2009/01/03

متى يحمل الزعماء العرب أكفانهم..؟!

أسامة عبد الرحيم*
يوجد في صعيد مصر تقليد أصيل يحقن الدم ويشفي الصدر ، فيه يقوم الطرف المعتدي بحمل كفنه معترفاً بجرمه، والسير إلي أولياء الدم واضعاً رقبته بجوار كبش مستسلماً لحكم المظلوم ، فيما يقف ولي الدم مخيراً ما بين العفو ونحر الكبش، أو – وهو نادراً ما يحدث- نحر رقبة المعتدي.
وهذا ما يتعين على قيادات الأنظمة العربية مجتمعة فعله بعد أن فرضت وجودها على غير إرادة شعوبها، وتوغلت في ارتكاب الأخطاء التي تدفع الشعوب وحدها ثمنها على المدى البعيد.
ولقد أعادت أحداث غزة الوعي إلى نحو مليار ونصف المليار مسلم يمثلون 19.2% من سكان العالم، فاندلعت شرارة المقاومة متجاوزة الـ 378 كم2 هي مساحة القطاع إلى العمق العربي والإسلامي، وانهارت برامج الأنظمة المنخرطة في غسيل الأدمغة وفق الرؤية الصهيو- أمريكية التي تعتبر المقاومة إرهاباً والاستسلام الخيار الإستراتيجي الأوحد.
وبفضل الله – عز وجل- ثم بفضل صواريخ المقاومة وأكفان الشهداء وصمود خنسوات غزة عادت القضية جزعة إلى جوهرها الذي بدأت منه وهو العقيدة والمقدسات، وبرز بقوة تباين واضح بين فسطاط مقاومة تعمدت الأنظمة خذلانه والقضاء عليه وفق حساباتها، وفسطاط تواطؤ إن لم يكن خيانة واستسلام دعمته وأضفت عليه هالة من الوعي السياسي وفرغت له المنابر حتى قلبت غزة في نهاية المطاف السحر على الساحر.
وانتفضت الشعوب العربية تعقد قمتها الطارئة في المساجد والميادين من المشرق وحتى أقصى المغرب، وتوسعت عضوية المشاركة في القمة التي لم يغب عنها أحد، فتخطت دول سايكس بيكو إلى فضاء الأمة الأوسع الذي ضم الأسود والأبيض والعربي والأعجمي، والمفارقة الكبرى أن قسماً كبيراً من القمة انعقد في عقر بلاد الاحتلال التي تدعم الكيان الصهيوني.
وأصرت الشعوب أن يأتي البيان –غير الختامي- لقمتها المنعقدة في مساجد وساحات العالم واضحاً لا لبس فيه ولا مجاملة لأحد، واعتبرت في بيانها أن الحكام العرب أكثر خذلاناً للمقاومة ودعماً للمشروع الصهيوني الذي يصح تسميته بـ"الشرخ الأوسط الكبير".
كما طالبت القمة الغاضبة بتكفين الحكام الأموات والتكبير عليهم أربعاً رغم أنهم لا يستحقون شرف الصلاة عليهم، ورفضت القمة بكل لغات العالم أجمع أن تطفأ مشاعر الأخوة والدين والدم فضلاً عن الإنسانية في نفوس أفرادها.
وأصرت قمة الشعوب الغاضبة أن يظل التضامن مع المقاومة في غزة سارياً سواء بقى أحد من عناصر وقادة "حماس" أو تم زفافهم بالكامل في أعراس الشهادة التي بلغ مجموعها 457 شهيداً – حتى كتابة هذه المقالة- يستبشرون بنحو 2300 جريحاً لم يلحقوا بهم من خلفهم .
واتهمت القمة الغاضبة الأنظمة العربية بأنها أدوات للدول الغربية، واعتبرت أن ما يتعرض له سكان غزة من حصار وقصف هو عقاب جماعي لهم لأنهم صوتوا في الانتخابات على حركة حماس واختاروا خيار المقاومة، ولم يختاروا نظام "كرزاي رام الله" كما هو الحال الذي خططت له واشنطن منذ البداية.
غفلت الأنظمة عن عمد أن غزة كلها مشروع مقاومة ممتد ولا تعبر عن نفسها فقط ، بل إن المقاومة هي يد الأمة مهما كانت رميتها ضعيفة وقادتها هم ألسنتها مهما كانوا محاصرين، وأن هذه القضية هي قضية الأمة كلها وليست قضية فلسطين وحدها.
ختم الله على قلوب هذه الأنظمة وسمعها وجعل على أبصارها غشاوة فلم تعد ترى أن الدماء موصولة من الشيشان إلى أفغانستان ثم العراق وبعده الصومال ومنها إلي غزة ، لتتحد الدائرة مروراً بكل بقعة ممانعة في مشروع مقاومة صاعد، يرفض كل الاتفاقيات المذلة والمعاهدات المجحفة والتنازلات التي تمت في غيبة الأمة أو من تفوضه شرعاً ليمثلها.
أنظمة سايكس بيكو العربية اتخذت من الوضع الدولي الذي نشأ باتفاق بين القوى المستكبرة على تقطيع الكعكة العربية إلى كانتونات متحدة في اللغة والعقيدة والموقع الجغرافي ، إلا أنها متفرقة عبر حدود ومعابر يتم استغلالها وقت اللزوم وإغلاقها في وجه المحاصرين بحجة الالتزام بالاتفاقيات المبرمة حتى ولو كان ذلك على حساب الأمن القومي وفرضية البقاء .
حيث تعد المقاومة الفلسطينية خطاً متقدماً للدفاع عن الأمة ضد المشروع الصهيو- أمريكي والرامي إلى إعادة التقسيم والتفتيت في كعكة سايكس بيكو، وعليه يتم محو دول وإقامة أخرى ودمج قطع وتفريق ثانية؛ لتستمر معادلة التابع والمتبوع حيث يمثل العرب في ظل أنظمتهم الحالية دور التابع الممول في نفس الوقت لمشاريع سيده المتبوع اقتصاديا وعسكرياً وسياسياً.
وأخيراً نقول أن المقاومة في فلسطين صمدت وأدت ما عليها ولن يلومها أحد، وسيكتب التاريخ ما قدمته بحروف من نور، وستذكر الأجيال القادمة كيف صنعت المقاومة من اللاشئ سلاحاً واقعياً غير عبثي، وأنها خاضت حرباً غير متكافئة صمدت فيها أكثر من سبعة أيام فى وجه القوة الرابعة عالمياً الأولي في منطقة "الشرخ الأوسط"، في حين لم تصمد الجيوش العربية مجتمعة في حرب حزيران عام 1967 أكثر من ستة أيام فقط .
المقاومة فتحت باب الوعي على مصراعيه ودفعت الثمن من دماء الأطفال والنساء والشباب وحتى الشيوخ المقعدين، وبقى على الأمة أن تكمل المسير صموداً وممانعة وتقبل هي الأخرى بدفع الثمن، كما دفعته الأمم من حولنا لينتهي بها المطاف إلى تملك إرادتها وفرض سيادتها حتى لا تتآكل وتذهب بيضتها.
وسواء حققت المقاومة انتصاراً ميدانياً منظوراً وردت الاحتلال خائباً دون اجتياح بري وهو حسير، أو حققت هدفها الإستراتيجي بعيد المدى وطحنت كوادرها جنازير الدبابات الصهيونية ، فان الشعب العربي ضحية سايكس بيكو وصلته الرسالة جيداً ووضع أنظمته في خانة الطرف الآخر من المقاومة.
وما لا تقرأه العقلية الصهيو- أمريكية أنه سواء بقيت لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" كوادر في غزة أو تم زفافهم بالكامل، فان بذرة المقاومة انتقلت من غزة وحلت في أجساد أكثر من مليار مسلم ينتظرون المعركة الكبرى التي توحدهم صفاً واحداً، فيما بلغت أعراس الشهادة والهجرة إلي السماء ذروتها حتى لحظة كتابة المقال، ولهؤلاء نقول ما سطرته الشاعرة محاسن الحمصي:
تخترقُ حاجز الصوت , تلتفُ حول خطوط الكونتورز
تجتازُ عنق طبقـــــــــــــــة الأوزون
تقطعُ الحبل الســـــــــــري
وتمضي..
قوافل بيضاء عن اليمين , مواكب بيضاء عن اليسار
تستقبلُ على جناح الشوق
أسراب من المهج
رفوف من الأرواح
تصعد بعين الحب درجات السُلم
تقف بقلب الخاشع , تقرع باب الرحمن
تُفتح سماء النور بلهفة العاشق
تمد ذراعيها تحضن الزوار
تجفف دمعة القهر
تمسح وجه البؤس
تهدهد التعب..
تنثر الزهور, تفترش ضفاف الكوثر
تروي ظمأ العطش سلسبيلا مرويّة
وتبسط الدرب حريـــــــــــــــة..
تحوّم , تطير , تركع , تصلي, تهلّـــــــل
شكرا يــــــــــــــــا الله
لدي اليوم فوج جديد
لدي اليوم ألف عيد
لدي حفل عرس
لدي
اليوم
شهيـــــــــــــــــــــد..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وصحفي مصري

ليست هناك تعليقات: