2008/05/11

ماذا لو لم تكن لدى الأمة مقاومة باسلة كالمقاومة العراقية؟


إن ما تعرضت له الأمة العربية من اعتداءات أجنبية قبل العدوان الثلاثيني على العراق وأثناءه في تسعينات القرن الماضي وما تتعرض له حاليا خطير للغاية، ولولا ما قدمه العراقيون من تضحيات جسام وما تقدمه المقاومة العراقية حاليا لمضى المعتدون في العمل على تنفيذ مشروعهم الجهنمي المريض في المنطقة العربية والعالم الإسلامي. والغريب في الأمر أن يغيب عن بال الأنظمة الحاكمة المتسلطة على المنطقة العربية المجاورة للعراق وغير المجاورة له أن هذا الشروع لن يستثنيها في نهاية المطاف. ومع ذالك شاركت بحماس منقطع النظير في التحضير للعدوان الثلاثيني وما تلاه من أشكال العدوان، فهيأت الأراضي وفتحت الممرات البحرية والأجواء للغزاة لتنفيذ مخططاتهم في المنطقة العربية والنيل من النظام الوطني في العراق. ولم تقف عند هذا الحد بل راحت تمول العدوان، وتجيش الجيوش لتكون شريكا في ارتكاب أفدح الجرائم في حق الأمة العربية غير عابئة بتداعيات هذا العمل المخزي على مصيرها نفسه. ووصلت حماقة البعض إلى تعليق النياشين على صدور القتلة وتقديم التعويضات لأسر المجرمين الذين لقوا حتفهم من الأعداء. وراحوا يعملون على تغذية الحقد المرضي على كل ما هو عربي رافض للغزو والغزاة، وكأن العربي ما وجد إلا ليكون عبدا ذليلا للأجنبي. ليس هذا فحسب، بل سولت لهم نفوسهم بأن يوسوسوا لما يسمونهم بالعلماء لإصدار فتوى شرعية تبيح لهم الاستعانة بالعدو الكافر على الأخ المسلم، و تصوروا أنهم بذلك يتمكنون من استغفال المواطن العربي المعروف بتدينه والضحك على ذقنه كما يقال. وجندوا البعض من المثقفين الملطخة ألسنتهم وقدموهم للجمهور على أنهم خبراء في السياسة والاقتصاد والدراسات الاستراتيجية والعسكرية لتبرير ما يرسمونه من سياسات خاطئة وما يرتكبونه من جرائم في حق المواطن العربي البريء. ويحضرنا بهذه المناسبة ما يؤديه موظفو ما يعرف بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية من دور ريادي في هذه المسرحية الفجة. وكثيرا ما نشعر بالتقزز عندما نشاهد على شاشة التلفاز نماذج لهؤلاء وما يشبهم من منظري الانحطاط والسقوط والهزيمة. يجب فضحهم وفضح المروجين لهم.

لقد تفطن الشارع العربي بعفويته من المحيط إلى الخليج إلى ما يراد به من شر منذ مطلع التسعينات وتجاوب مع الشعب العربي في العراق، لكن هؤلاء الذين يظنون أنفسهم حجة في الدراسات الاستراتيجية ظلوا يمارسون التضليل الإعلامي، ويبررون ما لا يمكن تبريره رغم ما تلاحقهم من لعنات. لننتبه إلى أنهم يأخذون مثلا ما تعترف به أمريكا من خسائر بسبب المقاومة العراقية الباسلة على أنه صحيح مائة بالمائة، ويبنون عليه استنتاجاتهم وأحكامهم الخاطئة. والواقع، أنهم لا يفهمون لا في السياسة ولا في الاقتصاد و لا في الدراسات الاستراتيجية، ولو كانوا يفقهون شيئا لما سمع بهم أحد. كيف يدرك المواطن العربي البسيط خطورة الوضع ويتوقع ما يمكن أن يترتب عن العدوان على العراق من انعكاسات خطيرة على مستقبل الأمة، ويعجزون هم المتفرغون للتفكير في مصيره وفيما يمكن أن يحل من نكبات؟ فإذا كان لا يوجد لدينا الخبير القادر على توقع ما يظهر من تحديات ورسم ضروب الاسترتيجيات المناسبة لكل حالة على حدة للتعامل معها في الوقت المناسب، فكيف لنا أن نحضر أنفسنا لمستقبل مليء بالمفاجآت؟ إن لدى ما يقال لها حكومات عربية جيشا من مرتزقة القلم يتكلمون بلسانها مبررين ما لا يمكن تبريره، ويلبسون لباس الخبير في أوقات بعينها ويلوون ألسنتهم بكلمات محنطة ظنا منهم أنها تضلل المواطن العربي. وظهر في الآونة الأخيرة نوع آخر من الخبراء يقال عنهم عسكريون على شاكلة المدعو محمد بلال الذي شارك في العدوان الثلاثيني على العراق، ونعجب أنه كيف لا يخجل من السير في الشارع أمام الشعب العربي، والغريب في الأمر أن تصل به الوقاحة إلى درجة التجرؤ على الظهور على شاشة التلفاز عدة مرات وكأنه خبير عسكري من الطراز الأول. ولو كان له ضمير لا نتحر من زمان.

وإذا كان الوضع على ما ذكرنا فما على المواطنين العرب بما فيهم المثقفون الشرفاء أن يفكروا جميعا فيما هم مقبلون عليه بجدية، ويشمروا على السواعد، وألا ينتظروا الخير من النظام الرسمي العربي لأن وظيفته معروفة وهو تأبيد التجزئة والتخلف والتبعية للأجنبي وإهدار ثروات الأمة فيما لا يعود عليها بالنفع، وخير مثال على ذلك ما تزخر به بنوك الأعداء من ثروات خيالية مهربة من بلادنا في حين يتضور أبناؤنا جوعا حتى في أغنى أراضينا البترولية. ومعنى ذلك أن نعمل الفكر في الكيفية التي نتصدى بها للمشروع الاستعماري وإفرازاته في المنطقة، لأنه لم يعد هناك متسع من الوقت للتفرج على ما يجري. اللحظة مصيرية وتتطلب مزيدا من الوعي واليقظة ومزيدا من التلاحم والتضامن. إن للمقاومة العربية في العراق وفلسطين الفضل كل الفضل علينا سواء أدركنا ه أم لم ندركه. يجود الرجال والماجدات بدمائهم بكل سخاء في سبيل مستقبل الأمتين العربية والإسلامية. ويجب أن نقدر فيهم تضحيتهم الغالية من أجلنا ومن أجل أبنائنا ومن أجل الإنسانية جمعاء. يجب علينا أن نشعر بالخجل، ونحن نقف مكتوفي الأيدي، بينما يتقاطر علينا الطامعون من كل حدب، ولا نتحرك لنصرة قضايانا المصيرية. إن تحرير العراق وفلسطين هو مسؤولية جميع العرب وليس العراقيين أو الفلسطينيين وحدهم، ومن الغباء كل الغباء أن يشعر المعتدي البعيد كل البعد أن الرئيس العراقي صدام حسين يهدد مصالح وأمن الولايات المتحدة، ولا يشعر المواطن العربي أن العدوان على العراق واحتلاله يمثل تهديدا لأمنه واستقراره ولكيانه الثقافي والديني ولكل مقومات وجوده، ومن الغباء وقلة الحياء أن نلوذ بالصمت على ما يجري في الوقت الذي يتحرك فيه الخيرون في جميع أرجاء المعمورة انتصارا للحق. ويسير قومنا في الشوارع والأسواق ويتزاحمون على المقاهي و يحثون الخطو نحو الجوامع، وكأنهم أجساد تتحرك بلا روح أو أشباح ضائعة. كيف يضج العالم احتجاجا على ما نتعرض له من إجرام ولا نتحرك نحن! كيف لا نتحرك والجرح جرحنا والدماء دماؤنا!

إننا نشهد المقاومة العربية في العراق تعبر عن حالة متقدمة جدا من الإيمان والوعي والتضحية والذكاء، ونعجب كيف تكون الأمة متأخرة بشكل رهيب عن هذه الحالة المباركة، فهل تمثل فعلا هذه المقاومة العبقرية أمة هذا شأنها أم تمثل أمة غريبة عنا من الأمم الخالدة ؟ إننا لا نجد تفسيرا معقولا للبؤس الحضاري والقيمي الذي تتخبط فيه الأمة. ماذا لو لم تكن لدينا مقاومة في مستوى المقاومة العراقية الباسلة؟

لقد قطعت المقاومة العراقية الباسلة أشواطا إلى الأمام رغم تكالب الأعداء وتآمر المتآمرين وتخاذل المتخاذلين، وعلى المواطن العربي أن ينفض عنه غبار الذل والمهانة، وأن يرفع رأسه عاليا، ويسترجع ثقته بنفسه وبعبقريته ويوظف ما رزقه به الله من عقل للتفكير فيما يمكن له أن يفعله لدعم المقاومة العربية في العراق وفلسطين. فكل واحد منا، غيور على وطنه ومخلص لدينه وأمته قادر على فعل الكثير لدعم المقاومة،إن بالقول أو بالفعل. وأشكال الدعم متنوعة، منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي، فكلاهما مفيد، ولا نتصور أننا نعجز عن الممكن منها. فعلى كل منا أن يقدم ما يقدر عليه من موقعه، فتتعدد أشكال الدعم بتعدد المهن والحرف والوظائف والمواقف والأدوار، فالموظف في إدارة الدولة قادر على فعل ما لا يقدر عليه غيره والتاجر قادر على فعل ما لا يكون قادرا عليه غيره، والشرطي الشهم المؤمن بأمته قادر هو الآخر على تقديم الكثير لأمته من موقعه وبطريقته الخاصة، وبالطبع لا نقصد بهذا الشرطي الذي يجعل من نفسه كلب حراسة مطيع لسادته الذين يحتقرونه ويحتقرون الأمة التي ينتسب إليها.

ونود في هذا الصدد التأكيد على ما يأتي:

أن ننشر أخبار المقاومة العراقية وبياناتها، بين أفراد العائلة والأصدقاء والزملاء، وتعريفهم بها وبمواقع الأنترنت الشريفة التي تزودنا بأدبيات المقاومة وأخبارها وتوجيهاتها ومآثرها و نشر كل ما يمجدها كالخطب والأناشيد والأغاني.

أن نتصدى بعقلانية لما يروجه الإعلام الأجنبي والعربي العميل من أكاذيب وفضح المروجين، والتنبيه إلى أشكال الدس الخبيثة من قبيل تعمد إخفاء هوية ووظيفة ما تبيده المقاومة من خونة، للإيحاء للمتلقي وكأنها تستهدف المواطنين العراقيين الأبرياء. فلقد دأبت كل الثورات في العالم بما فيها الثورة الجزائرية على تصفية المتآمرين والمتعاونين مع العدو لحرمانه من بعض أدواته الخطيرة التي يستعملها للتقليل من خسائره ولبسط نفوذه. ولو عدنا بالذاكرة قليلا إلى الوراء لتذكرنا الحادثة التي استطاعت فيها الثورة الجزائرية أن تصل إلى منصة رئيس الجمهورية الفرنسي في فرنسا ديغول في إحدى المناسبات, وكان الفدائي المكلف بتنفيذ العملية قادرا على قتله، لكنه لم يفعل واكتفى بتصفية العميل " شكال" المرافق له، وعندما ألقي القبض عليه سئل عن سر امتناعه عن قتل الرئيس، أجاب بكل بساطة بأن المسؤولين لم يكلفوه بذلك لأسباب ربما لا يعلمها. إن الثورة الجزائرية لم تكن ترحم الخونة بل كانت تتعامل معهم بالطريقة المناسبة، ولم تكن تقول عنهم أنهم جزائريون لا يجوز قتلهم، فكيف يحل لهؤلاء الخونة( البياعة والحركى) قتل المواطنين الأبرياء والوشاية برجال المقاومة والمناصرين لهم ولا يحق للمقاومة تنفيذ حكم الإعدام فيهم؟ لا وطن للخائن، سواء في العراق أو في غير العراق، ومصيره معروف. ويجب أن نعمل على تنبيه من تسول لهم أنفسهم التعاون مع العدو بأنهم الدفعة الأولى ممن تبيده المقاومة من الخونة، وإذا حدث وأن كان أحدهم محظوظا فنجى بأعجوبة فإنه لن يكون حظه أفضل من حظوظ المتعاونين في الجزائر مع فرنسا(الحركى)، فمحتشداتهم، وهم في أرذل العمر معروفة، ووضعهم المأساوي معروف. وإذا كان البعض من إخواننا المنخرطين في المشروع الإيراني يتباكون عما يلقى حتفه من هؤلاء الخونة فلماذا لا يبكون على جيش لحد العميل الذي تركته القوات الصهيونية يواجه مصيره بنفسه رغم ما قدمه لها من خدمات. ما الفرق بين خونة العراق وخونة لبنان؟ ما الفرق بين فيلق بدر العميل وجيش لحد؟ العدو واحد في الحالتين. إن الفرق بين ولا يحتاج إلى فلسفة وهو تلاقي المصالح الصهيونية الأمريكية والإيرانية في الحالة العراقية وتنافرها في الحالة اللبنانية. الخائن خائن سواء كان الحكيم أو علاوي أو شكال أو لحد أو غيرهم. إننا واثقون كل الثقة بأن المقاومة العراقية سوف تصل إلى رؤوس الخيانة في العراق وتتعامل معهم بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب كما فعلت الثورة الجزائرية، لأن يدها طويلة ولا يمكنهم الإفلات، وعلى كل من تورط في التعاون مع العدو من صغار الخونة أن يتوب قبل فوات الأوان لأنه ليس هناك حل آخر، و إلا، فسيكون من قتلى الدفعة الأولى. إن الإعلام العربي العميل يحاول إيهام الجميع بما فيهم الخونة أن ما يقال له الجيش العراقي الجديد يدافع عن سيادة العراق، وعجبا في عراق بلا سيادة في صالح من أفقده سيادته، والواقع أن ما يشكله العدو يصب في كل الحالات في صالحه. المقاومة العراقية الباسلة هي الضمان الوحيد لاسترداد السيادة، وهي وحدها قادرة على إعادة تشكيل الجيش العراقي الذي يقود رجاله النشامى بجانب المخلصين من أبناء الوطن حربا ضروسا ضد أقوى الجيوش في العالم ويلقنونه الدروس القيمة. أما القول بغير هذا فكذب وتدليس. ومجمل القول في هذا الشأن أن يعمل المواطن العربي على تفنيد مزاعم الإعلام العربي العميل الذي قد يتمكن من خداع بعض السذج من قومنا. ويجب أن ننبه إلى أننا مسؤولون أمام الله عما نتفوه به من كلام، فإذا كان في دعم المقاومة فهذا شيء جميل ورائع، وإذا كان في الاتجاه الآخر فإنه سوف يخدم مصالح الأعداء وهو ما لا نتمنى أن يفعله أحد.

أن يفٍعل المواطن العربي الغيور كل المؤسسات المحلية الرسمية المختصة التي يمكن أن تخفف عن ضحايا العدوان المستمر كمؤسسات الهلال الأحمر وما شابهها، وأن لا نعتبر ما نفعله تكرما منا، بل أن نعترف بأننا قصرنا في القيام بواجبنا تجاه أمتنا وشعبنا وأننا تأخرنا، ولن نعوض ما فات مهما فعلنا.

أن يفكر كل منا بصفة فردية على انتهاز الفرص لدعم المقاومة ماديا ودعوة الآخرين من معارفه لدعمها، فيجب أن نتذكر ما خلفه العدوان المتكرر من يتامى وأرامل، ولهذا فإن عوائل الشهداء أمانة في عنق الأمة، فإذا ضحى أبناء الرافدين بالنفس والنفيس لنصرة ديننا والذود عن شرفنا ودفع الأعداء عن وطننا فأقل ما نفعله هو أن نتذكر أهلنا من عوائل الشهداء والمعطوبين. إن دعما رمزيا في مرحلة أولى أفضل من لا شيء. يقول أحد أساتذة الجامعة الجزائريين: "إن للعراقيين حق في دخل كل واحد منا"، وللأسف لا أحد منا سواء في مشرق الوطن العربي أو مغربه يشعر بقليل من الحرج وتأنيب الضمير وهو يأكل حق إيتام الأمة، ولعل ما نصرفه من مال لأداء العمرة إلى البقاع المقدسة هو حق مشروع من حقوق المقاومة العربية في العراق وفلسطين. ومن عجائب الأقدار أن تجمع جمعيات إيطالية وإسبانية المال لدعم المقاومة العراقية، ولا نسمع عن حزب عربي ساهم ولو بقدر ضئيل من الدعم. فأين الأحزاب العربية البائسة؟ هل وجدت لتنزل إلى الشارع في المناسبات الانتخابية لملاحقة المواطن العربي وانتزاع صوته عنوة لعلها تنال حظها من مباهج السلطة وامتيازاتها ومغانمها. لن نأتي بجديد، إذا قلنا أن الكثير من تلك التشكيلات الحزبية ما وجدت إلا لتزيين الواجهة وستر عورة الأنظمة التابعة للأجنبي. ومن هنا فإن انتظار المواطن العربي ما تفعله أغلبية الدكاكين الحزبية مضيعة للوقت، فليتوكل على الله أولا، ويعمل على انفراد بعيدا عنها، إذا لم يكن هناك بد، في انتظار تشكل الوعي الجمعي للالتفاف حول الأحزاب والجمعيات العربية ذات التوجه الوحدوي التي تخوض حربا ضروسا في العراق وفلسطين، أو تلك التي تظهر للوجود لتقوية النزعة الوحدوية العربية سواء كانت ذات توجه عربي أو إسلامي.

إننا نرى أن يتفطن المواطن العربي الذكي إلى أن المبادرة الفردية مكملة للعمل الجماعي والمؤسساتي وليست بديلا له، فهناك مؤسسات وطنية تنتشر على مستوى الوطن العربي و من الأهمية بمكان تنشيطها، وهناك أحزاب قومية مهمشة مع أنها تدفع بكل قواها في معركة الدفاع عن شرف الأمة ومستقبلها، ومع ذلك لا تلقى العناية اللازمة من المواطن العربي. وعندما نقول أحزابا قومية نقصد بها كل من يعمل فعليا على توحيد شعبنا العربي وتجميع قواه سواء كان عروبيا أو إسلاميا، وليست تلك الأحزاب التي تتخفى وراء الشعارات البراقة ومنها من انفضح أمرها أثناء العدوان على الأمة في العراق كالحزب (الإسلامي) العراقي وحزب (الدعوة) والمجلس الأعلى (للثورة الإسلامية ويوجد مثلها الكثير يعمل في الخفاء على مستوى الوطن العربي لخدمة أعداء الأمة. ويلاحظ المتتبع لمجرى الأحداث تقلب بعضها لتكتيكات تقتضيها المرحلة؛ ففي خلال العدوان الثلاثيني على العراق وقفت بجانب المعتدين فنظمت نشاطات تتحامل فيها على القيادة الوطنية في العراق، وعندما أدركت أن الشارع يسير في غير ما شاءت انقلبت على عقبيها وتظاهرت بالتعاطف مع الشعب العراقي لكنها ظلت متمسكة بخطها التآمري وتخوض في الخفاء حربا نفسية شرسة ضد العراق كالزعم بأنها مع الشعب العراقي وليست مع النظام العراقي، وهذا من بديهيات الحرب النفسية التي تهدف إلى عزل الشعب عن القيادة لتفكيك الجبهة الداخلية، وبالتالي التحضير للهزيمة. لنحذر إذن كمواطنين من مثل هذه الأحزاب والتنظيمات الخطيرة التي تتخفى وراء الشعارات البراقة، لكن أوقات المحن تظهر على حقيقتها وتنخرط في العمالة المكشوفة للعدو الأجنبي الذي يستهدف مقومات الأمة الحضارية وثرواتها. إن دعم المقاومة في العراق وفلسطين هو معيار التمييز فيما بين الغث والسمين وما بين الوطني وغير الوطني، وليس هناك خيار ثالث. إما أن نكون مع أنفسنا وأمتنا وإما أن نكون مع أعدائنا المتربصين بنا. لا خيار إلا خيار المقاومة. ولهذا من باب الحكمة أن نتعامل على هذا الأساس. إن الحزب الذي يسكت وقت المحن يقف في صف العدو وليس له من سبيل إلى قلوبنا ولا إلى أصواتنا، وإن التصويت عليه هو تمكين للرداءة والخذلان والعمالة أو قل إنه عبث بمصير الأمة ومقدراتها.

نؤكد على أهمية الانتباه إلى الكلمات والأسماء التي يروج لها الإعلام الاستعماري وعملائه في المنطقة وضرورة الامتناع عن استعمالها، فانظر مثلا إلى انقراض كلمات بعينها من قاموس الإعلام العربي مثل الكيان الصهيوني، وحلت محلها الدولة العبرية وإسرائيل. وانظر كيف تغيرت الأسماء في العراق فسموا مطار صدام مطار بغداد ولا نعرف كيف انجرف البعض من العراقيين والعرب إلى الانخداع وإعطاء تسمية مغايرة للتسميات المعروفة. إن لعبة تغيير علم العراق مكشوفة ولهذا أثارت احتجاجا شديدا في الشارع العراقي، ولكن ما لم ينتبه إليه أحد هو تغيير أسماء الأماكن والمدن في العراق وهو من بديهيات الحرب النفسية. إيران عملت نفس الشيء عند احتلالها للأحواز، فغيرت الأسماء واستبدلت العربية بالفارسية. وتسمي المقاومة العراقية الباسلة في بياناتها مطار صدام "مطار صدام" ولا تسميه "مطار بغداد". إن المواطن الفطن يمتنع عن الأخذ بالأسماء التي يطلقها العدو ويحرص على الالتزام بما هو معروف قبل الاحتلال سواء أعجبه ذلك أو لم يعجبه، وإذا كان لا بد من تغيير لها فيجب أن يأتي بعد زوال الاحتلال وعودة الوطن إلى المخلصين من أبناء شعبنا في العراق. ومن هنا فإن الامتناع عن تداول الأسماء التي يروج لها الاحتلال نوع من الدعم المعنوي للمقاومة.

لقد حضر العدو إعلاميا ونفسيا وماديا منذ مدة طويلة واستغل مظلة الأمم المتحدة لمهزلة ما يسميه بنقل السلطة أو إعطاء السيادة للعراقيين، وضاعف الإعلام العربي العميل و في المقدمة الفضائيات العربية العميلة من الدعاية المروجة لها، وكأن السيادة تعطى أو تقدم أو تمنح. إننا لم نسمع عبر تاريخ البشرية كله أن السيادة منحت لأحد أو لدولة من الدول. أي هذيان هذا! هناك حقيقة واحدة لا غير، وهي أن السيادة تؤخذ بالقوة ولا تهدى لأحد. المقاومة العراقية هي الوحيدة المؤهلة لاسترجاع السيادة للعراقيين. إن المشروع الاستعماري واحد وأساليبه متنوعة، وأقنعته متعددة، ولا تنطلي الحيلة إلا على السذج. وهل التظاهر برفع الحواجز العسكرية وإزالة الأسلاك الشائكة من بعض الأماكن في بغداد بداية النهاية للاحتلال، وعودة السيادة للعراقيين كما يزعمون؟ ولهذا علينا أن ننبه المغرر بهم والمخدوعين أن العدو يلعب أوراقه التي أعدها من زمان؛ يخرج كل ورقة في وقتها لتلافي المزيد من الخسائر في علوجه ومعداته، والمقاومة العراقية الباسلة تعرف هذا جيدا وتعرف أكثر، وأعدت لكل ورقة ما يناسبها. وإن تقديم الاحتلال لما يسميه تسليم السلطة للعراقيين بيومين كاملين وتنظيم الحفل في أحد أقبية بغداد وتسلل بريمر إلى بلاده بعد ساعتين من انتهاء مهمته يدل دلالة قاطعة على الوضعية السيئة التي يعيشها الاحتلال في العراق وعن معنوياته المنهارة بفعل الضربات الموجعة التي توجهها له المقاومة العراقية الباسلة. وهذا ما يجعلنا نستبشر خيرا ونتوقع تصاعد وتيرة المقاومة والتنويع في العمليات والمفاجآت.

إن ترحيب بعض الدول وفي مقدمتها بعض الأنظمة العربية المجاورة بما يسمى باستلام العراقيين للسلطة أو السيادة لن يفت في عضد المقاومة العراقية الباسلة فهي قدر الأمة لاسترجاع السيادة وتحرير العباد. فلقد تصدت بشجاعة لأقوى ترسانة حربية في العالم وتفاجئ العلوج يوميا على أرض الرافدين بما لم يتوقعوه، ولهذا فالبيانات لا معنى لها في عرفها ولا في عرف شرفاء الأمة. ونتمنى أن يسرف النظام الرسمي في بيانات الترحيب والتأييد لما يسمى زورا وبهتانا تسليم السلطة للعراقيين، ومن حق الأمين العام لما تسمى الجامعة العربية أن يرحب بدوره بلعبة الاحتلال الجديدة في العراق، لأنها جامعة للأنظمة. إن الشعب العربي بحاجة إلى بديل حقيقي للنظام الرسمي ولمؤسساته بعيدا عن تآمر الحكام وتخاذلهم. ولن يستورد البديل من الخارج كما تستورد مساحيق التجميل، وإنما يكون من صنع وابتكار رجال الأمة وماجداتها.

إننا نؤكد أن المقاومة العراقية هي وحدها القادرة على افتكاك السيادة بذكاء وسواعد أبطالها وتضحياتهم، وغير ذلك زبد تذروه الرياح. ومن حق المواطن العربي أن يعتز بمنجزاتها المتميزة في وقت انحاز فيه النظام العالمي فيما يشبه الإجماع للظالم وللإجرام وضرب بالقيم الإنسانية النبيلة عرض الحائط. وعلينا كعرب أن ندعم المقاومة العربية في العراق وفلسطين، ولا ننخدع بمسرحية نقل السلطة للعراقيين. و لنقل لهؤلاء الخونة من الحكام العرب الذين باعوا دينهم وأمتهم وضمائرهم للمعتدي أن المهزلة التي تجري في العراق والتي يسمونها محاكمة سوف تكون في صالح القيادة العراقية مهما كانت الظروف والنتائج، لأن القول الفصل هو من اختصاص التاريخ وليس من اختصاص حفنة من المرتزقة أو نواطير آبار البترول أو بغايا الإعلام. يكفي القيادة العراقية شرفا أنها لم تخن أمتها وظلت وفية لمبادئها حتى في أحلك الظروف. وأتحدى أي حاكم عربي أن يجد في الشارع العربي من يحمل إسمه، ونقول بأن الآلاف من أبناء الأمة في مغربها ومشرقها يحملون إسم صدام حسين، فهل كانت الأمة بتلقائيتها ونظافة ضميرها على خطأ ورؤوس الخيانة والرذيلة على صواب؟

محمد زيدان

ليست هناك تعليقات: