2008/10/05

تسيبي ليفني... وحكومة إدارة الأزمات



محمد العبد الله

لم يكن يوم الأربعاء 17 أيلول أطول الأيام في عمر "تسيبي"، ولكنه كان الأصعب في مسيرتها الحزبية والسياسية، فما بين استطلاعات الرأي التي واكبت مرحلة التحضير للانتخابات الداخلية في حزب "كاديما"، وأعطت لـ (تسيبي) فرصة الفوز على منافسها الأبرز في السباق على زعامة الحزب (شاؤول موفاز) و"سحقه" كما توقع البعض، وبين النتائج الفعلية التي أُعلنت صباح اليوم التالي، بفوزها الباهت، نتيجة الفارق الضئيل والذي تعدى نسبة الواحد بالمائة بقليل، إذ تغلبت على (موفاز) بفارق 431 صوتاً. جاء فوز(تسيبورا مالكا ليفني)، والتي تُنادى تحبباً "تسيبي"، لينعش الذاكرة بأهمية معرفة هذه "الرئيسة".

فقد نشأت في أسرة صهيونية فاشية؛ فوالدها (إيتان ليفني) المعروف بـ "ايتان الرهيب"، بسبب بطشه بالقرويين الفلسطينيين، وفقاً لتعبير الصحفي "بن كاسبيت"، المعلق الرئيسي بصحيفة "معاريف"، والضابط المسؤول في غرفة عمليات "الإيتسل" (المنظمة العسكرية الوطنية) والمشهور بمذابحه للفلسطينيين، خاصة في مجزرة "دير ياسين". أما والدتها "سارة" فهي لا تقل دموية وبطشاً، إذ خدمت هي أيضا كمقاتلة وكقائدة في "الإيتسل".

برزت (تسيبي) في العديد من المظاهرات والنشاطات الأكثر عدائية للعرب. وتبرز فترة خدمتها لعدة سنوات في جهاز (الموساد)، ودورها في عمليات ملاحقة واغتيال لبعض المناضلين في أكثر من مكان، لتُدلل على سلوكها الأكثرعدوانية ودموية في تجربتها السياسية. فبحسب صحيفة (صاندي تايمز) البريطانية خدمت (تسيبي) كمقاتلة في وحدة، بل أن اسمها ارتبط بتصفية المسؤول الكبير في م.ت.ف "مأمون مريش". ولهذا فإن ما صرحت به أثناء احتفال الكيان الصهيوني بالذكرى الستين لقيامه، يُساهم في تسليط الضوء على أفكارها وتوجهاتها الراهنة.

تقول: "إن بإمكان الفلسـطينيين الاحتفال بعيد اسـتقلالهم فقط، بعد أن يحذفوا مصطلح النكبـة من قاموسـهم". كما تحرص دائماً على تأكيد رفضها لأي حل وسط بشأن قضية اللاجئين الفلسطينيين، رافضة عودة أي منهم، كما ترفض الانسحاب من القدس الشرقية، وتعتبر أن انسحاب (إسرائيل) إلى ما قبل حدود حرب الرابع من حزيران 1967 يُعتبر "كارثة وطنية"، مؤكدة في مناسـبات عديدة على خطورة الشـعب العربي الفلسـطيني في الأراضي المحتلـة عام 1948، داعيـة للتخلص منهم لأنهم يُشـكلون "خطراً ديموغرافياً" على الكيان الصهيوني. كما أنها لا تترك مناسبة، إلاّ وتُشدد فيها على رغبتها المستمرة في "تحطيم وسحق التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني المتمثلة في استعادة حقوقه عبر استخدام القوة".

مع فوز (تسيبي) برئاسة (كاديما)، إنتهت عملياً حكومة (أولمرت)، التي أصبحت وزارة انتقالية، تقوم بمهام تصريف الأعمال. وبتكليفها الرسمي، بتشكيل الحكومة خلال ثمانية وعشرين يوماً، تكون قد بدأت الخطوة الأصعب في مسيرتها الجديدة. أما في حال عدم نجاحها، فسيمنحها (بيريز) أربعة عشر يوماً إضافياً من أجل التوصل للتشكيلة الحكومية الجديدة. لكن المؤكد أن عقبات كثيرة تعترض مسار الحوارات لغرض تشكيل الحكومة بصيغة الائتلاف الذي تعايش في حكومة (أولمرت) لمدة تسعمائة وتسعون يوماً، والمستند على أحزاب "العمل" و "شاس" و "المتقاعدين". فما بين اشتراطات حزب "شاس" الديني، المتمحورة حول برنامج الدعم المالي الحكومي للمدارس الدينية وتلاميذها، والموقف المتشدد من قضية القدس، وما بين انتهازية حزب "العمل" بقيادة (باراك)، ستكون (ليفني) مضطرة للدخول في صفقات ومساومات عديدة، من أجل عدم الذهاب للانتخابات المبكرة التي يعمل على الوصول إليها حزب (الليكود) بقيادة (نتنياهو). وإذا كانت الرشوة المالية لـ "شاس"، المترابطة مع الالتزام بالتشدد بقضية القدس، تحل أزمة هذا الحزب، فإن المخاوف الحقيقية تأتي من (باراك) وحزبه، الذي يسعى للبقاء على المسرح السياسي، بعد الانتكاسات المتعددة التي مُني بها خلال السنوات الأخيرة. ولهذا فإن ما عبّر عنه بعض المقربين من (باراك)، يعكس بالضرورة المخاوف التي تمتلك حزب "العمل" في المرحلة الراهنة.

(متان فيلنائي)، نائب وزير الحرب والمقرب من (باراك) نُقل عنه: "ما يزال ـ (باراك) ـ متردداً من جدوى تنظيم انتخابات مبكرة، فيما يتصدر (الليكود) استطلاعات الرأي"، إلا أن الوزير (بنيامين بن إليعازر) عن حزب «العمل»، أشار إلى أن (باراك) "أخبر (ليفني) موافقته على الائتلاف معها، إذا ما قُدّر للائتلاف الحكومي البقاء حتى موعد الانتخابات المقرر إجراؤها أواخر عام 2010". هذا الائتلاف الذي يخشى (باراك)، كما تُعلن مصادر موثوقة داخل حزبه "أن يكون مخطط (ليفني) هو تأليف حكومة لأشهر والتوجه للانتخابات العامة في موعد مريح لها، الأمر الذي من شأنه أن يمس بفرص حزب "العمل" بالفوز". ولهذا فإن ما يهم (باراك) وحزبه ليس استمرار حكومة الائتلاف فقط، أو قيام حكومة طوارىء ـ لن يدخلها (الليكود) كما يؤكد (نتنياهو) ـ بل استمرار الوجود لحزب بدأت تتآكله أمراض تاريخية مزمنة.

الأزمة التي تعيشها القوى السياسية داخل الكيان الصهيوني، تأتي هذه المرة، مترافقة مع أزمة أكثر حدة وتعقيداً، وعلى أكثر من صعيد، داخل المركز ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ، التي هي نتاج مباشر للسياسة التوسعية / العدوانية الخارجية، التي أرهقت بنود مصاريفها، كاهل المواطن الأمريكي، كما ساهمت الأزمات البنيوية في قواعد وآليات عمل المراكز المالية، بدورها في الإنهيارات الكبيرة التي أصابت أُسس الإقتصاد الرأسمالي، والذي ستتأثر به التوابع الصغرى، كما في حالة الكيان. كما أن صدى الحراك السياسي الداخلي في التجمع الصهيوني، سيُلقي بظلاله ـ القاتمة دوماً ـ على مسارات التحرك الفلسطينية، التي تُعاني أيضاً من أزمات حادة.

إن مرحلـة جديدة من تفاعلات الأزمـة العالميـة والإقليميـة، خاصـة مع التطورات المتلاحقـة على جبهـة الصراع العربي / الصهيوني، وفي القلب منـه، معركـة الشـعب الفلسـطيني في مواجهـة الاحتلال والقتل والحصار، باتت تتطلب ضرورة التنسـيق الفعلي بين قوى المقاومـة، من أجل وقف الإنهيار والتداعي بالموقف الفلسـطيني والعربي، وتمتين البنيـة المجتمعيـة لمواجهـة الاسـتحقاقات المتوقعـة.

ليست هناك تعليقات: