب اعداء الشعب . والكذب على الشعب خداع يجردها من صلاحية الحكم . ولقد كان من آيات المخادعة ما نشر بعد اسبوع واحد من تصريح رئيس الوزراء . فقد نشرت ا لصحف الصادرة في 8 يناير 1977 ان قد تقرر منح علاوات لـ 600 الف عامل . لقد كانت حكومة ممدوح سالم والحكومة التي سبقتها جربت مرات عديدة علاج الغلاء برفع الاجور . وتعلمت في كل مرة ، او كان عليها ان تتعلم ، ما يعتبر الف باء الاقتصاد وهو ان زيادة الاجور تؤدي الى زيادة في حجم النقد المتداول ( تضخم ) تؤدي مباشرة الى ارتفاع الاسعار بما يعادل ما زاد في الاجور أو أكثر .. هذه بدهية من بدهيات اقتصاد السوق ، أو الاقتصاد الحر كما يسمونه ، أو اقتصاد " الانفتاح " كما جاء على ايدي الحكومة نفسها . وقد كانت تلك مسألة ناقشها مؤتمر " الاجور والاسعار " قبل اسبوع من منح العلاوات . وقد أوصى حينئذ لا بزيادة الاجور ولكن بربط الأجر بالاسعار مع " التقريب بين الحد الادنى والاعلى بحيث لا تتجاوز النسبة 1 : 8 ( أهرام 31 ديسمبر 1976 ) . ولم يستمع احد الى وصيته . فهل كان منح العلاوات لأكثر من نصف مليون عامل علاجا مخدرا يضعف انتباه العاملين الى ماكانت تدبره خفية " المجموعة الاقتصادية " في الحكومة؟.. أيا ما كان الجواب الذي أنتهى اليه الشعب يوم 8 يناير 1977 فانه قد علم علم اليقين صباح يوم 18 يناير انه كان ضحية خداع يستحق الغضب والاشمئزاز..

12- ويبدو ان ذلك الشعور العام قد اتصل بعلم رئيس الجمهورية فرأى فيه نذرا لا يرضاها. وقد عبر رئيس الجمهورية فيما بعد عن سابق معرفته الكاملة بمعاناة الشعب وبعجز الوزارة واكثر من هذا، برأي الشعب ومشاعره . فقد قال بعد ان وقعت الاحداث : " لوتقرأوا صحف 2 يناير وسمعتوني وانا باتكلم .. انا قلت انه قانون الضرائب لازم يصدر فورا قبل اي شيء آخر . ليه علشان ايه ؟ في صحف 3 يناير مكتوب الكلام ده .. الاحداث ما حدستشي الا 18 و 19 ومن قبلها بـ 15 يوما.. 17 يوم .. انا باتكلم . ليه؟.. انا عارف.. انا مستني اللي وقع ده .. يقع .. حتستغربوا طبعا .. انا مستني اللي وقع يقع .. حقيقة . ليه ؟ حاجي لكم اقول لكم ليه؟.. وعلى ذلك فانا جيت في يوم اول يناير وجمعت القيادات السياسية عندي هنا هوه وقلت لهم على وجه الاستعجال قانون الضرائب وقانون الاسكان... " (اهرام 4 فبراير 1977).

والحق ان الصحف كانت قد ابلغت الشعب ان رئيس الجمهورية قد تدخل " موجها " الى ما اعتقد انه حل لمشكلة معاناة اغلبية الشعب من الغلاء . فقد نشرت الصحف انه قد : " صرح الدكتور جمال العطيفى وزير الاعلام والثقافة بان السيد ممدوح سالم عرض على المجلس ( مجلس الوزراء ) في بداية الاجتماع توجيهات الرئيس انور السادات بِشأن تثبيت اسعار السلع الاستهلاكية والعمل على انتاج وجبة شعبية جاهزة ومعلبة تباع بسعر معتدل للمواطنين وكذلك توجيهات الرئيس لتحسين مستوى المرافق والخدمات ووضع خطة عاجلة لاصلاح التليفونات في مدى 6 اشهر وسرعة الانتهاء من عرض مشروع قانون الضرائب والاسكان والانتهاء من قانوني الاحزاب والمطبوعات وقانون العاملين الجديد . واضاف الدكتور العطيفي ان رئيس الوزراء طلب من الوزراء الاسراع بوضع توجيهات الرئيس موضع التنفيذ ( اهرام 12 يناير 1977 ) .

وهكذا قرأ الشعب ووعى أن رئيس الجمهورية قد تدخل ووجه الوزارة الى حل لمشكلة جوع الملايين من الفلاحين في القرى والعمال في المصانع وصغار الموظفين في المكاتب . وهو حل - لو استجابت له الحكومة لأراح الشعب الفقير من عناء الخبيز والطحين وادخر طاقات الأمهات والزوجات في المنازل : وجبة شعبية جاهزة ومعلبة تباع بسعر معتدل للمواطنين . وقد طلب رئيس الوزراء من الوزراء الاسراع بالتنفيذ : ولكنهم طبعا لم ينفذوا ، لا لآنه لم يتسع لهم الوقت لعمل الدراسات الميدانية لاكتشاف نوع ومذاق ومكونات الوجبة حتى تتلاءم مع ذوق فقراء مصر ، ولا لآنه لم تكن تحت تصرفهم الأموال الكافية لانشاء المصانع التي تنتج ثلاثين مليون وجبة يومياً على الأقل ، والمعدات " التكنولوجية " التي تضع كل وجبة في غلاف والثلاجات التي تحفظ الوجبات من التلف حتى يتم توزيعها ، ووسائل النقل التي تضع تلك الوجبات تحت تصرف الفقراء في مواقعهم من المصانع والحواري والقرى في توزيع عادل حسب عدد الفقراء في كل مكان على حدة .. لا . لم تكن كل تلك اعذاراً لعدم تنفيذ توجيهات رئيس الحمهورية لحل مشكلة الغذاء الشعبي ، بل كان السبب الذي لا يصلح عذراً هو انه لم يكن احد قادراً أو راغباً في أن يأخذ مشكلات الاجور والاسعار والغلاء والعناء والجوع مأخذ الجد الذي تستحقه وكان ذلك ابشع استفزاز يتعرض له شعب من حكامه .

ولكن تدخل رئيس الجمهورية قد اثمر ثماراً اخرى . فقد شجع الكتاب الذين يقودهم ذكاؤهم الى الحذر عادة ، شجعهم على الحديث . ولم يكن حديثا ذلك الذي كتبه ونشره الاستاذ مصطفى امين بل كانت صرخة جمع كلماتها - بخبرة الصحفي المدرب - من افواه الناس، فكانت كلمته تلك- على الاقل- تعبيرا عن غيظ الملايين . قال تحت عنوان " فكرة " : " نحن الشعب الوحيد الذي يأكل الخبز الاسود.. الشعب الوحيد الذي يسكن في القبور.. الشعب الوحيد الذي يفقد اعصابه كلما طلب مكالمة تليفونية.. الشعب الوحيد الذي يتشعلق كالبهلوان في كل اوتوبيس او قطار .. الشعب الوحيد الذي يستنشق المجاري بدلا من الزهور والرياحين (اخبار 14 يناير 1977). وهكذا عبر الاستاذ مصطفى امين عن الشعب كله من اول الذين يفتقدون الخبز الى اخر الذين يفتقدون الرياحين . ولا بأس في هذا ما دام قد اتسع اهتمامه للاولين مع الاخرين .

النذير المبكر:

13- غير ان من أبناء مصرمن لم ينتظروا اذنا بالجهر بما يعاني الشعب وبمن اثقلوا عليه المعاناة. فمنذ بداية ذلك العام الذي اخذناه مثلا- عام 1976- وجه الاستاذ الدكتور محمد حلمي مراد تحذيرا وانذارا مبكرا الى الحاكمين . والاستاذ الدكتور محمد حلمي مراد مدير سابق لجامعة عين شمس واستاذ متخصص في علم الاقتصاد ووزير سابق، وكان حين وجه انذاره عضوا في مجلس الشعب يمثل- كما يقولون- الشعب كله. واخيرا فان انذاره كان منطلقا من موقف التعاطف والحرص على مصلحة الحاكمين انفسهم والرغبة الصادقة في ان يجنبهم مخاطر الطريق. فقد رأى ما كان يراه الناس جميعا وهو ان الحكومة تدفع الناس دفعا الى مواقع " الدفاع عن النفس "، ولكنه سبق غيره الى انذار الحاكمين في مقال كان عنوانه : " احذروا هذه الاستفزازات ".. قدم له بقوله : " تسود البلاد في الاونة الاخيرة مجموعة من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية وتصريحات للقيادات السياسية والتنفيذية تشكل خطرا جسيما يقتضينا الضمير الوطني المبادرة الى التحذير من مغبة استمرارها والعمل على تجنبها تفاديا لما قد ينشب عنها من مواقف وخيمة نظرا لما تؤدي اليه من شحن النفوس بمشاعر السخط والتذمر مع اقتران ذلك بتولد الاحساس بعدم الاهتمام الكافي من جانب السلطة بالتصدي لمعالجة المشاكل علاجا جذريا لا يقف عند حد اعطاء المسكنات واطفاء الحرائق بل يتجاوزها الى اجتثاث اصول تلك المشاكل وازالة مسبباتها : ولكي نزيد الامر تفصيلا يمكننا ان نميزمن بين هذه الاستفزازات الشعبية اربعة انواع "..

ثم راح الاستاذ الدكتور محمد حلمى مراد يتحدث باستفاضة ورصانة وعلم متمكن عن انواع الاستفزازات الاربعة. فاولها عنده الاستفزاز الاجتماعي الذي : " يتمثل فيما يتناقله الناس من قصص الثروات الطائلة التي جمعها البعض في السنوات الاخيرة وما يشاع عما تنشره الصحف الاجنبية في الخارج من اسماء المستفيدين من العمولات والسمسرات وما يروى عن امتلاك الشقق السكنية بعشرات ومئات الالوف ".. اما النوع الثانى فهو الاستفزاز الاقتصادي وقد دلل عليه بما يتقنه استاذ الاقتصاد المتمكن من فهم علمي لدلالات الارقام ثم انتهى في امره الى انه : " لا جدال في ان الاختلال في التوازن بين المستوى العام لاسعار السلع المعيشية الضرورية للحياة اليومية وبين مستوى المرتبات والاجور يجعل المواطن عاجزا عن ايفاء احتياجاته الضرورية مما يخلق احساسا بالضيق ". ثم انتقل الدكتور محمد حلمي مراد الى النوع الثالث من الاستفزازات واسماه " الاستفزاز السياسي " وضرب له مثلا ما اعلنه احد اعضاء مجلس الشعب : " تحت قبة المجلس نقلا عن بعض الصحف الاجنبية ان هناك حاليا ( فبراير 1976 ) خمسمائة مليونير في مصر بعد ان كانوا لا يزيدون عن خمسة قبل الثورة بينما لا يتجاوز متوسط الدخل الفردي تسعين جنيها في السنة.. " وبعد ان تحدث عن " الاستفزاز الحكومى " ختم مقاله بنذير واضح . قال :

ان اخشى ما اخشاه ان يؤدي كل ذلك الى اقتناع البعض بعجز الاسلوب الديموقراطي المشروع في معالجة الاوضاع الخاطئة بما يؤدي اليه ذلك من مخاطر تتمثل في الانحراف نحو التفكير في وسائل غيرمشروعة او في تيسيرمهمة اصحاب المصلحة في اغراء الشباب لاقتراف ما يضر بامن البلاد واستقرارها او في جعل النفوس قابلة للاستثارة بحيث تميل الى استخدام العنف لاي سبب طارىء مما قد ينتج عنه اتساع دائرة الصدام وافلات الزمام لاقدرالله فتكون فتنة يصعب السيطرة عليها (اهرام 5 فبراير 1976).

14- هكذا حذر وانذر الدكتور محمد حلمى مراد . حذر من استفزاز الشعب اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وحكوميا . وانذر بالعنف الذي اسماه " فتنة " وهو دفع للاستفزاز . كل هذا قبل احداث 18 و 19 يناير 1977 بعام كامل . وقد حذر غيره وانذر، ولكن الحاكمين اصموا آذانهم فلم يسمعوا وغلقوا اعينهم فلم يروا . ذلك لانه قبل ان يقول الدكتور محمد حلمي مراد وغيره ما قالوا تحذيرا ونذيرا كانت قد سبقت كلمات الله في كتابه المبين : " ولا يسمع الصم الدعاء اذا ما ينذرون " (الانبياء: 45) . وان كانوا قد قالوا " فتنة " فقد سبقت كلمات الله في كتابه المبين : " وحسبوا الا تكون فتنة فعموا وصموا " (المائدة : 71) .

وصدق الله العظيم .

15- وفي صباح 18 يناير 1977 انفضح ما كان خافيا، وقرأ الشعب ووعى ان قرارات قد صدرت بالغاء دعم بعض السلع الضرورية وان الاسعار التي وعد الف مرة ومرة بانها ستثبت ستزداد عربدة وجنونا، فعرف معرفة اليقين ، من الجناة انفسهم ، كم كذبوا عليه واستهانوا به فاعتدوا عليه فكانت انتفاضته ضد الكذب وضد الاستهانة وضد العدوان يومي 18 و 19 يناير 1977. ولم يلبث الجناة انفسهم ان اعترفوا- علنا- بصيغ شتى بالجرائم التى ارتكبوها في حق الشعب، وانبرى كل قادر على فتح فمه يفرغ ما اختزنه في جوفه من رأي مكتوم ، يصدّق الشعب في رأيه ويؤيد الشعب في موقفه، ثم يبرىء نفسه ويتهم الاخرين .

كان اول المعترفين الجاني الاصيل : الحكومة نفسها، وكما يحدث عندما يحاول اللص الذي ضبط في حالة تلبس رد المسروقات واستغفار المجنى عليه : حملت الصحف الى الشعب نبأ يقول: " اصدر السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء في الساعة الثانية والنصف بعد ظهر امس (19 يناير 1977) قرارا بايقاف العمل بالقرارات التي كانت المجموعة الاقتصادية قد انتهت اليها بشأن زيادة اسعار بعض السلع .. ونص قرار السيد ممدوح سالم الذي وافق عليه الرئيس انور السادات على اعادة دراسة الموقف الاقتصادي مع الهيئة البرلمانية لحزب " مصر العر بى الاشتراكي " والمؤسسات المعنية في الدولة. وقد اكد مصدر رسمي على مستوى عال امس ان القرار الذي اصدره رئيس الوزراء بايقاف العمل بقرارات المجموعة الاقتصادية لن يؤثر باي صورة من الصور على قرار منح كافة العاملين بالدولة علاوة اضافية هذا العام- تنفيذا لتوجيهات الرئيس السادات- كما لن يؤثر على قرار زيادة المعاشات بنسبة .10% . " (اهرام 20 يناير 1977) .

اما " حزب مصر العربي الاشتراكى " ذاك فقد كان الحزب الذي يحكم من خلال اعضائه او هكذا كان المفروض دستوريا. واما الهيئة البرلمانية تلك فقد كانت جماع اعضاء حزب مصر العربي الاشتراكي في مجلس الشعب الذي يراقب السلطة التنفيذية. او هكذا كان المفروض دستوريا فانبرى الحزب يعلن براءته مما جنى اعضاؤه الحاكمون على الشعب. ونشرت الصحف خبرا يقول: " اعلنت الهيئة البرلمانية لحزب مصر العربى الاشتراكى امس عدم موافقتها على رفع اسعار السلع التي تمس الطبقات العريضة من جماهيرالشعب ومنها على سبيل المثال الدقيق والخبز والارز والسكر والشاي والاذرة والبنزين والبوتاجاز. اصدرت الهيئة البرلمانية بيانا بذلك امس بعد اجتماع استغرق خمس ساعات قالت فيه ان اعضاء الهيئة سوف يلتزمون بهذا الموقف عند عرض تقرير لجنة الخطة على مجلس الشعب ". (اهرام 20 يناير 1977 ) .

فلما اجتمعت لجنة الخطة بمجلس الشعب اعلن المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب براءته وقال : " نحن لم يؤخذ رأينا بالنسبة لقرارات زيادة الاسعار ". وبعد ان اعلن اغلب الاعضاء براءتهم - كل باسلوبه - " انتهت اللجنة بعد اجماع دام 6 ساعات متصلة.. من اصدار قرار بالغاء القرارات المتعلقة بزيادة اسعار السلع التموينية والشعبية التي تمس جماهير الشعب وان تبقى الاسعار على ما كانت عليه قبل 17 يناير الحالي والغاء كل ما ترتب على ذلك من اثار على ان تراقب الحكومة ذلك بكل حزم ". ( اهرام 22 يناير 977 1).

شاهد من اهلها:

16- كان كل ذلك شهادة من " المسؤولين " بان الغاء الدعم ورفع الاسعاركان " خطأ " وان رد الفعل الشعبى كان له سبب مباشر من ذلك الخطأ . اما " غير المسؤولين " فقد كان على رأسهم الاستاذ توفيق الحكيم . ونحن نورد ما قال هنا بعد ان اوردنا ما قال الاستاذ مصطفى امين من قبل لانهما كليهما من انصار الحكام ولوكانوا ناقدين . ويتميز الاستاذ توفيق الحكيم بنظرية فذة يمكن ان تسمى نظرية " الوعي الفلكى ". مؤداها ان وعي الشعب يدور في فلك عريض فيختفى زمانا ويعود فيظهر زمانا اخر . وقد زعم الاستاذ توفيق الحكيم ان وعي الشعب في مصر كان غائبا عشرين عاما او نحو ذلك ثم عاد فاصبح الشعب واعيا . ايا ما كان نصيب هذه النظرية من الصحة فان احداث 18 و 19 يناير 1979 قد وقعت في مرحلة " عودة الوعى " كما حددها الحكيم . فقال معلقا على ما حدث تحت عنوانه المفضل " الطعام لكل فم " في رسالة وجهها الى المسؤولين :

" حرصت على ان اسير في الصباح كعادتى على قدمي بين الناس على الرغم من تحذيرات الذين خشوا علي من التعرض للقنابل المسيلة للدموع . وصادفت من كان يقول : ما رأيك في الطعام لكل فم هذا ؟.. ولم يكن التساؤل من الشباب المتحمس او الثائر، بل من بعض الشيوخ البادي عليهم الوقار والاتزان . وادركت بعض الاسباب لما حدث وما يمكن ان يحدث (كذا..؟!) وجدت من واجبى ان اصارح بها ابناء وطني من المسؤولين والا كنت غيرجدير بحمل امانة القلم . ويتلخص رأيي في امرين :

" الاول : المناخ النفسي للشعب . لقد كان الشعب الذي طحنه الغلاء متهيئاً بالامل في نقص الاسعار في حين كان رجال الاقتصاد مشغولين بالامل في موازنة الميزانية فلما لم يحدث تقارب بين الاملين حدثت فجوة بين الطرفين وانقسام كانقسام الذرة الذي يسبب الانفجار.

" الثاني : مفاجأة الجماهير بالاسعار الجديدة قبل عرضها على مجلس الشعب، حيث كانت المناقشة فيها كفيلة بان تخفف من صدمة المفاجأة ، وان توضح المبررات التي ارغمت المسؤولين والاقتصاديين على عرض مثل هذه الميزانية التى يفهمها الاقتصادي ولا يفهمها الجائع .. ويظهر ان المسؤولين ارادوا بهذه السرعة الخاطفة مباغتة التجار الجشعين فكان ان باغتوا الجماهير الآمنة".

وستذهب هذه " المقطوعة " مثلا من موقف توفيق الحكيم لكل المواقف التي تعترف بالظلم وتلتمس الاعذار للظالمين ولا تنسى ان تعتذر عن المظلومين بانهم لم يفهموا الحكمة من الظلم..!! على اي حال يكفينا الحكيم شاهدا على الظلم والمباغتة يقعان على الجماهير الآمنة .

والقضاء يحكم:

17- ايا ما كان الرأي الاجتماعى او السياسي (الرأي القانوني يأتي فيما بعد) فيما حدث فان ما حدث يومي 18 و 19 يناير 1977 لم يلبث ان اصبح محل تحقيق ومحاكمة واحكام اصدرتها محاكم جنايات امن الدولة العليا في انحاء الجمهورية . فقد سبق ان رأينا ان الشرطة قد ابلغت عن انها قبضت- خلال الاحداث- على اعداد كبيرة من المواطنين الذين قالت انهم قد شاركوا فيها. وقد احيل كل اولئك الى المحاكمة امام محاكم جنايات امن الدولة العليا. كل جماعة امام المحكمة المختصة بمحاكمتهم محليا . وعرفت تلك المحاكمات " بقضايا الشغب ". ولكن التهم التى وجهت الى المتهمين فيها تجاوزت مجرد الشغب الى ارتكاب جنايات تصل العقوبات عليها الى الاشغال الشاقة المؤبدة . وكان طبيعيا ان تتعرض محاكم امن الدولة العليا للاحداث التي وقعت يومي 18 و 19 يناير 1977 تقديرا وتفسيرا وان تحقق اسبابها في الواقع في سياق بحثها في مدى مسؤولية المتهمين عنها . وقد اصدرت في هذا احكاما ستضاف الى مفاخر القضاء المصري نقدم نموذجا منها.

8 1- ففي يوم 14 يونيو 1977 اصدرت محكمة جنايات امن الدولة العليا بالقاهرة حكمها في الجناية رقم 53 لسنة 1977 امن دولة عليا التى اتهم فيها 44 مواطنا بانهم حركوا وساهموا في الاحداث في جنوب القاهرة (منطقة حلوان) وقضت ببراءتهم واشارت في حكمها الى تلك الاحداث واسبابها فقالت ان المجموعة الاقتصادية بمجلس الوزراء قد انتهت الى.. " رفع الدعم عن بعض السلع التي لا غنى عنها لجماهير الشعب. واذيع بيان الموازنة العامة مساء يوم 17 يناير 1977 متضمنا هذه البيانات ونشرته الصحف صباح يوم 18 يناير 1977. وايا ما كان الرأي من الناحية الاقتصادية في هذه الاجراءات وضرورتها فانه كان يتعين ان يمهد لها وتعد جماهير الشعب نفسيا بواسطة وسائل الاعلام والاجهزة السياسية لتقبل هذا الوضع . الا ان هذا لم يحدث فكان لاذاعة بيان الموازنة بما حواه من رفع الاسعار في الوقت الذي كانت تنتظره جماهير الشعب رد فعل قوي لدى مختلف طوائف الشعب اثارت اعصابه فبدأت مجموعات من الطلبة والعمال منذ صباح يوم 18 يناير 1977 تنتظم في مسيرات تعبر عن اعتراضها على سياسة رفع الاسعار وكانت تردد بعض الهتافات المعادية للحكومة احتجاجا على سياستها في هذا الصدد. ولم يكن هدفهم في البداية من التجمهر سوى الاحتجاج على سياسة رفع الاسعار . وكانت هذه الوسيلة للتعبير عن رأيهم، وان كانت غير مشروعة لانها لم تتم خلال القنوات الشرعية والطرق التي رسمها القانون، انما دفعهم اليها ما عانوه خلال الفترة الطويلة الماضية وتلك الصدمة التى احدثها رفع الاسعار في وقت كانوا يأملون فيه ان يحدث العكس ولم يكن هدفهم التخريب او التدمير... "

المؤامرة :

19- وقد كان يمكن ، في حكم السياسة وحكمتها ، ان يقف الامر عند ذاك الحد لتتفرغ الحكومة لما اوصت به لجنة الخطة في مجلس الشعب : " ان تبقى الاسعار على ما كانت عليه قبل 17 يناير على ان تراقب الحكومة ذلك بكل حزم " اخطاء حدثت ادت الى احداث وقعت فتراجعت الحكومة عن اخطائها فتوقفت الاحداث وقبضت الشرطة على من قيل انهم الفاعلون الاحداث او الشركاء فيها، وعرضوا جميعا على القضاء فقضى في شأنهم بما قضى ادانة او براءة ، فاصبح ممكنا في حكم السياسة وحكمتها ان يعتبر الامر الجليل منتهيا . وكان ذلك ممكنا - في حكم السياسة وحكمتها- قدوة بسوابق الحكم والحكمة. ففي فبراير 1968 حدثت في مصر احداث قريبة الشبه بما حدث يومي 18 و 19 يناير 1977. وخرجت جموع الشعب تدين الهزيمة والمسؤولين عنها وتطالب باسقاطهم ومحاكمتهم . فاقتضت الحكمة الا يجابه الشعب بالعنف فلم يصاحب الاحداث عنف. والتقط الحكم ما قاله الناس فجمعه ورتبه وبوبه وطبعه ونشره ثم اخرجه للناس بيانا يلتزمه الحاكمون أسموه " بيان 30 مارس ". عرض على الاستفتاء الشعبي فحظي بما يقارب الاجماع لانه لم يكن الا صياغة لما اراده الشعب حينئذ وعبر عنه في شوارع المدن خلال المسيرات والمظاهرات التي حدثت في فبراير 1968، ووقف الامر عند ذاك الحد. وفي العام ذاته، 1968، وصلت الاحداث في فرنسا الى حد القتال المسلح بين الجيش الفرنسي وجموع المتظاهرين واقتحمت جامعة باريس العتيدة على طلابها وسقط القتلى وانتهت الاحداث عند نهايتها. وقد كان اللواء سيد فهمي، وزير الداخلية ابان حوادث 18 و19 يناير 1977، ما يزال متذكرا احداث فرنسا وغيرها من الدول فأعتذر بها امام مجلس الشعب يوم 30 يناير 1977 حين قال : " ان العالم كله يموج باسلوب الرفض ولم تكن مصر بمعزل عن هذا الامر ". اوكان وزير الداخلية ما يزال متذكرا انه قبل اسبوعين من احداث 18 و 19 يناير 1977 كانت " شبه حرب اهلية " محدودة قد دارت رحاها بين جموع الفلاحين وقوات الامن في مركز " بيلا " يومي 31 ديسمبر 1976 واول يناير 1977، وان اسلحة " متطورة " قد استعملت من جانب الطرفين . وان تلك الاحداث كانت محل حوار حاد النبرة جرى بينه وبين وزير العدل في مجلس الشعب يوم 16 يناير 1977 ، اي قبل احداث 18 يناير 1977 بيوم واحد، وان سيادته قد اعتذر عن العنف الذي اجتاح مركز بيلا فقال وافصح : " ان ظاهرة العنف ظاهرة عامة وممكن ان تحدث في كثير من البلدان خصوصا في الظروف الاقتصادية غير العادية التي تمر بها البلاد.. "

نقول كان يمكن في حكم السياسة وحكمتها ان يقف الامر عند ذاك الحد لو ان للحكومة سياسة وللسياسة حكمة. ولم يكن الامركذلك . اذ بينما كان الشعب يعبر عن غضبه العارم وكانت الشرطة تقاتل وتقتل المتظاهرين في الشوارع ، وبيما كانت المعارك تستعر بالحرائق وبينما كان المقبوض عليهم يساقون بالالاف الى النيابة العامة، وبينما كانت المحاكم تنظر في امرهم وتقضي بما قضت.. كانت " ادارة مباحث امن الدولة " تدبر امرا . وكانت " نيابة امن الدولة " تحقق هذا التدبير. وكانت قوات امن الدولة " السرية " تداهم المنازل فجرا وتقبض على مئات من الكتاب والادباء والفنانين والطلبة والعمال وتسوقهم مكبلين بالحديد الى زنازين السجون . نعم ثابت في اوراق التحقيق ذاتها انه بينما كان مصيرمصركله معلقا بخيوط رفيعة تكاد تمزقها معارك الشوارع ، كانت " ادارة مباحث امن الدولة " تخطط داخل المكاتب المغلقة لاستغلال الاحداث الخطيرة من اجل تصفية القوى الوطنية المعارضة لسياسة القائمين على الحكم . نقول في المكاتب وليس هذا من عندنا. فقد شهد امام هذه المحكمة ثلاثة من رؤوس ادارة امن الدولة هم اللواء سيد زكي (جلسة 25 يونيو 1979) والعميد محمد فتحي قتة (جلسة 17 مارس 1979) والعميد منير محيسن (جلسة 18 مارس 1979) بانهم كانوا في مكاتبهم بادارة مباحث امن الدولة بالقاهرة يومي 18 و 19 يناير 1977 يحررون البلاغات التي تقدمت بها ادارة مباحث امن الدولة ابتداء من فجر يوم 19 يناير 1977 الى نيابة امن الدولة ضد مئات من المواطنين ويستصدرون عليها اوامر بالقبض عليهم .

وبيما يثبت الاستاذ النائب العام في محضره يوم 19 يناير 1977 (الساعة الثانية عشرة ظهرا) تعذر الانتقال للتحقيق لانقطاع المواصلات كان مئات من ضباط امن الدولة والمخبرين السريين منطلقين في سياراتهم يقطعون الشوارع والازقة ليداهموا المواطنين في منازلهم . لم تتوقف ادارة مباحث امن الدولة، ولم يهمها ان تتوقف، لتفض معركة او تحمي منشأة أوتطفىء حريقا اوتسعف جريحا اوتنقل محتضرا الى طبيب اوتواري جثة مواطن قتيل .. او حتى تقبض على احد المتظاهرين . وعندما انتبه الاستاذ حافظ السلمي رئيس نيابة الاسكندرية الى هذا الموقف " المريب" سأل العقيد على حسن شلبي في محضرالتحقيق يوم 20 يناير 1977: " ما سبب عدم القبض على هؤلاء المتزعمين اثناء تزعمهم المتظاهرين ".. فاجاب رجل مباحث امن الدولة : " يرجع هذا لتعليمات عليا "، فيتضح منذ اليوم الاول للتحقيق ان تعليمات عليا بعدم الاهتمام بالاحداث كانت تحكم تصرفات رجال مباحث امن الدولة يومي 18 و 19 يناير 1977، تصرف انتباههم عن الاحداث، الى استغلال الاحداث " لتصفية حساباتهم " القديمة مع القوى الوطنية المعارضة للقائمين على الحكم . وكما اعترفوا في بداية التحقيق اعترفوا في نهايته. فبعد ان انتهى التحقيق في بلاغاتهم التي قيدت برقم 100 لسنة 1977 (منظمات) و 101 لسنة 1977 (تحريض) تقدمت مباحث امن الدولة يوم 10 مايو 1977 الى نيابة امن الدولة بمذكرة قالت فيها ان احداث 18 و 19 يناير 1977 ليست الا نتيجة نشاط سياسي سابق ومستمر بدأ منذ ما قبل 1973 كانت تحاول به القوى "المناهضة " اسقاط الحاكمين . ولقد كانت كل تلك القضايا وما سبقها منذ 1973 تشكل معركة واحدة مستمرة كانت مباحث امن الدولة خلالها تطارد المعارضة واستطاعت في حملات متتالية ان تقبض على مجموعات وراء مجموعات لم تعرض اية مجموعة منهاعلى القضاء للمحاكمة.

20- واخذتها نيابة امن الدولة مسلمة فاذا بها تصدر يوم 31 مايو 1977 قرارا جاء فيه : " لاثبات اننا، نظرا لوحدة النشاط موضوع تحقيق هذه القضية (100 لسنة 1977) مع قضايا اخرى لم يتم التصرف فيها بعد امرنا بضم القضايا الاخيرة للقضية الحالية لوحدة وارتباط موضوعها جميعا. وهي القضايا ارقام 101 لسنة 1977 و 10 لسنة 1975 و 501 لسنة 1974 و 885 لسنة 1976 و58 لسنة 1977 و 134 لسنة 1977 و 854 لسنة 1976 حصر امن دولة عليا ". وهكذا رأت مباحث امن الدولة ان نشاطا مستمرا منذ 1973 ذا موضوع واحد لا بد ان يحسم بمناسبة احداث 18 و 19 يناير 1977. مع ان هذا النشاط الواحد لا تربطه باحداث 18 و 19 يناير 1977 علاقة تلازم زماني فقد استمر- كما قال قرار الاتهام - " خلال الفترة من اواخر سنة 1973 حتى منتصف سنة 1977 ". ولا تربطه باحداث 18 و 19 يناير علاقة تلازم مكاني فقد شمل- كما قال قرار الاتهام- كل " جمهورية مصر العربية ". ولا تربطه باحداث 18 و 19 يناير علاقة تلازم موضوعى . فلم يسند قرار الاتهام الى اي من المتهمين انه دمر او احرق او سلب او نهب او قتل او جرح اودخل معركة ضد الشرطة.

ما هو اذن هذا النشاط الواحد؟

انه المعارضة السياسية للحاكمين . المعارضة بالكلمات تلقى في الندوات. بمجلات الحائط تعلق في الجامعات. بالنشرات تنقل الافكار. بالمسيرات السلمية الجماعية تقدم المطالب الى مجلس الشعب. بالهتافات تعبر عن تلك المطالب. ذلك هو " النشاط الواحد " كما صورته مباحث امن الدولة نفسها. وقدمت ادلة عليه اطنانا من الاوراق المكتوبة ومئات الامتار من الاصوات المسجلة وعشرات من الصور الفوتوغرافية . وهذا هو " النشاط الواحد " المطروح الان على هذه المحكمة.

21- اذن فهى محاولة " لتصفية " القوى الوطنية التى عارضت الحاكمين ولو قبل اربعة اعوام من الاحداث، ولو بعد اربعة اشهر من الاحداث، ولو لم تسهم في الاحداث فاعلة او شريكة. اذن فهي محاولة ارادت بها ادارة مباحث امن الدولة ان تختم بها سلسلة من الحملات بدأت عام 1973 حتى عام 1977 . فيصبح محتوما ان نعرض هذه المعركة المستمرة بين الحاكمين والمحكومين في مصر من خلال عرض الحملات التالية التي رأت مباحث أمن الدولة ونيابة أمن الدولة انها كانت تستهدف " نشاطاً واحداً " .

2

حملات التصفية

الحملة الاولى :

22- تبدأ وقائع هذه الحملة ببلاغ قدمه النقيب مصطفى محمد محمد موسى الضابط بادارة مباحث امن الدولة فرع القاهرة يوم 7/5/ 1974 الى رئيس نيابة امن الدولة قال فيه انه علم ان احمد فؤاد عزت نجم، مؤلف الاغانى، قد دأب في الفترة الماضية على تأليف قصائد زجلية تتضمن هجوما ضد النظام القائم وقيادته واثارة المواطنين ضد تحالف قوى الشعب العاملة وبث روح الحقد في نفوس المستمعين اليها ضد النظام ، وان امام محمد احمد عيسى وشهرته الشيخ امام عيسى ، المغني الشعبي، يقوم بالاتفاق مع الاول، بتلحين تلك القصائد وانشادها في الندوات واللقاءات الخاصة والعامة التي ترتادها العناصر المناهضة كما يقوم احمد فؤاد عزت نجم بالتعليق عليها على مسمع من الحاضرين . وان من بين الاماكن التي يتردد عليها المذكوران مسكن محمد نصر الدين الغزالي محمد الجبيلى وشهرته سيف الغزالي . وطلب الاذن بالمتابعة وتسجيل ما يدور في اللقاءات التي يحضرها الاستاذان احمد فؤاد نجم وامام محمد عيسى وتقيد البلاغ برقم 501 لسنة 1974 حصر امن دولة عليا .

اصدر رئيس نيابة امن الدولة العليا اذنا نصه : " نأذن بتسجيل احاديث المتهمين احمد فؤاد عزت نجم وامام محمد احمد عيسى وشهرته الشيخ امام عيسى ومحمد نصر الدين الغزالي الجبيلى وشهرته سيف الغزالي التي تجرى في مساكنهم او في اية امكنة خاصة اخرى وذلك خلال ثلاثين يوما تبدأ من ساعة وتاريخ صدور هذا الاذن ونندب لاجراء التسجيلات ايا من السادة مأموري الضبطية القضائية بمباحث امن الدولة على ان تحرر محاضر بتفريغ التسجيلات والاجراءات وتعرض علينا ". واستند في اصدار الاذن الى ما قاله- محيلأ على البلاغ - ونصه: " وحيث ان الواقعة على هذا النحو تنطوي على جريمة بث للدعايات المثيرة واذاعة البيانات والاشاعات الكاذبة والمغرضة المنصوص عليها في المادة 102 مكررا من قانون العقوبات مما يسوغ معه قانونا الامر بتسجيل احاديث هؤلاء المتهمين التي تجرى في مساكنهم او في اية امكنة اخرى ". كان ذلك في ذات يوم تقديم البلاغ .

وفي الساعة السابعة مساء اليوم ذاته حرر النقيب مصطفى محمد محمد موسى محضرا قال فيه انه قد وصلته معلومات تأيدت بالتحريات والمراقبات بان محمد نصر الدين الغزالي الجبيلى وشهرته سيف الغزالي " يقدم امسية شعرية مساء اليوم 5 الجاري " بمنزله الكائن بالعقار رقم 20 شارع الحلمية وانه وجه الدعوة الى بعض المرتبطين به وبنشاطه المناهض للنظام القائم لحضورها وان امام محمد احمد عيسى وشهرته الشيخ امام سوف ينشد فيها بعض القصائد الشعرية من تأليف احمد فؤاد عزت نجم المناهضة للنظام القائم وخطه السياسى والتي تدعو الى اثارة المواطنين ضد تحالف قوى الشعب العاملة وبث روح الحقد والكراهية في نفوسهم ضد القيادة السياسية الحالية للبلاد وانه "جاري " اتخاذ الاجراءات اللازمة فنيا لتسجيل ما يدور في هذه الامسية .

وفي الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي (7/6/ 1974) حرر النقيب مصطفى محمد محمد موسى محضرا اثبت فيه انه قد انعقدت الندوة في الساعة التاسعة من مساء اليوم السابق 7/5/ 1974 وحضرها عشرة مواطنين اورد اسماءهم وانه قد تم تسجيل ما دار بها .

وفي يوم 7/10/ 74، اي بعد اربعة ايام ، حرر النقيب مصطفى محمد محمد موسى محضرا اخر اثبت فيه انه قد تبين من التحريات والمتابعة ان محمد نصر الدين محمد الغزالي وشهرته سيف الغزالي قد دأب في الفترة الاخيرة على عقد لقاءات سياسية بمنزله يحضرها- بدعوة منه- بعض العناصر المناهضة لنظام الدولة الحالي ويتم فيها مناقشات حول الاحداث السياسية الراهنة ويدعو الى ضرورة اعادة نظام الاحزاب السياسية وان تنظيم " الاتحاد الاشتراكى العربى " فاشل، وانه يعمل على تكوين تنظيم سيكون نواة لحزب سوف يتم تشكيله في المرحلة القادمة ويحرض على استقطاب بعض الشباب من طلبة الجامعات لصالح نشاطه . وانتهى المحضر باثبات وضعه تحت "المراقبة الحساسة " للكشف عن اتصالاته ومعرفة المرتبطين به.

اعيد فتح المحضر يوم 31/7/1974 ليثبت فيه النقيب مصطفى محمد محمد موسى انه قد اسفرت المراقبة عن انه " يتردد بكثرة " على منزل محمد نصر الدين الغزالي كل من : واورد اسماء عشرة مواطنين اخرين .

وفي يوم 8/4/ 1974 اثبت النقيب المذكور في محضرآخر ان المذكورين في محضره السابق : "قد استجابوا لنشاط محمد نصر الدين الغزالي واتفقوا معه في الرأي حول التحرك لتكوين النواة التنظيمية سابقة الاشارة اليها وبدأوا في لقاءاتهم في ترديد الاحاديث التي من شأنها تشويه صورة النظام القائم وركزوا في هذا الصدد على الزيارة الاخيرة للرئيس الامريكي نيكسون للبلاد وعلى سياسة الانفتاح الاقتصادي وعلى حرب السادس من اكتوبر ونتائجها وكذا على صيغة تحالف قوى الشعب العاملة وان لقاءات المذكورين بدأت تأخذ الشكل المستمر في منازلهم وفي حديقة نقابة المحامين .

23- عرضت الاوراق على رئيس نيابة امن الدولة العليا في اليوم ذاته 4/ 8/ 1974 فاصدر قرارا بالقبض على كل من جاءت اسماؤهم في محضري 7/6/ 74 (الندوة) و 31/7/ 1974 (التنظيم) وحدد رئيس نيابة امن الدولة لصلاحية الاذن خمسة عشر يوما من تاريخ وساعة صدوره.

لم تنفذ مباحث امن الدولة هذا الاذن، ولم تقبض على المتهمين في المدة المحددة لصلاحيته، بل تقدمت الى نيابة امن الدولة تطلب مد المهلة فحصلت على المد ثلاث مرات : يوم 11/ 8/ 1974 ويوم 18/ 8/ 1974 ويوم 2/ 9/ 1974، بحجج منها ان بعض المأذون بضبطهم في الخارج او بأن العناوين متغيرة .

الى ان كان يوم 3/ 9/ 1974 الساعة 0 3, 12 صباحا (بعد منتصف الليل) حيث حرر الرائد ثروت قداح بادارة مباحث امن الدولة محضرا اثبت فيه انه انتقل ومعه الرواد احمد منير ابو العينين واحمد محمد الانصاري وماجد الجمال والنقيب ابراهيم حسن و" القوة اللازمة " الى منازل احمد فؤاد عزت نجم فوجد بابه " مواربا " ويخرج منه دخان محترق تفوح منه رائحة مادة الحشيش ووجدوا عشرين شخصا يستمعون الى شعر احمد فؤاد نجم فقبضوا عليهم جميعا .

24- بدأ التحقيق مساء اليوم ذاته (3/ 9/ 1974) الساعة السابعة والربع بما اثبته الاستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة العليا من انه : " في نحو الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح اليوم اتصل بنا تليفونيا المقدم منيرمحيسن بمباحث امن الدولة فرع القاهرة واخطرنا بتنفيذ الاذن الصادر بضبط وتفتيش المتهم احمد فؤاد نجم واخرين وذكر انه قد تم ضبط ثلاثين متهما..!! من بينهم بعض المأذون بتفتيشهم (ثلاثة) واخرين وعددهم سبعة عشرشخصا كانوا متواجدين بمنزل احمد فؤاد نجم في " جلسة يتم فيها القاء القصائد المناهضة!! وتعاطى المواد المخدرة، وضبط بالفعل قدر منها فضلا عن اشرطة تسجيل كانت لدى المتهمين وان باقى المتهمين المأذون بتفتيشهم (اذن 8/4/ 74) تم القبض عليهم ايضا فيما عدا اثنين ". وقد سرد المحقق بيان محاضر المباحث حسب الترتيب السابق ثم ذكر ان سبعة محاضر قبض على سبعة متهمين لم تعرض عليه اصلا!!!

ثم اثبت المحقق ان المتهم ابراهيم عبد الرحمن شعراوي قد دفع بانه احد مصادر هيئة الأمن القومي وانه مكلف منها بمتابعة النشاط موضوع التحقيق وقد " ابلغتنا ادارة مباحث امن الدولة بان الهيئة المذكورة اجابت على الاستعلام الموجه اليها بهذا الشأن بما يفيد ان ابراهيم شعراوي هو احد مصادرها.. وتم اخلاء سبيله ".

25- بعد اتمام التحقيق اصدر رئيس نيابة امن الدولة العليا يوم 14/ 15/ 74 (بعد شهر من الحبس) امرا بالافراج عن كل المحبوسين على ذمة القضية. وبقيت الاوراق تنتظر فرصة اخرى لمدة ثلاث سنوات بدون ان يوجه فيها اتهام لاحد وبدون ان تحفظ ايضا الى ان وقعت احداث 18 و 19 يناير 1977.

الحملة الثانية:

26- في اليوم الاول من الشهر الاول من سنة 1975 تقدم الرائد جمال ابو ذكرى الضابط بمباحث امن الدولة فرع القاهرة الى نيابة امن الدولة العليا ببلاغ قال فيه : " وردت لنا معلومات مؤكدة من مصادرنا ومن الملاحظة والمتابعة ان الطلبة المذكورين بعد يعتنقون الفكر الماركسيى ويقومون بنشره بين الطلاب ويعملون على اثارة الشغب داخل الكليات وتحرير مجلات الحائط المناهضة التى تهاجم قيادة الدولة وانتقاد نظام الحكم الحالي كما شارك البعض منهم في اعمال التظاهر والاضراب التي حدثت بالجامعات في السنوات الماضية وتزعم البعض منهم العديد من المؤتمرات الطلابية المناهضة التى عقدت بالكليات المختلفة وذكر سبعين اسما .

27- عرض هذا البلاغ على الاستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة فاصدر امرا بالقبض على جميع من وردت اسماؤهم به وتفتيش منازلهم واستند الى ما قاله من انه قد قامت من البلاغ "دلائل كافية على ارتكاب المتهمين جرائم الاثارة والحض على كراهية النظام ".

28- في اليوم ذاته (1/ 1/ 75) تقدم المقدم احمد ابراهيم شوكت الضابط بمباحث امن الجيزة ببلاغ مطابق للبلاغ الاول قال فيه : " دلت التحريات ومعلومات المصادر والتي تأكدت بالملاحظة والمراقبة ان بعض الطلاب الذين يعتنقون الفكر الماركسى بكليات جامعة القاهرة يقومون بنشرهذا الفكر بين طلبة الجامعة ويعملون على اثارة الشغب داخل الكليات كما يقومون بتحرير مجلات حائط مناهضة تهاجم سياسة الدولة وتنتقد نظام الحكم . واشارت المعلومات ان هؤلاء الطلاب سبق ان شارك البعض منهم في اعمال التظاهر والاضراب خلال السنوات الماضية وتزعم البعض منهم العديد من المؤتمرات الطلابية المناهضة التي عقدت بالكليات المختلفة وهم :.. وتلى ذلك قائمة باسماء اربعة وثلاثين (34) طالبا وطالبة جميعهم من جامعة القاهرة . ثم اضاف البلاغ : " هذا وقد قامت العناصر المنوه عنها بعاليه منذ بداية العام الدراسي 74/75 بنشاط مضاد وذلك من خلال تحرير المجلات والملصقات الحائطية والمؤتمرات التى تضمنت مناهضة النظام الحالي والدعوة لاثارة الطلاب لاتخاذ مواقف مضادة وعمدت هذه العناصر الى تصعيد حركتها عن طريق تنظيم المسيرات المضادة وقامت بقيادة هذه المسيرات والتي طافت كليات الحرم الجامعي مرددة الهتافات المثيرة والمضادة كما دعت في المسيرات التي قامت يوم 1/ 1/75 الى الخروج في مظاهرات للمشاركة مع مثيري الشغب في القاهرة كما اتفقوا على عقد مؤتمرات والتظاهر بتاريخ 2/ 1/75 مع تحرير بيانات مناهضة لاثارة القاعدة الطلابية للمشاركة في هذا الاتجاه ".

عرض هذا البلاغ أيضا على الاستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة يوم 2/ 1/ 75 فاصدر امرا بالقبض على جميع من وردت اسماؤهم به وتفتيش منازلهم وأستند الى سبب مغاير لما استند اليه في البلاغ الاول . فلأمر ما اختار ان يسبب امره بالقبض على هؤلاء الطلبة من جامعة القاهرة بقوله : " دلائل كافية على اشتراك المتهمين الواردة اسماؤهم في تنظيمات شيوعية سرية الامر المنطبق عليه جريمة المادة 98 أ عقوبات ".

29- في اليوم التالي 2/ 1/ 75 تقدم نائب وزير الداخلية لمباحث امن الدولة ببلاغ الى الاستاذ رئيس نيابة امن الدولة قال فيه : " الحاقا لبلاغاتنا السابقة بشأن طلب الاذن بتسجيل احاديث واجتماعات بعض العناصر الماركسية التي تتحرك في اتجاه تكوين منظمات شيوعية مناهضة فقد اسفرت المتابعة عن اتجاه هذه التنظيمات الى اسقاط النظام القائم والاستيلاء على الحكم عن طريق القيام بثورة شعبية وتطبيق النظام الشيوعي بالبلاد وان كانت هذه التنظيمات تتفق في الهدف وهوتغييرنظام الحكم القائم الا انها تختلف من ناحية التكتيك واسلوب الحركة على النحو التالي :

اولا- الحزب الشيوعى الجديد :

يتخذ اعضاء هذا التنظيم موقفا مضادا من السلطة القائمة وتتلخص مظاهر نشاطهم في الاتي :

(1) استقطاب وتجنيد عناصرمن مختلف القطاعات الجماهيرية وتثقيفها ماركسيا واطلاق اسماء حركية عليها وجمع اشتراكات منهم وتكليفهم بالتحرك ضد النظام القائم (2) اصدار العديد من البيانات والدراسات والتحليلات السياسية تهاجم السياسة العامة للبلاد وهذه النشرات محررة بعضها بخط اليد وبعضها على الالة الكاتبة ومطبوعة بالرونيو وثبت من المضاهات الفنية ان بعضها محرر بخط بعض قياداتهم (3) التحرك وسط القطاعات الجماهيرية في محيط المؤسسات والاتحادات والنقابات والعمل على اثارة الجماهير ضد النظام القائم (4) عقد لقاءات واجتماعات تنظيمية تناقش فيها امور التنظيم (امكن تسجيل بعضها) (5) تبين ان هناك تنسيقا وتعاونا بين هذا التنظيم وبعض اعضاء التنظيم الطليعي المنحل وانه في سبيل تشكيل جبهة وطنية ضد النظام وقاموا باصدار مشروع عمل يتضمن وجهة نظرهم لهذه الجبهة .

وارفق بالبلاغ كشفا باسماء خمسة وخمسين (55) شخصا قال انهم اعضاء الحزب الشيوعى الجديد.

ثانيا- التيار الثوري:

30- قال البلاغ : " يتخذ هذا التنظيم موقفا تكتيكيآ من القيادة السياسية بالتظاهر بتأييدها مرحليا وهذا الاسلوب اتاح له فرصة التحرك والانتشار وسط الجماهير وامكنه تجنيد اكبر عدد منهم وتتلخص مظاهر نشاط اعضاء هذا التنظيم في الاتي : (1) تجنيد عناصرمن مختلف القطاعات الجماهيرية وتثقيفهم ماركسيا (2) اصدار العديد من النشرات والتحليلات السياسية بعضها محرر بخط اليد وبعضها مكتوب على الآلة الكاتبة ومطبوعة بالرونيو (3) عقد اجتماعات دورية تنظيمية لبحث امور التنظيم واصدار التكاليف لاعضائه (امكن تسجيل بعضها) (4) تكليف عناصرهم من القطاع الطلابي بالتحرك داخل الجامعة لاثارة القاعدة الطلابية ومحاولة ربط الحركة الطلابية بالحركة العمالية .

وارفق بالبلاغ كشفا يتضمن اسماء تسعة وعشرين (29) شخصا قيل انهم اعضاء هذا التنظيم .

ثالثا- اليسار الجديد:

قال البلاغ : " يتخذ هذا التنظيم شكل البؤر الثورية اسلوبا لحركته ويركزاعضاؤه في التجنيد على العناصر الشبابية من الطلبة والمثقفين ممن لهم اهتمامات ادبية. كونوا جمعية باسم " جمعية كتاب الغد " تم اشهارها طبقا لقانون الجمعيات واتخذوها ستارا لعقد اجتماعاتهم وتنفيذ مخططاتهم في اثارة القطاعات الجماهيرية وخاصة القطاع الطلابي ويشارك بعض اعضاء هذه الجمعية في حضور الندوات بالجامعة في محاولة لاثارة الطلبة وتحريضهم على كراهية النظام القائم كما يشاركهم في هذا النشاط بعض الصحفيين ممن يحملون الاتجاهات الماركسية المتطرفة.

وارفق بالبلاغ كشفا يتضمن اسماء تسعة وعشرين (29) شخصا قيل انهم اعضاء تنظيم اليسار الجديد.

31- في اليوم ذاته (2/ 1/ 75) ارسل نائب وزير الداخلية لمباحث امن الدولة بلاغا اخر يقول فيه: " الحاقا لبلاغاتنا السابقة بشأن ما اسفرت عنه المتابعة من تحرك بعض العناصر ومعلومات المصادر ان ثلاثة مواطنين اخرين يشاركون في هذا النشاط واورد اسماءهم .

32- عرض كل هذا في يوم التبليغ (2/ 1/75) على الاستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة فاصدر امره بالقبض على كل الاشخاص المذكورين في البلاع (116) شخصا وتفتيش منازلهم واستند الى ما قاله من ان ثمة " دلائل كافية على اشتراك المتهمين الواردة اسماؤهم في تنظيمات شيوعية سرية الامر المنطبق عليه جريمة المادة 98 أ عقوبات " وتقيدت الاوراق برقم 10 لسنة 1975 حصر امن دولة عليا .

33- وبدأ التحقيق تحت اشراف الاستاذ المحامى العام محمد عبد الحميد عبد الصادق واثناء التحقيق، في 13/ 1/75، كتب نائب وزير الداخلية لمباحث امن الدولة الى رئيس نيابة امن الدولة بلاغا يقول فيه : " اخطرتنا هيئة الامن القومى (المخابرات) بما توافر لديها من معلومات حول اشتراك بعض الاشخاص ضمن تنظيم الحزب الشيوعي الجديد " وارفق بالبلاغ كشفا يتضمن خمسة عشرشخصا وطلب الاذن بالضبط والتفتيش فاصدر الاستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة يوم 14/ 1/75 امرا بالقبض عليهم وتفتيش منازلهم واستند الى انه " بعد الاطلاع على هذا البلاغ واذ تقوم من التحريات التي انطوى عليها دلائل كافية على مساهمة المتهمين الخمسة عشر المذكورين فيه في جريمة الانضمام لمنظمة شيوعية (المجرمة بنص المادة 98 أ عقوبات ".

34- وفي يوم 3/5/ 1975 حرر العقيد احمد ابراهيم شوكت بادارة مباحث امن الدولة فرع الجيزة بلاغا اخر اشار فيه الى بلاغه السابق المؤرخ 1/ 1/ 75 وقال : " وقد واصلت بعض هذه العناصر قيامها باعمال الاثارة في المرحلة الحالية وكذا نشر الشائعات والتحريض على الامتناع عن الدراسة وتعليق الملصقات التى تدعو للاضراب ومهاجمة سياسة العهد الحاضر " ازاء استمرار الظروف التي تستدعى ضبط طالبتين اورد اسميهما وطلب الاذن بالقبض عليهما فصدر له الاذن وقبض عليهما. وهكذا بلغ ضحايا هذه الحملة الثانية 235 مواطنا ومواطنة قبض عليهم في الفترة من اول يناير 1975 حتى 5/3/75 منهم 218 مواطنا ومواطنة قبض عليهم في يوم واحد هو يوم 2/ 1/ 1975. وقد انتهت التحقيقات وبقوا في السجون اكثر من اربعة اشهر ثم افرج عنهم جميعا ولم يصدر ضدهم اي قرار اتهام ولم يقدموا الى المحاكمة وبقي الامر معلقا الى ان وقعت احداث 18 و 19 يناير 1977.

الحملة الثالثة:

35- جاءت انتخابات مجلس الشعب فرشح محمود حسن الشاذلي نفسه لعضوية المجلس عن دائرة الدرب الاحمر فلاحقه المقدم ماجد الجمال ببلاغ يوم 13/ 9/ 1976 ينسب اليه فيه عدة وقائع تدخل في باب الاثارة وتقيدت الاوراق برقم 854 لسنة 1976 حصر امن دولة عليا وسمعت اقوال المرشح امام نيابة امن الدولة وانتهى التحقيق يوم 20/ 9/ 76. ولكن- في نفس اليوم 20/ 9/ 76- تقدم ببلاغ جديد ضد احد انصاره في الانتخابات عن واقعة توزيع منشور انتخابي وانتهى التحقيق في اليوم ذاته 20/ 9/ 76. وكان حظ محمد عزت عامر المرشح لعضوية مجلس الشعب عن دائرة مصر القديمة من البلاغات والتحقيقات وافرا وامتد الى عديد من انصاره . بدأت يوم 6/ 10/1976 ببلاغ ضده وضد احد انصاره حققته النيابة العامة وانتهت الى حفظه اداريا وقالت في مذكرة الحفظ: " وحيث انه باستقراء الواقعة يبين لنا انها حدثت في جو مشحون بالانفعالات وفي فترة انتخابية كان كل مرشح يعرض فيها افكاره ومن حقه ان يعرض برنامجه على جمهور دائرته ويستميل عطفهم للفوز في المعركة الانتخابية. وقد جاء الحوار بين المبلغ والمرشح وانصاره على اثر انفعالات ونقاش استعرضوا فيه قضايا العصر. واذا كان البعض قد استغل الموقف لترديد بعض العبارات الخارجة ضد الحكومة فان الغرض منها لم يكن بقصد اثارة الشغب او الاخلال بالامن لاسيما وانه لم يحدث اي شيء يكدر الامن ولم تحدث مشاغبات وقد مرت المناقشات بسلام . ولعل ما اغضب المبلغ هو تعدي عماد صيام عليه بالسباب. ولما كان ما تقدم وكانت الفترة الانتخابية قد مرت بسلام واستقرت الاوضاع وكانت هذه التصرفات مرهونة بالدعاية الانتخابية ولم يحدث من المشكو في حقهما بعدها ثمة تصرفات تشيرالى خطورته على الامن الامر الذي ينبىء عن ان ما حدث لا يعدو ان يكون مجرد دعاية انتخابية الامر الذي يتعين معه اسدال الستار على الواقعة وحفظها اداريا.. تحفظ اداريا ".

36- غير انه قبل ان تنتهي فترة الانتخابات كانت البلاغات تتوالى . ولكن تلك المرات عن طريق مباحث امن الدولة ورجالها. ففي 11/ 10/ 76 تقدمت ببلاغ ضد محمد عزت عامر المرشح واحد انصاره : عن الشروع في طبع منشور انتخابى . وفي 13/ 10/ 76 تقدمت ببلاغ ضد محمد عزت عامر المرشح بدائرة مصر القديمة واحد انصاره عن واقعة الهتاف في سرادق انتخابي وقبضت الشرطة على ثمانية من انصاره . وفي 14/ 10/76، اليوم التالي، تقدمت ببلاغ اخر ضد محمد عزت عامر المرشح واثنين من انصاره . ويوم 26/ 10/ 76 تقدمت ببلاغ اخر ضد محمد عزت عامر المرشح والسيدة حرمه واثنين من انصاره، وانتهى التحقيق في كل هذه البلاغات يوم 30/10/1976 وبقي هكذا الى ان وقعت احداث 18 و 19 يناير 1977.

الحملة الرابعة:

37- بدأت الحملة ببلاغ (سري جدا) من اللواء مساعد وزير الداخلية لمباحث امن الدولة بتاريخ 8 11/ 76 الى الاستاذ رئيس نيابة امن الدولة يقول فيه : " نرسل لسيادتكم طيه مذكرة بما توافر من معلومات لدى الادارة حول نشاط بعض العناصر الماركسية التى تتحرك في اطار حزب العمال الشيوعي المصري رجاء النظر وجاري المراقبة " .

وتتضمن المذكرة المعنونة " حول نشاط حزب العمال الشيوعي المصري " انه قد : " كشفت المتابعة وتأكد من التحريات ومعلومات المصادر ان بعض العناصر الماركسية المتطرفة قد كونت تنظيما سريا يعمل تحت اسم " حزب العمال الشيوعي المصري " يهدف الى تغيير النظم الاساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر وفي سبيل ذلك يقوم الاعضاء المؤسسون للحزب بالتحرك في القطاعات الجماهيرية المختلفة وخاصة القطاع الطلابى بهدف تجنيد عناصر جديدة وتسكينها في خلايا وتثقيفها ماركسيا وجمع اشتراكات من الاعضاء للانفاق على اوجه نشاط التنظيم- الترويج للفكر الماركسي- من خلال نشراتهم ومطبوعاتهم .

واستطردت المذكرة تقول : " استغلت عناصر هذا التنظيم الاسبوع الذي أقامه اتحاد طلاب جامعة القاهرة في الفترة من 20 الى 27 الجاري لاستقبال الطلبة الجدد وقاموا بالدعوة وتحريض العناصر الطلابية المشتركة فيه على الخروج في مسيرة يوم 25/ 11/ 76 للاصطدام بالسلطة وصولا الى تفجير الموقف وذلك على النحو التالي :

" حوالي الساعة 12 ظهرا يوم 25/ 11/ 76 عقدت بعض عناصرهذا التنظيم عدة حلقات نقاش بفناء الحرم الجامعى لاقناع الطلاب بالخروج في مسيرة ( وأورد سبعة اسماء) كما شاركت في هذا التحرك بعض العناصر الماركسية المتطرفة من القطاع الطلابى .

" قامت هذه العناصر بمساعدة العناصر الماركسية الاخرى بتكوين مسيرة من بعض الطلبة طافوا خلالها حول الحرم الجامعى مرددين التهافات التالية : قولوا للنايم في عابدين دا الفقرا نايمين جعانين- لوتنظموا صفوفكم يا ناس مش ممكن ترضوا على الهلاس- دا احنا بنسكن خمسة في اوضه وهوه بيلبس اخر موضه- من مطالبنا يا شباب حق تعدد الاحزاب - من مطالبنا يا جماهير حق النشر والتعبير- من مطالبنا احزاب شعبية لاجل الخونة والحرامية- عبد الحكم يا جراح (شهيد جامعي في معركة الاستقلال من الاحتلال الانجليزي 1935) اوع تفكر دمك راح- يا شعب بين السرايات (من افقر الاحياء المجاورة للجامعة) قتلوا فيك الحريات - دكتور صوفي يا ابو طالب (مدير الجامعة) اهو شباب الجامعة طالع- شعب الفول يا شباب بيقول خللوا الفقرا يشوفو النور- حكومة خاينة وعميلة تفني دم الشهداء في سيناء- الاضراب مشروع ضد الفقر وضد الجوع - لم كلابك يا ممدوح (ممدوح سالم رئيس الوزراء) دا احنا كفاحنا مش حيروح- الوزراء ساكنين في قصور والعمال ساكنين في جحور- الشعب يعاني في الام واهات وهوه بينشىء في استراحات ".

" قام الخريج كمال خليل خليل بالطواف ومن معه على الكليات المختلفة بالجامعة لتجميع الطلبة في المسيرة وقد تجمع حوالي 500 طالب وطالبة معظمهم من العناصر الماركسية حيث خرج بهم ومن معه وقد رددوا اثناء ذلك وحتى وصول المسيرة الى مجلس الشعب الهتافات التالية : ويكا يا ويكا يا بتاع امريكا - يا حكومة خاينة ورجعية عايزين احزاب شعبية- بالروح بالدم حنكمل المشوار- عايزين حكومة حرة- لعمال النقل العام تأييدنا الكامل التام - ياللى حاكمنا بالمباحث كل الشعب بظلمك حاسس- الرئيس الديموقراطى عاوز كل الشعب يطاطى - ياللى حاكمنا باسم الدين انزل انزل من عابدين .

" قام الطلاب اثناء المسيرة برفع لافتات تتضمن ما يلى : لا. للاحزاب الرجعية مطالبنا احزاب شعبية- نطالب برفع الاجور وربطها بالاسعار- تسقط اتفاقية سيناء - لا. لا. لانفتاحهم الاقتصادي.

" وقد وزع على المشتركين في المسيرة منشور محرر بخط اليد ومطبوع بالرونيو بعنوان " ماذا يجب ان يكون عليه موقف الوطنيين من احتلال الوطن " موقع باسم اسرة مصر- اسرة الشهيد عبد الحميد مرسي . ويتضمن مهاجمة النظام وموقفه من القضية الوطنية وانتهاجه سياسة الانفتاح الاقتصادي بدعوى انها ادت الى تبعية البلاد للاقتصاد الاستعماري ويدعو المنشور القوى الوطنية لتحرير الارض المحتلة وان ذلك لن يتم الا على جثة النظام الحاكم .

" عند وصول المسيرة الى مجلس الشعب رددت العناصر المشتركة فيها الهتافات التالية: " مجلس الشعب صباح الخيرسيد مرعي بقى مليونير- يا حكومة يا حابسة الحرية عايزين احزابنا الشعبية ". وقد قدم المتزعمون للمسيرة لبعض اعضاء مجلس الشعب بيانا محررا بخط اليد موقعا بعبارة " كل الديموقراطية للشعب والتفانى للوطن " تتضمن المطالب الاتية:

" 1- رفض صيغة الاحزاب الحكومية.

" 2- الغاء التشريعات المقيدة لحرية الجماهير.

" 3- الغاء كافة الاجهزة الاستثنائية مثل نيابة امن الدولة ومباحث امن الدولة.

" 4- تحسين وسائل المعيشة وجعل الحد الادنى للاجور 30 جنيها.

" 5- حق الجماهير في اتباع جميع وسائل الامتناع والتظاهر والاضراب.

" 6- الغاء جميع البدلات لكبار موظفى الدولة.

" 7- رفض السياسة الحالية التي ترمي لرفع الدعم وتشريد القوى العاملة.

" 8- رفض الانفتاح الاقتصادي .

" 9- رفض اتفاقية الفصل .

" 15- رفض تواجد اجهزة الانذار والتجسس الامريكى بسيناء .

" 11- رفض قرار مجلس الامن رقم 242.

" 12- حق اقامة فصائل المقاومة والعمل بمصر وحق الشباب العربى في التطوع بها.

" اتجهت المسيرة بعد ذلك الى ميدان التحرير حيث لف المشتركون بها حول الميدان اكثر من مرة مرددين الهتافات العدوانية مركزين على عمال النقل العام المتواجدين بمواقف الاتوبيس بالميدان ومنها : " يا عمال النقل العام شوفوا اللحمة بقت بكام- يا عمال النقل العام الافراج التام التام- انور بيه يا انور بيه جوز الجزمة بستة جنيه- وذلك في محاولة لتحريض عمال هذا القطاع للمشاركة في التظاهر والاضراب وذلك اصرارا منهم على التصاعد بالموقف. وعندما استشعروا عدم استجابة الجماهير لهم انصرفوا حوالي الخامسة مساء .

وانتهت المذكرة بالقول : " تشير المعلومات ان قيادات هذا التنظيم سوف تعمد الى الاستمرار في تحركها المضاد متبعة اساليب الاثارة والتحريض والعنف . وجاري المتابعة ".

38- في اليوم التالي لتقديم البلاغ والمذكرة المرفقة به، اي يوم 29/ 11/ 76 أصدر الاستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة العليا اذنا بالصيغة التالية : " بعد الاطلاع على المذكرة المرفقة وما تتضمنه من تحريات ومعلومات عن منظمة شيوعية سرية باسم " حزب العمال الشيوعي المصري " واذ تتوفر منها دلائل مقبولة على ارتكاب المتهمين المذكورين بها والمؤشر قرين اسم كل منهم بعلامتنا (v) جريمة انشاء وانضمام لمنظمة شيوعية المؤثمة بالمادة 98 أ من قانون العقوبات مما يسوغ قانونا مراقبة وتسجيل محادثاتهم وكذا مراقبة مراسلاتهم البريدية والبرقية لفائدة ذلك في ظهور الحقيقة . لذلك نأذن لاي من السادة ضباط مباحث امن الدولة بمراقبة وتسجيل المحادثات الشفوية والتليفونية للمتهمين المذكورين المتصلة بالجريمة وضبط ما يرى ضبطه من مراسلاتهم البريدية وما شاكل من برقياتهم لدى مكاتب البريد والبرق في حالة تعلقها بالجريمة آنفة البيان على ان يتم ذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ تحرير هذا الاذن مع تحرير محضر اجراءات وعرضه ".

39- قبل نهاية الشهر باربعة ايام اي في يوم 25/12/76 تقدم مساعد وزير الداخلية لمباحث امن الدولة الى الاستاذ رئيس نيابة امن الدولة العليا ببلاغ جديد يشير في مقدمته الى الاذن بالمراقبة السابق صدوره في 29/ 11/ 1976 ويقول فيه :

" نرفق لسيادتكم رفق هذا ما اسفرت عنه المتابعة حتى الان : امكن الحصول على (1) منشور بعنوان " ماذا يجب ان يكون موقف الوطنيين من احتلال الوطن " بتوقيع اسرة مصر واسرة الشهيد عبد المجيد مرسي وهو محرر بخط اليد ومطبوع بالرونيو وقد تم توزيعه خلال المسيرة التي خرجت من جامعة القاهرة يوم 25/ 11/ 76 وقادها بعض قيادات هذا الحزب (2) منشور بعنوان " العالم كله من صنع ايدينا والعالم كله يجب ان يعد ملكا لنا " بتوقيع اسرة الشهيد عبد الحميد مرسي (كلية) زراعة القاهرة واسرة مصر (كلية) اداب القاهرة وهو محرر بخط اليد ومطبوع بالرونيو وقد تم توزيعه خلال الاسبوع الذي اقامه اتحاد طلبة القاهرة تحت عنوان " الجامعة والمجتمع " في الفترة من 20/ الى 27/ 11/ 76 . صورة منشور معنون " يا جماهير الدرب الاحمر " بتوقيع لجان الوعى الانتخابى بالدرب الاحمر يدافع عن واقعة ضبط محمود حسن الشاذلي احد قيادات حزب العمال الشيوعى المصري ويهاجم السلطة. وهو محرر بخط اليد ومطبوع بالرونيو وتم توزيعه ابان انتخابات مجلس الشعب الاخيرة . وباجراء المضاهاة الفنية المبدئية على خطوط المشتبه فيهم تبين ان محرر المنشورات الثلاثة هو محمد فريد سعد عبد القوي زهران الطالب بكلية الزراعة واحد قيادات هذا الحزب .

" كما نرسل لسيادتكم عدد (5) خمس صور فوتوغرافية من حجم الكارت بوستال تضم بعض قيادات حزب العمال الشيوعى المصري اثناء قيادتهم للمسيرة الطلابية التي خرجت من جامعة القاهرة يوم 25/ 11/1976 برجاء النظر والاذن باستمرار تنفيذ المتابعة.

40- في اليوم ذاته اذن رئيس نيابة امن الدولة العليا بامتداد مفعول الاذن السابق بالمراقبة بذات شروطه واوضاعه لفترة اخرى مقدارها ثلاثون يوما تبدأ من يوم القرار (25/ 12/76) وذلك بالنسبة الى المتهمين السابق الاذن بهم مضافا اليهم محمد فريد سعد عبد القوي زهران . واستند رئيس النيابة الى ان ماتقدمت به مباحث امن الدولة يتضح منه : " استمرار النشاط السري موضوع الاذن السابق ".

وبقي الامر عند هذا الحد الى ان وقعت احداث 18 و 19 يناير 1977.

حملة التصفية:

41- واخيرا جاءت الفرصة ووقعت احداث 18 و 19 يناير 1977 فبدأت مباحث امن الدولة حملة تصفية حساباتها القديمة مع المعارضة لم تنتظر حتى نهاية الاحداث، بل بدأت حملتها فور وقوعها واستمرت خلالها .

ففي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل 18- 19/ 1/77 حرر العقيد منير محيسن بادارة مباحث امن الدولة بلاغا قال فيه " بالنسبة لاحداث الشغب والمظاهرات التى حدثت بالمدينة منذ صباح امس 18 الجاري فقد ثبت من التحريات والمعلومات التى توفرت لدى الفرع ( فرع ادارة مباحث امن الدولة بالقاهرة) ان المتزعمين والمحركين لتلك الاحداث من العناصر الماركسية ومدعي الناصرية.. وهم ... ثم اورد 44 اسما وبيان وظائفهم وعناوين منازلهم . ولما كان ذاك بلاغا الى نيابة امن الدولة وكان " العقيد منيرمحيسن في عجلة من امره فقد اثبت في نهاية البلاغ : " في الساعة الثالثة وخمس واربعين دقيقة صباح 19/ 1/ 77 اتصلنا بالاستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة تليفونيا وتلونا على سيادته هذا المحضر وما تضمن من اسماء المطلوب ضبطهم وتفتيشهم فافاد بانه اصدر اذنا كتابيا بذلك في تاريخه وساعة هذا الاتصال واملانا تليفونيا مضمون هذا الاذن لسرعة تنفيذه لدواعي الاستعجال التى تقتضيها حالة الامن على ان يرسل الينا فيما بعد الاصل المكتوب لهذا الاذن- توقيع : منيرمحيسن ".

وهكذا تم القبض بامر " تليفوني " على 44 مواطنا كما قبض على ثلاثة اخرين لم ترد اسماؤهم في القائمة.

42- وفي الاسكندرية ابلغت مباحث امن الدولة يوم 18/ 1/ 77 ضد من اسمتهم " مجموعة من ذوي الميول الشيوعية ومدعي الناصرية "، واسندت اليهم تزعم وتحريك المظاهرات فاصدر الاستاذ رئيس نيابة استئناف الاسكندرية في اليوم التالي اذنا بالقبض على ستة واربعين مواطنا .

43- وفي القاهرة حررت مباحث امن الدولة الساعة الثالثة الا ربعا فجر يوم 19 يناير 1977 بلاغا الى نيابة امن الدولة قالت فيه : " بالنسبة الى اذن النيابة الصادر بتاريخ 29/ 11/ 76 على مذكرتنا المرفقة بشأن المعلومات المتوفرة عن نشاط بعض " عناصر حزب العمال الشيوعى " والمحدد بتاريخ 25/ 12/ 1976 فقد اسفرت التحريات عما يلى : يتكون هيكل الحزب من لجنة مركزية تضم كافة الذين يصنعون سياساته ويحددون مواقفه من القضايا والسلطة ويصدرون التكليفات لعناصره.. ولجان قيادته تضم عناصر الحزب وتقود العمل بالمحافظات المختلفة.. ويصدر هذا الحزب نشرة تنظيمية باسم " شيوعى مصري " ونشرتين جماهيريتين باسم "الانتفاض" و" طريق الكادحين " وطلبت الاذن بضبط وتفتيش ستين مواطنا.

وفي الساعة الرابعة صباح 19/ 1/ 77 اصدر الاستاذ رئيس نيابة امن الدولة اذنا بالقبض عليهم جميعا واستند الى ما قاله من انه : " تقوم من التحريات والاوراق دلائل مقبولة على ارتكاب الاشخاص المتضمنين بطلب الاذن والسابق الاشارة اليهم جريمة انشاء والانضمام لمنظمة شيوعية المؤثمة بالمادة 198أ عقوبات .

44- وفي يوم 20/ 1/77 الساعة السادسة مساء حرر العقيد على حسن محمد بادارة مباحث امن الدولة بلاغا الى نيابة امن الدولة قال فيه : " بالنسبة لاحداث الشغب التى تمت بمدينة القاهرة منذ صباح يوم 18 الجاري فقد تبين من التحريات والمعلومات ان المذكورين بعد وهم من عمال شركة حلوان للغزل والنسيج ومن المعروفين بميولهم الماركسية من المتزعمين و المحركين لتلك الاحداث التى وقعت يومي 18 و 19 الجاري بمنطقة حلوان وطلب الاذن بالقبض عليهم فاصدر الاستاذ عدلي حسين رئيس نيابة امن الدولة في الساعة الحادية عشرة مساء يوم 20/ 1/77 الاذن بالقبض على اساس ما ذكره من انه : " تبين ان المتهمين الوارد ذكرهم بهذا المحضر وعددهم خمسة وعشرون متهما حرضوا على التجمهر وافعال التخريب التي وقعت اخيرا وقد قامت دلائل كافية على ارتكابهم هذه الجرائم بما ورد بهذا المحضر ولذا فانه يسوغ قانونا الاذن بضبطهم وتفتيش مساكنهم ". وقبض فعلا على 25 مواطنا.

45- بعد نصف ساعة اي في الساعة السادسة والنصف مساء يوم 20/ 1/ 77 حرر الرائد محمد اسامة مازن من مباحث امن الدولة فرع القاهرة بلاغا قال فيه : " بالنسبة لاحداث الشغب والمظاهرات التي حدثت يومى 18 و 19 الجاري فقد تبين انه من المتزعمين والمحركين لتلك الاحداث من العناصر الماركسية والمشاغبين بالمصانع الفرعية التابعة لشركة " مصر- حلوان " للغزل والنسيج وكانوا يحرضون على التوقف عن العمل والاضراب يومي 18 و 19 الجاري "واورد اربعة أسماء ". ثم اضاف : " كما ان تلك العناصرحرضت عمال مصنع الوايلى التابع لشركة " مصرحلوان " للخروج في مظاهرة يوم 19 الجاري واتجهت الى مصنع " سوجات " التابع لشركة " القاهرة للملبوسات والتريكو " المجاور لهم حيث قاموا بقذف المصنع المشار اليه بالطوب لاجبار عماله على الخروج بمظاهرة وقد ساهم في التحريض على مغادرة عمال مصنع "سوجات " لمصنعهم كل من العناصر الماركسية والمشاغبين الاتين : " واورد ثلاثة اسماء "، وطلب الاذن بالقبض عليهم جميعا . فاصدر الاستاذ عدلي حسين رئيس نيابة امن الدولة في الساعة الحادية عشرة مساء ايضا (الا خمسة دقائق!!) اذنا بالقبض عليهم واستند الى ان البلاغ " يتبين منه ان الاشخاص السبعة الوارد ذكرهم بهذا المحضرحرضوا على التجمهر والتظاهر الذي وقع اخيرا بمدينة القاهرة وقد قامت دلائل كافية على ارتكابهم لهذه الجرائم بما جاء بهذا المحضر ومن ثم فانه يسوغ قانونا ضبطهم وتفتيش مساكنهم " وقبض على سبعة مواطنين .

القبض بالجملة

46- لم تكن تلك البلاغات المجزأة إلا فواتح شهية ومقدمات او فلنقل "مناوشات " تمهيدا للحملة الرئيسية التى كان لا بد لها من وقت ولو قليل . وقد جاءت هذه الحملة في يوم 21/1/1977 اذ قدمت مباحث امن الدولة في ذاك اليوم الى نيابة امن الدولة مذكرة شاملة بعنوان : " المخطط الشيوعى ومسؤوليته عن احداث الشغب الاخيرة " قالت فيها :

" اكدت حوادث الشغب الاخيرة التي قادتها العناصر الشيوعية في حملة من التخريب المنظم تستهدف تفجير الجبهة الداخلية واحداث ثورة شعبية ما سبق ان كشفت عنه متابعة النشاط الشيوعي الذي يقوده اربعة تنظيمات سرية : الحزب الشيوعي المصري- التيار الثوري- حزب العمال الشيوعى- حزب 8 يناير، تلتقى جميعا حول هدف استراتيجي محدد تركز جهودها من اجل الوصول اليه وهو الاطاحة بالنظام القائم وتغيير المجتمع تغييرا جذريا وفرض النظام الشيوعي. ولجأت هذه التنظيمات الى اسلوب تكتيكي مرحلى خاصة في الفترة الاخيرة عن طريق التحرك الدؤوب والتصاعد بنشاطها لتحقيق نوع من التواجد المؤثر لها والانتشار داخل القطاعات الجماهيرية المؤثرة خاصة قطاعي الطلبة والعمال لايجاد ركائز داخلها من منطلق قناعتها بان اي نجاح لها في تحريكها سيمثل بالضرورة فرصتها المنشودة لاستغلاله في تفجير الجبهة الداخلية. وفي هذا السبيل اتبعت اساليب الاثارة والتحريض عن طريق تجسيم المشاكل الجماهيرية وتبني المطالب الفئوية والمهنية مستغلة ضغوط المشكلة المعيشية لاستعداء الجماهيرضد النظام وطرحت حلولا لا يمكن الاخذ بها في ظل الظروف الاقتصادية الدقيقة التي تمر بها البلاد بهدف الظهور بمظهر الحرص على مصلحتها ولتأكيد عجز النظام عن الوفاء بالمطالب الاساسية للجماهيرلافقادها الثقة فيه وصولا بها الى مرحلة من السخط والغليان الشعبي ، وفي نفس الوقت تحريض الجماهير لانتهاج الاساليب الضاغطة لتحقيق هذه المطالب واجبار السلطة على الاستجابة لها، ولذا لجأت الى رفع شعار المطالبة بحق الاضراب والتظاهر والاعتصام لتستغل اي موقف طارىء في خدمة اهدافها وتفجير الثورة الشعبية لتفرض الواقع السياسي الذي تنشده.. ".

واضافت المذكرة : " في ضوء ما تقدم يتكشف ويتأكد الدور القيادي للعناصر الشيوعية في تهيئة المناخ الجماهيري للانفجار واستثمار المعاناة الجماهيرية لتتحول من مرحلة من مراحل الغليان الشعبى في اللحظة الحرجة التي كانت تتربص لها. وقد وجدت هذه العناصر فرصتها المواتية على اثر صدور القرارات الاقتصادية الاخيرة فاسرعت مباشرة الى استغلالها وتفجير الموقف استشعارا منها بان التجاوب الجماهيري مع حركتها المضادة يصل الى مداه واضعة في اعتبارها ان من الظواهر الحتمية التي تقترن بجميع المظاهرات مشاركة الغوغاء فيها بما يحقق لها سرعة الانتشار والاتجاه الى التخريب بما يضمن تداعى الموقف وصولا الى اشعال جذور الثورة الشعبية ضد النظام..

واستطردت المذكرة تقول : " وقد تبدو احداث 18 و 19 يناير الجاري بالنظرة العفوية انها انعكاس جماهيري عفوي نتيجة رفض شعبى للقرارات الاقتصادية ولكنه في حقيقة الامر استثمار فعلى لعناصرالحركة الشيوعية المحلية لنجاح حركتها السابقة في الاصرار على تفجير الموقف والتصاعد به.

47- وقدمت مباحث امن الدولة بلاغا مع المذكرة يتضمن اربعة كشوف بعناصر التنظيمات الشيوعية السرية التي اشارت اليها المذكرة تحتوي على اسماء 318 مواطنا وطلبت الاذن بضبطهم وتفتيشهم وتفتيش محال اقامتهم ومن يتواجد معهم . فاصدر الاستاذ مصطفى طاهر رئيس نيابة امن الدولة في اليوم ذاته الساعة الثالثة والنصف مساء امرا بالقبض عليهم جميعا واستند الى ان المذكرة قد تضمنت " دلائل كافية على ارتكاب كافة الاشخاص الواردة اسماؤهم بالكشوف.. جريمة انشاء وانضمام لمنظمة شيوعية سرية المؤثمة بالمادة 98 أ عقوبات ".

المطاردة :

48- ولان احداث 18 و 19 يناير 1977 لم تكن الا ذريعة اتخذتها مباحث امن الدولة لتصفية القوى السياسية المعارضة فان حملة التصفية لم تتوقف بتوقف الاحداث بل استمرت بعدها واخذت شكل مطاردة الافراد في منازلهم وفي معاهدهم وفي الطرقات وفي الاقاليم وقد تمت تلك المطاردات في ظل قانون جديد!! فقد رأى رئيس الدولة ان يصوغ هو نفسه قانونا وان يطرحه على الاستفتاء الشعبى، بالرغم من قيام مجلس الشعب وانعقاده ، وان يكون من بين احكام ذاك القانون " الفريد " رفع العقوبة على التجمهر والمظاهرات من الحبس الذي لا يتجاوز ثلاثة اشهر طبقا للقانون 10 لسنة 1914 (الذي وضعه الانجليز لحماية الاحتلال) الى الاشغال الشاقة المؤبدة وهى ذات العقوبة المقررة للخيانة العظمى .. ولقد صدر القانون برقم 2 لسنة 1977 واطلق عليه اسم " قانون حماية امن الوطن "..

49- واسفرت المطاردة عن اوامر قبض على 45 مواطنا في الفترة ما بين 20 يناير 1977 و 21 ابريل 1977.

50- وهكذا بلغت اوامر القبض على المواطنين التى اصدرتها نيابة امن الدولة بناء على طلب ادارة مباحث امن الدولة بسبب ما قيل انه " نشاط سياسي مناهض 815 (ثمانمائة وخمسة عشر) امرا في الفترة من اواخر 1973 حتى منتصف 1977 : كان نصيب بعض المواطنين فيها اكثر من امر واحد. لا يدخل في هذا العدد الاف المواطنين الذين قبض عليهم فيما سمى " قضايا الشغب ". على اي حال فقد تولت نيابة امن الدولة على مدى اربع سنوات تحقيق ومتابعة تحقيق كل ما خطر لمباحث امن الدولة ان تنسبه في بلاغاتها الى المتهمين من نشاط سياسي مناهض . وانتهى الامر- بعد كل ذاك العناء عناء النيابة في التحقيق وعناء المتهمين في السجون وعناء الاسر التى روعتها اوامر القبض ، انتهى الى ان نيابة امن الدولة لم تجد ان اوامرها السابقة بالقبض على الناس كانت قائمة على " ادلة كافية " للاتهام - مجرد الاتهام الذي يسمح بالاحالة الى المحكمة - الا بالنسبة الى 176 مواطنا فقط ، هم المتهمون الماثلون الان امام هذه المحكمة.

3

الاتهام

امر الاحالة :

51- ففي يوم 31 مايو 1977 أصدر الاستاذ النائب العام " امر احالة " قال فيه: " بعد الاطلاع على القضية وما تم فيها من تحقيقات نتهم :

(1) محمد عزت عامر (2) محمود حسن الشاذلي (3) طلعت معاذ رميح (4) محمد فريد سعد زهران (5) كمال خليل خليل (6) اميرحمدي سالم (7) احمد بهاء الدين شعبان (8) احمد مصطفى اسماعيل (9) يحى مبروك شرباش (10) سيد احمد حفني (11) مصطفى علي الخولي (12) نادية محمود محمد شكري (13) محمد محمد محمد فتيح (14) عبد الحكيم تيمور الملواني (15) محمد هشام عبد الفتاح ابراهيم (16) خالد عبد الفتاح ابراهيم (17) احمد محمد صديق (18) فاروق ابراهيم حجاج (19) محمد شهاب الدين سعد حسن (20) شهرت محمود امين العالم (21) احمد عبد اللطيف حمدي عبد اللطيف (22) رائدة عبد الغفار البعثي (23) نجوى عبد الغفار البعثي (24) شوقية الكردي نصر شاهين (25) فاتن السيد عفيفي (26) رزق اللة بولس رزق الله (27) محمد الطيب احمد علي (28) ماجدة محمد علي (29) عمر محمود عبد المحسن خليل (30) سميحه احمد احمد الكفراوي (31) محمود مدحت محمد علي (32) أسامة خليل خليل (33) اكرام يوسف خليل (34) محمد نديم صادق دراج (35) مسعد السيد صالح الطرابيلي (36) ثناء الله محمود محمد (37) محمد حفني عبد الرحمن السمان (38) السيد مصطفى فرج مصطفى (39) محمد رفيق الكردي نصرشاهين (40) محمد ابو المكارم احمد طه (41) صبري رزق علي سكرانة (42) مجيد رزق على سكرانة (43) عاطف محمد عبد الجواد (44) محمد حسن محمد نبوان (45) محسن محمد عبد الحميد ابو سمرة (46) شوقي الكردي محمد نصرشاهين (47) محمد كمال محمد عبد الفتاح شعيب (48) قنديل محمد يوسف منصور الشاذلي (49) محمد عيسى غانم (50) صلاح الدين يوسف عبد الحافظ (51) طارق محمد ابراهيم (52) عماد حسن صيام (53) احمد زكي احمد محمد (54) رحمة محمد رفعت محمود (55) عدلى محمد احمد عليوه (56) ابراهيم عطية الباز (57) لطفي عزمي مصطفى (58) رمضان صالح احمد السيد (59) محمد احمد ابراهيم الخطيب (60) حمدي عبد الفتاح مبروك (61) رضوان مصطفى رضوان الكاشب (62) محمد عواد شفيق احمد (63) محب ميشيل يوسف عبود (64) احمد محمد محمد فتيح (65) ممدوح عتريس عطية رضوان (66) محمود سيد البيطار (67) سمير يوسف غطاس (68) عطية السيد عياد (69) حسني محمد محمد عبد الرحيم (70) محمود محمد محمد رجال (71) محمد خالد عبد الحميد مندور (72) سلوى ميلا يعقوب (73) احمد نصرالدين احمد ابو بكر (74) محمد فكري عبد الظاهر منصور الامبابي (75) السيد السيد الدماطي (76) رجب محمود جمعة (77) محمد خالد ابراهيم جويلي (78) منصور عطية رمضان (79) محمد حسن خليل (80) محمد بهائي محمد الميرغني (81) خالد محمد السيد الفيشاوي .

و: (82) خليفة شاهين خليفة (83) جمعة راشد جمعة

و: (84) محمد عوض خميس عوض (85) زكي مراد ابراهيم (86) محمود محمد توفيق (87) مبارك عبده فضل حجي (88) سيف الدين محمد صادق (89) محمد علي عامر الزهار (90) عبد القادر احمد شهيب (91) رشدي ابو الحسن محمد (92) معتز محمود زكي الحفناوي (93) محمد الهاني محمد الحسيني (94) ماهر علي بيومي (95) عبد المنعم عبد الحليم ابو النصر (96) فاروق عبد الحميد عبد الموجود (97) ابراهيم متولى نوار (98) نادر عبد الوهاب احمد عناني (99) محمد سيف الدين احمد عبد الكريم (100) جميل اسماعيل حقي سالم (101) مجدي طه فتح الله شربيه ( 102 ) محمد ابراهيم عويس (103) محمد محمد عطا العفيفي (104) عريان نصيف ناشد (105) جابر عبد العزيز ندا (106) شبل السيد سالم (107) عبد الله السيد هاشم المغربي (108) بهنسي ابراهيم عبده الشهاوي (109) محمد عبد الله محمد زهران (110) ماهر سمعان اسحق غبريال (111) زهدي ابراهيم العدوي (112) حسن علي ابو الخير (113) سمير عبد الباقي عوض (114) سيد عبد العظيم حسن (115) محمد محمودالبرمبالي (116) فاروق علي ناصف (117) عادل محمد الجردوح (118) قطب حمزة قطب (119) فاروق احمد رضوان (120) فاروق علي ثابت (121) نصيف حنا ايوب (122) محمد احمد عيد الشهير بحمدي عيد.

و : (123) محمد محمد فتحي عبد الجواد (124) محمد كمال عواد (125) علي عبدالزاق حسن سليم (126) عبد الرازق محمد السيد الشربتلي (127) جلال محمد السيد خليل (128) حامد السيد رمضان (129) حسن بركات سيد رزق (130) صلاح محمد محمد يونس (131) موسى زكريا موسى (132) محمد سيد علي سعد (133) عبد المنعم علي حنفي (134) قدري محمد على (135) الفونس مليكة ميخائيل (136) محمد محمد ادريس (137) احمد فهيم ابراهيم الرفاعي (138) عبد السلام السيد محمود عامر (139) عبد الحليم ابراهيم عبد الدائم (140) صلاح الدين حنفي رضمان (141) صلاح محمد عبد القادر (142) رفاعي محمود رفاعي (143) احمد رضوان احمد (144) رجب محمود الرفاعي (145) عبد الصبور عبد المنعم احمد (146) ابراهيم ابراهيم احمد هلال (147) غريب نصر الدين عبد المقصود (148) مجدي عبد الحميد فرج بلال (149) حسين محمد حسين عبد الرازق (150) حمزة مصطفى حسن العدوي (151) رفعت بيومي محمد على (152) محمد شريف احمد مراد (153) احمد عثمان عبد اللطيف (154) ابو المعاطي سليمان السندوبي (155) زين العابدين فؤاد عبد الوهاب (156) عزت عبد المجيد صبره (157) صلاح السيد متولي عيسى (158) احمد فؤاد نجم( 159) حمدي ياسين علي عكاشة (160) حسين محمد محمود معلوم (161) سيد عبد الغنى عبد المطلب عبد الحق (162) احمد عبد الرحمن الجمال (163) احمد مبروك محمد حسن (164) محمد محمود جاد النمر (165) عبد الرحيم رياض الكريبي (166) وجيه يوسف الشربتلى (167) ماهر سيد بدوي (168) عمروعباس حلمى حسن (169) ايمان عطية محمد (170) امال حسين حافظ جامع (171) محمود محمد مرتضى (172) حسين عبد الستار سيد احمد شاهين (173) مصطفى محمد مصطفى الخطيب (174) عبد الخالق فاروق حسن محمد (175) مجدي تاج الدين خطاب (176) عفيف فؤاد صليب .

الوصف:

52- وتلى الاسماء " وصف التهم الذي نسبها اليهم . فقال :

بأنهم في غضون الفترة من اواخر سنة 1973 حتى منتصف شهر مايو سنة 1977 بجمهورية مصر العربية :

اولا: المتهمون من الاول حتى الحادي والثمانين :

انشأوا منظمة ترمى الى قلب النظم الاساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة والهيئة الاجتماعية باستعمال القوة والارهاب والوسائل الاخرى غير المشروعة بان شكلوا منظمة شيوعية سرية باسم " حزب العمال الشيوعي المصري " تروّج لهدم النظام السياسي المقرر والانظمة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في البلاد عن طريق دعوة الجماهير بواسطة النشرات السرية وغيرها من اساليب الدعاية المثيرة الى القيام بثورة شعبية للاطاحة بالسلطة الشرعية وفرض النظام الشيوعى بالقوة والعنف ، وحاولوا- عن طريق منظمتهم- قلب دستور الدولة وتغييرشكل الحكومة فيها بالقوة .

بان دبرت وشاركت عناصرهم- في اطار تنفيذ المخططات الهدامة لحزبهم- في التجمهر وقيام المظاهرات والاضطرابات على نطاق شامل خلال يومي 18 و 19 يناير سنة 1977 باثارتها جماهير الدهماء بالهتافات والنشرات وغيرها من الوان الدعاية المغرضة ودفعها الى ارتكاب جرائم التظاهر والتخريب ومقاومة السلطة وسواها من الجرائم الجسيمة التى وقعت خلال هذين اليومين وانتظمتها تحقيقات النيابة العامة المشار اليها بالاوراق ، مستهدفين من ذلك اشعال ثورة شعبية تقضي على نظام الحكم القائم وتفرض الشيوعية بالعنف والارهاب، وخاب اثر محاولتهم نتيجة احباطها بما تم اتخاذه من تدابير الامن والنظام .

ثانيا: المتهمان الثاني والثمانون والثالث والثمانون:

اتصلا بمنظمة حزب العمال الشيوعي المصري لاغراض غير مشروعة وبهدف التشجيع والمعاونة بان اجريا اتصالات منتظمة ببعض عناصره لتبادل نشراته ومطبوعاته السرية مع عدد من منظمات الرفض العربية الاخرى ، كما امدا هذه العناصر بمبالغ مالية بقصد دعم نشاط الحزب في البلاد.

ثالثا: المتهم الرابع والثمانون:

اتصل اتصالا غيرمشروع بمنظمة حزب العمال الشيوعي المصري بقصد التشجيع والمعاونة، بان آوى عددا من عناصره الصادر بشأنهم اوامر بالضبط والتفتيش بقصد تمكينهم من الهرب ومواصلة نشاطهم التنظيمي في خدمة اهداف الحزب.

رابعا: المتهمون من الخامس والثمانين حتى الثاني والعشرين بعد المائة:

انشأوا منظمة ترمي الى قلب النظم الاساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة والهيئة الاجتماعية وكان استعمال القوة والوسائل غير المشروعة ملحوظا في ذلك بان شكلوا منظمة شيوعية باسم " الحزب الشيوعى المصري " تسعى الى القضاء على الانظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية القائمة عن طريق مناهضة السلطة الشرعية والدعوة لاقامة تحالفات معادية لمجابهتها، وتأليب الجماهير ضدها بالنشرات السرية وغيرها من وسائل التشهير والدعاية التي تشتمل على تحبيذ الاضراب والتظاهر بهدف تغيير السلطة بهذه الوسائل غير المشروعة وتحقيق النظام الشيوعي .

خامسا: المتهمون من الاول حتى الثاني والعشرين بعد المائة عدا المتهمين من الثاني والثمانين للرابع والثمانين ايضا :

روجوا لتغيير مبادىء الدستور الاساسية وهدم النظم الاساسية الاجتماعية والاقتصادية للهيئة الاجتماعية باستعمال القوة والعنف والوسائل الاخرى غير المشروعة، بان انضموا لمنظمتي حزب العمال الشيوعي المصري والحزب الشيوعى المصري ، سالفتى الذكر واللتين تروجان بوسائل الدعاية والاثارة لما تقدم سعيا في فرض النظام الشيوعي .

وحاز بعضهم نشرات ومطبوعات ومحررات اخرى صادرة عن هاتين المنظمتين تتضمن التحبيذ والدعاية لمبادئهما واهدافهما بقصد ترويجها وتوزيعها بين افراد الجمهور.

سادسا: المتهمون من الثالث والعشرين بعد المائة حتى المتهم الاخير :

اذاعوا عمدا بيانات وشائعات كاذبة ومغرضة وبثوا دعايات مثيرة ضد نظام الحكم القائم وحرضوا علانية على كراهيته والازدراء به عن طريق اصدار مجلات الحائط ووضع الملصقات وتوزيع النشرات وبواسطة الخطابة والقاء الاشعار في الاجتماعات والندوات العامة وبترديد الهتافات والشعارات المناهضة في المسيرات والمظاهرات والتجمعات الشعبية وذلك بهدف التشهير بالسلطة الشرعيه والتنديد بمختلف سياساتها والطعن في قدرتها على الاضطلاع بمسؤولياتها على نحو من شأنه اثارة البغضاء ضد النظام القائم وتكدير السلم العام .

وحاز بعضهم محررات ومطبوعات معدة للترويج والتوزيع على افراد الجمهور تشتمل على التحريض والاثارة سالفى الذكر، وكان ذلك في زمن الحرب .

سابعا: المتهمون من التاسع عشر بعد المائة حتى السابع والخمسين بعد المائة ايضا :

ارتكبوا جريمة محاولة قلب نظام الحكم المقرر في البلاد بالقوة وما نشأ عنها من جنايات مما هو مثار اليه بالتهمة الاولى بان انضموا الى غيرهم من العناصر الشيوعية سالفة الذكر في احداث الاضطرابات والقلاقل يومي 18 و 19 يناير سنة 1977 بمساهمتهم في تدبير وقيادة مظاهرات ومسيرات معادية تألفت خلال هذين اليومين قاصدين من ذلك اشعال فتنة عامة تفضي الى اندلاع ثورة شعبية للاطاحة بالسلطة الشرعية واحبطت محاولتهم نتيجة تصدي السلطات لها .

ثامنا: المتهمون من الحادي والعشرين حتى التاسع والعشرين، ومن السابع والستين بعد المائة حتى المتهم الاخير:

في خلال الفترة اللاحقة على نفاذ احكام القانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن حماية امن الوطن : دبروا وشجعوا وشاركوا في تجمهر يؤدي الى اثارة الجماهـير بدعوتهم الى تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح بهدف التأثير على ممارسة السلطات الدستورية ومعاهد العلم لاعمالها باستعمال القوة والتهديد باستعمالها وذلك ببث الدعايات المثيرة وترديد الشعارات والهتافات العدائية وترويج بعضهم لنشرات سرية بقصد حمل الجماهير على التجمهر والتظاهر ضد السلطات بالقوة والعنف مستهدفين تجدد اعمال الفوضى والارهاب وتعطيل الدراسة بالقوة وشارك بعضهم في مظاهرات ومسيرات تألفت لهذا الغرض .

القيد:

53- وبعد الوصف جاء القيد بالصيغة الاتية :

" بناء عليه ، يكون المتهمون جميعا قد ارتكبوا الجنايات والجنح المعاقب عليها بمقتضى المواد 39 و 40 و 41 و87 /1 98/ أ و 98/ ب و 98 ب مكرر و 98 د و 98 هـ ، و 102 مكرراً و 171 و 174 من قانون العقوبات . والقانون رقم 2 لسنة 1977 ، بشأن حماية امن الوطن و 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر و 1914 لسنة 1923 بشأن المظاهرات بالطرق العامة ".

وامر باحالة الدعوى الى محكمة امن الدولة العليا بدائرة محكمة استئناف القاهرة لمعاقبة المتهمين طبقا لنصوص مواد الاتهام وارفق بامر الاحالة قائمة بشهود الاثبات وفحوى شهادتهم وملاحظات النيابة العامة على الدعوى وقد تضمنت قائمة الشهود سبعين شاهدا من بينهم 16 من ضباط مباحث امن الدولة.

بدء المحاكمة:

54 - وقد بدأت المحاكمة يوم اول ابريل 1978 . وفي جلسة 18 ديسمبر 1978 دفع الدفاع بعدم دستورية التعديل الذي ادخل على المادة 102 مكررا من قانون العقوبات بمقتضى القرار بقانون رقم 34 لسنة 1970 وبعدم دستورية القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977 وببطلان الاجراءات التى اتخذت في القضية رقم 10 لسنة 1975 المضمومة والمؤسس عليها الاتهام بالنسبة الى المتهمين من 85 الى 122 وذلك لعدم نفاذ القانون رقم 100 لسنة 1971 (قانون المخابرات العامة) لعدم نشره في الجريدة الرسمية طبقا لما نص عليه الدستور. وتمت المرافعة من المحامين والنيابة في الدفوع على الوجه الثابت في محاضر الجلسات، وقدمنا مذكرة مكتوبة تأييدا للدفع بعدم دستورية القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977. كما دفع الدفاع ببطلان امر الاحالة، وقررت المحكمة تأجيل الدعوى الى جلسة 25 ديسمبر 1978 للحكم في الدفوع . وفيها اصدرت الحكم الاتى : " حكمت المحكمة اولا : برفض الدفع بعدم دستورية القوانير ارقام 10 لسنة 1967 و 14 لسنة 1970 و 2 لسنة 1977 . ثانيا : بضم الدفع ببطلان التحريات والمتابعة التى قام بها رجال ادارة المخابرات العامة في القضية رقم 10 لسنة 1975 حصر امن دولة عليا ، والدفع ببطلان امر الاحالة الى الموضوع ، ثالثا: تحديد جلسة اول يناير 1979 لنظر الدعوى .

التحقيق النهائى:

55- وابتداء من تلك الجلسة، اخذت المحكمة في تحقيق القضية تحقيقا نهائيا فاستمعت الى من حضر من شهود الاثبات وشهود النفي، وبدأت النيابة مرافعتها بجلسة 20 أكتوبر 1979 وذلك كله على الوجه الثابت في محاضر الجلسات.

ليست هناك تعليقات: