2008/10/19

لعنة العراق تطارد بوش



بقلم:عادل الجوجري

رئيس تحرير مجلة الغد العربي

القاهرة.

في منتصف أربعينات القرن الماضي كتب مصطفى أمين كتابا مثيرا بعد عودته من الولايات المتحدة بعنوان "أمريكا الضاحكة" شرح فيه بإسهاب واعجاب أنماط الحياة المرفهة في المجتمع الاميركي ،وكان الكتاب وقتها جزءا من الماكينة الاعلامية الرأسمالية في مواجهة المد الشيوعي السوفيتي الزاحف الى المنطقة العربية،وكان هناك طابور خامس يسعى الى تزويق وترويج الرأسمالية الجديدة القادمة أيضا الى المنطقة لترث الاستعمار البريطاني والفرنسي القديم، ماذا يمكن أن يكتب مصطفى أمين إذا عاد إلى الحياة اليوم؟

أغلب الظن أنه لن يستطيع أن يضع ماكياجا على الوجه الاميركي المأزوم ،ولاأن يمسح بالكلمات مافعله جنرالات البيت الابيض من جرائم في حق العرب والمسلمين ،فأمريكا التي شاهدناها في السينما كفتاة مدللة تعيش في رغد لم تعد كذلك ،فهي لا تمر بأزمة مالية خانقة وحسب بل إنها وبدون مبالغة تشهد إنهياراًَ إقتصادياًَ شاملاًَ يعد الاسوأ منذ سبعة قرون، وإذا إستمرت الازمة بمعدلاتها الحالية فإن الامبراطورية الاميركية ستصبح في خبر كان ،ودورها السياسي العالمي سينكمش ولن تكون قادرة على دخول حروب جديدة أو حتى المنافسة في حرب باردة مع الروس الذين استردوا عافيتهم واستفادوا من زيادة أسعار النفط وادخروا مليارات النقد الاوروبي،كما أن الصين باعت مخزونها الدلاري مقابل شراء ذهب بما يعادل تريليون دولار،واشترت الهند ب50مليار دولار ذهبا وكذلك فعلت الهند الامر الذي ضرب "كرسي في الكلوب" واصاب الدولار بالسكتة القلبية،

هل يصدق أحد أن الامبراطورية الاميركية لم تعد تجد السيولة النقدية لاصلاح بعض الجسور الحيوية في مدن رئيسية كنيويورك وسان فرانسيسكو تشارف على السقوط ؟

هل يتخيل أحد أن الجامعات الحكومية كذلك الخاصة قلصت نسبة تمويل المشاريع البحثية بنسبة 50%-70% لعدم وجود ميزانيات كافية؟

هل ورد إلى ذهننا مرة أن البطالة يمكن أن تصل الى مستويات قياسية فهناك 15 مليون عاطل عن العمل, اضف إلى ذلك 4-5 مليون مشرد ؟

الشاهد هو أن لعنة العراق -لاتقل عن لعنة الفراعنة- وهي طاردت بوش حتى في أيامه الاخيرة،وطاردت رامسفيلد وريتشارد بيرل ودوجلاس فيث ومن قبلهم كولين باول وبول وولفوفيتز ،جميعهم اعتراهم المرض ،وكل الجنود والسياسيين الذين شاركوا في جريمة غزو بلاد الرافدين أصيبوا بلعنة العراق،حيث آلاف الجنود تركوا الخدمة العسكرية ويبيتون حاليا في مستشفيات الامراض العقلية والنفسانية ،ولعنة العراق تطارد حاليا المرشح الجمهوري ماكين وهو كان احد ابرز مؤيديها ومنظريها ،لأن الحروب والغزوات العنترية التي خاضتها عصابة بوش أرهقت الخزانة بشكل لم يسبق له مثيل, فالحرب على العراق وحدها إستنزفت أكثر من تريليون دولار (ألف مليار) ونحو ثلاثين ألف حندي مابين قتيل وجريح ،وتكلفة الحملة في أفغانستان تقدر بمائتي مليار,والحرب في افغانستان هي لعنة المستقبل،التي ستاكل جيش اميركا والناتو بعد ان تزايدت عمليات حركة طالبان وتنوعت، وهناك مئات المليارات الأخرى التي صرفت لدعم مهمات تجسس على المقاومة العربية وضد إيران وسوريا وكوريا الشمالية ودول اميركا اللاتينية الثورية ،أو لتمويل حملات دعائية مضادة أو لدعم بعض الأنظمة الرسمية الموالية وفي أحيان أخرى بعض القوى المعارضة في أنحاء شتى من هذا العالم.

كل هذه الاموال التي انفقت بغير حق ساهمت في ارهاق الاقتصاد الاميركي وبالتالي الاقتصاديات التابعة له، وانتهى الامر بهذ الخراب الموحش وليس الخراب الجميل مثلما كان يردد زوربا اليوناني في رائعة كازانتزاكس فلاجمال في غزو افغانستان ولابهجة في حرب العراق ،ولاميزة اخلاقية في دعم العصابات الصهيونية بطائرات اف 35التي لم تحصل عليها دول الناتو الحليفة فضلا عن دعم مالي سنوي 3مليارات دولار يدفعها الشعب الاميركي من حصيلة الضرائب من دون ان يفهم الدافع الحقيقي وراءها،والشاهد ان الايديولوجيا السوداء التي جرفت المحافظين الجدد الى مغامرات بائسة كلفت الشعب الاميركي رجاله وأمواله ثم أخيرا سمعته التي باتت ملطخة بالعار ،علما بأن كل ماجرى ليس الا الجزء المرئي من جبل الثلج.

ليست هناك تعليقات: