2008/07/22

عبد الناصرــ ابن الارض والنيل


تميم منصور*
قال جون فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحده السابق: ان الوطنيه القابله للاشتعال التي يسمونها القوميه العربيه هي شَحْنة البارود ومصر جهاز التفجير، وجمال عبد الناصر هو الابره في جهاز التفجير.
هناك من يعتبر شهر تموز ( يوليو ) مخزن الثورات وابو الحروب، لان التاريخ شاهد على وقوع العديد من الثورات الهامه والمفصليه بين ضفتيه وعلى امتداد أيامه الطويلة ولياليه الصافيه، لم تكن حرارة هذه الثورات


تقل عن لهب شمس أيامه العامره.
في محيطنا العربي نكتفي بمراجعة أوراق ثورتين اشتعلتا في هذا الشهر، الأولى ثورة 23 تموز ( يوليو ) سنة 1952 في مصر، والثورة الثانيه قام بها جيش العراق أسقط من خلالها النظام الملكي يوم 14 تموز ( يوليو ) سنة 1958.
في هذه الايام تحيي جميع القوى الوطنيه العربيه الملتزمه التي جعلت من الاجماع القومي العربي الناصري خياراً لها، لأنه هو الدرع الواقي والسقف الأمن الوحيد القادر على تحرير المواطن العربي من قيود الطائفيه والعشائريه والاقليميه، الاجماع القومي العربي التحرري الناصري يبقي الاجابه الصادقه أمام افتراءات الانهزاميين الانفصاليين المتسترين بعباءات الدين وروائح بخور المساجد والكنائس وكل ألوان الاصوليه الغيبيه التي تفصل الانسان عن ذاته ونفسه ومحيطه، نعم انها ذكرى ثورة تموز ( يوليو )
السادسه والخمسين المجيده بقيادة الرمز الخالد ما دام الخلود خلوداً جمال عبد الناصر، ابن الارض والنيل والوطن، رائد القوميه العربيه وفارسها، وباعث الكبرياء في عروق الانسان العربي، باني السد العالي ومُمَصّر الاقتصاد ومؤمم قناة السويس ونصير العمال والفلاحين.
لم تكن ثورة يوليو من عام 1952م انقلاباً عسكرياً عشوائياً عابراً يهدف الى الانفراد في الحكم من قبل قادة هذا الانقلاب، لم يتأخر هذا الانقلاب حتى تحول الى ثورة بكل مفاهيمها قلبت كل الموازين في مصر والشرق الاوسط وقارتي أسيا وافريقيا.
لم تقم الثورة لخدمة طبقة محدده سوى توفير الحد الادنى من متطلبات الحياه الكريمه لكل الفقراء من العمال والفلاحين المصريين الذين زادت نسبتهم عن 90% من أبناء الشعب المصري
حررت الثورة هؤلاء من كوابيس الخوف والخنوع والذل والفقر والمرض والاستغلال، أعادت لهم كرامتهم المسلوبه كما كسرت القيود التي طوق بواسطتها الاقطاع ايديهم وأعناقهم، زرعت الثورة بذور عدالة التوزيع ومجانية التعليم بين أبناء الشعب العربي في مصر.
حررت الثورة الناصريه مصر من عبث الملكيه وفسادها، كما طهّرت مصر والمصريين من دنس الاحتكارات الاجنبيه التي كانت بمثابة دوله داخل دوله، الغت الاقطاع وحررت العمال ورفعت رؤوس المستضعفين في المشرق العربي ومغربه، هذا حولهم الى روافد متدفقه نحو النضال القومي العربي.
لم تنتظر الثورة التي قادها جمال عبد الناصر مشاكل الشعب المصري كي تأتي اليها لحلها، كانت الثورة هي التي تبحث هن هذه المشاكل لحلها، كشفت الثورة عن معدن الشعب العربي في مصر الحقيقي وأكدت أن مصر للعرب والعرب هم مصر الجديرة بقيادة هذه الامه نحو التحرر والوحده وبناء المواطن الحضاري المبدع المنتج.
فاقت انجازات هذه الثورة قدراتها وطاقاتها وقوة تحملها، فعجلة انجازاتها لم تتوقف خلال ثمانية عشر عاماً 1952ــ 1970 يحركها الفكر الوطني القومي الناصري.
لم تطرق هذه الثورة باباً الا أقتحمته داخل مصر والوطن العربي وقارتي أسيا وافريقيا من أجل تبديد الظلام وكنس القوى الاجنبيه، لقد وصل وهج الثورة الى داخل ضمير كل عربي من المغرب حتى الخليج العربي ومن اليمن حتى الاسكندرونة، واجهت هذه الثورة الاستعمار والاحتكارات الاجنبيه، كما حاربت الاحلاف التي اقيمت في منطقة الشرق الاوسط، في مقدمة هذه الاحلاف حلف بغداد الذي اقامته بريطانيا سنة 1955 من أجل محاربة حركة التحرر العربيه التي قادها جمال عبد الناصر.
لم تهمل الثورة القضيه الفلسطينيه واعتبرتها في مقدمة أولويات اهتمامها عملت كل جهودها من أجل ابقاء القضيه الفلسطينيه حيه نابضه تطفو فوق سطح الاحداث مشتعله باذهان الملايين، قامت بذلك مباشرةً بعد النكبه حينما كان الجرح الفلسطيني لا يزال ينزف، كان عبد الناصر هو الذي أبقى على وهج نار القضيه وحق العوده، كان الفيتامين الذي ابقى على صحة القضيه، اللسان الذي عبّر عن
المخاطر والهول والاسى، حدث كل هذا ولم يكن بعد للفلسطيني كيان يحميه من الغربه عن نفسه ووطنه وعروبته.
كان هَم الصهيونيه أن يندثر الحق الفلسطيني ويغيب بين طيات التاريخ، فاذا بعبد الناصر يبعثها من اساستها ويحملها كالصليب فوق ظهره ويدور بها على الدنيا..
هذا غيضٌ من فيض مما حققته الثورة، اننا لا نستطيع حصر هذا الفيض المتدفق فوق كل السطور، لأن بعثها فاق حجمها وعمرها بكمّه وكيفه، حدث هذا رغم التحديات التي واجهتها من قبل قوى الاقطاع والانتهازيين والرجعيه العربيه الباليه المدعومه من الامبرياليه.
بعد رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصراستعدت هذه القوى الشيطانيه للانقضاض على منجزات الثورة مدعومه من الصهيونيه والامبرياليه، كان هم الصهيونيه دائماً فصل مصر عن جسد الامه العربيه، لأن مصر هي الرأس والقوه والحصانه والثقافه والكساء الذي يحمي جسد الامه العربيه عندما كان عارياً، وقد حققت الصهيونيه حلمها بفصل مصر الرأس عن الجسد العربي، فأصبحت تتحكم بالرأس وتتحكم بالجسد، لقد بترت اسرائيل رأس مصر بواسطة سيف السادات بعد أن أوهمته بأنه يعيش فيما وراء الطبيعه يملك قوة خارقة يجب عليه استغلالها، لقد سبق خطوة السادات بفصل رأس مصر عن جسد الامه العربيه خطوة اخرى لا تقل خطورة، فقد قام بهجمة شرسه ضد انجازات ومقدرات ثورة يوليو، كما قام بفتح أبواب النار محاولاً حرق شخصية عبد الناصر، وقد أكمل مسيرة هذا الاحتراق الفرعون الصغير حسني مبارك، الذي فَرّط بكل انجازات الثورة من اصلاح زراعي وصناعه، أغلق كل أبواب التطور والتحول الفكري، جفف كل ينابيع الانتاج والابداع العلمي والثقافي وحتى الادبي.. اطلق العنان لكلاب الباشوات كي تعود وتنهش جسد المواطنين المصريين الذين حررتهم الثورة من التبعيه والعبوديه.
ان تحييد وابعاد مصر عن دورها الريادي في العالم العربي ما هو الا الكفن الذي لف به هؤلاء انجازات الثورة، قاموا بقطع اشعاعاتها الفكريه والقوميه لمنعها من الوصول الى الدول العربيه.
تطل ذكرى الثورة اليوم في سماء ارض الكنانه خجلةً حزينةً لان المرتدون حولوا مصر الى اطلال تعبث بها قوى غربيه تقوم بتعميق جرح مصر النازف دائماً، ان ما حصل للدوله العثمانيه في اواخر عهدها يحصل لمصر اليوم انها تحتضر بسبب ردة المرتدين عن سكة الثورة.
القوى التي أجهزت على الدوله العثمانيه هي القوى ذاتها التي تحاصر مصر اليوم، بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحده الامريكيه والحركه الصهيونيه، ان هذه القوى قادرة على سلب ارادة عكاكيز الباب العالي في القاهره لكنها غير قادره على سلب ارادة غالبية أبناء الشعب المصري، لأننا نعرف خامات هذا الشعب الذي كان وسيبقى رأس الحربه للامه العربيه.
نعم نعترف أن المؤامرة على عبد الناصر كانت أقوى من الحلم والواقع لكن الثورة ومسيرة عبد الناصر كانت وستبقى في داخل ضمير كل مواطن عربي من المحيط الى الخليج.
* كاتب فلسطيني

ليست هناك تعليقات: