2008/10/19

يا مثقفي العرب انهضوا للثورة كي تنهضوا بأمتكم وسراب الحداثة هو أحد أساليب الخنوع للغزو الثقافي

أحداث تتوالى على الساحة العربية , معارك و صدامات , أنظمة تتحرك في جمود , شعوب تأكل و تشرب و تسهر و تنام و هي ميتة، الهزيمة تلو الهزيمة , و كلما مرّ عقد من الزمن حمل في طياته سقوط عاصمة عربية أو هرولة زعيم عربي لتقبيل عصا الغزاة ؛ خوف أن تجلده و مع اختلال ميزان القوى على الصعيد الاجتماعي أصبح المواطن لا يثق بأحد، و يخاف من نفسه على نفسه , فقبطان السفينة لا يعرف عن غرفة القيادة إلاّ مكان الإختباء عن أعين الناس و من يستطيع قيادة السفينة يمنع من فتح فاه , و الإعلام العربي المباشر يعمل ليل نهار لتجميل القبيح و تقبيح الجميل من أجل تسويغ سمومه .

و في خضم هذه الأجواء المتراكمة تسقط الثقافة في براثن الغزو الثقافي و ينقطع غصنها عن شجرتها المثمرة و التي نبتت و سقيت بأمجاد و حضارة هذه الأمة, فلا يتجه العربي نحو مستقبل أمته بقدر تفكيره بحياة يومه , المهم أن يقضي هذا اليوم و قد أمّن فيه المأكل و المشرب , و أمَن من مخابرات نظامه التي إن وقع فيها أنسته حليب أمه و أماتته و أحيته ألف مرة في نهار لا يعرف النور.

فماذا سيكون حال الأدب في أمة هذا حالها ؟ و ما هي ثقافة هذه الأمة ؟

لا بد من تقديم الشكر للغزو الإستعماري لأنه أوجد البديل عن ثقافة أجدادنا الثقيلة التي لا نستطيع حملها , فأتى لنا بثقافة خفيفة سريعة الهضم في عقولنا المستسلمة للواقع , و بهذا لا نعاني من وخز الضمير في ثقافة تنزع منا ضمائرنا و تضع بديلاً عنها مصطلح اللهم نفسي و تعلمنا كيف ننجو برؤوسنا و إن قطعت كل الرؤوس أمامنا فاللهم أن يسلم رأسي .

و لكي نسلط الضوء على أدب هذه المرحلة , يجب أن نركز في الأديب و مدى تعاطيه مع مجتمعه , و مدى تقبل المجتمع من الأديب على الساحة العربية .

الأدباء العرب ينقسمون إلى عدة أقسام هي :

1- أديب هارب إلى إحدى العصور السالفة و لا يتدخل في واقعه .

2- أديب هارب إلى بلد أوروبي و لا يستطيع العودة إلى بلده , فهو مطلوب لمخابرات نظامه لأنه

خارج عن القانون و التهمة أنه قرأ واقعه و شخصه بعيون أمته و ليس بعيون ذاك الزعيم

المعظم .

3- أديب هارب من أفكاره , و يبحث عن أفكارٍ تبعد عنه السوء و القمع .

4- أديب و هو ليس بأديب , فهو عبارة عن بوق للأنظمة تستخدمه لتضليل الجماهير .

5- أديب مقموع لا يستطيع أن يبوح عما في نفسه , شرب المذلة واتجه للمجون و التغزل

بالنهود ليثبت رجولته المفقودة من كافة الصفات إلاّ الصفة الذكرية .

6- أديب ثائر تلقاه في ساحات الوغى أو منسي في إحدى زنازين الأنظمة , أو أُعدم و أُعدمت

أوراقه و لم يتبق منه شيء , و ربما شذ عن هذا الواقع فترى له مقالة هنا أو قصيدة هناك و

طبعاً ممنوعة و كل من يحملها مطلوب لعدالة الأنظمة الظالمة .

7- أديب فقد أدبه في طريق البحث عن رغيف الخبز ليأكل كي يعيش .

8- حمار الأدباء وهو من يلهث وراء كل ما أتى به الغرب ويعتبره صحيحا ويلعن تراثه وحضارته وهو كالوعاء الفارغ تملأه الثقافة الغربية بسراب الحداثة اللامع الذي يحسبه الجاهل ماء

إذن فنحن نتحدث عن أدب مفقود , و هنا يعني وجود فراغ في الساحة الثقافية , و بما أن الطبيعة تكره الفراغ , تم تغطية هذا الجانب بأي شيء , لهذا وجدنا التقليد , فاليوم يتحدث أدباء هذه المرحلة عن قصيدة النثر و عن الشعر النبطي , بعد أن استطاع معلمو هؤلا تسويغ الشعر الحر أو ما أسموه بشعر التفعيلة , الذي حملوه في حقائب سفرهم من باريس و لندن .

قد يقول البعض أنني أبالغ , و ها هم الشعراء يحلقون في سماء العروبة، و يتحدثون عن همومها و يتغزلون بليلى و لبنى و يهيمون في كل وادٍ , و قد رأينا بالأمس القريب مئات الآلاف يبكون الشاعر الفلسطيني الثائر محمود درويش , و هذا نزار قباني تخلد بأشعاره، ودواوينه تملأ المكتبات العامة , و كم من قصيدة أصبحت أغنية , فلماذا هذا اليأس و النظرة التشاؤمية التي تطرحها ؟

أقول و بكل صراحة ، هذا لأن الطبيعة تكره الفراغ؛ و لكي يتضح ذلك مليّا، علينا أن نفتح الأبواب على مصراعيها و نتساءل كم من الدواوين الشعرية بيعت في الوطن العربي ؟ كم عدد المواطنين الذين يقرأون؟ ما هو حال الشعراء و الأدباء اليوم ؟

لا شك أنكم تعترفون بالهزيمة , فما من أحد ينكر أن هناك عدم إتصال بين فكر الكاتب – سواء كان كاتبا أو شاعرا- و فكر القارئ سواء كان مثقفا أو من عامة الناس، و أن بعض القصائد تُهرب إلى عقول الناس لا لبلاغتها و جمالها الفني، بل لإنها تحاكي واقعاً فيه؛ فنزار قباني عندما كتب قصائده الغزلية الفاحشة انتشرت مثل النار في الهشيم , و درويش عندما كتب عن معاناة الشعب , غنّاها الشعب دون أن يفهم معانيها الملايين . و عندما تُكتب قصيدة شعرية بلغة الفن، نجد الآلاف يتأتؤن في قراءتها و لا يتذوقون بلاغتها و جمال تصويرها , و الجمهور يهيم بالغناء الراقص الذي تبدو معانيه في خصر يتلوى و نهد يتعرى أو فخذ يُكشف , أذن نحن لا نقرأ الشعر أو نستمتع بسماعه , بل نستمتع بأجساد الراقصات و المغنيات على الشاشات الفضائية .

و لو عرجنا بنظرة على قراء الأمم الأخرى لوجدنا أنهم يقرأون قصائد درويش و نزار قباني المترجمة و يحللونها أدبياً أكثر منا , فأين تكمن المعضلة هنا ؟

أقولها وبكل ثقة : شجرة النهضة الثقافية لا تنمو بلا جذور , لذلك لن نشهد نهضة ثقافية عربية دون التمسك بتراثنا , و نطوره لينمو فينضج و يثمر , أما أن نستورد المفاهيم و نحاول زرعها في تربة ليست تربتها فلن تنمو هذه النبتة و سنبقى نلهث وراء سراب اسمه الحداثة .

إن ما يحدث على الصعيد الثقافي هو جزء من واقع الهزيمة على الصعيد العسكري و السياسي و الإجتماعي , و يصب في بوتقة التشرذم و التجزئة التي يحياها الوطن العربي الحبيب .

فالقوى الإستعمارية استطاعت أن تزرع فينا ثقافة الهزيمة في كل شيء , و ليس لنا إلاّ ثقافة تقليد المهزوم للمنتصر، و بقيود يفرضها المنتصر على المهزوم , كي يبقى وطننا العربي سوقاً إستهلاكيا هذا من جهة، و يبقي استغلاله و امتصاصه لخيرات هذا الوطن من جهة أخرى .

إذن لا بد من تطبيع العربي على الهزيمة و ثقافة الاستسلام وعدم الثقة بالنفس و يجب أن يشعر دائماً بالنقص و الخضوع أمام عظمة الغرب؛ فيهزم من داخله قبل هزيمته في ساحات المعركة .

كل هذا يجعلنا لا نستغرب في هذا الزمن تشويه المصطلحات و تسخير الطاقات العربية لتدمير أي نهضة عربية في كل المجالات و خاصة الثقافية , و هذا ما تعمل الأنظمة العربية من أجله ليل نهار .

لقد آن الأوان لمثقفي هذه الأمة أن يخرجوا من بؤرة الخوف والخذلان لشعوبهم إلى مواجهة هذه الأنظمة فكريا وتعريتها وعدم الركوع لها لآن مستقبل هذه الأمة أمانة في أعناقهم، ويكفي تضليلا ونفاقا لهؤلاء الزعماء؛ فقد أصبح النضال بالقلم قبل السيف فرض عين من أجل أجيالنا القادمة التي ستلعننا ليل نهار ؛ لأننا صمتنا طويلا أمام هذا الظلم ولم نمهد لها الطريق للمستقبل.

خالد حجار

فلسطين

ليست هناك تعليقات: