2008/11/14

أحب عبدالناصر.. وأرفض التطبيع مع «إسرائيل



مثلت التصريحات المنسوبة للفنان السوري الكبير دريد لحام والتي نشرت في «مجلة ألوان» اللبنانية صدمة كبيرة لمحبي الفنان وللجمهور العربي بشكل عام خاصة وأنها تختلف تماما عن مشوار الفنان ومسيرته الفنية التي اتسقت مع الثوابت القومية والعربية وتجاوبت مع التجربة الناصرية.

فقد نُسب للفنان تصريحات انتقد فيها الحقبة الناصرية، والوحدة بين مصر وسوريا، وأعرب فيها عن تأييده لاتفاقية كامب ديفيد، مشيرا إلي أن الحرب مع الكيان الصهيوني انتحار في ظل غياب التوازن!!

وهو ما جعل «الموقف العربي» في عددها الصادر في 15 مايو 2007 إلي مطالبة دريد لحام بتوضيح موقفه من التصريحات التي نشرت منسوبة إليه والتي إن صحت تعتبر ردة علي مواقفه وصدمة للجمهور العربي.. وفي حوار لـ «الموقف العربي» مع الفنان الكبير قال: إنه لم يكن في يوم ضد التجربة الناصرية أو عبدالناصر بل إنه يحب عبدالناصر علي المستوي الشخصي ومازال مقتنعا بالمنهج والفكرة.. وأكد أنه ضد الكيان الصهيوني ولا يمكن أن يضع يده في يد صهيوني أو ينساق وراء الأنظمة التي هرولت لإقامة ما يسمي بالسلام مع هذا الكيان السرطاني.. وقال: لن أفعل ذلك حتي لو ذهب العرب جميعا وأقاموا علاقات مع الكيان الصهيوني.

سألناه في البداية عن حقيقة التصريحات المنسوبة إليه فقال: في بعض الأحيان يقابلك أشخاص ينظرون إلي النصف الأول أو الأخير من الكوب فهم ينتقون من كلامك ما يريدون، وهؤلاء ينطبق عليهم قول «لا تقربوا الصلاة.. دون أن يكملوا.. الآية» وللأسف هؤلاء لا يعرفون جيدا من هو دريد لحام ومواقفه الوطنية عبر مشواره ومسيرته.. فقد وجهت انتقادي إلي بعض من يدّعون الناصرية ويتحدثون باسمها وهم بعيدون عنها ويسيئون بتصرفاتهم للرئيس جمال عبدالناصر، أما الرئيس عبدالناصر فأنا أحبه كثيرا وبكيت بحرقة عندما سمعت خبر رحيله شأني شأن كل المواطنين الذين كان الخبر بالنسبة لهم كارثة مفجعة فقد كان بالنسبة لي ولجيلي الأمل في المستقبل.

> أنت إذن مازلت ضد كامب ديفيد وإبرام اتفاقيات مع الكيان الصهيوني رغم ما يروجه البعض عن غياب التوازن العسكري وغيره من دعاوي الانهزام والاستسلام؟

>> أنا ضد كامب ديفيد وضد أي صلة بالكيان الصهيوني ولا يمكن أن أقبل بإقامة علاقات طبيعية مع عدو يتربص بنا ووجوده ضد وجودنا كعرب، وأعلنها: لن أطبع حتي لو أقام الحكام العرب جميعهم صلات بهذا الكيان الغاضب، ولا يمكن لي أن أضع يدي في يد عدو صهيوني دمر الحجر وذبح البشر ويرتكب الجرائم منذ ستين عاما وحتي الآن.

وأنا لي نظرية تقول: «في حال غياب التوازن الاستراتيجي والعسكري.. السلم استسلام والحرب انتحار»، ولا يمكن أن يخالفني في ذلك عاقل فالسلم يجب أن يكون بين طرفين متقاربين في القوة حتي يكون سلاما حقيقيا، أما ما حدث من معاهدات بين بعض العرب والكيان الصهيوني لا يمكن أن نطلق عليها معاهدات سلام بل هي معاهدات استسلام لذلك اعتبر اتفاقية كامب ديفيد استسلاما ووصمة عار في التاريخ العربي.

> السلم استسلام.. والحرب انتحار.. فماذا عن المقاومة التي انتصرت علي الكيان الصهيوني في لبنان وأجبرته علي الانسحاب من الجنوب في ظل غياب التوازن الاستراتيجي؟

>> أنا بالطبع مع المقاومة وهي خيارنا الوحيد ففي ظل غياب التوازن علينا أن نعد أنفسنا وهناك مقولة: «إذا كنت تسعي للسلم فتهيأ للحرب»، وما أحدثته المقاومة العظيمة في جنوب لبنان علي الرغم من تفاوت القوة الكبير يعني أن الإرادة خلقت التوازن بين المقاومة الشريفة وبين الكيان الصهيوني العنصري، وهذا ما يؤكد كلامي السابق كامب ديفيد وصمة عار في جبين التاريخ العربي.

> وماذا عن الوحدة بين مصر وسوريا 1958 وموقفك منها، خاصة وأن التصريحات المنسوبة إليك فسرتها مجلة «ألوان» علي أنها «انقضاض علي الوحدة»؟

>> نحن بحاجة إلي الوحدة بين مصر وسوريا وكل الأقطار العربية، وفي أثناء الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958 كانت الأمة بحاجة لمثل هذه الوحدة خاصة وأن العديد من الدول العربية كانت تحررت من يد الاستعمار وبدأت تضع أقدامها علي أول الطريق، لكن الضغوط السياسية والمؤامرات حالت دون استمرارها، فما حدث أن البعض تآمر علي قرار الوحدة ولم يقف الشعبان في وجه ذلك لأن القرار جاء من الرئيسين المصري والسوري.. أما الوحدة فكلنا تواقون إليها وكنا نتمني استمرارها حتي الآن فالوحدة هي الأمل الذي تنتظر تحقيقه كل الشعوب العربية.

> بعيدا عن التصريحات المنسوبة لك.. ماذا عن آخر أعمالك؟

>> هناك أعمال أعدها وسوف أقدمها مع قناة المنار ومنها مسلسل تدور صراعه حول صراع الأجيال من تأليف حكم البابا، وهي مشكلة نعيشها الآن خاصة في ظل الاختلاف المستمر بين الأجيال المختلفة والذي يبدو واضحا بشكل أكبر من ذي قبل هذه الأيام.

> ألا تري أن هذه الأيام خاصة في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها الأمة العربية نحتاج إلي جهود أكبر من الفنان العربي لمواجهة محاولات النيل من الهوية العربية؟

>> الفن كثيرا ما لعب دورا بارزا في مواجهة تحديات الوطن العربي وهناك فنانون جادون يعون دورهم جيدا وينفعلون بقضايا أمتهم.. لقد منحني الرئيس بشار الأسد، وسام الاستحقاق السوري وهذا الوسام يعطيني دفعة كبيرة كما أنه ليس تكريما شخصيا إنما تكريم للفن العربي الأصيل، والرئيس بشار عندما منحني الوسام إنما كرم جميع الفنانين ليس السوريين وحسب بل الفنانين العرب جميعا لا سيما الملتزمين بقضايا شعوبهم وأمتهم.



2008/11/04

دعوة بالعودة للأصولية الناصرية (3)



دروس في الوحدة ومن أجل الوحدة ـ ج2

حسين الربيعي
فيما يعتبر الدكتور نسيبة أن جذور القومية العربية ممتدة إلى ما قبل الأسلام ( باسل الكبيسي ـ حركة القوميين العرب ) ، فقد لاحظ المثقفون القوميين أن هناك أتجاهين في الحركة القومية يمكن تسميتهما بـ :
الأتجاه القومي الوطني .
الأتجاه القومي العربي .. أو الأتجاه القومي قومي .
ومع الأقرار بالتلازم بين فكرة القومية العربية والوحدة العربية ، أعتماداً على بداياتها الأولى في العصر الحديث على يد الرعيل الأول ، فقد ( كانت كتابات ساطع الحصري مفيدة في شرح وتنفيذ مفهوم القومية العربية ـ باسل الكبيسي ـ نفس المصدر السابق ) ففسرها على أنه ( أنصهار الفرد في الأمة إلى درجة التضحية بالحرية الفردية ـ نفس المصدر السابق ) . وأعتماداً على نفس مقولات الحصري ( بأعتبارها نموذجاً ) في ( رفض كل أشكال القوميات القطرية في العالم العربي ـ نفس المصدر ) ، فإن الأتجاه القومي الوطني لايتوافق مع المفهوم القومي الوحدوي ، وهو المنطق الذي لايمكن قبوله من القوميين العرب وبالتالي فإن السكوت على مواقفه جريمة ضد الوحدة العربية ، حيث تبين من مجريات الأحداث أن كثيراً من الذين رفعوا أسم الوحدة هدفاً .. كانوا أكثر الذين تأمروا عليها .
فدعوة القومية العربية في أهم أجزائها ، دعوة للوحدة العربية ، ونضالٌ من أجلها ، ضد تشتيت الأمة وتفرقها .. وضد تخلفها الذي أورثته تلك التشققات والتجزئة . ففيما تميز القوميون العرب الوحدويين ، الذين أختاروا الخط الناصري .. تمسكهم بالوحدة العربية عن غيرهم من القوميين ووجدوا ( في الوحدة قوة ـ نفس المصدر ) ، تعارضوا مع البعثيين الذين لم يستجيبوا لهذا الموقف في ( جعل قضية الوحدة الهدف الأول لنضال الجماهير ـ نفس المصدر )، وقد تبين بوضوح موقفهم هذا وبشكل عملي في عجزهم ( البعثيين ) من أبرام عقد للوحدة بين قطرين شقيقين متجاورين ، تقع سلطاتهما تحت نفوذ حزب البعث في الفترة التي أفشل فيها البعث محاولة الوحدة الثلاثية في 1963 ، ولافي الفترة الزمنية الطويلة بين 1968 ـ 2003 ، بل أن الأمر لم ينحسر عند هذا الحد ، فقد بلغت درجة العداء بين جناحي الحزب والنظامين ، لأكثر من العداء بين نظاميين متعارضين ، وتم خلالها تصفية (الرفاق البعثيين) من الذين يملكون حساً وحدوياً .
ولقد أصبح واضحاً القصور الفكري والعملي لدى دعاة الوحدة العربية الذين كانت ولاتزال طموحاتهم تنصب في مضمار منافسة زعامة عبد الناصر المؤكدة للوحدة العربية ممارسة وفكراً ( وعلى الرغم من ذلك فإن الممارسة العملية لحزب البعث كانت تتناقض مع الفكر والمبادئ النظرية ، فالذهنية القطرية في الممارسة تغلبت على الذهنية الوحدوية القومية ، والنهج الشمولي الذي لايعترف بالأخر والرأي الأخر حل محل النهج الديمقراطي الذي يعتبر الحرية الفردية والجماعية حقاً للمواطن والمواطنين ، كما أن نظرية الحزب القائد وهيمنته على الدولة والمجتمع لاتتفق مع الحرية وتجعل الحزب القائد والنظام بديلاً للشعب ونظرية الجيش العقائدي لاتنسجم مع بناء جيش وطني محترف ـ حسن عبد العظيم ـ التيار القومي ـ الواقع والأفاق المستقبلية )
هنا تتضح أصالة الدعوة الوحدوية الناصرية ، في كونها تجربة قومية ـ قومية ، على العكس من التجارب القومية الأخرى في الوطن العربي ، ومع ذلك ظلت هذه الدعوة وتجربتها الوحيدة في التأريخ العربي تتعرض للتشريح ، والتجريح حتى من المحتمين بخيمتها ، فقد تعددت نواحي اللوم .. منها من أتهمها بالتعجيل في أبرام مشروعها الوحدوي ، ومنها من لامها في التأخير لدعوتها القومية والوحدوية ، والواقع أن هناك شعرة صغيرة بين اللائمين ، تدعوا في البحث عن ( أنتكاسات الثورة وأخطائها ) .. فيما تصور البعض أنه يحاكم حدثاً في وقته وقد مضى عليه ما يقارب العقود الأربع ، غير مدركاً للتحولات نوعاً وكماً .

الوحدة والديمقراطية
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك كلام كثير يقال في الوحدة والديمقراطية : ( الطريق إلى الوحدة العربية يبدأ من الديمقراطية ، فلا وحدة ولا اتحاد قابلين للأستمرار والبقاء إذا لم يؤسسا على إرادة الأغلبية من الشعب الممثلة له بطريق الأنتخابات الحرة النزيهة ـ د . ممدوح خسارة ـ التحولات في الفكر القومي ـ الوحدوي الثقافي )
هذا الكلام في عموميته صحيحاً ، ولكن في تطبيقاته على أرض الواقع الحي هو غير ذلك ، وأسبابه متعددة وهي في صلب الديمقراطية وتطبيقاتها ، ففي لبنان مثلاً ، هناك تجربة ديمقراطية ، ولاحقاً في العراق ، والأنتخابات هي أداتها .. نزيهة أو غير نزيهة .. حرة أو غير حرة ، لأن درجة حريتها ونزاهتها تدخلنا في أشكاليات الجهة التي تحكم في ذلك ، وهذا يقع ضمن معايير ومصالح تلك الجهات ، هذا أولاً ، أنما على العموم أن التجربتين مارستا نفس آلية الأنتخابات . ولكن هذه الأنتخابات في كلا التجربتين قادتا لمزيد من التمزق ( الطائفي والديني ) ، وقطعتا الطريق على (الغالبية الوحدوية ) وفتحت الطريق أمام القوى التي لم تكتفي بالتشتيت القومي ، بل هي لاتخاف أن تظهر العداء للوحدة الوطنية !!
إذاً علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة ، ونقول أن الديمقراطية التي تضمن حقوق الأمة في وحدتها هي ليست هذه الأشكال من الديمقراطية ، ذلك لأن هدفنا الأساس هو المواطن العربي من الأجيال الجديدة التي تقع على رأسه يومياً ألاف الأطنان من ( الكيمياء السياسية ) المعادية ، محضرة في أحسن مختبرات العالم . وهذا دون شك يجعلنا مرة أخرى نبحث عن (ديمقراطية سليمة ) فهل هناك ديمقراطية وحدوية ؟ يقول المفكر القومي منح الصلح في مقالٍ له : ( أن هويات الأقطار العربية ، تعالجها ديمقراطية ذات منطق وطني قومي ) .
وحينما نتصور مثلاً أن "الديمقراطية السليمة " لها ( قصورها عن عدم الوفاء بوعودها .. من أنها تنفذ منها أكثر العوامل والقوى السياسية المضادة للثورة ـ جمال الأتاسي ـ إطلالة على التجربة الثورية لجمال عبد الناصر ) فإن تلك القوى كانت أكثر فشلاً ( اذا حسبنا التجربة الناصرية فاشلة في هذا المجال وعدم الأتفاق في تصاعدية الثورة بالأنجاز الديمقراطي ) في المجيء بتجربة ناضجة " للديمقراطية" .. كانت أفضل أو على الأقل بنفس المستوى في مجال المردودات الحقيقية للجماهير من التجربة الناصرية .
وقد جاء في مجالات التشكيك المتعمد للقومية العربية ودعوتها الوحدوية بأن " الأنظمة العربية التي حكمت بأسم القومية العربية سلبت الأنسان حريته السياسية والمدنية بحجة تحرير الأرض العربية ـ ممدوح خسارة ، نفس المصدر" فالتجربة تحكم بما لايقبل الشك .. أن الديمقراطية السياسية لايمارسها بشكلٍ طبيعي أنسان جائع ، ولايمارسها أيظاً إنسان جاهل .. والجهل أحد عوامل الفقر الأجتماعي التي تحدث بسببه ، ولذلك فإن المواطن الذي يتمتع بـ " ديمقراطيته الأجتماعية ( أكتفاء ، تعليم ، ضمان صحي وأجتماعي وغيرها مما توفرها الديمقراطية بجانبها الأجتماعي ) أحسن أستخداماً لحقوقه الديمقراطية في جانبها السياسي ، ويمكن حقاً أن نساوي في حال التمسك بالجانب السياسي وإهمال الجانب الأجتماعي .. رمي أستمارة الأنتخابات كرمي ورقة مهملة في برميل للقمامة !
والديمقراطية الشعبية التي كانت عنواناً لديمقراطية النظام الناصري ، وتركيزها على الجانب الأجتماعي ، الغرض منه الأرتفاع بالمواطن العربي إلى المستوى الأفضل أقتصادياً بتحريره من قيود الأستغلال والأحتكار ، ومن ثم الأرتفاع بممارسته للمسؤلية السياسية وصولاً لأستحقاقه الديمقراطي ( إن رفض الفكر القومي للتجربة الديمقراطية الموهومة والمزعومة في تلك الفترة كونها عملاً ديمقراطياً شكلياً تتحكم فيه طبقة الأقطاع ورأس المال ولم تكن ديمقراطية حقيقية وأن الديمقراطية الحقيقية كما يقول الميثاق ـ هي توكيد السيادة للشعب ووضع السلطة كلها في يده وتكريسها لتحقيق أهدافه ـ التحولات في الفكر القومي العربي من منظور مختلف ـ خالد الحسن ـ الوحدوي الثقافي ـ حزب الأتحاد الأشتراكي العربي الديمقراطي ـ سوريا )
وعلى نفس المسار الديمقراطي ، وبما أنها ( توكيد السيادة للشعب ) فإنها تعني رغبة الأكثرية ومصلحتها ، فإن العملية السياسية يجب أن تخضع لهذا المفهوم ، فمن الطبيعي أن تعبر العملية السياسية عن مصلحة الأكثرية في العمل على قيام الوحدة العربية ( أن الوحدة لايمكن بل ولاينبغي أن تكون فرضاً ، فإن الأهداف العظيمة للأمم يجب أن تتكافأ أساليبها شرفاً مع غاياتها ـ الميثاق ) أو على الأقل حماية الوحدة الوطنية ، وديمقراطياً يجب أن تخضع مسارات وآليات وأجراءات العملية الديمقراطية لهذه المصلحة وأن يتم أقصاء العناصر التي تقف بالضد من تلك المصالح (الوطنية) ، بل يجب أعتبار القوى التي تعمل بالضد من هذه المصالح على انها قوى إرهابية ، فنحن لم نجد في التجارب الغربية من مجال في الدعوة لتمزيق الدول الغربية القائمة ( حتى ان منظمة ( آياتا ) الأنفصالية الأسبانية التي تطالب بأستقلال ( أقليم الباسك ) تتعامل معها الدولة الأسبانية والأتحاد الأوربي على أنها منظمة أرهابية ! فيما تفسح النماذج الديمقراطية ( لبنان والعراق ) على أن تهيمن القوى الأنفصالية على السلطة وتحقق الأكثرية !
والأغرب في هذه النماذج من الحكم التي صنعتها مؤسسات غربية لها مطامع ومصالح في وطننا العربي ، ومخاوف من وحدته ، فأوعزت للقوى التي مكنتها هذه الديمقراطيات الموهومة للمتاجرة بالمصالح الوطنية للدولة ، واليوم تتناقل الأخبار ( قصة ) لقاءات البارزاني مع بوش ، ما أثار غضب حتى حلفائه في ( التحالف الكردستاني ـ محمود عثمان ـ ) فالبرازاني ، وفقاً لدوره المرسوم يعرض أرض ( كردستان ) أمام بوش لبناء قواعده ، التي تمكن الألة العسكرية الأمريكية من الاعتداء على شعوب المنطقة ـ أخرها الأعتداء الأرهابي على البوكمال السورية ( أن فلسطين ضاعت في ظل الوضع الديمقراطي المعني ، وأن الأحزاب الديمقراطية حاكت المؤامرات ضد بعضها للأنقضاض على السلطة ، وأن هذه الاحزاب تعاملت مع المحتل وباعت الوطن والمواطن من أجل تحقيق مصالح حزبية ـ التحولات في الفكر القومي العربي من منظور مختلف ـ خالد الحسن )
وعلى العموم ، فإن السياقات التي قامت على أساسها النظم والعمليات السياسية هي التي قادتنا إلى هذه المحاكاة : فأولاً يجب الفرز بين الحقوق الأجتماعية لأفراد المجتمع من مساواة وتكافوء في الفرص .. الخ ، فهنا يجب أبطال كل ما يتعارض مع حقوق الأنسان . ولكن هناك أشكالية في الحقوق العامة التي تعني مشاركة المواطنين في السلطة ومشاركتهم في أتخاذ القرارات الحاسمة ، وقبل هذا سن قانون الدولة . يجب أن تكون هناك علاقة تنظم الأمور بين الحقوق الديمقراطية للمواطنين ( أشخاصاً وأحزاباً ومجاميع سياسية ) كالأنتخابات وبين الدولة وضرورة أستمرارها وبقائها ، خصوصاً وأن دولنا أجزاء من وطن واحد ممزق .
هنا يعود بنا الجدل نحو الدستور ، فالأمريكيين وهم مستوطنين جدد على أرضٍ جديدة ، أنشئوا أتحاداً بين دول مختلفة تحت شكوك أستمراره أو عدمه ، الضامن الوحيد هو الدستور " الأتحادي " الذي يفرض مصلحة وإرادة الأكثرية .
يجب أن يكون هناك شعور عند الجميع ( أفراداً وحركات وأحزاب ) ، أن الجميع مواطنوا دولة يجب الحفاظ عليها ، وفي السياق القومي : أنها دولة يجب أن تتحد أقاليمها لتشمل كل الوطن العربي . اننا كبشر في بداية القرن الحادي والعشرين نقف بسكينة ( ديمقراطية ) أمام مشكلة تمزق كبيرة ، ونتعرض ( لأجراءات ) خارجية وداخلية ، وبنفس أشكال التدخلات التي حولت دول كبيرة لمجاميع من الدول الصغيرة .. المتباغضة والمتنازعة فيما بينها .
( لاريب أن مرحلة التأسيس لعقد اجتماعي عربي بصورة متدرجة وإدماج محاوره الرئيسية في صلب الدساتير العربية من القضايا الهامة التي يمكن لها أن تشكل في مضامينها الدستورية والقانونية تحولات عميقة في طبيعة وأتجاهات العلاقات العربية البينية ، والتي تصبح مصانة دستورياً ، بوصفها مقدمة للمرحلة التي تليها وتتمثل في أستكمال الشروط الموضوعية اللازمة لأنجاز التعاقد المدني العربي بين مكونات المجتمع ، بوصفه المدخل الدستوري والقانوني الذي يشكل الحاضنة للمداخل الأخرى لبناء الوحدة العربية ـ غالب عامر ـ )
فكيف يمكن التعامل مع شأن الوحدة العربية في جو يتسم بالتهديم للأسس الوحدوية ( وإنما أنتقل التهديم إلى الأساس الذي تستمد الدعوة الوحدوية مشروعيتها ودينامية أنطلاقها ، ألا وهو وجود الأمة العربية ذاته ـ د . خالد الناصر ـ هل مازالت الوحدة العربية قابلة للتنفيذ ؟ ) وعلى سبيل المثال .. فان الدستور العراقي الحالي يشكك في حقيقة عروبة العراق ، فلم تحتوي نصوصه الأعتراف بهويته العربية ، بل ورد نصاً مهلهلاً يتضمن ( أن المواطنين العرب في العراق جزءً من أمتهم العربية ) مع أن التقسيم السكاني ( المكونات ) لاتقر بوجود مواطنون عرب ، لأن مكونات العراق الأساسية هم أكراد ( وهي مكون قومي ) ، وسنة وشيعة ( وهما مكونين مذهبيين ) . هذا التشكيك، واحداً من بنود دستور ( ديمقراطي ) ، إذاً الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الديمقراطية ( كوسيلة للحكم ) تحت إطار وحدة الدولة ووحدة هويتها الوطنية ، دون أنكار لحقوق الأقليات تحت مظلة المواطنة الجامعة .
وإذا كانت الوحدة العربية ( بأي حال من الأحوال عمل سهل ولا بالعمل الهين ـ جمال عبد الناصر ) فإن أمماً قد سبقتنا في أستكمال وحداتها السياسية ، في وضع الأطر التي تطلق العنان لديمقراطية وحدوية ، الغرض منها الحفاظ على وحدة الوطن والشعب ، ومع أن الوحدة الأندماجية الكاملة هي الهدف الأسمى للقوميين العرب ، ولكن ذلك لايمنع أن تكون الخطوات الوحدوية الأخرى مراحل في الوصول للهدف الأخير ( وليست الوحدة العربية صورة دستورية واحدة لامناص من تطبيقها ، لكن الوحدة العربية طريق طويل قد تتعدد عليه الأشكال والمراحل وصولاً إلى الهدف الأخير ـ الميثاق ).
يبقى مهماً أن نوضح أن الوحدة التي أنجزتها القيادة الناصرية في 1958 ، هي الوحدة التي بنتها ، وبنيت عليها الأسس الديمقراطية ، يقول المفكر القومي نديم البيطار : ( أن الوحدة الوحيدة التي جرت على أساس ديمقراطي وحر ، شارك الشعب في صنعها هي وحدة 1958 )
خلاصة ما يمكن أن أقوله ، أن ديمقراطية ذات أبعاد وطنية وقومية وحدوية تحتاج إلى :
جيش وطني واحد
ثقافة وطنية بهوية عربية واحدة
الديمقراطية ليست نمط واحد ، ونحن نحتاج لنمط أكثر تطوراً من التجربة البرلمانية ..أكثر انفتاحاً على فهم ضرورات الأصلاح والتعامل مع العروبة على أنها الخلاص الوحيد من مأزق التجزئة والأستبداد .

الوحدة طريق النهضة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد كان لأعتبار النهضة طريقاً لبناء الوحدة ، مفارقات متعددة ، فإن النهضة القائمة على أساس الدولة القطرية فيها أشكالات متعددة ، فإذا كانت النهضة ممكنة وبشكل مستقل في ظل الوضع القطري ، يكون موضوع الوحدة بالنسبة للبعض موضوعاً ليس بذات أهمية . ولهذا فأن القوميين منذ بداية نضالهم ، كانوا قد وضعوا اليد على الجرح في مسألة التنمية التي تقود للنهضة في ظل الأقليمية ( ولكننا لانفهم أبداً أن نحلم ببناء نهضة جذرية ، بتحقيق أنقلاب عميق مستمر في حياتنا الأقتصادية والأجتماعية أستناداً إلى المساعدات والقروض الخارجية في غالبيتها ـ الوحدة ثورة ومسؤولية ـ منشورات حركة القوميين العرب ) .
كما يسيق لنا مفكرو القومية العربية أمثلة ونماذج تدلل على أن طريق التنمية يجب أن يمر تحت بوابة الوحدة القومية وليس العكس ، ( فالأوربيون ، والأمركيون ، والصينيون ، والهنود لم يصنعوا تقدماً ولم ينتجوا حضارة إلا بعد أستكمال وحدتهم القومية فالوحدة شرط أساسي وموضوعي للتقدم والنهوض ، فهي التي تهيء القاعدة البشرية والأقتصادية، والعلمية التي تؤسس لهذا التقدم ـ خالد الحسن ـ المصدر السابق )
ولعلنا نمتلك من الأمثلة الكثير من تجاربنا ، فحضارة الأشوريين والكلدانيين ، والفراعنة ، ومن ثم الحضارة الأسلامية ، لم تكن ممكنة في ظل التمزق والتجزئة الجاهلية ، وتبين دراسات الباحثين للتأريخ القديم هذه الحقائق ، ففي كتاب ( أحمد سوسة ) الموسوم ( حضارة وادي الرافدين ) جاء ما يلي : ( هذا في حين أن الشعب الأكدي السامي الذي كانت له أقدم وأعمق جذور المنطقة أستطاع بتفوقه على السومريين أن يوحد البلاد تحت سيطرته ، ويكون أول أمبراطورية في عالم ذلك الزمان ، ولم يكتف هذا الشعب بتوحيد المدن السامية والسومرية وفرض سيطرته عليها ، بل أمتد سلطانه إلى خارج بلاد سومر وأكد حتى شمل أكثر بلاد الهلال الخصيب ) ، ويضيف سوسة لقوله هذا على آهمية المصالح المشتركة من أجل النهوض مايلي فأن ( جدول أي ـ تو ـ روتكال الذي كان يروي عدداً من أهم المدن السومرية وأبرزها مثل آدب وآومة ولجش ولارسة كان يأخذ من نهر الفرات في المنطقة السامية ويمتد جنوباً أكثر من 130 كيلو متراً حتى يصل إلى المدن السومرية المذكورة . ذلك يدل على ان حياة هذه المدن كانت مرتبطة أرتباطاً كلياً بالمنطقة السامية ) ثم يتابع ملاحضاته إلى مجال الوحدة الثقافية قائلاً : ( وفضلاً عن كل ما تقدم من الدلائل التي تؤكد وحدة الساميين والسومريين في هذه المرحلة الأخيرة من مراحل حضارة وادي الرافدين أن هناك ناحية مهمة تزيد في نمو هذه الوحدة .. وهي وحدة اللغة السومرية ) .
وتبرز الوحدة وأهميتها في بناء النهضة والحضارة ، في مجال العدل والمساواة في حياة العرب الاوائل ، فكان حلف الفضول واحداً من تلك التجارب ( فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لايجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه ، وكانوا على من ظلم حتى ترد عليه مظلمته ، وشهد هذا الحلف رسول الله " ص" .
ولعل الوحدة تبرز بأهميتها العظمى في بناء الدولة الناهضة ، من خلال المؤاخاة بين المسلمين من الأنصار والمهاجرين التي قام بها النبي (ص) على أساس المساواة بينهم وهو يخطو الخطوة الأولى في بناء الدولة الأسلامية من نقطة أنطلاقها مدينة يثرب ، وقد جاء في تعريف الأخاء أنه ( تذويب عصبيات الجاهلية ـ الشيخ صفي الدين المباركفوري ـ سيرة رسول الله "ص" ـ الرحيق المختوم ) وجاء في نفس المصدر : ( وقد جعل الرسول ص هذه الأخوة عقداً نافذاً ، لا لفضاً فارغاً ، وعملاً يرتبط بالدماء والأموال ، لاتحية تثرثر بها الألسنة ولايقوم لها أثر ) ، ويقول أيظاً : ( وقد قام رسول الله بأطلاق عهد جديد بأسم ميثاق التحالف الأسلامي جاء في واحدٍ من بنوده ( أنهم أمة واحدة من دون الناس ) .
أن الحقيقة التي لايمكن تجاهلها ، أنه لم تقم للعرب حضارة ولا مكانة بين شعوب العالم في تأريخهم تحت واقع التجزئة ، وأن الخطوة الأولى في الاتجاه نحو النهضة هي الوحدة ، وهذا يؤكد انه كلما أزداد الوضع القومي تمزيقاً ، كان السبب خلفها تسييد الفكر الجاهلي والجهل ، حتى بتسميات وعناوين موحدة وعلمية ومؤمنة . وقد أدركت قوى الأستغلال العالمية خطورة الوحدة العربية على سياساتها في نهب ثروات المنطقة ، لذلك فإن مسلسل المؤامرات عليها لايزال مستمراً ، بل ومتأججاً كلما وجدت تلك القوى أن أمكانيات عودة القوى الوحدوية لقيادة المسيرة الجماهيرية نحو بناء مستقبلها أصبح في تقدير الممكن .
أن الفكر القومي يضع موضوعة التنمية والنهضة الحقيقية مرتبطة بمشروع الوحدة وقيام الدولة العربية الواحدة ، أو خلق محيط عربي موحد في جوانبه الأقتصادية ـ الأجتماعية على أقل تقدير ، وقد أعطتنا التجارب العالمية نماذج لتلك الرؤيا التنموية في الفكر والتطبيق ، فدول القارة الأوربية ومع أنها دول حققت وحداتها القومية ، فإنها وجدت أن الحفاظ على مظاهر تقدمها ونهضتها تحتاج لمزيد من الوحدة بين أممها وحكوماتها ، بالعمل على بناء مشروعها الوحدوي القاري . وقد جاء في مقال بعنوان الدولة الوطنية الديمقراطية والمسألة القومية منشور في ( الوحدوي الثقافي ـ مجلة للأتحاد الأشتراكي الديمقراطي ـ سوريا) لكاتبه غالب عام : لكن الثابت والوطيد على محور التطور التأريخي في الوطن العربي أنه لايمكن للنهضة الحديثة والأستقرار الأجتماعي والسياسي أن يأخذ أبعاده ، وأن يكتسب مضامينه الحضارية والأنسانية ، دون التقدم لبناء الوحدة العربية .
وقد كان عبد الناصر يدرك ان طريق الوحدة لم يكن سهلاً ، وأنه طريق القوة والبناء ، لذلك جاء في الميثاق ( لم تكن الحدة بأي حال من الأحوال عمل سهل ، ولا بالعمل الهين ، ولكن كل فرد منكم كان يؤمن أيضاً بأنها سبيلنا إلى القوة ) ، أن واجب القوى الوحدوية وفقاً لما جاء في النص أعلاه ليس سهلاً ولاهو بالطريق الذي تحفه الورود .. خالياً من الأشواك ، ولكنه مع ذلك الطريق الواصل تنحو نهضة الأمة وتنمية مواردها . ويجب أن يكون في تقديرنا الأستعداد لمواجهة حملات التشكيك والهدم بالمزيد من النظرة الموضوعية ، فلقد كان رصيدنا ولايزال وضوح رؤيتنا للمستقبل ، وتوافق طروحاتنا مع الواقع .
وفي الختام تعالوا معاً نقرأ هذه الكلمات الرائعة للمفكر القومي نديم البيطار :
( وعلى العموم فإن وسائل التهديم للدعوة الوحدوية مهما بلغت من حجم فإنها لن تستطيع أن تدرك غاياتها إذا ما تصدت لها طليعة قادرة على إدارة صراع المرحلة التأريخية هذه بالمستوى المطلوب منها ، جميع الأيدلوجيات تؤكد على حتمية تأريخية معينة ، ولكنها في الوقت نفسه تؤكد أنه من الممكن التأثير فيها وفي مجراها عن طريق الوعي والإرادة الواعية . فالذين يدركون قوانين التأريخ أو نظامه ، والذين يملكون تحليلاً صحيحاً للأوضاع القائمة في ضوء تلك القوانينأو هذا النظام يستطيعون التعجيل بحركة التأريخ والأسراع بها عن طريق أعمال صحيحة ، ولكن دائماً نحو مقاصد معينة تنكشف عنها هذه الحركة في ديالكتيكها الخاص ، أما الأعمال المنحرفة فإنها قد تعثر سير هذه الحركة ، وقد تؤخر أنجاز مقاصدها إلى وقتٍ طويل ، ولكنها لاتستطيع إلغاء هذه المقاصد ).

2008/11/01

في مصر..ديمقراطية عرجاء

بقلم:عادل الجوجري
ماذا لو أسس الرئيس مبارك حزبا جديدا؟
الإجابة هي أن جميع قيادات الحزب الوطني حاليا سوف تهرول في اتجاه حزب الرئيس الجديد،ولن يبقى في الحزب الوطنى الذي عقد مؤتمره العام مؤخرا أي عضو،وهذا عيب خطير في الحزب الذي يتأسس بقرار فوقي،وقد حدث في نهاية السبعينات أن بدل السادات حزب مصر العربي الذي كان يترأسه بالحزب الوطني فاذا بكل القيادات تهرول إلى حزب السادات الجديد، الأمر الذي دفع الكاتب الصحفي مصطفى امين إلى انتقاد هذه الهرولة التي ليس لها ما يبررها سوى الجرى وراء السلطة،والتعلق في ذيلها،فغضب السادات، وأقال أمين بعض الوقت إلى أن تدخل البعض فأعاده إلى رئاسة تحرير صحيفة(أخبار اليوم)،وظل الحزب الوطني هو حزب الرئيس أو حزب الحاكم وليس الحزب الحاكم ،وظل البرلمان يشرع للرئيس كل ما يريد من قوانين،ويشرع للحكومة الظلم ،وأضيف إليه مجلس الشورى الذي تعرض لحريق مؤخرا ففرح المصريون ،وتمنوا لو أن الحريق قد شمل الأعضاء جميعا وبدون استثناء لأنهم شاركوا في التشريع لحكم مستبد،ساهم في اضعاف دور مصر العربي والدولي وساهم في افقار ملايين الفلاحين والعمال الفقراء في حين ازداد الأثرياء وتجار الأراضي ثراء،وقد حصلوا على أراضي الدولة بأسعار زهيدة لا تزيد عن 20جنيها للمتر ثم باعوها بثلاثة آلاف جنيه للمتر،حتى أن محافظة 6أكتوبر نهبها تجار الأراضي من أباطرة الحزب الحاكم،وهؤلاء التجار انفقوا الأموال على الراقصات وبنات الليل في حفلات سفه ،ومجون تليق بالنظام السياسي الذي وفر لهم المناخ الملائم للنهب والإثراء الحرام،وتدعمهم حكومة مرفوضة شعبيا،وكل ذلك ساهم في الترسيخ لديمقراطية عرجاء لا تقوى على الصمود أمام التحديات والمتغيرات.
*كيف؟
الأحزاب الحقيقية تنشأ من تحت ،أي من الشارع،لكي تعبر عن مصالح فئات اجتماعية سواء أكانت رأسمالية أم فلاحية وعمالية ،لكن الحاصل عندنا هو أمر مشوه،لا علاقة له بالديمقراطية ولا التعددية الحزبية ،ففي مصر حاليا 18 حزبا اتحدى أكبر صحفي في مصر أن يعرف أسمائها أو أسماء قادتها و برامجها و الصحف التي تصدر عنها،وهي أحزاب ديكورية لإقناع الغرب وواشنطن تحديدا بأنه توجد في مصر أحزاب من كل صنف ولون في حين أن هناك كتل سياسية موجودة في الشارع تبحث عن شرعية من دون أن تجد،وأبرز دليل هو حزب الكرامة وحزب الوسط اللذان لم يحصلا على الشرعية رغم أنهما يمتلكان مقومات الحزب السياسي بالمعنى العلمي للكلمة،وحزب الكرامة له عضوان في البرلمان هما حمدين صباحي وسعد عبود في حين أن هناك أحزابا لديها الشرعية مع أنها تفتقر لكل مقومات الحزب السياسي فلا جماهير ولا برنامج ولا صحيفة ولا اعضاء في البرلمان، والأمر عندها يقتصر على شقة وعنوان وصحيفة تصدر كلما جاء الفرج أي الدعم الحكومة.
واذا كانت الحكومات –كل الحكومات-قد رفضت اعطاء الشرعية للإخوان المسلمين،فلماذا لم تمنحها لحزب الوسط الذي يضم قيادات نظيفة اليد واللسان،ولديها حضور في الشارع السياسي وتتمتع بمصداقية عالية وأخص هنا المهندس أبو العلا ماضي والمحامي عصام سلطان وهما نموذجان محترمان ينبغي أن تتاح لهما أوسع الفرص لمخاطبة الناس بدلا من بغبغانات الحزب الحاكم الذين لازالوا يتحدثون نفس اللغة المحنطة،وقد تغيرت الدنيا لكنهم لا يتغيرون،وتبدلت الشخوص على المسرح العالمي لكنهم لا تبدلون،ولا أعتقد أن هناك أملا في أي إصلاح سياسي في مصر إن لم تتغير معادلة احتكار السلطة التي باتت ثقيلة وكئيبة في قلوب الذين يفهمون،ولست أظن أن الحزب الحاكم يمكن أن تدب فيه الروح إلا إذا وجد منافسة حقيقية من الأحزاب الأخرى التي طلعت روحها بسبب الطوارئ،والحصار الأمني و....