2008/10/09

العراق ثانيا


بقلم: النفطي حولة -9 أكتوبر 2008

تكالب الأعداء على الأمة العربية وازدادوا شراسة في القرن الأخير وبداية هذا القرن بالاحتلال المباشر وغير المباشر وبنهب ثرواتها والتنكيل بأبنائها المستضعفين من النساء والأطفال والشيوخ بتواطىء و بتسهيلات من الأنظمة العربية الرجعية العميلة و الفاسدة .فاستباحوا ارض العراق للتخريب الطائفي والعنصري البغيض فانخرطت المخابرات الصهيونية والأمريكية والإيرانية إلى جانب مخابرات الرجعية العربية في السعي إلى نسج خارطة جديدة للعراق تكون الأولوية فيها للطائفة والعرق والمذهب على حساب الولاء للوطن والأمة وسيطرت الطائفة الشيعية كنخبة سياسية على السلطة بتزكية من المحتل الأمريكي وتمادت في إعلان الحرب الطائفية والتطهير العرقي والمذهبي باسم عناوين وأسماء شتى فتارة باسم اجتثاث حزب البعث الوطني وطورا باسم محاسبة النظام الوطني السابق والمتعاونين معه ومرة أخرى باسم مكافحة الإرهاب .فالدور المشبوه الذي أصبحت تلعبه النخب السياسية الشيعية في العراق قبل وبعد الغزو الأمريكي وتقاسم الأدوار بين الإدارة الأمريكية من جهة والدولة الإيرانية من جهة أخرى جعلا العراق كجزء من الأمة العربية يتعرض لأكبر أزمة عرفها في تاريخه المعاصر.
فالدور الإيراني في عهد الصفويين الجدد في العراق ظهر جليا في المحادثات التي أجرتها ولا تزال تجريها الحكومة الإيرانية مع أمريكا في الملف الأمني حيث أصبح امن العراق يتعرض للابتزاز بين الامبريالية الأمريكية و إيران التي أرادت أن تستفيد من هذه المعادلة في مفاوضاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى تتمكن من لعب الدور الفعال والقوي الذي يؤهلها من اجل ربح الوقت والسعي قدما في سبيل تحقيق أهدافها التكتيكية والإستراتيجية واكتساب الطاقة النووية وبسط هيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على المنطقة وإيجاد مناطق نفوذ لها على حساب استقلال ووحدة العراق وهويته القومية . والأمر الذي يبدو لنا في غاية من الخطورة هو التحالف التكتيكي والاستراتيجي بين النخب السياسية الشيعية والمحتل الأمريكي والذي نسجله في النقاط الثلاثة التالية: أولا – الحوار الذي أجراه كل من السيستاني وعبد العزيز الحكيم الممثلين الرئيسيين للمرجعية الشيعية في الخارج مع أمريكا قبل الغزو وبعده والذي لا يزال متواصلا وموقفهما الداعم للمحتل الأمريكي باسم الشعار المعلن في نظرية الحياد الايجابي في طريقة تعاملهما مع الإدارة الأمريكية
ثانيا – إعلان الدستور باتفاق مع المحتل على إلغاء كل البنود التي كانت تؤكد على عروبة العراق وهويته القومية كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية
ثالثا –السماح لميليشيات جيش المهدي وقوات بدر بالدخول من إيران وكذلك السماح لقوات البشمرقة المتحالفة مع النخبة الشيعية شريطة تعاملهم مع المخابرات المركزية الأمريكية وفرق الموت التي أشرفت على تدريبها بهدف القيام بالاغتيالات السياسية وتصفية المقاومة الوطنية وذلك لتسهيل النفوذ الإيراني في العراق كشريك أساسي في عملية التخريب الطائفي.
لكن المقاومة الوطنية والقومية اليقظة لمشاريع المحتل وشركائه كانت في مستوى التحدي مؤمنة بدورها التاريخي في الرد الطبيعي والضروري على الغزو الأمريكي البريطاني منذ التاسع من ابريل 2003 وهي لا تزال القوة الممانعة والخيار الوحيد للأمة ضد المحتل الأمريكي وعملائه .
ولدت المقاومة من رحم نضالات الشعب ضد المستعمر. هذا الشعب الذي رأى نفسه مستهدفا في وطنه وعرضه وأرضه وهويته بكل فئاته وطوائفه ومذاهبه . وهكذا تأسست المقاومة بموقفها الواعي الرافض للدخول في الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي لأنه يعد من بين الأهداف التي رسمها الاحتلال وشركاؤه لزرع الفتنة بين الشعب الواحد وتمزيق الوطن وضرب وحدته الترابية . ولقد جعلت المقاومة في سلم أولوياتها الولاء للوطن ولا ولاء لغير الوطن وكل من يعطي الولاء للطائفة أو المذهب أو القبيلة أو العشيرة فهو يصب في خانة الأعداء الذين يستهدفون الوطن والشعب .وكما حددت المقاومة الوطنية طبيعة الصراع مع العدو باعتباره صراعا من اجل التحرر الوطني والذي يحتم عليها معاملة العدو بالمثل فلا حوار ولا تفاوض إلا على أرضية الاستقلال للوطن والسيادة للشعب والمتمثل أولا بخروج قوات الاحتلال .وبهذا المنهج الواضح وبهذه الرؤية الوطنية المسئولة للصراع أفشلت المقاومة مشاريع المحتل الأمريكي وشركائه في الفتنة الطائفية والحرب الأهلية بين أبناء الشعب الواحد وأبعدت بدون رجعة شبح الاقتتال الطائفي .
وهذا ما نتج عنه النصر الكبير للمقاومة في وئد ما يطلق عليه اسم مشروع الشرق الأوسط الكبير كبوابة تشرف بها أمريكا على بلقنة الوطن العربي وانخراط الكيان الصهيوني كشريك فعلي لها في الاستثمار في السوق العربية والتحكم اقتصاديا وتجاريا في النسيج الاقتصادي العربي وتكريس سياسة التطبيع كأمر واقع . وهكذا رسمت المقاومة الوطنية لنفسها أهدافها القومية منذ الوهلة الأولى ووعت بالأخطار المحدقة بالوطن والأمة والشعب فأسرعت لتوحيد صفوفها وتوعية كوادرها وقواعدها بالمهمة التاريخية الملقاة على عاتقها . وبعد الفشل الذريع التي منيت به أمريكا وعملاؤها في العراق والذي جاء على لسان اكبر مسئوليها في الجيش والمخابرات والبنتاغون بدأت الإدارة الأمريكية تبحث عن مبرر لها لتخفيف العبء على جيشها واقتصادها الذي بات مأزوما ويعاني من النقص الفادح في الجانب المالي . وقد ارجع كل الاقتصاديين هذه الأزمة في جانبها الرئيسي إلى الحرب العدوانية على العراق .فقد وصل التضخم إلى درجة مفزعة وهبطت قيمة الدولار الأمريكي بوتيرة متسرعة فأفلست العديد من البنوك والمؤسسات المالية وبات المواطن الأمريكي عاجزا عن تسديد ديون الرهن العقاري وغيرها واستفحلت الأزمة مؤذنة بخراب الاقتصاد الأمريكي الذي يمر بأصعب مرحلة من تاريخه . فوجدت القوات العسكرية الأمريكية الحل في تعويض قواتها بما سمته الجيش العراقي الذي دربته وأغدقت عليه المال الوفير ليحل محلها في اغلب المحافظات وبهذه الطريقة تخفف عن نفسها الضغط وتوهم الشعب مجددا بالأمن والأمان . ولتسويق هذه الفكرة من اجل تشريع وجود الأمن في بغداد وباقي المحافظات تسلمت حكومة المالكي العميلة قوات الجيش المدربة أمريكيا في كل الأماكن التي خرجت منها بعض القوات الأمريكية وتوالت خطوات المحتل بتنصيب الجيش العراقي الجديد في اغلب المدن تقريبا لتسرع من عملية خروج قواتها التي أنهكتها المقاومة وألحقت بها الهزائم النكراء في العديد من المناسبات وكبدتها الأضرار المادية الباهظة الثمن في العتاد والأرواح كما جئنا على ذكره سابقا –وفي هذا السياق تشير آخر الأخبار إلى أن المقاومة تمكنت من إسقاط مروحيتين في بغداد يوم 4 أكتوبر 2008 والذي يأتي بعد 17 يوما من تحطم مروحية عسكرية في الجنوب ومقتل الجنود السبعة الذين كانوا على متنها - وهذا مما يزيد تأكيد الفشل الذي لحق بالمحتل وتزايد أضراره بالجملة التي أثرت إلى حد بعيد في الأزمة الاقتصادية الراهنة التي خيمت بظلالها على العالم . وإذا كانت الامبريالية الأمريكية تتخبط في الوحل العراقي عسكريا واقتصاديا فهي تعاني ضغوطا سياسية كبيرة من جراء عدوانها على العراق .فقد أصبح ضغط الجمعيات والأحزاب الغير حكومية يتزايد للمطالبة بخروج الجيش الأمريكي و بمحاسبة إدارة بوش على خسائرها العسكرية والاقتصادية في العدوان على العراق . ولتغطية عجزها وفشلها في المستنقع العراقي أوعزت في المدة الأخيرة للأنظمة العربية الرجعية لتبادل السفراء والسلك الدبلوماسي مع حكومة المالكي العميلة . فانصاعت الأنظمة العربية كليا كعادتها لأوامر أمريكا ظنا منها أن الحكومة العراقية المنصبة استرجعت الأمن المفقود في العراق . وشهدت جل البلدان العربية زيارات مكوكية من والى العراق استجابة لدعوة الإدارة الأمريكية . ولسائل أن يتساءل هل تمتع الشعب العراقي بالأمن والأمان حقا كما جاء على لسان أمريكا والحكومة العراقية العميلة ؟ فلماذا تتواصل إذا الحملات العسكرية الأمريكية في مدينة ديالا وبغداد؟ ها استطاع الجيش المصنوع أمريكيا أن يوفر الأمن أم هي لعبة المخابرات الأمريكية للزج به كوقود للنار فتبقى قواتها من وراء الستار ؟ أم لزيادة التنكيل بالشعب وإرهابه بالشركات الأمنية الخاصة التي جاءت مع المحتل لتزرع الموت والدمار وتحصد الأرواح البريئة وتلوث البيئة والمياه فتتفشي الأوبئة والأمراض المعدية كالكوليرا التي حصدت إلى حد الآن العشرات ؟ فكل متابع للمشهد العراقي يرى أن النكبات التي توالت على الشعب العراقي من قتل وخراب وفتن داخلية وأمراض مستعصية وأوبئة هي من نتائج الاحتلال المباشر وممارسات العسكر الأمريكي وفرق الرعب والموت والدمار التي نشرها في كامل أنحاء العراق بتعامل مع الخونة الذين أتى بهم من الخارج على ظهور الدبابات . فبلاد ما بين النهرين أصبحت تشكو شح المياه بعد ما كانت توفر الاكتفاء الذاتي في عدة مجالات في القطاع الفلاحي والزراعي . وبات التلوث هو السمة البارزة في سماء بغداد والعراق قاطبة من جراء استخدام الأسلحة المحظورة دوليا والقنابل العنقودية التي تحمل اليورانيوم المنضب والمواد الكيميائية الجرثومية الفتاكة التي خلفت العديد من الأمراض الخطيرة لأطفال العراق كالتشوهات الخلقية والأمراض السرطانية الخبيثة التي أودت بأرواح المئات من أبناء الشعب العربي في العراق .وما تجدر الإشارة إليه من أضرار جسيمة لحقت بالشعب العراق في عهد حكومتي الجعفري والمالكي العميلتين فان عدد القتلى والجرحى والمعاقين والمنكوبين من أبناء الشعب العراقي الذي تجاوز عشرات الآلاف بل مئات الآلاف. فهل يعد هذا الوضع الذي يعيش فيه الشعب العراقي هو من اجل تطبيق الديمقراطية الموعودة على ظهر الدبابات العسكرية الأمريكية بمساعدة الجلبيين العملاء ؟.
أم لتمكين الشعب من الجنة الموهومة لكي يعيش في بحبوحة الكوارث والأمراض والمصائب ؟ فهل مواصلة الإدارة الأمريكية في غيها وغطرستها بتنفيذها لعملياتها الإرهابية عبر فرق الموت المنتشرة في كل أنحاء العراق علامة على الأمن المفقود في العراق ؟ أم هو الفشل الذريع الذي ما زالت تعاني منه جراء المقاومة الوطنية الصلبة فبدأت تفكر في الرحيل واقترحت على حكومة المالكي العميلة الاتفاقية الأمنية الطويلة المدى لتحافظ على نفوذها وسيطرتها من جهة وتعوض حضورها المباشر في العراق الذي كلفها ماديا تكلفة باهظة جدا أتت على مدخراتها واحتياطاتها المالية بالاستعمار الغير مباشر . وهكذا تجبر الحكومة العميلة بالتقيد بالالتزامات والاتفاقيات المبرمة دون أن تتعرض مصالحها للخطر فالتفكير في ربط حضورها بالاتفاقية الأمنية هو أسهل الطرق بالنسبة للامبريالية الأمريكية لتهرب من جحيم المقاومة الوطنية والمستنقع العراقي التي عانت منه الأمرين ولا تزال تتخبط فيه وتتجرع الهزيمة تلو الهزيمة من الشعب بمقاومته الوطنية الصامدة الذي امن بمصيره حرا متحررا من ربقة الاستعمار الأمريكي كما امن في الماضي واطرد الاستعمار البريطاني في ثورة 1920التاريخية . فالشعب الذي وحدته المقاومة الوطنية ضد مشاريع الأعداء وافشل مخططاتهم في النيل من وحدته و سيادته الوطنية وهويته القومية هو الذي سيخرج قوات المحتل الأمريكي البريطاني يجر أذيال الخيبة والهزيمة النكراء. إن كل الدلائل تشير إلى أن عهد الإمبراطورية الأمريكية بدا في الغروب وان المستقبل سيكون حتما للشعوب المناضلة في سبيل حريتها واستقلالها تلك التي ترفع راية المقاومة والممانعة عاليا ضد المشروع الامبريالي الأمريكي الصهيوني الرجعي. فالنصر للمقاومة والعزة للشعوب المناضلة والخزي والعار على الخونة والعملاء من جلبيين وكرازيين وصفويين جدد .
فهاهي أمريكا في أفغانستان تطلب الحوار عن طريق حكومة كرزاي العميلة , إلا أن حركة طالبان كان ردها على نفس الدرجة من المقاومة للمحتل وهو أن لا حوار مع المستعمر إلا بخروج قواته المعتدية والغازية. وهذا هو المدخل الذي وضعته المقاومة الوطنية في العراق ولا مدخل غيره إما النصر وإلا الشهادة حتى خروج قوات المحتل التي بدأت في الهروب والانتحار على أسوار بغداد العظيمة .

ليست هناك تعليقات: