2008/10/25

المقاومة.. والإرهاب.. بين السياسة والتاريخ

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جيش المعتز بالله
الهيئة الإعلامية لجيش المعتز بالله

شبكة البصرة
إن المزيد من الإصرار على مقاومة المحتلين الغزاة هو وحده الكفيل بحمل الناس الأقارب والأباعد في الداخل والخارج على الارتفاع بوعيهم بما يسمونه ((إرهابا)) إلى ما يسمى مقاومة.
ولو نقلنا المسألة من السياسة إلى التاريخ وقلنا : ترى لو سئل الذين يصفون المقامة اليوم بالإرهاب إلى زمن آخر تحقق فيه المقاومة تحرير العراق من براثن الاحتلال فهل سيتردد هؤلاء بوصفها بالمقاومة؟ أم أنهم سيظلون مصرون على وصمها بالإرهاب؟ لا أظن ذلك طبعاً، وربما سيزايد بعضهم على المقاومين الحقيقيين فيدعون بأنهم قاوموا الاحتلال في وقت كانوا جزءاً من أدوات الاحتلال ومسوغيه، لأن النصر عادة يولد وله ألف أب أما الهزيمة فتولد يتيمة، ذلك لأن التحرير يكون قد أصبح حقيقة تاريخية لا غبار عليها وواقعاً ملموساً فرض نفسه على الأعداء قبل غيرهم.
نظير ذلك لو سألناهم عن مقاومة صلاح الدين للصليبيين، أو مقاومة العراقيين للاحتلال البريطاني في ثورة العشرين، أو مقاومة الجزائريين للاستعمار الفرنسي، أو مقاومة النيتكونغ للاحتلال الأمريكي، أو مقاومة اللبنانيين للاحتلال الإسرائيلي، أو غيرها من المقاومات الوطنية التي استطاعت تحرير أوطانها من الاحتلال الاستعماري في أرجاء المعمورة، هل يجروء أحد على وصمها ب ((الإرهاب)) رغم إنها اتهمت في حينها بهذه الصفة؟ بالطبع لا، ذلك لأنها أصبحت حقائق تاريخية فرضت نفسها، وحقائق تم صنعها واكتمل أمرها ولم تعد تحرج أحد، أما المقاومات التي تتصدى للاحتلال هنا وهناك فإنها لا تزال حقائق في مرحلة الصنع، لذلك يتم النظر إليها ووصفا من زاوية المصالح أو من زاوية النفاق السياسي في الغالب لتجنب التقاطع أو الاصطدام بحقائق سياسية تفرض نفسها على الواقع، فالاحتلال الصهيوني في فلسطين والاحتلال الأمريكي في العراق وهما وجهان لعملة واحدة هي حقائق سياسية موجودة على الأرض وبالضد منها تقف المقاومة الفلسطينية والعراقية كحقائق في مرحلة الصنع ومعرضة لشتى الاحتمالات لذلك يتجنب معظم الساسة العرب وغير العرب التعامل معهما أو الاعتراف بهما كحقائق سياسية خوفاً من غضب الصهاينة والأمريكان وطمعاً برضاهم وبركاتهم، ويتعاملون فقط مع الواجهات الرسمية الفلسطينية والعراقية المقبولة لدى الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني، وسيظل الحال على هذا المنوال حتى تكتسب المقاومة الفلسطينية والعراقية صفة الحقائق السياسية التي لا يمكن تجاوزها، لتشكل حقائق تاريخية كاملة الصنع بعد تحقيق النصر وتحرير الأرض شأنها شأن كل المقاومات الوطنية الشريفة في التاريخ.
أما الحقائق التاريخية فإنها لا تحرج الخصوم وحدهم بل تحرج أهلها أيضاً، فما صنعه صلاح الدين والعراقيون والفيتناميون واللبنانيون حقائق تحرج وتتحدى كل الذين جعلوها رموزاً لماضيهم ومعالم مضيئة في تاريخهم، وعندما العراقيون اليوم للتحدي الموجه إليهم من تاريخهم ونضالات آبائهم وأجدادهم ضد الاستعمار، وعندما تحقق المقاومة الوطنية اليوم ما حققه أولئك الآباء والأجداد سيرفعون الحرج ليس عن أنفسهم فحسب بل أيضاً عن كل الذين يجدون أنفسهم مترددين أو محرجين لسبب أو لآخر أمام السؤال المطروح : هل أعمال المقاومة الوطنية في العراق اليوم ضد الاحتلال الأمريكي هي أعمال مقاومة أم ((إرهاب))؟.
أما الانسياق الساذج والغبي وراء اتهامات المحتلين للمقاومة بالإرهاب عبر لصق العمليات الإرهابية المشبوهة التي تستهدف المدنيين الأبرياء بها فانه لا يدل على فطنة سياسية وبعد نظر إن لم يكن انسياقاً مقصوداً يستهدف الحصول على مكاسب سياسية خاصة ليس لها علاقة بمصالح الشعب العراقي وتطلعه نحو التحرر من نير الاحتلال، كما انه يعتبر إهانة لوطنية الشعب العراقي وتاريخه وقيمه، كما انه يقع ضمن مخطط الاحتلال الهادف إلى خلط الأوراق ورفع الغطاء الشرعي والوطني والأخلاقي عن المقاومة الوطنية ضد الاحتلال.
إن المقاومة الوطنية الرشيدة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلطخ يدها بدماء أبناء جلدتها من المواطنين الأبرياء أو استهداف ممتلكاتهم الخاصة والعامة كالمدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات ودور العبادة والمساجد والجوامع والحسينيات ومراقد الأئمة الأطهار ومنشآت الماء والكهرباء والخدمات المدنية الأخرى وزرع الخوف والرعب في نفوس الناس وترويع الأطفال والنساء لأنها بذلك تقطع الحبل السري الذي يربطها بالشعب وتجفف كل مصادر الدعم والإسناد المعنوي والمادي واللوجستي الذي تتطلبه أية مقاومة وطنية شريفة، ويعرضها للموت البطيء والانتحار دون أن تحقق أي من أهدافها النبيلة في تحرير الأرض وحماية العرض من دنس الاحتلال البغيض.
وأقول لكل الذين يشككون بالمقاومة من أبناء الشعب العراقي العظيم بسبب التضليل الإعلامي وحملات التشويه لسمعة المقاومة جراء اتهامها بالإرهاب، انه ما من مقاومة وطنية في أي مكان بالعالم إلا وقد تعرضت إلى ما تتعرض له المقاومة الوطنية العراقية الحالية من تشويه وتشويش وخلط للأوراق عبر وسائل غاية في الانحطاط الأخلاقي، ويأتي في المقدمة منها تجنيد المرتزقة الأجانب والمحليين من ضعاف النفوس المتاجرين بدماء الأبرياء للقيام بأعمال إرهابية منظمة تستهدف المدنيين والمؤسسات المدنية وترويع الناس الآمنين وإلصاقها بالمقاومة إلى جانب ممارسة التعتيم الإعلامي الصارم على نشاط المقاومة وما تلحقه من خسائر بشرية ومادية حقيقية بقوات الاحتلال بهدم إيهام الرأي العام في الداخل والخارج بعدم وجود مقاومة حقيقية أو عدم جدواها طالما يذهب ضحيتها الأبرياء من المدنيين ولا تغير شيئاً من الواقع.
ولا شك إن العمليات الإرهابية المشبوهة التي ذهب ويذهب ضحيتها الآلاف من المواطنين الأبرياء والتي تستخدم كذريعة لبقاء قوات الاحتلال تحت شعار ((مكافحة الإرهاب)) قد أساءت كثيراً الى المقاومة الوطنية الشريفة والحيلولة دون انتشارها في عموم الساحة العراقية في ظل إعلام أحادى الجانب وتضليل إعلامي وتحذير طائفي وتغييب لوعي الغالبية من أبناء العراق وما تمارسه قوات الاحتلال من قمع للإعلام النزيه وحضر للإعلام المقاوم. إلا إن ذلك التضليل الإعلامي لم يمنع من وصول وسائل المقاومة الى الرأي العام الأمريكي عبر الآلاف من نعوش القتلى والجرحى والمعاقين نفسيا وبدنياً والإحجام الواسع عن التطوع في الجيش الأمريكي بما وضع الإدارة الأمريكية في مأزق حقيقي جعلها تفتش عن مخرج ينقذها من هذه الورطة والحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها بأي ثمن.
واليوم وبعد فشل مشروع الاحتلال جملة وتفصيلاً، واكتشاف الشعب العراقي زيف شعارات المحتلين في ((الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان)) على خلفية الدمار والخراب واعمال القتل والاعتقال والتعذيب وتدمير المدن والقرى والقصبات على رؤوس سكانها من الأطفال والنساء والشيوخ، والفساد الاداري والمالي والمحاصصة الطائفية والعرقية وسياسة الإقصاء والتهميش والعمليات الإرهابية المشبوهة، لم يبقى في جعبة الاحتلال سوى جر المقاومة إلى معارك جانبية وإغراق البلد في اتون حرب أهلية بعد أن هيأت أمراء الحرب وعمقت الخنادق وساحات القتال بانتظار ساعة الصفر لاندلاع هذه الحرب الكارثية التي أعلن وزير الحرب الأمريكي رامسفيلد عن عدم التدخل فيها والتخلي عن المسؤولية القانونية والأخلاقية التي أقرتها المواثيق الدولية، والوقوف موقف المتفرج على ما يجري حتى يأتي أمراء الحرب صاغرون زاحفون على بطونهم يستجدون الحماية من سيدهم ((المطاع)) لتبدأ صفحة جديدة من الامتلاءات والمساومات على مصير الشعب المثخن بالجراح ليباع عبيداً في أسواق واشنطن ولندن، ومصير الوطن الذبيح ليباع أشلاءاً وأنقاضاً وأرض محروقة، وسيجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون...

حاتم الطائي

ليست هناك تعليقات: