2008/10/12

كركوك والمخطط الأمريكي في العراق

ناجي علوش

يجب أن ندرس بعمق أساليب الاحتلال الأمريكي في العراق لأن خطة العدوان والتفتيت ما زالت مستمرة.

لقد قامت الخطة على ما يلي:

أولاً: الاحتلال الشامل الكامل وضرب القوى المقاومة أو التي يمكن أن تقاوم وتقاتل.
ثانياً: بعث قوى جديدة ومصالح جديدة، وإعلان مشاريع جديدة. وهنا انبعثت قوى طائفية واثنية. صحيح أن الشيعة كانوا موجودين دوماً، والأكراد كذلك، لكن لم تكن هناك مشاريع انفصالية، أما المشروع الانفصالي الكردي فكان قد تم وأده، ولم تكن هناك مطالبة كردية بكركوك، أو بخانقين.

وكان هناك شعب عراقي يتحد ويتقدم ويلغى الهواجس الطائفية والنزاعات الاثنية، فعمد الاحتلال على إلغاء الشعب وتحويله إلى اثنيات وأقليات ومشاريع صراع. ولما كان السنة غير قابلين للتحول إلى أقلية، فقد استهدفوا وقُرر إخضاعهم وإتباعهم لمشروع الأقليات والاثنيات، حتى لا يكون وزن لهم، وبدلاً من أن يقف الشعب كله وقفة واحدة لاسترداد الاستقلال ومواجهة مخطط التفتيت، صارت المطالب لدى فئات مختلفة مطالب أقليات، ممثلةً بالحقوق الفئوية والطائفية والاثنية.
ورغم وجود روح عامة للمقاومة، فإن المشاريع الفئوية والاثنية تستهدف استيعاب هذه الروح أو تفتيتها أو إضعافها.
ومما يثير الملاحظة أن المعركة تخاض في أرض العراق، وكأنها معركة غير عربية، ولا تعني العرب.
وها هي كركوك تهيأ لتصبح مركز كيان كردي مرتبط بواشنطن وتل أبيب أكثر مما هي مرتبطة بالعرب والعراق والمسلمين. وحين يُبحث موضوع كركوك، يحضر جلال الطالباني "رئيس الجمهورية"، ومسعود البرزاني "رئيس إقليم كردستان"، وهما ممثلا التحالف الكردي في التركيبة السياسية الجديدة فقط. ويُبحث الأمر في كردستان، وليس في بغداد عاصمة العراق، حتى الآن، مع أن هناك مؤسسات وأطراً أوسع يمكن بحث القضية في إطارها لأنها قضية عراقية كبرى، وليست قضية قرية من المطلوب ضمها إلى محافظة ما ضمن دولة وطنية!
إن تكريس كردية كركوك أساس من أسس تكريد الشمال كله، وضم خانقين وربما مدن ومناطق أخرى.
إن الذي يجري هو تفتيت وإضعاف كل حالة مركزية قائمة وصالحة، واصطناع مركزيات جديدة، تخدم مخطط الإخضاع والإتباع والتفتيت، منها محاولة تأسيس حكم ذاتي في الجنوب، بالرغم من وجود خلافات مصلحية وتناقضات حزبية تقف في طريقه.
المطلوب الآن دراسة هذا المخطط التفكيكي-التركيبي لأنه مخطط مرسوم للوطن العربي كله من الخليج إلى المحيط. وإذا كان قد نفذ في العراق أولاً، فإن ذلك ما تقتضيه الخطة، ولكنه مخطط مرسوم للعرب جميعاً، حتى لا يبقى ما يجمع وتتناثر الأجزاء شذر مذر، حتى لا تقوم للأمة قائمة.
ونلاحظ أن هذا المخطط لا يلقى موقفاً عربياً مناسباً، فلا دراسات ولا تركيز عليه، ولا إدانات ولا استنكار ولا تعبئة، بل هناك مواقف رسمية أميل لتزكية الحكومة العملية، منفذة البرنامج وراعية المخطط.
وقد اختارت الحكومة المصرية لحظة معينة لتعلن انفتاحها، بحجة مواجهة المخطط الإيراني، وحل مشكلة "غياب العرب".
المطلوب قيام العرب بدورهم في مواجهة المشروع الذي عرضناه.
إن التدخل العربي يجب أن يكون حسب الحاجة العربية، لا حسب الطلب الأمريكي، وفي خدمة المطلب الأمريكي.

كما أن الموقف الرسمي ضروري، لكن الموقف الشعبي أكثر ضرورة.
إن العراق قاعدة أساسية من قواعد الوجود العربي، وعلينا أن نحرص أن يظل كذلك، بينما تستهدف السياسة الحالية تقسيمه وإخراجه من الوجود العربي كلياً: دولة كردية في الشمال، ترتبط بالعدو الصهيوني، ودولة شيعية في الجنوب، تتبع إيران، ودولة سنية في الوسط لا قوة لها، ولا ثروات لديها، فالثروات في الشمال والجنوب!

ليست هناك تعليقات: