2008/08/30

دعوة بالعودة إلى ألأصولية الناصرية

نحو ديمقراطية عربية
حسين الربيعي

أن مفاهيم الديمقراطية تختلف بأختلاف المستوى الأجتماعي ؛ أن الديمقراطية في أسيا وأفريقيا هي لقمة العيش أولاً ، وهي الكساء وهي المسكن ؛ فإذا ما عز ذلك على الفرد ،،، فكيف يمكن أن تكون هناك حرية وديمقراطية ؟
الزعيم الخالد جمال عبد الناصر
في بداية عصر النهضة العربية الذي قاده الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، أرتفعت نداءات الأشتراكية العربية لتمييز الفكر الأشتراكي الناصري عن غيره ، وأصدر الكثير من الكتاب والمفكرين القوميين دراسات متعددة في هذا الجانب ، ومن بينهم الاستاذ كلوفيس مقصود الذي أصدر كتاباً عنوانه نحو أشتراكية عربية ، حيث كانت الحاجة ماسة لتسمية النمط والأسلوب الناصري في العمل على إقامة الدولة الأشتراكية . ولما كانت الحاجة اليوم لأيضاح النهج الديمقراطي في التجربة الناصرية ، بسبب المتاهات التي دفعوا الناس أليها من خلال تغطية الفساد والأستغلال السياسي والاقتصادي الذي هيمن على الوسائل والمؤسسات السياسية في الوطن العربي ، بالإضافة للأحتلال والهيمنة الأجنبية ، فلقد وجدت أن من واجب الوطنيين والقوميين المساهمة في وضع رؤيا ديمقراطية حقيقية تتوافق مع واقع المجتمع العربي ، مستحصلة من نتائج التجربة الناصرية .
أن على الناصريين فعلاً ، وبعضهم يقف مكتوفاً دون أن يدري ما يفعل ، والبعض منهم وجد نفسه وسط الزفة الديمقراطية الجديدة بموضتها الأمريكية ، يشارك اصحابها ؛ فإن على البقية التي تبحث عن سبيل للخروج من الحالة السلبية السرابية ، أن تعود لأصولية تجربتها الناصرية ، لكي تقرأ فصولها بدقة ومقارنتها بواقع العمل السياسي القائم على الأرض ، وهو العمل المضاد دون شك لمبادئ تجربتها ، لتستخلص أيجابياتها بتمسك عالي دون ان ترضخ لأحتمالات زعزعة ما تتوصل أليه ، ودون ان تترفع عن الإضافة العلمية له أيظاً .
ورغم أني لاأؤمن بما يسمونه الديمقراطية الغربية ، لكونها لاتعني معنى الديمقراطية الحقيقي وهو سلطة الشعب ، فيما الديمقراطية الغربية تعبير عن وسيلة ما لتفادي الصراع الدموي بين قطبين أو أكثر ضمن دائرة عملية سياسية تضمن أستمرار تنقل السلطة بينهما أو بينهم ، وعلى قاعدة سلبها (السلطة) من مستحقيها (الشعب) .
ومع ذلك ، فنحن نضطر لأن نحتكم أليها (الديمقراطية الغربية) الأن لأمرين : أن نرفع الهالة الكاذبة عنها ، وأن نحاول ثانياً التخفيف من وطأة مضارها .. وربما الأرتقاء بها . فالأفصاح عن خدع هذه الديمقراطية ، وفضح ممارسات روادها في الأتجاه الذي يساويها بالدكتاتورية والشمولية أو يتغلب عليهما أحياناً ... يتطلب تكثيف الرقابة والملاحقة التامة لمجريات مسيرتها ، ما يمكن أن يخلع القناع الذي يضعه الجامحون لإحتكار السلطة من خلال ما يسمى عملية تداول السلطة ، فعلى الأقل يتعرض المعنى هنا للأهتزاز ، فإذا كانت الديمقراطية هي حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، ومن أجل الشعب ، فمع من تتم عملية تداول السلطة هذه ؟
ولعل التجربة المريرة في العراق ، التي تغنى بها الأحتلال كثيراً ، وأربابه المحليين من طوابير الرجال والنساء من دالة الأحتلال ، ومسوغيه ، أو من البعض الذي أراد أن (يغتنم) الفرصة في الولوج نحو عالم السياسة والرئاسة ، الذين لايعني لهم الشرف الوطني والكرامة ولاغيرهما مما لايمكن صرفه أو تحويله (لمصاري) ، لإصطياد الفرصة جزءاً أو بعض جزء والأستئثار من الثروة المستباحة بغياب السلطة الشعبية ، عبر التمكن من الهيمنة على وسائل النفوذ والقوة ، لضمان المشاركة فيما أصطلح على تسميته (العملية السياسية) وبمباركة أصحاب السلطة الفعلية والقوة المتنفذة على الأرض وهو الأحتلال ، ولا أحد غير الأحتلال . حتى أن درجة الأدعاء بمفاخر ومزايا هذه العملية السياسية (الديمقراطية) ، في الجانب الأعلاني لها بمقايس ترويجها بالأسلوب التجاري المحض ، الذي يستخدم المبالغة والكذب المحبك بتفريط ( على شاكلة القوة الفولاذية التي تمنحها رقائق البطاطا المقرمشة أو مشروب غازي معين لأغراء المستهلك بشراء هذه المادة والأيحاء له دون وجه حقيقة بتلك القوة والأنتعاش) أوقعها (ديمقراطية العملية السياسية) في حبائل أعمالها ، حين أوصلت الناس لقرار المقاطعة الجماعية لأيةِ أنتخابات تجري تحت سيادة العملية السياسية الحالية .
ولأن السياسة فن الممكن ، فلقد وضعنا أحلامنا جانباً خوفاً (أن تجربا) .. ولكن دون أن نهجرها أو نتغافل عنها ، لأنها الأكثر واقعية وتجاوباً مع مفردات المجتمعات الأنسانية ، والمجتمع العربي بشكل خاص ، ولأن المواجهة الحضارية قلما تستوجب اللجوء لوسيلة سفك الدماء ، فقد كان الأختيار الأفضل لرواد الديمقراطية الحقيقية والسليمة سلوك سبل الحوار والفكر والثقافة ، ولابد أن يكون الأعلام في مقدمة هذه الوسائل الثقافية والفكرية بأعتباره القناة التي تعالج الصعوبات الأكاديمية وتيسيرها للمتلقين غير المتخصصين .
يقول لازويل :( أن من وظائف الأعلام مراقبة البيئة المحيطة ، ومنع أي ثقافة أخرى من أختراق المجتمع ، والعمل على ترابط المجتمع وأفراده من جهة أخرى ، والأهتمام بنقل التراث الأجتماعي . ) وعليه يجب أختيار السبيل الممكن المتاح بالمواجهة الأخلاقية ، مع يقيننا أن الطرف الأخر أمامه وسائل غير عادية ، وغير أنسانية ، وغير أخلاقية . أن التفاني الذي يمتلكه المؤمنين بالديمقراطية الشعبية ، لايمتلكه ولو بالحد الأدنى رواد التحريف من أتباع الديمقراطية الغربية التي تفتح الطريق لأستبداد أشد قسوة ًتمارسه الدول أو الدولة المستبدة على الشعوب الأخرى ، أي بمعنى تدويل الدكتاتورية بتحويلها من دكتاتورية فرد أو حزب أوجماعة أو طائفة أو عشيرة .. من أبناء الوطن ، إلى دكتاتورية تمارسها ألة أو جيش أو مؤسسات أو شركات تجارية وأقتصادية من خارج الوطن .
لقد أصبح العراق من خلال التجربة الديمقراطية التي (يرعاها) الأحتلال ، مكباً لكل النفايات السياسية الخطرة والسامة والغريبة ، ومرتعاً لكل ما يوحي به الغرباء الذين هم على أقل تقدير لايحسون بمصالحنا وطموحاتنا ، بدعاة لهم مسخرون لخدمة أغراض وأهداف آولئلك الغرباء المدججين بالسلاح المرفوع في وجوهنا ، والذي يحسب أنسانيتنا وكرامتنا ووطنيتنا إرهاباً نستحق عليه أشد الويل والعقاب ، يجيره علينا آولئك الدعاة ، وذلك هو منطق الزمان حين تأبوا شمس الفضاء ويرتد الصحاء ويسود دموس الليل .
أن الشعار الواقعي لوضع المجتمع على طريق الديمقراطية الحقيقية ، والذي لايقبل التأويل هو : إرادة الأمة هي القانون الأعظم ، مع الأخذ بالأعتبار ما يمكن تطويره وفقاً لهذا النص في إطار السلطة ، إذ لايمكن أن تتحول السلطة الشعبية لغير الشعب ، ولايمكن أن توضع المعوقات في رغبة المواطنين على المشاركة في هذه السلطة وتصنيع قوانينها ، وبالمناقشة المستفيضة عبر لجان وآليات محددة . أما السلطة التنفيذية ، فهي الإدارة العامة المستخدمة من قبل السلطة الشعبية ، والخاضعة لمراقبتها ومحاسبتها . فلايمكن أن يكون الأمر ديمقراطياً أن يمتلك نفرٌ ما السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ولايمكن أن يعرقل نفرُ ما إرادة الشعب ، ولايمكن أن يتم تطعيم الديمقراطي بصلاحيات لهذا الفرد من المجتمع أو ذاك ليستخدمه في نقض قرار ما صدر بطريقة ديمقراطية يجري العمل بموجبها وقت القرار ... فكيف يعترض الموظف على قرار أصحاب القانون الأعظم ؟

مفاهيم وتفاسير غريبة وفوضوية للديمقراطية :
هناك أسئلة تفرضها طبيعة التجربة القاسية في العراق ، يمكن أن أن تتمحور في أهم نقطتين أولهما ـ هل الديمقراطية أنفلات على مختلف الأتجاهات ، نحو الأسوء ؟
ثانيهما ـ هل الديمقراطية نسف وأفناء تام للوطنية ، نزولاً في السلم نحو الأدنى ، وصولاً لحالة التلاشي ؟
قبل الأجابة على هذين السؤالين ، أسيق ما قاله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر من صميم الأصولية الأولى للتجربة وبشفافيتها ، مثالاً :
ففي حديث عبد الناصر مع ويلتون وين مدير مكتب وكالة الأسوشيتد برس في القاهرة وهاري أليس مراسل صحيفة كريستيان ساينس مونيتور بتاريخ 9 / 10 / 1959 ، أجاب عبد الناصر على سؤال لهما عن الحزبية :
دعني أسألك ، ماذا فعل واشنطن في أمريكا عقب معركة الأستقلال ؟ هل كانت هناك أحزاب ؟ الواقع أن جورج واشنطن كان يرى عدم قيام الأحزاب ، وكان يرى أنه لو تعددت الأحزاب في هذه المرحلة الحرجة التالية للحصول على الأستقلال مباشرةً لأدى ذلك إلى قيام حرب اهلية ،، وكان رأي واشنطن أن وحدة الشعب الأمريكي وأبتعاده عن مشاكل أوربا هي خير ضمان للأستقلال الوليد ، وعندنا في مصر قبل الثورة كانت هناك أحزاب ، وكانت هناك واجهة لحياة برلمانية ، فهل كانت هناك ديمقراطية ؟
كان هناك برلمان ، وكانت هناك قوة احتلال ، وكانت هناك أنتخابات شعبية ، أو هكذا كان مفروضاً أن تكون ، وكان القصر هو المرجع الأول والأخير
وكانت هناك أحزاب ، وكان السفير البريطاني هو الذي يجيء بالوزارات ويذهب بها ، فهل كانت هذه ديمقراطية ، أم أن تلك مجرد واجهة مضللة ؟
إذاً الإجابة تتطلب العودة لمسيرة التجربة العراقية الجديدة ، وفك أشكالياتها المعقدة ، مع الأخذ بنتائج تجاربنا القومية ودروسها البالغة ، خصوصاً أن تجربتنا الوطنية العراقية على تماس مباشر بالتجربة القومية ، فثورة تموز 1958 كانت الثورة الشقيقة للثورة الناصرية الكبرى في مصر وقد جاء في بيان ثورة 1958 الأول من بين أهم أهدافها ما يدلل على التطابق في الرؤى بين الثورتين بأتجاه قيام السلطة الشعبية وبالنص : ( وأن الحكم يجب أن يعهد إلى حكومة تنبثق من الشعب وتعمل بوحي منه ، وهذا لايتم إلا بتأليف جمهورية شعبية ) لاسيما وأن الواقع السياسي للقطرين الشقيقين مصر والعراق مر بنفس الأحداثيات ، حيث كانت هناك ديمقراطية برلمانية وأحزاب وأنتخابات
وعلى العموم ، ومن خلال أنتمائي القومي ، فإن ما قرأته عن تجربة المناضل القومي معن بشور في اطلاقه تسمية التيار العروبي التوحيدي الديمقراطي ، كتعبيرعن حالة الحركة القومية المعاصرة ، ما يمكن ان يحدد أطر ومسارات الفكر الديمقراطي العربي بالمسارات الأخرى التي لاتستقيم بدونها ديمقراطية حقيقية وسليمة في عالمنا العربي .
فالديمقراطية الشعبية الحقيقية لاتقوم في ظل عبودية الوطن للمحتل أو المستبد الخارجي أو الدول المتنفذة ، فالديمقراطية التي يسمح بقيامها المستعمرون والمحتلون ، هي ديمقراطية الفوضى والفساد التي تفتح الأبواب على مصاريعها للفرقة وفق نظرية (فرق تسد) ، مما يعني بطلان الدعاوي الديمقراطية بسبب ولادتها غير الشرعية من خلال ما يمكن أعتباره أغتصاب قهري أدى لممارسة محرمة ، وكل ما يبنى على باطل فهو باطل .
لذلك لجأ المحتلون لنشر مفاهيم وأساليب فوضوية ، لمجاميع المتسلطين من حملة فكر (الحواسم) وتطوراته اللاحقة نحو الفكر (المليشياوي) ، الذي حول العراق لصورة مطابقة للقرون الوسطى ، حتى أصبحت تلك المفاهيم والأساليب الفوضوية القانون الأقوى في البلاد ، إذ لايمكن أن تكون هناك ديمقراطية إذا أجتمع القاضي والمجرم والجلاد في شخصية واحدة ! فكيف يكون بناة الدولة أول الخارجين على قوانينها ( البيشمركة الكردية تواجه القوات الرسمية في محافظة ديالى مثلاً ) ؟؟
أن مقولة الديمقراطية يجب أن ترتبط بوحدة الدولة أرضاً وشعباً وأن لايكون قيها متسعاً للقوى والأحزاب والشخصيات الداعية للأنشقاق أو الانفصال أو الطموحات الخاصة أو الأنحياز لفئة دون أخرى ، أن ممثل الشعب (النائب) يجب أن يكون بحق ممثلاً للشعب ، وليس ممثلاً لجزءٍ من الشعب (من وجهة نظر المؤمنين بالبرلمانية) ، إن ذلك يحول (حول) القبة البرلمانية لساحة للصراع وليس ساحة للحوار .
أن ظاهرة المظلومية المتعالية والمؤججة لدى البعض على البعض الأخر ، ومرافقة هذه الظاهرة بالخروج عن الثقافة والنهج الوطني ، وتعزيز ذلك بصرامة وقونين المنظمات شبه العسكرية لهؤلاء وهؤلاء ، لن تقود لعملية بناء تجربة ديمقراطية يتوافق الجميع على حمايتها وتطويرها وأستمرارها ، فالظاهرة مسلكاً لقيام نزاعات لاطائلة ولانهاية لها ، حولت الوطن لجزيئات ، كل جزء يطالب بتعويض مظلوميته بأن يأخذ الحصة الأكبر من الأخر وبمختلف الوسائل التي تفرض ‘ارادة القلة على الأكثرية ، ليس بدواعي القانون الوطني ولكن بدواعي قوانين الأحتلال وحمايته ، وصار الولاء الوطني للجزء وليس للوطن ، والديمقراطية هنا يمكن أن تكون للجزء الذي له أهداف غير اهداف الجزء الأخر ، وبما أن الديمقراطية التي يمثلها الدستور (القانون الأعظم) هي إرادة أمة ، فلا ديمقراطية عندنا على الأطلاق بسبب غياب مفهوم الأمة الواحدة في الدستور القائم الأن وفي فعاليات القائمين على تنفيذه.

الحرية والديمقراطية
أن التطبيق الحقيقي للديمقراطية حتى على مستوى الديمقراطية الغربية يحتاج للحرية كمدخل أساسي لها ، إذ لايمكن ممارسة ما يسمى حرية الأختيار في جو الفوضى والأضطراب الأمني ، وتحت تهديد بنادق الأحتلال ونيرانه الشديدة ، وبنادق الأحزاب والحركات السياسية التي كونت لها عصابات مسلحة فحرية الأختيار يجب أن تكون مضمونة بالقانون وسيادة القانون أما الأحتلال والفوضى فلا قانون لهما أعتماداً على ما أدرجناه سابقاً من أن القانون الأعظم هي إرادة الأمة ، والأمة هنا هي الأمة التي تقع تحت تأثير الأحتلال وعصاباته وإرادتها .
والحرية لاتقف عند هذه الحدود ، لآن أحد أهم منطلقاتها التحرر من الحاجة ، ونعني به التحرر من سطوة الأستغلال الأقتصادي لأن هذا الأستغلال تقع تحت هيمنته سطوة الأستغلال السياسي الذي يستطيع أن يتحكم بقوانين الانتخاب ، وشروط الترشيح ، وأسلوب الدعاية وتاثيراتها ، ناهيك عن الرشاوي وشراء الذمم والأصوات .
والحرية كما يقول الزعيم عبد الناصر : ( الحرية ليست برلماناً ومجموعة من الناس نضعهم في البرلمان ، ولكن الحرية هي المساواة ، الحرية هي الديمقراطية الأجتماعية ، الحرية هي القضاء على القطاع وسيطرة رأس المال على الحكم ، والحرية هي القضاء على القطاع وعلى أن يكون لكل فرد الحق في أن يجد رزقه ولايهدد في رزقه .
كان الشعب ينشد الحرية ، وكان يدرك أن الحرية لاتنفصل عن الخبز ، وأن المساواة لاتنفصل عن الحرية ، وكان يدرك ألا حرية من غير خبز ولاحرية من غير مساواة
هذا هو الدرس الذي أخذناه من المرحلة التي مضت من سنة 23 ، ومن التجارب التي حاول الأستعمار أن يضللنا بها ، والتي حاول المستغلون أن يضللونا بها تحت أسم الديمقراطية وتحت أسم البرلمانية )
إذا فتطبيق الديمقراطية مرتبط بتوفير وحماية حرية المواطن ، وهي تحتاج لوسيلتين :
أولهما ـ القوانين والألية القادرة على صيانة الامن العام وحماية أفراد المجتمع .
ثانيهما ـ تامين الوسائل التي تضمن المساواة ، في الحياة والعمل أولاً ، وفي الممارسة الديمقراطية ثانياً .

الحزبية سطوٌعلى الديمقراطية وتحريف لها
قامت في بلادنا العربية ثورات وانتفاضات متعددة في الوقت الذي كان بعضها يتمتع بكرامات وبركات الديمقراطية البرلمانية ، وذلك يعدو فشلاً بتلك الديمقراطيات ، ومع هذا يصر البعض على الأنتقال من مربع الدكتاتورية الشمولية إلى مربع (الدكتاتورية الديمقراطية) وهي الديمقراطية التي تمارسها الأحزاب (المنتخبة) !! وكأن لامجال امامنا سوى مسلكين لاثالث لهما ، فأما نسير بالاتجاه الذي يضمن معيشتنا دون أن نتفوه في أي شأن سياسي أو اجتماعي حسب المثل العراقي القائل : ( أكل و وصوص ) وأن تشكر مكارم القائد والزعيم والسلطان الأوحد والضرورة و و إلخ ، وأما أن يحل عليك عصر الديمقراطية التي تعطيك كل مجالات الكلام ، مقابل ان تسرق ثرواتك وتنهب البلاد ، وتعمم الفساد .
الدول الكبرى الأستعمارية وعملائها تريد ان تقطع الطريق على الفكر كي يبحث وينتج ، وتحاول ان توقف عجلة التأريخ من المسير قدما ً ، فالديمقراطية الغربية التي يتم تطبيقها اليوم ، ليست إلا عودة غير حميدة لما كان قبل ثورات العرب الكبرى ، وهي لذلك محاولة رجعية للعودة بالأحوال السياسية والأجتماعية التي كانت قائمة قبل تلك الثورات ، وهنا يحتاج البعض من الذين يسوقون جماهيرهم مع هذه الحملة الجديدة القديمة ، على الأقل للتراجع بوضوح عن مشاركاتهم القديمة في تلك الثورات ، وان يطلقوا عقولهم من ذكرياتها التي يلوحون بها كلما أشتد عليهم ونهم تذمر المواطنين ، والانتقال بشكل جهوري للعمل في بورصة المنافع الشخصية التي توفرها أسهمهم في العمليات السياسية التي ترعاها الأحتكارات الأستعمارية .
يقول عبد الناصر : ( واننا رأينا الحزبية في مصر ، رأينا الحزبية في سوريا ، ماذا عملت ؟ يعني قبل الوحدة كان فيه حزبية في سوريا ، وكان فيه الوطنيون ، كان فيه ناس وطنيون وناس عايزين يعملوا ما قدروش . لأن الحزبية زادت من الاحقاد وطبعاً فيها انتهازية ، فيه ناس أنتهازيين في كل حزب من الأحزاب عايزين من هذه الحزبية وظيفة أو منفعة أو أو إلى أخره )
لقد كانت الحزبية ولم تزل الطريق الذي من خلاله تنفذ الدول الأجنبية لداخل الوطن عبر عملائها من أجل تحقيق أهداف تلك الدول ، ولذلك فإن الصراعات الدولية سوف تتحول تلقائياً لصراعات داخلية تحرق الأخضر واليابس من الوطن ( والتجربة العراقية خير شاهد على هذا الكلام ، الذي صوره عبد الناصر في تجربته السياسية : ( في الأحزاب كان الأمر الطبيعي يبقى فيه حزب رجعي يتصل بالدول الأجنبية ويأخذ منها فلوساً ، ويأخذ منها مساعدات لنفسه ليصل إلى الحكم وبعد ما يصل إلى الحكم يسلمها البلد . إذن الأحزاب الرجعية هي جسر البلد إلى الخضوع للأستعمار )
ويتابع عبد الناصر رؤيته للحزبية في الجانب الأخر : ( وبعد ذلك يظهر حزب شيوعي ليتصل بالأحزاب الشيوعية وياخذ منها المساعدة ، وإذا أستولى على الحكم يعلن دكتاتوريته ، والرجعيون إذا أستولوا على الحكم من الوطنيين ، وإذا الشيوعيون أستولوا على الحكم كذلك يعلنون دكتاتورية ويتخلصون من العناصر الوطنية )
ويتناول عبد الناصر العناصر القومية والوطنية النظيفة ، ثم لايستثني من المعادلة القوميين والوطنيين الذين ينخرطون في العمل الحزبي ، فيقول : ( إذن الجماعة التي " حيتوهوا " في الحكاية ، هؤلاء هم العناصر القومية الوطنية النظيفة التي لاتقبل أن تكون متصلة بالحزب ، ودول إذا كونوا حزباً يعملون حزباً قوميا ، حزباً وطنياً ، بيتوهوا بين أخوانه الشيوعيين ، وأخوانه الرجعيين . )

شكل التنظيم الناصري الديمقراطي
قبل أن نحدد باختصار شكل التنظيم الناصري الذي يمكن أن يتطابق مع المفهوم والفكر الديمقراطي الناصري باختياره الثالث بقواعد ما سعى عبد الناصر إلى تحقيقه في طريقه النضالي نحو ديمقراطية عربية لها خصوصياتها التاريخية ، يتسأل البعض عن أمرين :
الأول ـ يتعلق بالتنظيم الذي أسسه عبد الناصر تحت تسمية حزب الطليعة ، فإن هذا الحزب لم يدخل أنتخابات برلمانية ولم يمارس سلطة الحكم ، ولم يفتح له مكاتب وفروع لغرض الأنتماء اليه ، أن هناك مسؤلية قومية كبيرة حاول عبد الناصر ان يصنع لها آلية (قومية) طليعية للأخذ بها .
الثاني ـ ما ذكره عبد المجيد فريد في كتابه ( من محاضر أجتماعات عبد الناصر العربية والدولية ) في جلسة اللجنة التنفيذية العليا للأتحاد الأشتراكي العربي في 3 / 8 / 1967 والجلسة التي تلتها والتي وردت سهواً بتاريخ 4 / 7 / 1967 ، ومع تقديرنا واعتزازنا بما طرحه الأستاذ عبد المجيد فريد ، فإن بيان 30 مارس لم يؤيد هذا الأتجاه ، ولدى الأخذ بأمرٍ ما ، فإن النظرية المطبقة على أرض الواقع أفضل بالأتباع ، وأيلاء جانب التجديد فيها ضروري جداً .
ومن خلال ما أطلقنا عليه الأصولية الناصرية ، فان اهم ما يمكن ان يكون عليه التنظيم الديمقراطي الناصري ، في أطلاق الأمكانيات الفعلية للتعبير " عن الآمال والحلام التي يتمناها كل فرد منا ، وإلا أن يعبر عن المجتمع الذي يريده كل فرد منا بحيث لايكون هناك أستغلال ، بل تكون هناك مساوآة ، وبحيث لاتكون هناك سيطرة ، بل تكون هناك عزة وأخاء ، وبحيث لا يكون هناك سيطرة لفئة من الناس أو لمجموعة من الناس أو لطبقة من الطبقات ، بل يكون هناك وطن واحد يجمع الجميع وهو للجميع والعمل للجميع ـ جمال عبد الناصر وهو يتحدث عن تجربة الأتحاد القومي"
أما التنظيمات الأحزاب القائمة الان فيجب أن تتحلى بالأمتناع عن ممارسة العمل البرلماني لأنه في خالص وضعه فلا يخدم أغراضاً ليست هي الأغراض والأهداف التي قامت عليها الفكرة التي قامت عليها النظرية الناصرية وأن يكون دورها محفزاً للفعل الجماهيري لأستعادة سلطته التي سلبها النفوذ والسيطرة والاستبداد الأجتماعي والأقتصادي والسياسي .

كي لا ننسى

مايا جاغي
ترجمة:غازي مسعود
قبل أيام من إطلاق ارئيل شارون عملية إسرائيل”الدرع الواقي” وقيام الجيش الإسرائيلي بشن هجومه على مدينة رام الله في الضفة الغربية في 29/آذار, زار المدينة ثمانية مؤلفين من” برلمان الكتاب الدولي”, وكان من ضمنهم الفائزان بجائزة نوبل للآداب ولي شوينكا وجوزيه ساراماغو, وكل من بريتن بريتنباخ, خوان غويتيسولو, ورسل بانكس, قدموا جميعاً استجابة لنداء من الشاعر محمود درويش ليكونوا شاهدين على الاحتلال العسكري
وذات مساء, أخذهم درويش الذي وجده الروائي الأمريكي بانكس” حزيناً لكن زيارتنا رفعت معنوياته”, إلى تله تطل على القدس عبر مستوطنات يهودية وحواجز للجيش, يقول درويش :
"أردت أن أريهم كيف تهشمت جغرافية فلسطين بالمستوطنات, كما لو أنها المركز وكما لو أن المدن الفلسطينية هامشية”, أضاف” لا دعاية, تركناهم يرون الحقيقة
وبينما استذكر بريتنباخ الابارثايد, أجرى بانكس مقارنه مع المحميات الهندية في القرن التاسع عشر, يقول: "روعت وغضبت لمدى الاحتلال المادي, فالمستوطنات مثل مدن الضواحي والقوات العسكرية جاهزة لحمايتها".
بعد أربعة أيام من قراءة قام بها درويش وضيوفه أمام جمهور بلغ ألف شخص في مسرح القصبة, بدأ الجيش الإسرائيلي عمليته لاقتلاع جذور الانتحاريين, يرى الفلسطينيون الغزو عقوبة جماعية وخطوة لتدمير البنية التحتية لدولتهم الجنينية, ودرويش نفسه الذي كان قد غادر رام الله ليلقي شعره في العاصمة اللبنانية بيروت, لم يستطع العودة, علم أن مركز” السكاكيني الثقافي” حيث يحرر مجلته الأدبية الفصلية “ الكرمل” قد نهب وان مسوداته قد وطئت بالأقدام, يقول درويش” أرادوا إبلاغنا رسالة مفادها أن لا أحد محصن – بما في ذلك الحياة الثقافية”, أضاف” اعتبرت الرسالة شخصية, أعرف أنهم أقوياء ويستطيعون الغزو وقتل أي شخص غير انهم لا يستطيعون تحطيم كلماتي أو احتلالها".
يبلغ درويش الآن من العمر ستين عاماً, وعرف لأربعين عاماً تقريباً بأنه شاعر فلسطين القومي, وذاك "عبء" يستمتع به ويثور ضده في الوقت نفسه, انه افضل شعراء العالم العربي مبيعاً, وجذبت قراءته لشعره مؤخراً في إستاد بيروت 25000 شخص, أصبحت فلسطين في عمله مجازاً عاماً لفقد عدن, للولادة والعبث, لكرب الانخلاع والمنفى, وهو عند الأستاذ إدوارد سعيد, من جامعة كولومبيا في نيويورك, أروع شاعر عربي, له حضور طاغي في فلسطين وإسرائيل – البلد الذي نشأ فيه لكنه غادر المنفى سنة 1970, وعند سعيد أيضا, فأن شعر درويش” جهد ملحمي لتحويل قصائد الفقدان الغنائية إلى دراما العودة المؤجلة إلى اجل غير محدود”, وتراه الكاتبة أهداف سويف أحد أقوى أصوات المأساة الفلسطينية.
ورغم انه يكتب بالعربية, يقرأ درويش الإنجليزية والفرنسية والعبرية, ومن بين الذين تأثر بهم رامبو وغتزبرغ, ترجمت أعماله إلى كثر من عشرين لغة, وهو افضل من يباع من الشعراء في فرنسا, ورغم ذلك, فأن مختارات قليلة من دواوينه الشعرية العشرين مترجمة إلى الإنجليزية, أحدها Sand ( 1986 ) الذي ترجمته زوجته الأولى, الكاتبة رنا قباني, وتراه الشاعرة الأمريكية ادرين رتش شاعرا بقامة عالمية ل "مجازفاته الفنية", وسوف تنشر له دار نشر جامعة كاليفورنيا في الخريف القادم مختارات جديدة من قصائده بعنوان : Unfortunately, It Was Paradise.
ويكشف صوت درويش الجهوري وأداؤه الغنائي موسيقية شعره, ومؤخراً, في فيلادلفيا التي كان فيها ليستلم 360000 دولاراً, جائزة الحرية الثقافية التي تمنحها” مؤسسة لانان”, اعترف درويش ببالغ حزنه وغضبه” للصراع بين السيف والروح” في فلسطين, وقد كتب أخر قصائده” حالة حصار” – التي قرأها في الاحتفال- أثناء الغارات الإسرائيلية في شهر كانون الثاني الماضي. يقول: “ رأيت الدبابات تحت نافذتي, أنا كسول عادة, اكتب في الصباح على طاولة نفسها, لي طقوسي الخاصة, غير إنني خالفتها أثناء الطوارئ, حررت نفسي بالكتابة, توقفت عن رؤية الدبابات – سواء كان ذاك وهما أو قوة الكلمات”.
في القصيدة, يقول” شهيد”:
" احب الحياة, على الأرض, بين الصنوبر والتين لكنني ما استطعت إليها سبيلا, ففتشت عنها بأخر ما املك”, ودرويش الذي كتب في صحيفة فلسطينية بعد 11 أيلول” لا شيء يبرر الإرهاب” عارض بوضوح الهجمات على المدنيين وظل صوتا مثابرا يدعوا للتعايش الفلسطيني – الإسرائيلي, وهو يصور على أن العمليات الانتحارية لا تعكس ثقافة موت بل تعكس إحباطا من الاحتلال, يقول:
“ علينا تفهم سبب التراجيديا لا تبريرها, ليس السبب انهم يتطلعون إلى عذارى جميلات في الجنة, كما يصور المستشرقون ذلك, الفلسطينيون يعشقون الحياة, إذا منحناهم أملا - حلاً سياسياً – فسوف يتوقفون عن قتل أنفسهم”.
وعند ساسون سوميخ, الباحث الإسرائيلي في الأدب العربي في جامعة تل أبيب والذي عرف درويش في ستينات القرن العشرين ويترجم القصيدة إلى العبرية,” تهدف القصيدة إلى الحوار: إنها لا تتكلم عن الإسرائيليين كمجرمين, بل تقول : لم لا يفهمون ؟ لا معنى للقول أن هذا الرجل يكرهنا”.
ولد درويش سنة 1942 لعائلة مسلمة سنية تملك ارض في قرية الجليل تدعى البروة, أيام الانتداب البريطاني على فلسطين, حين كان في السادسة من عمره, احتل الجيش الإسرائيلي البروة والتحقت عائلة درويش بخروج اللاجئين الفلسطينيين الذين تقدر الأمم المتحدة عددهم ما بين 72600 –900000، قضت العائلة عاما في لبنان تعيش على عطايا الأمم المتحدة, بعد خلق إسرائيل والحرب الإسرائيلية العربية لسنة 1947, عادت العائلة” بشكل غير شرعي” سنة 1949, لكنها وجدت البروة, مثلها مثل 400 قرية فلسطينية أخرى في الأقل, قد دمرت أفرغت من سكانها العرب, بنيت مستوطنات إسرائيلية على أنقاضها, يقول درويش” عشنا مرة أخرى كلاجئين, وهذه المرة في بلدنا, كانت تلك خبرة جماعية, ولن أنسى أبدا هذا الجرح”.
يقول درويش, ثاني اكبر أربعة اخوة وثلاث أخوات,فقدت العائلة كل شيء, قلص والده سليم إلى مجرد عامل زراعي: “ اختار جدي العيش فوق تله تطل على أرضه, والى أن توفي, ظل يراقب المهاجرين ( اليهود ) من اليمين يعيشون في أرضه التي لم يكن قادراً على زيارتها”.
ولأنهم كانوا غائبين أثناء أول إحصاء إسرائيلي للعرب, و لأنهم اعتبروا ” متسللين” غير شرعيين و” غرباء غائبين – حاضرين”, منعت على أفراد العائلة الجنسية الإسرائيلية, تقدموا بطلبات لبطاقات هوية ولكن جواز السفر حجب عن محمود, " كنت مقيماً وليس مواطناً, ارتحلت ببطاقة سفر”, في مطار باريس سنه 1968, يقول :
" لم يفهموا, أنا عربي, جنسيتي غير محددة, احمل وثيقة سفر إسرائيلية, ولذا رجعت”.
كانت أمه, حورية لا تحسن القراءة والكتابة, غير أن جده علمه القراءة, ” حلمت أن أكون شاعراً”,
حين بلغ السابعة من عمره, كان درويش يكتب الشعر, عمل في حيفا صحفياً.
وفي سنة 1961 التحق بالحزب الشيوعي الإسرائيلي,” راكاح”, حيث اختلط العرب واليهود, وعمل فيه محرراً لصحيفته, خضع الفلسطينيون في إسرائيل لقانون الطوارئ العسكري إلى سنة 1966, واحتاجوا تصاريح للسفر داخل البلد, بين سنة 1961 وسنة 1969, سجن لعدة مرات, بتهمة مغادرته حيفا دون تصريح.
حقق له ديواناه” أوراق الزيتون” ( 1964 ) و” عاشق من فلسطين” (1966 ) شهرته شاعر مقاومة, عندما كان في الثانية والعشرين من العمر, أصبحت قصيدة” بطاقة هوية” التي يخاطب فيها شرطياً إسرائيليا” سجل, أنا عربي, ورقم بطاقتي خمسون ألف”. صرخة تحد جماعية, أردت إلي اعتقاله في مكان إقامته سنة 1967 عندما أصبحت أغنية احتجاج, وقصيدة” أمي” التي تتحدث عن حنين ابن سجين إلى خبز أمه وقهوة أمه,
" كانت اعترافا بسيطا لشاعر يكتب عن حبه لامه, لكنها أصبحت أغنية جماعية, عملي كله شبيه بهذا, أنا لا اقرر تمثيل أي شيء إلا ذاتي, غير أن تلك الذات مليئة بالذاكرة الجماعية”.
وحسب سعيد, عرفت قصائد درويش الكفاحية المبكرة الوجود الفلسطيني, معيدة التأكيد على الهوية بعد شتات 1948, كان الأول في موجة من الشعراء الذين كتبوا داخل إسرائيل عندما كانت جولدا مائير تصر قائلة
" لا يوجد فلسطينيون” وتزامن ظهور شعر درويش الغنائي مع ولادة الحركة الفلسطينية بعد الهزيمة العربية في حرب الأيام الستة سنة 1967, ورغم ذلك, نفر دائما أن يمدح من منطلق التضامن, يستذكر زكريا محمد الذي كان طالبا في الضفة الغربية في نهاية الستينات من القرن الماضي,” كتب مقالة يقول فيها : نريد منكم الحكم علينا كشعراء, وليس كشعراء مقاومة”.
وصف درويش الصراع بأنه: "صراع بين ذاكرتين" وتتحدى قصائده المعتقد الصهيوني المجسد في شعر حاييم بيالك” ارض بلا شعب لشعب بلا ارض” وبينما يعجب بالشاعر العبري يهودا عامخاي, يقول” طرح شعره تحدياً لي, لأننا نكتب عن المكان نفسه, يريد استثمار المشهد والتاريخ لصالحة, ويقيمه على هويتي المدمرة, لذا نتنافس :
من مالك لغة هذه الأرض ؟
من يحبها اكثر ؟
من يكتبها افضل ؟”
ويضيف :” يصنع الشعر والجمال السلام دائماً, وحين تقرأ شيئا جميلا تجد تعايشا, انه يحطم الجدران.. أنا أنسن الساخر دائما, وحتى أنسن الجندي الإسرائيلي”, الأمر الذي فعله في قصائد من مثل” جندي يحلم بزنابق بيضاء” التي كتبت بعد حرب 1967 فوراً, ينتقد عديد العرب القصيدة, غير انه يقول :” سأواصل انسنة حتى العدو.. كان الأستاذ الأول الذي علمني العبرية يهودياً, كان الحب الأول في حياتي مع فتاة يهودية, كان القاضي الأول الذي زج بي في السجن امرأة يهودية, ولذا فأنني منذ البداية, لم أرد اليهود أما شياطين أو ملائكة بل كائنات إنسانية”, وعديد قصائده موجه إلى عشاق يهود, يقول : هذه القصائد تقف إلى جانب الحب وليس الحرب”.
منعت عليه الدراسة العليا في إسرائيل, ولذا درس الاقتصاد السياسي في موسكو ستة 1970, لكنه, متحررا من الوهم, غادرها بعد عام, يقول :
“ بالنسبة لشيوعي شاب, موسكو هي الفاتيكان, لكنني اكتشفت إنها ليست جنة”, وفي سنة 1971 التحق بصحيفة” الأهرام” اليومية في القاهرة, وقرر أن لا يعود إلى حيفا, وختم بالشمع على هذا القرار ستة 1973, عندما التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية ومنع من العودة إلى إسرائيل منعا استمر لستة وعشرين عاما.
هذا وقد أدان عديد الفلسطينيين وزملاء من الحزب الشيوعي درويش على هجرة إسرائيل,” كان ذاك القرار اصعب قرار اتخذته في حياتي, لعشرة أعوام لم يسمح لي بمغادرة حيف, وبعد سنة 1967 بقيت قيد الإقامة الجبرية”, ورغم ذلك لا يزال يشعر بالذنب لأنه ترك.
" كنت صغيرا جدا لأرى التوازن بين وقوفي ضد هذه الظروف أو العثور على سماء مفتوحة لجناحي الصغيرين شاعرا, أغوتني المغامرة, غير أن الحكم النهائي لا بد أن يأتي مما فعلته في المنفي”, هل أعطيت اكثر للثقافة الفلسطينية ؟
يقول جميع النقاد أنني لم أضع وقتي”.
كان منير عكش, محرر القصائد المختارة بالإنجليزية المعنونة : The Adam Of Two Edens( 2001 ), واحدا من بين عدة نقاد حازمين انتقدوا نجاح درويش” المبستر” في حيفا, يقول عكش” كانت شهرته متقدمة على شعره ولكنني اكتشفت في ذلك الحين تململه الفني الرائع, فمع كل ديوان, يفتح مناطق جديدة”.
ويقول درويش” في الخمسينات ( من القرن العشرين ) آمنا نحن العرب بإمكانية أن يكون الشعر سلاحاً, وان على القصيدة أن تكون واضحة مباشرة, على الشعر الاهتمام بالاجتماعي, ولكن علية الاعتناء بنفسه أيضا, بالجماليات.. آمنت أن افضل شيء في الحياة أن أكون شاعراً, ألان اعرف عذابه, في كل مرة انهي فيها ديوانا, اشعر انه الأول والأخير”.
في الفترة الممتدة من سنة 1973 إلى سنة 1982 عاش في بيروت, رئيس تحرير لمجلة” شؤون فلسطينية”, واصبح مديراً لمركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية قبل أن يؤسس مجلة” الكرمل” سنة 1981, بحلول سنة 1977 بيع من دواوينه العربية اكثر من مليون نسخة لكن الحرب الأهلية اللبنانية كانت مندلعة بين سنة 1975 وسنة 1991 ترك بيروت سنة 1982 بعد أن غزا الجيش الإسرائيلي بقيادة ارئيل شارون لبنان وحاصر العاصمة بيروت لشهرين وطرد منظمة التحرير الفلسطينية منها ذبح الكتائبيون, حلفاء إسرائيل, اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشتيلا, اصبح درويش” منفيا تائها”, منتقلا من سوريا وقبرص والقاهرة وتونس إلى باريس, ساخرا بمرارة من قارة عربية
" تنام بسرعة في ظل أنظمة قمعية”, قال :
حلت كرة القدم محل فلسطين في حب العرب.
يقول” حررت نفسي من الأوهام كلها, أصبحت ساخراً, أسأل أسئلة عن الحياة مطلقة, لا مجال فيها للأيديولوجية القومية”, وخلال 90 يوما في باريس سنة 1985, كتب رائعته النثرية” ذاكرة للنسيان” (1986), وهي أوديسا سيرة ذاتية على شكل يوميات بيروتية تجري خلال يوم واحد من القصف الإسرائيلي الثقيل في السادس من آب 1982 – يوم هيروشيما.
يبدو درويش غامضاً بشأن ”حادثة” الزواج: ” يقال لي كنت متزوجاً, لكنني لا أتذكر التجربة”. قابل رنا قباني (ابنة أخ الشاعر السوري نزار قباني) في واشنطن سنة 1977 فتزوجا ” لثلاثة أعوام أو أربعة”, غير إنها تركت لتحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كيمبردج” وكان مستحيلاً الاستمرار". وتزوج لنحو عام في منتصف ثمانينيات القرن العشرين مترجمة مصرية, حياة ألهيني, يقول: " لم نصب بأية جراح انفصلنا بسلام, لم أتزوج مرة ثالثة, ولن أتزوج, إنني مدمن على الوحدة.. لم أشأ أبدا أن يكون لي أولاد, وقد أكون خائفاً من المسؤولية, ما احتاجه استقرار اكثر, أغير رأيي, أمكنتي, أساليب كتابتي, الشعر محور حياتي, ما يساعد شعري افعله, وما يضره أتجنبه”.
ويعترف بفشله في الحب كثيراً, ”احب أن أقع في الحب, السمكة علامة برجي (الحوت), عواطفي متقلبة, حين ينتهي الحب, أدرك انه لم يكن حباً, الحب لا بد أن يعاش, لا أن يُتذكر”.
منفياً في باريس بين سنة 1985 وسنة 1995 راجع درويش أو رفض العديد من قصائده السياسية المباشرة التي كتبها في مرحلة بيروت والتي كان نموذجها بابلو نيرودا التشيلي ولوي اراجون, أحد شعراء المقاومة الفرنسية. وكتب أيضا بعض روائعه : ” أحد عشر كوكباً” سنة 1992 متوالية ”ملحمية غنائية” عن سنة 1492, تاريخ رحلة كولومبوس التي دمرت عالم الأمريكيين الأصليين, وعن طرد العرب من الأندلس, اللتان تماثلان كلاهما النكبة الفلسطينية, كما يصف الفلسطينيون خلق إسرائيل سنة 1948 و”لماذا تركت الحصان وحيداً” سنة 1995 "سيرته الذاتية شعريا"ً.
وما أن اصبح شعره الناضج غير مباشر اكثر, ملمحاً لأساطير متنوعة, شعر درويش بتوتر علاقته مع جمهور متلقيه, يقول عكش, ” بدأ الجمهور يشعر انه أصبح غير مخلص قليلاً لقضيته, غير انه ناضل ليحملهم معه”, وعند درويش” اكبر إنجاز في حياتي كسب ثقة المتلقين, تشاجرنا من قبل: كلمات غيرت أسلوبي, صدموا أرادوا سماع القصائد القديمة, الآن يتوقعون مني التغيير, يطلبون أن لا أعطي أجوبة بل أن اطرح مزيداً من الأسئلة".
انتخب للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1987, لكنه رأى دوره رمزياً (“ لم اكن أبداً رجل سياسة” ) وحسب وزير الثقافة الفلسطيني في رام الله, ياسر عبد ربه,” انه ليس فناناً منعزلاً”, يتابع الحياة السياسية, ويحاجج ضد المواقف المتطرفة”. هذا وقد كتب درويش إعلان الجزائر,” إعلان الدولة الفلسطينية”, سنة 1988, عندما قبلت منظمة التحرير الفلسطينية التعايش مع إسرائيل في حل يقضي بدولتين. صادق رئيس منظمة التحرير الفلسطينية, ياسر عرفات, في القاهرة سنة 1971, و قال عرفات : أستطيع شم عبير الوطن فيك، لكنه رفض عرضه بتنصيبه وزيراً للثقافة.
استقال درويش من اللجنة التنفيذية في اليوم التالي لتوقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993 – المرحلة الأولى من إقامة سلطة فلسطينية حاكمة – قائلاً ” استيقظ الفلسطينيون ليجدوا أنفسهم بلا ماض”, رأى صدوعاً في الاتفاقيات وقال إنها لن تنجح, والأرجح أن تصعد الصراع بدلاً من إنتاج دولة فلسطينية قابله للحياة أو سلام دائم, ويقول عبد ربه :" كان متشككا بأوسلو, ويؤسفني القول أن حكمه ثبتت صحته”.
سمحت اتفاقيات أوسلو لدرويش الانتقال إلى سلطة” الحكم الذاتي” الفلسطينية الجديدة,” صدمتني غزة – لم يكن فيها أي شيء حتى ولا طرق معبدة”, لديه منزل في العصمة الأردنية عمان – بوابة إلى العالم الخارجي – لكنه استقر في رام الله سنة 1996, ورغم ذلك يقول انه لا يزال في المنفى,” المنفى ليس حالا جغرافية, احمله معي أينما كنت, كما احمل وطني”, اصبح وطنه لغة,” بلدا من الكلمات”.
قابل رجا شحاده, وهو محامي فلسطيني يسكن جوار رام الله, درويش في باريس.
يقول :” بدا مغرماً بالأشياء الناعمة – بالمعيشة الراقية والطعام الجيد ومما يحسب لصالحه انه جاء إلى هنا”, ويقول درويش الذي يعيش من الصحافة والتحرير وبالمثل من بيعات شعره : سأبقى إلى أن تتحرر فلسطين في اليوم اللاحق لحصول الفلسطينيين على دولة مستقلة, لدى الحق بالمغادرة, لكن ليس قبل ذلك”.
ولقي درويش الذي دافع دوماً عن الحوار مع الإسرائيليين تعاطفاً مع إسرائيل أحيانا باعتباره معتدلاً, ولكن حتى أصدقاءه اليساريين هناك أحرجوا لقصيدة أضرت بسمعته.
"عابرون في كلام عابر” التي كتبها في بداية الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال العسكري التي استمرت من 1987 – 1993 كتب يقول : آن أن تنصرفوا وتموتوا أينما شئتم / ولكن لا تقيموا بيننا / آن أن تنصرفوا وتموتوا أينما شئتم / ولكن لا تموتوا بيننا”.
اقتطف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق, اسحق شامير, القصيدة غاضباً في الكنيست, برلمان إسرائيل : لا يؤثر درويش القصيدة فهي "غاضبة جداً ومباشرة” ولكنه قال إنها موجهه إلى الجنود الإسرائيليين:”ما زلت أقول أن على إسرائيل الخروج من الأراضي المحتلة, ولكنهم اعتبروها دليلاً على أن الفلسطينيين يريدون إلقاء اليهود في البحر, إذا اعتبروا وجودهم مشروطاً بالاحتلال فانهم يتهمون أنفسهم”.
هذا وقد خفف الحظر المفروض على زيارة درويش إسرائيل في شهر كانون الثاني 1999 وسمح له بزيارة أمه وأقاربه الذين لا يزالون يعيشون في قرى قرب حيفا, غير أن دخوله منع منذ انطلاقة انتفاضة الأقصى, أو الانتفاضة التي انفجرت في شهر أيلول سنة 2000 عندما دخلت أمه المستشفى لسرطان في معدتها, حاول زيارتها ” لكنهم اتصلوا بالمستشفى وتحققوا إنها لن تموت, ولذا رفضوا إعطائي إذنا.” تعافت لكنه لم يرها لعامين.
أصيب درويش بنوبة قلبية وأجريت له عملية لإنقاذ حياته سنة 1984, وعملية جراحية قلبية أخرى سنة 1998. أثناء عمليته الجراحية الأولى يقول:” توقف قلبي لدقيقتين, أعطوني صدمة كهربائية, ولكنني قبل ذلك رأيت نفسي اسبح فوق غيوم بيضاء, تذكرت طفولتي كلها, استسلمت للموت وشعرت بالألم فقط عندما عدت إلى الحياة”.
ولكن في المرة الثانية, كان قتالا, ” رأيت نفسي في سجن, وكان الأطباء رجال شرطة يعذبونني, أنا لا أخشى الموت ألان, اكتشفت أمرا أصعب من الموت: فكرة الخلود، أن تكون خالدا هو العذاب الحقيقي, ليست لدي مطالب شخصية من الحياة لأنني أعيش على زمان مستعار, ليست لدي أحلام كبيرة. إنني مكرس لكتابة ما علي كتابته قبل أن اذهب إلى نهايتي”.
وجب عليه التوقف عن التدخين وان يشرب اقل من القهوة التي يحبها, ويسافر اقل. يقول: ” شهوتي للحياة اقل, أحاول التمتع بكل دقيقة, ولكن بطرق بسيطة جداً, شرب كأس من النبيذ الجيد مع الأصدقاء, التمتع بالطبيعة, مراقبة قطط الحارة, استمتع بشكل افضل, كنت أتحدث, غير أنني أصبحت حكيماً”.
في ”جدارية 2000” يمعن رجل مريض جداً التفكير بالموت وبفناء الحضارات في عز انتفاضة الأقصى, وفي هذه الجدارية يظهر محمد الدرة, الطفل الذي يبلغ من العمر 12 عاماً ومن إطلق الجنود الإسرائيليون النار عليه ومات بين ذراعي والده كمسيح صغير, ويؤكد درويش الذي يتضمن شعره رمزية توراتية مسيحية ويهودية على موروث له مزدوج ” ليست لدي هوية ثقافية عربية خالصة, أنا نتيجة مزيج حضارات ماضي فلسطين, لا احتكر التاريخ والذاكرة والرب, كما يريد الإسرائيليون أن يفعلوا, انهم يضعون الماضي في ساحة المعركة.” أما وقد غدا ” أكثر حكمة واكبر” مما كان عليه حين نهض لأول مرة لمواجهة التحدي, يقول :” لا احب أن نتقاتل على الماضي, ولندع كل واحد يروي سرده كما يشاء, ولندع السردين يجريان حواراً, وسوف يبتسم التاريخ”.
وحسب رأي الشاعر زكريا محمد, تسعى قصائد درويش المتأخرة إلى بناء سفر تكوين للفلسطينيين : ” كلها تبدأ : كان شعب وكان ارض...” ومجمل شعره حوار بينه وبين الإسرائيليين للعثورعلى نقطة يستطيعون التصالح عندها.”
في شهر آذار سنة 2000 تورط درويش في” حروب إسرائيل الثقافية” عندما أعلن وزير التربية يوسي ساريد أن خمساً من قصائده ستكون جزءا من مناهج مدرسي متعدد الثقافة – في بلد 19 بالمائة من سكانه الإسرائيليين فلسطينيون وترعرع عديد يهوده أو والديهم في العالم العربي, ثار صخب, قال عضو الكنيست اليميني المتطرف بني آلون ” فقط مجتمع يريد الانتحار يضع” شعر درويش” في منهاجه الدراسي”.
وقد نجا رئيس وزراء إسرائيل آنذاك, أيهود باراك، من تصويت لطرح الثقة قائلاً:” أن إسرائيل غير مهيأة لهذا الشعر” ويقول درويش,” يدرسون الطلاب أن البلاد كانت فارغة. وإذا درسوا الشعراء الفلسطينيين, فسوف تتحطم هذه المعرفة." معظم شعري عن حبي لبلدي, مؤخراً ترجمت عدة دواوين من شعره إلى العبرية, ورغم ذلك, يظل وضعه في إسرائيل أسيرا للمناخ السياسي. طالبت الصفحات الأدبية في الصحف باستمرار بترجمة قصائده,” إلا أن كل شيء توقف مع انتفاضة الأقصى” كما يقول تساسون سوميخ.
يقول درويش, ” لدى إسرائيل فرصة جيدة لتعيش بسلام. رغم الظلمة, أري بعض الضوء” ولكن شارون, كما يعتقد يريد جر الصراع ” إلى المربع الأول, وكأنما لم توجد عملية سلام. إنها حرب لأجل الحرب, وليس الصراع صراعاً بين وجودين, كما تحب الحكومة الإسرائيلية تصوير الأمر”.
وكان ديوان ” سرير الغريبة” 1998، كما يقول, أول كتاب له مكرس للحب كلياً, ورغم ذلك, حتى القدرة على الحب ” شكل من أشكال المقاومة: يفترض أن نكون نحن الفلسطينيين مكرسين لموضوع واحد – تحرير فلسطين, هذا سجن, نحن بشر, نحب، نخاف الموت, نتمتع بأول زهور الربيع, لذا فالتعبير عن هذا مقاومة لان يكون موضوعنا مملا علينا, إذا كتبت قصائد حب فأنني أقاوم الظروف التي لا تسمح لي بكتابة قصائد الحب.”
وقد صدم قراؤه لما رآه البعض تخليا عن القضية, أحد الأصدقاء الإسرائيليين الفلسطينيين, المؤلف انطون شماس, رأى في الديوان” رسالة تحد كئيبة : إلى الجحيم بفلسطين, وأنا الآن على عاتقي." ورغم ذلك يروي شعر درويش وحضوره في رام الله المحاصرة قصة مختلفة يقول: ” أنتظر اللحظة التي أستطيع فيها القول: إلى الجحيم بفلسطين. ولكن ذاك لن يحصل قبل أن تصبح فلسطين حرة, لا أستطيع تحقيق حريتي الشخصية قبل حرية بلدي. عندما تكون حرة, أستطيع لعنها”.
المصدر : الغارديان البريطانية
الدستور الأردنية

دم المصريين في رقبة مبارك


بقلم/عيد الحليم قنديل
ليس ممدوح إسماعيل - وحده- هو قاتل الألف مصري في «عبارة الموت» الشهيرة، فنحن بصدد قضية فساد دولة .. ومن قمة الرأس
وليست القضية في قاضي محكمة جنح سفاجا، ولا في إقامة دعوي مخاصمة ضد القاضي المسكين كما ذهب بعض المحامين، فهذا كله حرث في البحر، وتلاعب بمشاعر الرأي العام، تماما كما فعل النائب العام بالطعن والاستئناف الفوري لحكم براءة ممدوح إسماعيل، فالنائب العام يعرف - والمحامون أيضا- أنه جري التلاعب بأصل القضية، وأنه جري تعتيم الحقائق فيمايشبه الفعل المتعمد، وأن القصة كلها انتهت إلي أمرإحالة بتهمة جزئية، وهي أن ممدوح «علم ولم يبلغ»، وكأن دم الألف مصري - ويزيد- لايهم أحدا، وكأنه لافساد ولا تواطؤ ولا إهمال ولا حمولة زائدة في عبارة هي «مركب مواشي» لابني آدمين، وكأن الشهداء قد ذهبوا بإرادتهم إلي مصائد الموت في بطن أسماك القرش، وكأن جثث المصريين الطافية المنتفخة من بطر النعمة لا من أقدار النقمة.
وربما تكون القصة كلها مقطوعة الصلة بالقانون، بل ربما يكون قصر الحديث كله في القانون خللا في العقل، وعطبا في التفكير، وعوارا في الضمائر، وفسادا في الاستدلال علي الحقيقة كلها، فظواهر سخف القانون القائم لاتنفك عجائبها، فقتل جاموسة - كما قال لي قاض كبير- يوجب الإحالة لمحكمة الجنايات، بينما قتل الألف مصري - ويزيد- يذهب إلي محكمة جنح، وفي محكمة نائية عند خط البحر الأحمر، ولدي قاض مسكين وجد نفسه محاصرا باختلاط الأوراق، وبتشوش الروايات، وبضغوط في الظلام، فرمي الحمولة كلها في البحر، وأصدر حكم البراءة العجيب الذي صار عنوانا للفضيحة لا للحقيقة.
نعم، لاتظلموا القاضي، فربما يكون هو الضحية، ولا تطلقوا الرصاص- فقط- علي حكمه العبثي، فالقانون والقاضي وحكم الجنح.. كلها أهداف وخدع شركية وضعت للتمويه، وأصل الجريمة ليس في محكمة الجنح، والحل ليس في محكمة الاستئناف، فقصة ممدوح إسماعيل تنطوي علي دهس للقانون، وعلي دوس لاعتباراته، وعلي السخرية من قانون الدولة، والعمل بقانون المافيا، وقصر الحديث - في قضية ممدوح إسماعيل- علي محاكم وأحكام نوع من العبط والاستعباط، وربما يحتمل شبهة تواطؤ بالقصد أو بدونه، فثروات ممدوح إسماعيل ليست مبررة بالقانون، ونفوذ ممدوح إسماعيل لم يصنع بالقانون، وفساد ممدوح إسماعيل لايحاكم بالقانون العادي، بل إن صعود ممدوح إسماعيل نفسه هو القانون الذي يحكم بغير حاجة إلي منصة قضاة، فممدوح إسماعيل ليس صنيعة قانون الدولة الذي نعرفه علي جوانب العوار والنقص فيه، وليس انحرافا بالقانون يستدعي التصحيح بالقانون ذاته، فقد تحول قانون الدولة إلي قناع، بينما الحكم في النهاية لقانون المافيا، وهو القانون الذي صنع ممدوح إسماعيل وغيره من مليارديرات الزمن المسروق، القانون الذي يسرق ويقتل ويزور ويتواطأ باسم السياسة، القانون الذي يحكم عمل تشكيل سياسي هو في حقيقة أمره مجرد تشكيل عصابي، قانون نظام مبارك، وليس قانون العقوبات والبراءات والمحامين والمحاكم والقضاة.. «إلي آخرالمتاهة التي يراد لنا الضياع في سراديبها المظلمة.
ومن حق أهالي الشهداء بالطبع أن يغضبوا، ومن حقهم أن يثأروا لدمائهم، لكن حقوقهم - باليقين - لن ترد إليهم في محكمة استئناف جنح سفاجا، ولا حتي في محكمة النقض، فليس من طريق «قانوني» لقصاص معجل أو مؤجل من ممدوح إسماعيل وعصابته، والمتهم الأول مشمول بالحماية المؤكدة.. ومن فوق.
وفي المناقشات التي أعقبت الكارثة أوائل 2006، وجهت لزكريا عزمي- ظل الرئيس ورئيس ديوانه- تهمة شراكة وصداقة ممدوح إسماعيل، ورد عزمي بتأكيد صداقته لممدوح وليس شراكته، ولك أن تعلم ماذا تعني صداقة زكريا عزمي، فهي الصداقة الواصلة بتوحش النفوذ ووثوق القربي إلي مكتب الرئيس، وإلي القرارات الجمهورية، وأوامر الترقي بالثراء أو في السلطة، وهي الصداقة التي جعلت ممدوح إسماعيل ملكا لعبارات البحر الأحمر، ثم أنها ذات الصداقة التي جعلت ممدوح إسماعيل - وهو المجهول المخفي - عضوا معينا في مجلس الشوري بقرار جمهوري، وبتوصيات حكيم زمانه، ثم أنها الصداقة التي جعلت ممدوح إسماعيل - مقطوع الصلة بالسياسة - أمينا للحزب الوطني بدائرة مصر الجديدة، وبقرار من الرئيس مبارك، وفي المنطقة التي تسكن بها العائلة، ثم أنها الصداقة التي ظهرت كراماتها عقب قتل إسماعيل لألف مصري ويزيد في عبارة الموت، فقد جري التراخي في التحقيق، ولم يقل أحد لممدوح إسماعيل «تلت التلاتة كام»، لم يحقق معه، ولم يصدر أمر بضبطه وإحضاره، ولم يصدر قرار بمنعه من السفر لدواعي التحري، ولم ترفع عنه الحصانة إلا بعد أن رتبوا له أوراقه وجداول الحساب، وبعد أن فاحت الروائح الكريهة، وبعد أن جري تهريبه إلي لندن، وفي رائعة النهار وتحت سمع وبصر وحماية السلطات، وربما بتشريفة صاحبته إلي باب الطائرة.
جري ذلك كله، جري تحصين الجريمة وتضييع حق الدم، ودون أن يسأل أحد، ودون أن يقال وزير الداخلية أو يستقيل، فليس له من ذنب أصلي، فوزير الداخلية هو عبد المأمور، والوزير - كما قال يوسف والي مرة - مجرد سكرتير للرئيس، والعين لا تعلو علي الحاجب، والحاجب في قصر الرئاسة بدا وفيا لشروط الصداقة، بينما القاضي - في كرسي الرئيس - يغمض عينيه كأنه لايري، لايسأل ولايحقق، فهو يعرف ماجري، وربما يخفي فرحه - في كمه - بنجاح عملية ممدوح إسماعيل في قتل ألف مصري، وهو الذي يعير المصريين دائما بزيادة أعدادهم، وربما يتمني لو غرقت مصر كلها في البحر.
وجريمة تهريب ممدوح إسماعيل هي الجريمة الكبري، وإن لم تكن مرئية في أوراق محكمة جنح سفاجا، وصناعة ممدوح إسماعيل - بدواعي النفوذ في بيت الرئاسة- هي الجريمة الأصلية، وجرائم التواطؤ والإهمال والتسهيل- في هيئة مواني البحر الأحمر- هي الفروع لا الأصل، ثم حين وقعت الواقعة، فقد كانت هناك جريمة أعظم، وصدر فيها أمر بالصمت وغلق الأفواه، ومنع النشر عنها في الصحف أو إذاعتها في التليفزيونات، ولم يرد ذكرها في البرلمان إلا علي سبيل الاستثناء الشجاع النادر، كان بطل القصة- بامتياز- نائب الشعب سعد عبود، وظل يعاقب علي التطرق إليها إلي الآن، ودون خوض في تفاصيل عن اسم الذي علم ولم يبلغ، وهو - قبل ممدوح إسماعيل - شخص آخر أرفع مقاما، فقد اتصل علم الدولة - وقبل ممدوح إسماعيل - بغرق عبارة الموت في وقت مبكر جدا، التقطت البحرية البريطانية الإشارة وأبلغتها للفرنسيين، ونقلت الإشارة من الفرنسيين للمصريين علي الفور، ولكن القصة انتهت إلي الحظ البائس، فقد كان صانع قرار التحرك للإغاثة في دورة النوم، ولا أحد يجرؤ علي إيقاظه، وطال النوم لساعات كانت فيها «تيتانيك المصرية» تغرق بكامل حمولتها، وكان الألف مصري يلاقون أقدارهم، وبغير كلمة وداع، ولا فرصة لنطق الشهادتين، وكانت أسماك القرش في بطن البحر الأحمر تلتهم موائدها العامرة بلحم المصريين.
نعم، القصة ليست فقط في ممدوح إسماعيل، بل في الذين صنعوه، ومدوا له حبل الحصانة، وأضفوا الحصانة علي الجريمة حين وقعت، بل وشاركوا فيها، وكلها جرائم متصلة بخيوطها إلي بيت الرئاسة، وإلي طرق أخذ القرارات فيه.
نعم، القصة كلها تستلزم تحقيقا شاملا في ثلاث وقائع إجرامية من النوع الثقيل، وجواباً شافيا عن ثلاثة أسئلة كبري، وهي:كيف تحول ممدوح إسماعيل إلي ملياردير مراكب محتكر وقيادي في حزب مبارك؟، وكيف جري تهريب ممدوح إسماعيل من مطاردة الدم؟، وكيف تأخرت عمليات الإنقاذ لساعات طويلة كانت كافية لحفظ أرواح المئات؟،
وبديهي أننا لانتوجه إلي النائب العام بطلب التحقيق، فالرجل معين بقرار من الرئيس مبارك نفسه، بل إننا نتوجه إلي الرأي العام، وبديهي أننا لانتوجه إلي محكمة استئناف جنح سفاجا، بل إلي محكمة التاريخ، فليست القصة - فقط- في ممدوح إسماعيل وجرائمه، القصة في الذي صنع جريمة اسمها ممدوح إسماعيل، وليس دم المصريين معلقا برقبة ممدوح إسماعيل وحده، بل حق الدم معلق في رقبة مبارك بالذات.
«شرف» جمال مبارك!
أن تنشر «الأهرام» علي صفحة كاملة حديثا لجمال مبارك إلي مجلة «السياسة الدولية» الفرنسية، فهذا شئ صار عاديا جدا، فالأهرام جريدة رسمية، ونفوذ العائلة رسمي تماما، وأحاديث جمال مبارك - وماما سوزان- تعامل ذات المعاملة التفضيلية لحوارات الرئيس مبارك نفسه.
ربما تلفت النظر - فقط - صراحة جمال مبارك، فالأخ جمال يتحدث عن الحزب الوطني بصفته «حزبه» الشخصي، ويصف نفسه بأنه «قيادة التغيير» في حزب أبيه، ويقول إنه «يعرف الرهانات ويجهز نفسه للأفضل»، وربنا يستر.
وجمال مبارك يقول في الحوار - المترجم بركاكة - إن أمامه سنتين، وبعدها «يري»، إما «أن نكمل المسيرة»، أو «أن نكون شرفاء أمام أنفسنا وأمام الرأي العام.. ونعترف بفشلنا»، ونتمني أن يفعل من الآن، فالجواب ظاهر من عنوانه والفشل بالكوم.
وقد يلفت نظرك حديث جمال مبارك - في الحوار إياه - عن «الشرف»، تخيل، ولا تتعجب فإنها إرادة الله، غير أنه - للأمانة- لايتركنا طويلا نهبا للحيرة ولعلامات التعجب، فهو يقول في الحوار نفسه - إنه تعلم معني «الشرف» من والده، ولا أخطاء مطبعية في الموضوع، فالمقصود هو «الشرف» لا «القرف»!
إشارات
«وثيقة عليش» تحولت إلي فضيحة علي طريقة فضائح تسريب امتحانات الثانوية العامة، د. رفعت لقوشة - أستاذ جامعي - يقول إنه كاتبها الوحيد ومن غير تقليد، وأن آخرين ــ نحتفظ بأسمائهم - سرقوها بدواعي التصرف في «نص مسرحي».
د. جلال أمين ود. حسام عيسي: لاعلاقة لنا من قريب ولا من بعيد بما يسمي «وثيقة مستقبل مصر»، و الوثيقة إياها «ليبرالية ركيكة»، واللهم قد أبلغت
عز الدين فرغل - رئيس الاتحاد الإقليمي للجمعيات الأهلية بالقاهرة- قدم مصحفا مطعما بالذهب هدية للمحافظ عبدالعظيم وزير، ودفع - فوق البيعة - «إكرامية» لرجال الشرطة وأمن المحافظة، ومن حساب المال العام - لامن حسابه الخاص، .. والوثيقة لدينا.
ألف تحية للمحامين والصحفيين وقادة كفاية الذين تحركوا بسرعة وكفاءة وجدية وإخلاص لنجدة وإطلاق سراح شباب 6إبريل.
موقع حركة كفاية
http://harakamasria.org/node/10324

شهداء تونس من اجل فلسطين



رسالة تونس

الشهيد مقداد بن عبد الله الخليفي يُزف

بين أحضان أهله وثرى أرضه في سبيطلة*تونس*
صبيحة يوم الأحد 24-08-2008نهضت سبيطلة على خبر قدوم جثمان الشهيد البطل مقداد بن عبد الله الخليفي فهبّت الجماهير من كل حدب وصوب ومن كل الجهات حاملة أعلام تونس وفلسطين ورايات النصر وصور الشهداء ،شهداء تونس من أجل فلسطين ...مقداد وكمال وفيصل وبليغ وميلود وخالد وسامي ورياض وعمران والكل يهتف بأعلى الصوت :

*يا مقداد يا شهيد على دربك لن نحيد
*شهداء شهداء أحنا ليكم أوفياء
- *بالروح بالدم نفديك يا أقصاه
- *بالروح بالدم نفديك فلسطين
- *يا قدس إننا قادمون
- *لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله
*الله أكبر عاصفة على أمريكا ناسفة
* الله أكبر عاصفة على الصهيونية ناسفة
*يا مقداد يا بطل المقاومة هي الحل
*مقاومة مقاومة لا صلح ولا مساومة
*فلسطين عربية القبلة الأولى والقضية
*يا أقصى قول لصهيون جايينك مائة مليون
*النار النار الدم الدم صهيوني لازم تهزم
*أم الشهيد لاتهتمي دم مقداد هو دمّي
*جهاد جهاد نصر واستشهاد

هكذا إذن بالزغاريد والهتافات والأغاني والدموع والأهازيج شيعت جماهير سبيطلة من ولاية القصرين جثمان الشهيد البطل مقداد الخليفي القادم من فلسطين ليحتضنه ثرى أرض بلاده تونس الخضراء ،تونس الولاّدة ،تونس العاشقة لفلسطين بعد أن احتضنته أرض فلسطين الحبيبة لفترة تمتدّ إلى 18سنة وبالتحديد منذ استشهاده يوم 27 نوفمبر 1990 تاريخ العملية الجهادية التي نفذها صحبة رفاق له ضد دورية صهيونية في مزارع شبعا والتي على إثرها عانق الشهادة وروى بدمه الطاهر ثرى فلسطين فتربع على عرش البطولة والمجد. كيف لا وهو الذي لبّى نداء الأقصى وكل فلسطين وتطوّع سائرا على خطى أجداده من المغرب العربي الذين تطوعوا في جيش صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس وعلى خطى من حمل روحه فداء ليافا وحيفا وبئر السبع وغزة وبيسان وطبرية متطوعا سنة1948 من تونس العروبة والقيم الإيمانية .
وكأنّ لسان حاله يشدو ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود عبد الرحيم:

سأحمل روحي على راحتيّ وألقي بها في مهاوي الرّدى
فإما حياة تسرّ الصديـــــــق وإما ممــــاة يغيض العــــدا

وعند وصول الجثمان إلى المقبرة ردّدت الجماهير بالصوت الواحد الله أكبر...
الله أكبر... الله أكبر... الله أكبر... الله أكبر ...الله أكبر... ليتجمع الحضور حول الجثمان ناصتين لكلمة معتمد سبيطلة الذي أبّن الشهيد مثنيا على خصال الشهيد ومؤكّدا على وحدة الدم العربي الفلسطيني التونسي الذي تجسّد في حمام الشط سنة 1985 ومعزّيا أهل الشهيد راجيا لهم الصبر و مؤكدا على أن قضية فلسطن قضية العرب الأولى في قلب كل تونسي ،ثم لكلمة أستاذ فاضل تحدث في كلمته
عن شهيد الأمة شهيد فلسطين أصيل هذه الربوع ذات التاريخ الحافل بالجهاد والبطولات والذي أصبح مفخرة من مفاخرها ودرة في تاج كرامتها وكتب بذلك صفحة مهمة من صفحات تونس المشرقة في مجال دعم القضية الفلسطينية ..."فطالما هناك شهيد ففي أمتنا حياة" مشيرا في الختام لمعاني الشهادة وللخصال الستة للشهيد كالمغفرة له واتقاءه لعذاب القبر ولفزع يوم القيامة ولبس تاج الوقاروشفاعته ل70 من أهله .
بعده أعطى الحضور الكلمة للسيد أنور اللجمي والد الشهيد البطل بليغ الذي استقدم أخيرا جثمانه وزف في يوم عرس كبير كما زف كل الشهداء الأبرار...حيث قدّم تهانيه لعائلة الشهيد بهذا النصر مثنيا على عطاء سبيطلة الأصالة والجهاد و تونس الخضراء تونس الولاّدة لأبطال أشاوس سطروا بدمائهم فخار وعزة الأمة التي توحدت إرادتها ومقاومتها وازدادت صلابة لمقارعة الأعداء مع عودة جثامين الشهداء العرب واطلاق سراح الأسرى العرب في عملية نوعية قادها حزب الله
إننا نعيش الآن زمنا جديدا إنه زمن الفرز الوطني وزمن الإنتصارات.
بعدها تجمع النقابيون بدار الاتحاد المحلي للشغل بسبيطلة لتتوالى الكلمات المنوّهة بالمقاومة وبوحدتها وبضرورة أن يبقى الجميع أوفياء للشهداء جميعا واعدين بإقامة حفل تكريمي لكل الشهداء وذلك بدار الاتحاد في أقرب وقت ...
إنه يوم تاريخي مسكون بالنخوة العربية الأصيلة وبالإيمان بالنصر وبتحريرفلسطين أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يوم يضاف لسجل الأيام الخالدة التي استقبلت فيها – هذه الصائفة - جماهير تونس العروبة والإسلام ، رفاة كل الشهداء الذين عادت رفاتهم إلى أرض عقبة والشابي
و الثعالبي وحشاد والزيتون والنخيل والياسمين في ربوع سيدي بوزيد وصفاقس وجربة ومدنين وقابس والقصرين على أمل استقبال الشهيد البطل خالد الوسلاتي من نصر الله بالقيروان.

مصريون للبيع

بقلم :عادل الجوجري
كرامة الانسان من كرامة وطنه ،وكرامة الوطن هي حاصل جمع كرامة المواطنين ،ولاشك ان هناك خللا في معادلة الكرامة المصرية في هذا الزمان ،حيث صارت كرامة الوطن محل شك لأن كرامة المصرية تنتهك يوميا في الداخل قبل الخارج وهذا دليل جديد:
نشرت صحيفة "المصري اليوم " ان السفارة الاميركية في القاهرة قدمت 750 الف جنيه تعويضا لاسرة الشهيد محمد فؤاد وهو بمبوطي يعمل في قناة السويس اطلق عليه جنود او مرتزقة اميركيون النار عندما اقترب بزورقه الصغير تجاه السفينة الأمريكية «جلوبال باتريوت» في شهر مارس الماضي. كانت السفينة الأمريكية «جلوبال باتريوت» - وهي سفينة تجارية تحمل معدات حربية أمريكية في طريقها إلى العراق - تقف في غاطس ميناء السويس بمنطقة الانتظار الشرقية رقم ١١، تمهيدًا لعبور القناة ضمن قافلة الجنوب، وعندما شاهد جنود السفينة القارب «سيدي شبل» يمر بالقرب منها قاموا بإطلاق طلقات نارية باتجاهه أدت إلى مقتل محمد فؤاد، الذي كان ضمن أربعة بمبوطية في القارب.
الحكومة الاميركية قدمت اعتذارا وقالت انها اول جريمة قتل ترتكبها البحرية الاميركية ضد مدني منذ مائة عام ،ونحن طبعا لانصدق الحكومة الاميركية فهي استاذة في الكذب، وهي كذبت كثيرا وطويلا عندما زعمت ان العراق يمتلك اسلحة دمار شامل ..الن تكذب في تاريخ البحرية الاميركية؟؟
المهم هو :أين حق الدم المصري؟
هل لو كان الحادث قد وقع على نحو معاكس بمعنى ان سفينة مصرية قتلت مواطنا اميركيا هل كانت واشنطن ترضى بتعويض لايزيد عن 150ألف دولار؟
لماذا لم تصدر ادانة لقبطان السفينو او للجندي الذي اطلق النار على مواطن مصري؟
لقد اجبرت الادارة الاميركية نظيرتها الليبية على دفع 10مليار دولار تعويضا عن ضحايا الطائرة (بان اميركان) التي قالت واشنطن أن ليبيا تعمدت اسقاطها فوق منطقة لوكربي الاسكتلندية،وحصل اهالي كل ضحية في الدفعة الاولى من التعويضات على 10مليون دولار،فأين حكومتنا الرشيدة؟ولماذا لم تتضامن مع اسرة الضحية وتطلب لهم 10مليون دولار خاصة وانه والد لطفلين وترك زوجة ليس لها اي دخل او معاش؟
أغلب الظن أن الحكومة المصرية تعتقد ان حياة المواطن مصري لاتساوي اكثر من ألف جنيه،او حتى الفي جنيه ،وربما هي حسدت اسرة الضحية وفكرت ان تفرض على دمه ضريبة ،فالحكومة ترى أن في مصر وفرة في البشر اكبر بكثير مما تحتاجه ،وان الزيادة البشرية هي عبء على الحكومة،ولم تعرف حكومتنا أنها هي السبب في اهدار كرامة المصريين بعد ان افسدت التعليم وصارت تنتج مواطنين غير صالحين للعمل او التفوق بدليل نتائجنا "الفضيحة"في اولمبياد بكين،ففي حين ان الصين وظفت ثروتها البشرية وصارت قوة عظمى فان مصر اهدرت ماكان لديها من علماء "طفشوا "الى الخارج لانهم لم يجدوا المناخ المناسب للابداع في بلادهم،ولانه لاكرامة لعالم في بلاد متخلفة يحكم رجل لمدة ثلاثة عقود دون ان يفكر –مجرد تفكير- في ان يستريح ويترك البلاد لعقل جديد وفكر سديد.
وهذا دليل آخر
ذكرت صحيفة"المصريون "الاليكترونية أن الادارة الاميركية نشرت اعلانات في الصحف ، وقامت بالاتصال بعدد كبير من المصريين الحاصلين على الجنسسية او الاقامة الدائمة وعرضت عليهم اغراءات مالية بالحصول على 80ألف دولار فور توقيع العقد، وفرصة عمل بعد انهاء الخدمة العسكرية ،اذا قبلوا العمل كمترجمين ضمن القوات الاميركية العاملة في العراق ،يأتي هذا في الوقت الذي تلتزم فيه السفارة المصرية في واشنطن الصمت وعدم التعليق أو تقديم النصيحة للشباب المصري بعدم قبول الانخراط في الجيش الأمريكي في العراق،والاكثر من ذلك هو ان الاستخبارات الاميركية تسعى لتجنيد عددا من المصريين للتجسس على التيارات القومية والاسلامية المناهضة للوجود الاميركي والمعادية للكيان الصهيوني بغرض جمع معلومات عن احتمالات وصول القوميين او الاسلاميين الى السلطة في المستقبل .
واكدت صحيفة "المصريون" أن عددا من الشركات الأجنبية العاملة في الكويت وبعض دول الخليج مثل "سيمنز" الألمانية تقوم بإرسال بعض العمالة المصرية المتعاقدة للعمل معها بالكويت إلى العراق للعمل في خدمة الجيش الأمريكي، أو في مشروع بناء السفارة الأمريكية ببغداد بعد إغراء عدد أخر بالعمل مع الشركات الأمنية الخاصة في بغداد.
ان الحكومة المصرية تمنع المصريين من الانضمام الى المقاومة في العراق وفلسطين وجنوب لبنان ،وتسجن من يحاول ان يقدم دعما للمقاومة العربية لكنها تغض الطرف عن من ينضم الى المارينز ليحارب الشعب العربي في العراق او فلسطين.
حقا انها حكومة من حكومات الطوائف

ارحل بقى




شعر: أحمد فؤاد نجم

أظن أفصح من كدة نصيحة يبقى عيب

بحبك يا ريس

وحبك يا ريس
معكنن عليـــــة

مقطعلى قلبى
مطلع عنيــــة

سيبونى فى حالى
وبيا اللى بيـــــــة

دا كل اللى لية

محرم عليـــــة

عشان حاجة واحدة

عشــــــانك يا ريس

بحبــــــــــك يا ريس

دى كلمة قالوها زمان

من ســـــــــنين
وكل اللى قالها

مطـيـن بطـيـن
يا سارق فلوسنا

يا كاتم نفوسنا
يا واكل عرقنا

برجلك دايسنا

ولســـــه بحبك

واحب اللى حبك

وباحلف هاحبك

واحب اللى جابك

فى يوم اغبر علينا ريس

مبارك يا ريس

عليــــك البــــلد

لابنـــك وابنــــه

وولد الولد
سوزانك سوزانا

جمالك جمالنا

علائك علائنا
وبكرة وبعده

وطول الامد

غبــــاءك يا ريس

ملوش حل خالص
وسايق ف الهبل

وكلامك هجايص
ولولاك يا ريس

مكنشى دا حالى

وحال كل مصري

مدروخ ولايـص

قالوا العيشة حرة

وهي العيشة مرة
ومش مـــر عادي

دا صبرك يا ريس

ممرر بلادى
واسعار بترفع

مأتنزلش مرة

وباين علينا

هنطلع لبرة

رغيفك يا ريس

بيصغر ما يكبر

وسعره يا ريس

بيرفع ماينزل
سألنا دا ماله

قالولنا الحديد

وايه العلاقة

بسعره الجديد
تكونش يا ريس

لغيت الدقيق

وبتطحن بداله

برادة حديد؟

مهو انت اللى عارف

وسامع وشايف

جمالك قشــطنا
وعز اللى خاننا

وولـــع بلدنا

برفع الحديد

ماتصحى ياريس

وصحى البلد

هنبقى يا ريس

كمالة عدد

ف وسط العوالم

وشعبى اللى هايم
وكبته اللى دايم

وقرشه اللى عايم

هنبقى يا ريس

كمالة عدد

واقولك واعيدلك
لانى بحبك

نصيحة فصيحة

نصيحة مريحة

لبلدى وبلدك

ماترحل يا ريس

ليه دايما متيس

ودايما مهيس

مترحل بقى

وخد لي ف وشك
جمالك .. مش باغشك
علائك .. سوزانك
شريفك .. سرورك
نظيفك .. كمالك
وعزك .. دا خانك
خدهم وانصرفوا
أشـــتاتآ أشتوت
خدهم وانصرفوا
لحسن حانموت
ارحل بقى
ارحل بقى
مترحل بقى

2008/08/28

عن السياسة الأمريكية ..(( وحكاية كوم النمل العربي))




غطاس أبو عيطة

الكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر، أتحفنا بحكاية مشوِّقة عن ((السياسة الأمريكية.. وكوم النمل العربي)) مفادها:-

-"أن الإمبراطورية الأمريكية،هي بعكس كل الإمبراطوريات التي ظهرت في التاريخ ،لم تقم على أساس رؤية مستقبلية إنسانية شاملة للمجتمع والإنسان والكون والحياة..الخ،على الرغم من قدراتها الهائلة وامتلاكها لألمع العقول في الكرة الأرضية قاطبة،وذلك هو سر تميُّزها،إذ أنها لم تأسر سياستها لرؤية مسبقة تمنعها من التعامل مع كل حالة وفق خصوصيتها،الأمر الذي مكنها من مواصلة تقدمها كإمبراطورية فاقت في قوتها وامتداد نفوذها كل ما سبقها من الإمبراطوريات".

-"وإن تحررها من أية رؤية فلسفية شمولية – عدا مبادئ عامة عن الحرية الفردية وطراز العيش الأمريكي – هو ما مكَّنها بأن تفلت من القانون العام الذي حكم حياة سائر الإمبراطوريات،والتي كانت تشيخ وتهرم وتنهار مع شيخوخة الرؤية المستقبلية الشمولية التي نهضت على أساسها ،متحوِّلة مع تنامي قدراتها العسكرية والمالية والتكنولوجية وتوظيفها لألمع العقول القادمة من أرجاء العالم،إلى عملاق يجول بين أقزام على امتداد خارطة العالم".

-" ولم يحتج هذا العملاق لكي يسيطر على منطقتنا،غير أن يخبط بكفِّه العملاقة على مساحة المنطقة،حتى يتفرق مثقفوها(ومن ثم قواها السياسية)كما يتفرق كوم النمل عندما يخبط أحد بكفه على تجمُّعه،متحولاً إلى جماعات متفرقة في ردة فعل غريزية،إذ هكذا انقسم مثقفونا وسياسيونا إلى معسكرات متعارضة ،يتوهم كل واحد منها بأنه قد اختار الوجهة الصحيحة في رده على الخبطة الأمريكية،فيما اختار غيره الوجهة الخاطئة".

-" فقبل غزوها لأفغانستان والعراق ،طرحت الإدارة الأمريكية مشروعاً وهمياً للمنطقة تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير الذي يعمره الرخاء وتسوده الديمقراطية،فكان أن انقسم المثقفون العرب (والسياسيون) بين مؤيد ومعارض لهذا المشروع،منخرطين في معارك حامية فكرية وسياسية لم تلبث أن تحولت في بعض البلدان إلى صدامات دموية،ليتحقق لأمريكا ما استهدفته من خبطتها(مشروعها الوهمي)،منجزة احتلالها للبلدين المذكورين على طريق إحكام قبضتها على المنطقة،فيما جماعات النمل العربية منشغلة بالمشروع المذكور".

-"وحين تعثَّر مسار تقدمها لما واجهته من عقبات مؤقتة، عادت إلى خبطة أخرى تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد،لتتجدد ردة فعل كوم النمل على الساحة العربية،وليتواصل الانقسام بين معسكرات متجابهة،فيما أمريكا ماضية نحو تحقيق هدفها المنشود في السيطرة على دول وشعوب المنطقة".

-"وهكذا انقسم المثقفون(والسياسيون)العرب في مواجهة اللعبة الأمريكية،إلى معسكري تشدد واعتدال ،وفيما غدا مثقفو معسكر الاعتدال – ومعظمهم من قوى اليسار السابق- صورة عن المحافظين الجدد في إدارة بوش ،في دفاعهم عن قيم الديمقراطية التي تأتي محمولة على ظهر الدبابات الأمريكية ،حيث لم يتراجع هؤلاء عن تبشيرهم بتلك الديمقراطية رغم رؤيتهم لما حلَّ بالعراق عقب الاحتلال الأمريكي ،فإن قوى المعسكر الآخر قوى الصمود والممانعة والمقاومة كما تسمي نفسها)،عمدت إلى الانخراط مع المعسكر النقيض في صراعات داخلية ،منتشية بما حققته على خصومها الداخليين من انتصارات مؤقتة،مدعية بأن ما تخوضه من صراعات قبليَّة مع أبناء شعوبها،إنما يأتي في سياق تصديها للمشاريع الأمريكية والصهيونية".

(وهنا يتعرَّض الكاتب لحركة حماس على الساحة الفلسطينية((التي انتصرت على السلطة وسيطرت مؤقتاً على قطاع غزة))،ولحزب الله ((الذي صعد نجمه مؤقتاً أيضاً على الساحة اللبنانية إثر حملته العسكرية في السابع من أيار على قوى المعسكر الآخر))،كما يذكُر ((الشام وفارس.. التي ادعت بأنها قد أوقفت بصمودها تقدم المشروع الأمريكي))، ثم يتحوَّل في هجومه على" التيار الإسلامي..الذي تتيح له السياسة الأمريكية أن يصل إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية تجرى لمرة واحدة ، لكي تعمَّ الفوضى تحت قيادة هذا التيار اللاعقلاني في البلدان العربية غير النفطية- فيما تبقى بلدان النفط بمنأى عن هذه الفوضى وفق ما تخطط أمريكا - ،بما يقودها (البلدان غير النفطية)إلى الانقسام على أساس مكوناتها الإثنية". ولا ينسى الكاتب في سياق حكايته، أن يغمز من قناة الجنرال عون((الذي ينصر المثقف على السياسي، وذلك في مواجهة من يفعلون عكس ذلك))..أي أن الأمر لا يعدو كونه مماحكات وسفسطات لا معنى لها من جانب جميع المثقفين والقوى السياسية.

وخلاصة ما يقوله كاتبنا ،هو أن الشعوب العربية ممثلة بنخبها الثقافية والسياسية،هي أعجز عن فهم السياسة الأمريكية التي ترسمها ألمع العقول،وأنها في مواجهتها للعملاق الأمريكي،لا تفعل غير التلهي بسجالاتٍ وبصراعات فيما بينها ضمن معارك دونكشوتية تجري في الوقت الضائع الذي يسبق استكمال السيطرة الأمريكية على مقدرات المنطقة.

وإذ نتصدى لما سعى الكاتب إلى إدخاله في روعنا حول إطلاقية القدرة الأمريكية من جهة،وحول هزال الوعي والقدرات العربية في مواجهة الجبروت الأمريكي من جهة أخرى ،فإننا نعمد إلى قول التالي:

أولاً – إن الإمبراطورية الأمريكية ليست مطلقة القوَّة كما أنها ليست خارج حكم التاريخ الذي خضع له غيرها من الإمبراطوريات الرأسمالية الاستعمارية.فرغم أن هذه الإمبراطورية لم تقم منذ نشأتها على أساس رؤية إنسانية شمولية كالتي قامت عليها الإمبراطورية الفرنسية قبل أن تتحوَّل إلى الاستعمار (إذ اهتدت بفلسفة عصر الأنوار،واعتمدت مبادئ الثورة الفرنسية كما يشير الكاتب)،لكونها في أساس نشأتها إمبراطورية مهاجرين مستعمرين، أي أنها دخلت مرحلة الاستعمار قبل أن تبلور هوية قومية لتجمعها الاستيطاني،وذلك ما حدا بها ،إلى بلورة رؤية عنصرية استعلائية هي مزيج من الأساطير التوراتية التي آمن بها المهاجرون البريطانيون،ومن الشعور بالتفوق لما حققته فيما سمي بالمعجزة الأمريكية،وكان ذلك كل ما تحتاجه كعدة إيديولوجية لاستئناف عملية الاستعمار التي بدأتها مع إبادة سكان البلاد الأصليين ومع استرقاق الأفارقة السود،أما عن الحرية الفردية ،فهي السمة التي تطبع النظم الاستعمارية الاستيطانية،كأداة إدماج لتجمُّع المستوطنين الذي ينتمي إلى ثقافات وهويات متعددة،بالإضافة إلى عامل إدماج آخر،يتمثل في اختلاق عدو خارجي يتربص بهذا التجمع ويحمل صورة الشر المطلق.

وإن هذه الرؤية الشمولية ذات الطابع العنصري الاستعلائي،التي لم تهذبها قيمٌ ومبادئ إنسانية سابقة على بروز النشاط الاستعماري،هو ما أوصل هذه الإمبراطورية لأن تكون أكثر همجية في التعامل مع الشعوب المستعمرة ، ماضية وراء جشع شركاتها الرأسمالية التي سمنت من دماء شعوب أخرى،وهو ما وضعها بالتالي،أمام ردة فعل أكثر ضراوة ودموية من جانب حركات الشعوب التحررية،فكانت هزيمتها المدويَّة في فيتنام،وانحسار سيطرتها على بلدان أمريكا اللاتينية ،ثم مأزقها في العراق وأفغانستان،وفشلها على الساحتين اللبنانية والفلسطينية وفيما يتعلق بسعيها لإخضاع سورية وإيران عن طريق العزل والتهديد بالعدوان العسكري،وإنه مع تكشف مأزقها في المنطقة،تنكشف نقطة ضعفها الأساسية كإمبراطورية لم تتشكَّل كأمة ذات هوية قومية ،تكون حاضناً لقوة دفع ذاتية تشكل حامياً لسياستها الاستعمارية مما أوصلها إلى الاعتماد على نوع من المرتزقة في الدفاع عن هذه السياسة،بما يترتب على ذلك من أعباء مالية باتت تثقل خزينة هذه الإمبراطورية.

ثانياً – إن الانقسام الذي يتحدث عنه الكاتب الذي ضرب المنطقة العربية في مواجهة حملة الإخضاع البربرية التي تقودها أمريكا،هو ليس ظاهرة تنفرد بها الشعوب العربية ونخبها الثقافية والسياسية كما يتوهم كاتبنا وذلك في سياق نظرة دونية إلى هذه الشعوب.فمثل هذا الانقسام عاشته على سبيل المثال الأمة الفرنسية – التي يشيد الكاتب بمبادئ ثورتها،التي دشنت عصراً جديداً في أوروبا والعالم،والتي عمدت إلى فصل الدين عن الدولة- وذلك إبان الغزوة النازية.ولعله قد ظهر في فرنسا إبان الاحتلال النازي،أمثال صاحبنا من المثقفين ممن وضعوا نفسهم فوق "جماعات النمل التي فرقتها خبطة الكف النازية"،فكانوا من الناحية العملية،إلى جانب المعسكر الذي أعلن خضوعه للنازي بزعامة الجنرال بيتان ،وليس في خندق من صمموا على هزيمة النازية من أبناء الشعب الفرنسي وشعوب أوروبا والعالم.

ثالثاً – وإذ نستغرب الهجوم المقذع الذي يشنه صاحبنا على مثقفي اليسار السابق ((ممن شرعوا في تغيير مبادئهم وأفكارهم،راقصين على أنغام الدعاية الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يراد نشرها في المنطقة عن طريق الغزو))،فإننا نردُّ ذلك،إلى ما جرى من تجرؤ هذا التيار من المثقفين ،من إدراج توقيعه في ذيل وثيقتهم التي تدعو إلى قيام دولة واحدة عربية- يهودية في فلسطين ،والتي يناضل شعباها سوية ضد الاستعمار والصهيونية،إذ أنه أراد أن يقول لهؤلاء ،بأنه خارج إطار تجمعات النمل على اختلاف وجهاتها الغريزية،وأنه أكثر حكمة من أن تجتذبه ألاعيب السياسة الأمريكية،وهو بالتالي فوق المختلفين حول هذه السياسة فيما هم ضالعون حسب رأيه في اللعبة الأمريكية بوعي أو بدون وعي،غير عابئين بما يلحقونه من دمار وسط شعوبهم بما يفوق في ضرره ما تلحقه سياسة الغزو الأمريكية والصهيونية(؟).

رابعاً – وإذ نقر كاتبنا ،فيما يشنه من حملة ضارية ضد"الليبراليين الجدد"من قوى اليسار الذين ارتدُّوا عن موقف العداء للإمبريالية – برغم النزعة النرجسية التي دفعته إلى ذلك -، فإننا نمضي إلى التأكيد ،بأن مشروع السيطرة الأمريكية على المنطقة ليس قدراً لا راد له كما يريد أن يفهمنا من مضمون حكايته،موضحين في الوقت ذاته،بأن ما يطرحه هذا المشروع من أطُرٍ لإعادة رسم خريطة المنطقة تحت عنوان الشرق الوسط الموسَّع أو الشرق الأوسط الجديد،ليست ألهيات تنشغل بها نخبنا بقدر ما هي صياغة للمرحلة الثانية من استهدافات القوى الاستعمارية تجاه المنطقة،والتي تقوم على تمزيق ما جرى تجزئته في المرحلة الأولى بتنسيق مع القاعدة الصهيونية التي تم زرعها في قلب المنطقة في المرحلة المذكورة،وأن من يقاومون هذا المشروع ،هم ورثة من قاوموا السيطرة الكولونيالية وقاعدتها الصهيوينية،ومن حملوا راية المشروع القومي التحرري في مواجهة المشروع الاستعماري النقيض،والذين اصطدموا مع من رضخوا للسيطرة الكولونيالية بذريعة أنه لا جدوى من المواجهة، وإن ما أنجزته المقاومة اللبنانية من انتصارات على هذا المشروع وأذنابه المحليين والإقليميين،قد شكل خطوة تاريخية على طريق هزيمة هذا المشروع بمرحلتيه الأولى والثانية،وكذلك بالنسبة لما حققته المقاومة الفلسطينية في غزة ،والمقاومة البطولية التي تفجرت على أرض العراق،وذلك إلى جانب صمود سورية وإيران بوجه العربدة الأمريكية والتهديدات الأمريكية والصهيونية.

ولعلنا نشير في الختام،بأن ضراوة الصراع الدائر مع المشروع النيوكولنيالي الذي تقوده أمريكا،وحجم القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في هذا المشروع ،هو ما أوصل صاحبنا إلى موقف الاستخفاف بإرادة وقدرات من حملوا على عاتقهم عبء التصدي لهذا المشروع.وقد لاحظنا مؤخراً ،ومع تراجع المشروع المذكور بسبب الإخفاقات التي مني بها ،كيف عدَّل صاحبنا في صيغة خطابه،ففي مقابلة مع فضائية تيار الجنرال عون،راح يتحدث بتقدير عن دور سورية التي تشكل عاصمتها حاضرة شعوب سورية الطبيعية،والتي تستمد قوتها من موقعها الاستراتيجي في المنطقة،رغم أنه في مقابل ذلك،ألقى وراء ظهره بكل المؤشرات التي تكشف عن مأزق أمريكا في العراق،معتبراً أن سيطرتها على هذا البلد العربي باتت نهائية ولو بلغت خسائرها خمسين ألف جندي،كما أنه بقي على موقفه من قوى المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان،وذلك انطلاقاً من موقف إيديولوجي تجاه هذا التيار الذي هو في صميم حركة التحرر العربية برغم ما يمكن طرحه إزاءَه من الملاحظات التي نرى بأن هذا التيار يملك القدرة على تجاوزها ،حين توصله الوقائع على الاستيعاب،بأنه امتداد طبيعي لحركة التحرر العربية التي قادتها في مرحلة سابقة قوى قومية ويسارية حققت إنجازات هامة برغم عدم تمكنها من إلحاق الهزيمة النهائية بالمشروع الاستعماري.



....ولكن عزرائيل لا يزور ميونيخ


بمناسبة حصول مصر في عهد مبارك على الصفر الأولمبيادي في بكين، تماما كما حصلت على الصفر في زيوريخ السويسرية عندما لم يذهب صوت واحد إلى قاهرة المعز لتنظيم دورة الألعاب الأولمبية.
أعيد نشر واحد من أكثر مقالاتي وكتاباتي حرقة وألما ووجعا وغضبا واستياء وذلك بعد أربع سنوات من نشره للمرة الأولى، ويتملكني رعب شديد أن أكتب، إن أطال الله في عمري عدة سنوات أخريات، مقالا جديدا عن أهمية هجرة المصريين لأوغندا وتشاد والسودان والنيجر للبحث عن عمل وكرامة ولقمة عيش ترتضي بها بطون خاوية.
يمسك الفزع بكل كياني وأنا أتخيل مستقبل مصر في عهد مبارك، الابن أو الأب، وقد مسح أرض الكنانة من على الخريطة، حرقا أو اغتصابا أو في مقابر جماعية، ولم يبق فيها غير كلاب أمنية تحرسه، وكلاب إعلامية توهم من بقي حيا من المصريين أن الشياطين استبدلت بقرونها أجنحة ملائكة.
كأني كتبت المقال صباح اليوم وقد مرت عليه أربعة أعوام!


سيدي الرئيس لا تصدقنا فنحن جبناء

.. ولكن عزرائيل لا يزور ميونيخ

سيدي الرئيس حسني مبارك ...
كان ملك الموت يقترب منك حتى يلامسك، ثم يبتعد خطوتين وبعدها يعود ليطرق بابك.
وكانت قلوب الملايين من أبناء شعبك معه، تشجعه، وتشد من أزره، وتدعوه لحسم الأمر فهم ينتظرون على جمرات كأنهن قطع من الجحيم.
كانت مصر كلها، تقريبا، تنتظر بيانا صادرا من السماء إلى الأرض ينهي عذاب ثلاثة وعشرين عاما من عمر وطن انصهرت فيه أوطان، وذابت في جوانبه حضارات، وتتلمذ على يديه تاريخ العالم، وصنعته عبقرية الجغرافيا، واحتضنه النيل الأسمر وهو يروي عطش الأرض الطيبة، ثم وافيا بوعده الذي قطعه منذ اللازمن، بأنه واهب الحياة للمصريين حتى لو حاول الطغاة نزعها منهم.
سيدي الرئيس ..
هل صدقت ما نقلوه لك بأن الملايين من أبناء شعبك يبتهلون للعلي القدير أن يعيدك إلى قصرك، ويكمل بك معجزة الانجازات في ولاية خامسة تمتد حتى يبلغ عمرك المديد ثلاثة وثمانين عاما؟
هل صدقت أن مصر لا تنام، وأن أهلنا سيصبحون يتامى بدونك؟
هل صدقت عندما قصوا على مسامعك من أنباء أنهار من الدموع أغرورقت بها عيون مواطنيك الذين قضيت سنوات حكمك كلها تحافظ على كرامتهم وخيراتهم وأموالهم ورزقهم وعملهم وحريتهم واستقلالهم حتى باتوا لا يستطيعون تصور مشهد مصر بعد رحيلك؟
هل صدقت اللافتات التي ملأت كل شوارع مصر تحمد الله على عودتك سالما، وتستعد لتكملة الحلم المصري الجميل الذي صنعته في ثلاثة وعشرين عاما فجعلت أبناء وطنك يتصالحون مع الزمن، وتغدق عليهم خيرات وطنهم من سمنها وعسلها ولبنها بفضل عبقرية حكمك التي جعلت كل أيام رعاياك أعيادا؟
سيدي الرئيس.. إن كنت قد صدقت كلمة واحدة مما سمعته أذناك فقد أحكم لك المنافقون والأفاقون العقدة التي لا حل لها، فمصر كلها، شعبا وأرضا وبحرا ونهرا وسماء، كانت تبتهل للواحد القهار أن يستدعيك على عجل، وأن ينتهي زمن حزين يائس مكفهر مغبر كأنه سقط سهوا من جهنم بقيظها وجمرها وصراخ من فيها وأنين من يقترب منها.
كم وددت، سيدي الرئيس، أن استمع إليك وأنت على فراش أبيض في المدينة الألمانية الجميلة تتضرع إلى خالقك، وتدعوه أن يمن عليك بالشفاء لعلك تستطيع فيما بقي لك من عمر أن تعتذر لشعبك، وتطلب الصفح من رعاياك، وتصارحهم بأنك آذيتهم كثيرا، وتركت أمانة الوطن في أيدي لصوص وحيتان وذئاب مفترسة، واخترت من مواطنيك الأكثر فشلا وسوءا لتقبض بأصابعهم على رقاب أبنائك المصريين.
هل يمكن أن تكون هناك لحظة صدق في حياتك تصفو بها نفسك، وتسمو بها روحك، ويستيقظ معها ضميرك، لتكتشف أنك كنت تعرف تفاصيل مئات الحالات من التعذيب والاهانة والاذلال والقهر واغتصاب الرجال وتعليقهم من أرجلهم في سلخانات الشرطة، بل وصل الأمر بأحد ضباط الشرطة أن يسكب الكيروسين على جسد مواطن مسكين، ثم يشعل فيه النار وهو نائم في التخشيبة ليؤكد له أن المواطن حشرة في عهد السيد الرئيس حسني مبارك، وأن الرئيس يعلم بأكثر تفاصيل الجحيم الذي يتعرض له مواطنوه، بل كنت، سيدي الرئيس، تطغى، وتحتقر شعبك، وتتحدى مشاعره عندما أمرت بترقية ثلاثة ضباط شرطة متهمين بتعذيب وقتل بعض مواطنيك.
هل تظن أن أهل وذوي وأقارب وأحباب المعذبين في الأرض، والمهانين بين أيدي رجال أمنك، والمغتصبين الذين كان ضباط شرطة يهددون بعضهم بوضع العصا في فتحة الشرج أمام الأم أو الأب أو الابن امعانا في الاذلال، وهم يعلمون جيدا أن ضوءا أخضر من القصر الجمهوري بعابدين أو قصرك المعمور بالخيرات في شرم الشيخ يمنحهم هذا الحق، كانوا يدعون العزيز الوهاب بعودتك سالما من رحلة الموت والحياة؟
كان الوطن الطيب هو الذي انزلق غضروفه، والتوى ظهره، وانحنت قامته، وأغبر وجهه، وتلوث هواءه، ونهبت مصارفه، وأكلت الأمراض جسده، وعبث لصوص عهدك في كل شبر منه.
على الرغم من أنني في كل ليلة طوال خمس عشرة سنة أحلم بلحظة شجاعة نادرة يلهمك إياها القدر، فتقدم استقالتك لأن المهمة أكبر منك، وأن مصر العظيمة الولادة تستطيع أن تخرج من بطنها بدون آلام الطلق عباقرة في كل المجالات يستطيع أي منهم أن يحل محلك، ويأخذ بيد مصر الطاهرة، ويخفف عنها، ويزيل ما علق بها من فساد وبيروقراطية واستبداد وطغيان، وأكتشف أن أحلام اليقظة يمكن أن تتسلل خفية إلى رؤى الليل، ولكن مرة واحدة تعلقت عيناي بالشاشة الصغيرة، وأرهفت السمع لساعات طويلة منتظرا بيانك الشجاع وذلك عندما صدر أكبر قرار إدانة لعهدك الأكثر فسادا منذ قرنين، وجاء القرار من مكان قريب من صناعة القرار المالي في أوروبا .. من زيورخ حيث حصلت مصر على الصفر المونديالي.
خدعوك، سيدي الرئيس، وأنفقوا من أموال أهلنا مئات الملايين، وقالوا لك بأن مصر في عهدك تستطيع أن تفرك مصباح علاء الدين فيخرج مارد يعرفك، ويقنع العالم كله بأن مصر مبارك قادرة على استضافة المونديال قبل عام واحد من انتهاء فترة ولايتك الخامسة مع افتراض أن مبارك الصغير يستطيع أن يصبر على مُلك أعده له والده وزينته له والدته، وجند الحزب الوطني مئة ألف من الشباب الغض والساذج والأحمق استعدادا ليوم يجوبون أرض الكنانة هاتفين بحياة زعيمهم الشاب .. أمل مصر كما سيكتب رؤساء تحرير الصحف القومية في مانشيتاتهم.
حدثني، سيدي الرئيس، عن مشاعرك وأحاسيسك يوم قال الطفل في زيوريخ: الإمبراطور عريان!
لن أحدثك عن جنوب أفريقيا وعبقرية نيلسون مانديلا( رغم أن بلده لا يتمتع بأي أمن، ولن يوفر الأمان لضيوف المونديال)، ولن أسمعك حديثا مطولا عن المغرب الذي نهبه الحسن الثاني، وأفقر ثلثي شعبه، وجعل حلم شبابه الهروب بزوارق الموت لعل شرطة اسبانيا أو قاع البحر تكون أكثر رحمة من نظام سياسي متغطرس وفاشل صنعه أمير المؤمنين طوال أربعين عاما..
لكنني أحدثك عن رجالك المنافقين والكذابين والجبناء الذين صنعتهم لحمايتك، وعبدوك لحماية أنفسهم.
صوت واحد يتيم لم يذهب إلى مصر رغم أن الدكتور علي الدين هلال قام بتذكير أعضاء اللجنة باهتمام الرئيس مبارك، وأوحى إليك رجالك بأن الدنيا كلها ستصوت لمصر من أجلك، ولو كان من حق الجن والملائكة وسكان الكواكب الأخرى أن يصوتوا لما تأخر أحدهم عن منحك صوته.
أراك ربما قد تصببت عرقا، وطلبت فورا مستشاريك لكي يهمسوا في أذنك بكلمات ثناء ومديح، ويقنعونك بأنها مؤامرة ضد دور مصر، وأن صفر المونديال كان يمكن أن يتحول إلى أربعة وعشرين لو تعرف الأعضاء على عبقريتك!
وطال انتظاري لقرارك الشجاع، واعترافك الأشجع بأنك مُنيت بهزيمة نكراء، وأن مصر العظيمة التي كان اسمها يتردد في جنبات كل المؤتمرات الدولية فتكون اشارة البدء على نجاح المؤتمر.
في أشد أوقات المحن العصيبة عندما أصيب الوطن في ستة أيام وست ليال سوداء بدأت صباح الخامس من يونيو عام 1967 بهزيمة ونكسة شَمّتَتْ بنا الغرب والشرق وبعض الأصدقاء، انعقد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم، وكانت المفاجأة أن مصر المهزومة حتى النخاع أكبر بكثير مما يتصور خصومها وأعداؤها.
في عهدك الذي لم يشهد حربا أو نفقات اضافية أو ازالة آثار العدوان أو مقاطعة مشروع مثلما فعلت أمريكا في السد العالي كان الخير يتدفق على الشعب الصابر، ويقوم ملايين المصريين في الخارج بتحويل المليارات من العملات الصعبة إلى مصارف مصر، وتنازلت دول الخليج في حرب تحرير الكويت عن ستة وعشرين مليارا من الدولارات، ومنحتنا الادارة الأمريكية دعما سخيا في كل عام في مقابل صمت أو وساطة بين القاتل والقتيل في فلسطين، أو انقاذ اقتصاد الكيان الصهيوني العنصري بمده بالبترول أو بتفريغ بضائعه في حالة الاضراب.. ولم ننس دخل قناة السويس والتصدير والمليارات التي جاءتنا من أوروبا واليابان ودول الخليج وهيئات الدعم الدولية ودخلت مغارة علي بابا، ولم يكن الأربعون حرامي في حاجة لمعرفة كلمة السر: افتح يا سمسم.
لأن سمسم كان مختبئا في نظام أعوج متغطرس يزدري المصريين، ويهدر أموالهم، ويصنع من الجمال قبحا، ومن العلم جهلا، ومن الاعلام اعاقة ذهنية، ومن السياحة تسولا، ومن المخدرات ربع مليون مدمن، ومن البنوك والمصارف مرشدا لكيفية تحويل الفهلوة إلى عمل محترم، والاقتراض بدون ضمانات إلى الخروج من باب كبار الزوار في مطار القاهرة الدولي، فالسمسونايت عليها ضوء أخضر من أعلى .. أعلى مكان فوق المصريين.
وأعود إلى الصفر المونديالي تاركا مغارة علي بابا والأربعين حرامي رغم أن الاثنين توأمان، واستحلفك بأغلى ما عندك، الأسرة أو الصحة أو المال أو السطوة أو السلطة، ألم تخجل من الظهور علانية أمام شعبك بعدما انكشف الغطاء عن سقوط مريع في أسفل درجات سلم الهزائم؟
ماذا، سيدي الرئيس، لو أن نتائج التصويت كانت تحت الصفر، هل كانت مصر مبارك تحصل عليها بجدارة؟
أحسب أنه قد آن الوقت لأن يصارحك أحد قبل مؤتمر الحزب الحاكم وتهيئة فخامة الرئيس جمال مبارك لحكم مصر ربع قرن بعدما تكمل أنت ولايتك الخامسة مع افتراض أنك لن تحتاج للدكتور ماير في مهمة عاجلة بأن الصفر في الواقع كان هناك.. أمام عينيك.. وفوق مكتبك وفي كل يوم وساعة ولحظة من فترة حكمك.
هل تريد أن أُذَكّرك به، أعني الصفر؟
كان بامكانك أن تراه في عيون ملايين المصريين الذين أذلهم الغلاء، وأقض مضاجعهم الفقر، وأرهقهم الدعاء سنوات طويلة أن يخلصهم الله، عز شأنه، من سارقي أموالهم، وناهبي خيراتهم والذين تكاثروا كالبعوض في عهدك وكأن عقدا ملزما قد وقعته ضمائرهم الميتة مع إدارة حكمك، وصمتك، ورضائك بأن من يتردد في الدخول إلى المغارة الآن فقد لا تتاح له فرصة أخرى إن حكم مصر وطني عاشق لها، خائف عليها، مغرم بكل شبر فيها، يحافظ على أموالها كما يحافظ على شــرفه وحرمـاته ورزق أولاده.
وكان الصفر هناك في إدارة فاشلة متعاقدة مع شبكة اخطبوطية تمد أذرعها في كل مكان، فلا يستطيع مصري واحد أن يستخرج ورقة أو شهادة أو استمارة أو يوقع عقدا أو ينهي اجراءات قانونية أو يتسلم حقه دون أن تضربه على قفاه سبعون اهانة في سبعين توقيعا لسبعين موظفا إلا أن يقدم رشوة قد تحسب عليه في الآخرة وله في عهدك.
وفشلت في استحداث الادارة السليمة في أهم مرافق الدولة، خاصة الشهر العقاري ومجمع التحرير والجمارك والضرائب والبريد والتصدير والاستيراد وحماية المستهلك، فكان شلل الوطن جزءا من اغتياله الكلي الذي بدأ في عهدك ولم ينته بعد.
وكان الصفر في الفن السابع عندما أخذ رجالك معول الهدم لروائع السينما والاخراج، وصنعوا بديلا عنه عالم اللمبي، وسقوط واحدة من أهم سبل تبصير المجتمع بقضاياه، واعادة الوعي لفاقديه، وتوسعة رقعة الجمال والخير والحب، وتراجع دور الشاشة الكبيرة ليقدم في كل عام أقل من عشرين فيلما بعد كانت مصر تسابق الزمن في ادراك أهمية هذا الفن.
وكان الصفر في ستة ملايين عاطل عن العمل، تخلت الدولة عنهم أو عجزت عن الاستفادة منهم لكي يمنحوا الوطن جهدا وعرقا وخبرة، وما أشد الألم وأوجعه عندما يشعر المواطن أنه عالة على أسرته وأصدقائه ومجتمعه، وأن ما قام بتحصيله من العلوم والثقافة لا يمنحه شرف العمل حارسا لأمن شركة استثمارية، وتسلل من بين أيدي اليائسين غول قبيح من التطرف الديني أو الهوس الجنسي أو الجريمة المنظمة أو البلطجة الغليظة أو أعمال التسول الخدمية أو بيع ممتلكات الأسرة الفقيرة في مغامرة غير محسوبة على زورق متهالك يقاوم الريح والأمواج من الشواطيء الليبية إلى مالطا أو جنوب ايطاليا أو اليونان وربما يعود بهم إلى مصر ويلقي المساكين أجسادهم المنهكة على شاطيء العجمي ظنا منهم أنهم في فاليتا أو كريت أو رودس أو حتى أيا نابا القبرصية!
وكان الصفر في سجون ومعتقلات مصر التي مر عليها في عهدك أكثر من ربع مليون مواطن، بقي منهم عشرون ألفا أو أقل أو أكثر، لم يُعرَضوا على المحاكم، ولم يرتكبوا جرما لكنهم يحملون أفكارا لا تروق لك، من يساريين وبقايا شيوعيين وعجائز الاخوان المسلمين، ولا مانع من خلطهم بذوي اتجاهات أخرى لعل سبتمبر الساداتي يتكرر مرة أخرى.
والصفر كان هناك .. يلتحف بقانون الطوريء ، ويصنع نظاما سياسيا سلطويا خائفا من شعبه، مسلطا السيف على رقاب الرعية، متعللا بالارهاب تارة وبأنه لم يستخدمه إلا لماما تارة أخرى.
قانون الطواريء إن كان قد تم تفصيله ليُعلّم المصريين آداب السير بجوار الحائط، فهو إدانة لك، سيدي الرئيس، ودليل لا يرقى إليه شك في أنك أكثر خوفا ورعبا من سبعين مليونا، وأن الشرعية الشعبية في (عدلت فأمنت فنمت) حَرَّمَها عليك قانون الطواريء.
والصفر كان هناك .. عندما رفضت تعيين نائب لك، ربما خوفا من أن ينقلب عليك وأنت في عطلة خارج البلاد، أو يسرق منك أضواء تراها من حقك أنت فقط، أو يشاركك سلطة تؤمن أنت أنها لمبارك الأول والثاني والثالث والأسرة الشريفة وهي محرمة على أي مصري آخر.
أو ربما، وهو الأرجح، اعداد مبارك الثاني منذ عقدين من الزمان ولم يكن هذا يستقيم مع وجود نائب يحمل رسميا صفة الرجل الثاني على الرغم من أن كل من حولك أصفار متراصة مهمتها خدمتك، وحمايتك، وتنفيذ تعاليمك، وتصنيع العبودية في القصر.
أو ربما لأنك تحتقر المصريين، وتزدريهم، وتكاد تبصق على أوجاعهم، وتنتشي بعذاباتهم، وترى علاقتك بهم لا تخرج عن سيد وعبيد، فكيف تصل الوقاحة بمواطن مصري ولو كان عقله أكاديمية متحركة أن يقف بجانبك، وتطلق عليه الصحافة الرجل الثاني، ويتولى شؤون الدولة في غيابك؟
والصفر كان هناك .. في مجلس الشعب الذي وصل معظم أعضائه إلى تمثيل مواطنيك بعد انتخابات هزلية كانت الدولة تعد صناديق الاقتراع، وتذل من تشاء، وتعز من تشاء، وتتولى بمعرفتك التزوير والتزييف وايصال رجال الحزب الوطني إلى السلطة التشريعية.
واكتظت مقاعد الحرم الديمقراطي بنواب الكيف، ونواب التأشيرات، ونواب العملة، ونواب الخدمات، لكنهم كانوا يستطيعون في نومهم ويقظتهم أن يصفقوا حتى تتورم أكفهم، وكان كبيرهم معصوما من الخطأ، فيجددون له أربع عشرة دورة فلا يدري المرء إن كانوا يريدونه لحمايتهم، أم هو مفروض عليهم لحمايتك!
والصفر كان هناك .. عندما خانتك شجاعتك ولم تستطع الوقوف متحديا أي مصري يريد أن يرشح نفسه بديلا عنك، ومنافسا لك، ومقدما برنامجا اصلاحيا، فاعتبرت الترشيح والانتخابات والمنافسة هزيمة لك لو منح الاعلام والأمن والسلطة والقضاء لمواطن آخر الفرصة نفسها وأغلب الظن، الذي بعضه إثم، أن منافسة حرة ونزيهة يتساوى فيها المرشحون كانت ستحملك في نهايتها بعيدا .. بعيدا عن قصر عابدين وقصر العروبة ومنتجع شرم الشيخ واستراحة برج العرب!
أم تظنك، سيدي الرئيس، كنت قادرا، مثلا، على منافسة الدكتور سعيد النجار، رحمه الله، لو اختار ترشيح نفسه؟
أكاد أراك ترهف السمع لأنك لم تنتبه جيدا للاسم!
الدكتور سعيد النجار هو صاحب كتاب ( تجديد الفكر السياسي والاقتصادي في مصر )، وهو الرجل الذي قال لابنك الرئيس القادم جمال مبارك: إذا كان والدك جادا حقا في الاصلاح فليسمح بوجود أكثر من مرشح أمامه، وهو الرجل الموسوعة الذي أرسل إليك خطابا مفتوحا عام 1995 يبسط لك فيه رؤيته الحرة والمتقدمة والعبقرية لكل قضايا مصر من حقوق الأفراد وواجباتهم إلى النظام الضريبي، ومن الضمان الاجتماعي إلى مبدأ تغيير الدستور.
قضيتنا معك، سيدي الرئيس، أنك، كما قال المرحوم الدكتور سعيد النجار، لم تعرف قيمة مصر.
كانت أكبر منك بكثير عندما توليت الحكم بعد رحيل الرئيس المؤمن، ولم تستوعب الصدمة الهائلة فهي ليست قرية نائية في الصعيد، أو قبيلة في العريش، أو حارة في الشرابية، أو حتى بلدا مجهريا في القرن الأفريقي، لكنها أم الدنيا التي لو سقط اسمها سهوا أو عمدا من كتاب تاريخ في أي بقعة في العالم لفقد الكتاب قيمته.
كنت تستطيع أن تصنع قوة ضاربة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا، لو استعنت بما تضخه هذه الأرض الطيبة من علماء وأدباء وفلاسفة وسياسيين محترفين وإداريين وعباقرة مخلصين وشرفاء وعاشقين لوطنهم، لكنك من هول الصدمة اخترت الطريق الأسهل وهو اقامة سياج حولك من المنافقين والأفاقين والجهلة واللصوص، فقمت بتوزيعهم بالمساواة على معظم أجهزة الدولة ووزاراتها.
والصفر كان هناك .. عندما ظللنا أكثر من عقدين من الزمان ننتظر حديثا عفويا مرتجلا على لسان رئيسنا وقائدنا وزعيمنا نتأكد من خلاله أن مصر العظيمة بين يدي رجل مثقف يحيط بالفلسفة، ويتبحر في الآداب، ويقرأ الشعر، ويحفظ المعلقات، ويعرف تاريخ آداب العرب، ويستمتع بأدب الرحلات، ويقرأ لأدباء مصر والعرب والعالم، ويتأثر بالموسيقى الكلاسيك، ويعرف بصمات المخرجين الكبار على الشاشة الكبيرة، ولا يخطيء في اختيار المبدعين في كل المجالات، ويفهم في مباديء الفلك واعجاز القرآن الكريم، ويفتخر بتاريخ أقباطنا.. شركاء الوطن ...
لو كنت هذا الرجل الذي ننتظره لنفرت من الفساد، وكرهت المحسوبية والوساطة، وبكيت على عذابات شعبك، واحترمت وعدك بأن تكون خادما مخلصا له، وربما صنعت في أعوام حكمك معجزة حتى لو لم تكن لك صلة قربى بمهاتير محمد أو نيلسون مانديلا.
أدلف متسللا إلى غرفتي أحيانا، وأشعر بحنين جارف إلى نحيب وبكاء ودموع تطهر نفسي من رجس الاساءة ظنا ورجما بالغيب في عبقريتك وانجازاتك واخلاصك ونزاهتك، وأتمنى أن أكون مخطئا، ولكن شريطا واضحة فيه كل مشاهد الوطن الحزين في عهدك يمر مسرعا أمام عيني، ويوقظني عنوة من حماقة حسن الظن ليؤكد لي بأنك قمت، عن سبق اصرار وتعمد، بمحاولات اغتيال وطن بعدما أسأت استخدام سلطتك كخادم أمين للشعب، وموظف كبير يحصل على أجره من أموال أهلنا، فقلبت عاليه سافله، وتأخرت مصر في عهدك، وتراجعت عدة عقود، واستطعت برجالك الدخول إلى المنطقة المحرمة على أي سلطة، داخلية أو خارجية، عندما عبثت بنفوس المصريين فصعدت إلى السطح سلوكيات لا أخلاقية لم تعرفها مصر في أي عهد أو زمن أو هزيمة.
وكان الصفر هناك .. حيث التمايز الطبقي، وصناعة ثقافة الفهلوة، وترتيب أولويات جديدة في سلم المجتمع، فتراجعت الطبقة الوسطى مفسحة المجال لحلم راود لصوص الميناء ( لعلك تتذكره في فيلم الصعاليك لداود عبد السيد عام 1984 )، وانحسر دور المثقفين والأكاديميين والعلماء وأساتذة الجامعات والمفكرين ليحل محلهم حيتان مارينيون يعرفون من أن تؤكل الكتف، ويقيمون امبراطوريتهم الممتدة من القرى السياحية حيث يتم الاعفاء الضريبي في مشروعات خدمية تتسرب منها أموال الوطن إلى الخارج، مرورا بأباطرة الأغذية الفاسدة الذين يصغر أمامهم الآن توفيق عبد الحي صاحب صفقة الدجاج الفاسد ( آخر ضرباتهم الموجعة للمواطن كانت أسماكا فاسدة تكفي لأكثر من مليوني شخص، وتم حفظها دون إعدامها توطئة لدخولها إلى الوطن الحزين ومن ثم إلى أمعاء المصريين)، وكبر حيتانك، وتضخم جشعهم، وبرزت أسنانهم القرْشية فأصبح الواحد منهم يخجل من سرقة عشرة ملايين أو نهب ثلاثين مليونا أو الهروب من مصر بخمسين مليونا فقط، فمغارة علي بابا لا تزال تتلقى مليارات من الخارج ، والضوء الأخضر يشاهده الأعمى، ومن لم يهبر هبرته الكبرى الآن فربما لن يتمكن منها في المستقبل!
والصفر كان هناك .. في أكبر عملية تدمير لوجه مصر الجميل في المعمار والفنون والأبنية والمنازل، فشهد عهدك فوضى عجيبة، وذوقا منحطا يفضل أصحابه القبح على الجمال، وطاردت أعين المصريين مبان وعمارات وأبراج وجراجات تختلط فيها بهرجة الألوان، وتختفي خلفها مواد بناء فاسدة، وغابت الدولة عن بسط سيطرتها بقوانين ملزمة يضعها مختصون ومعماريون وفنانون وأكاديميون تستعين بهم السلطة حتى لا يتحول المشهد البنائي لأرض الكنانة إلى سمك لبن تمر هندي.
والصفر كان هناك .. عندما أصبح انتظار حكم العدالة كابوسا مفزعا، وتكدست في محاكم الدولة ثلاثة ملايين قضية، وعجزت عبقريتك عن ايجاد بديل في نظام قضائي سهل وعادل وسريع تخطط له إدارة ناجحة، ويدخل فيه عصر التكنولوجيا، ويستعين القاضي والمستشارون بالكمبيوتر والانترنيت وتخزين معلومات وقضايا مشابهة ، والاستعانة ببرامج البحث في ملايين القضايا المصرية والعربية والعالمية ، وربط أجهزة البحث بالشرطة وأمن الدولة والتعاون مع آلاف من رجال القانون عن طريق الانترنيت والربط المباشر، والاستعانة بأجهزة البحث الأخرى عن الجريمة والاحصاء والعناوين والتسجيلات والجوازات والمطار والسجون والسجلات المدنية وأسماء أصحاب العقارات في مصر كلها والرقم القومي وغيرها ..
كنت تستطيع أن تحقق العدل أو جزءا كبيرا منه لو استوعبت، سيدي الرئيس، أهمية الادارة الحديثة القائمة على أصول علمية متقدمة، وربما جنبت رعاياك أقصى درجات الامتهان والظلم والغبن وهضم الحقوق وضياع الممتلكات والتيه في ردهات المحاكم.
لو همس أحد مستشاريك المخلصين في أذنك مرة واحدة وشرح لك أهمية تحقيق العدل في نظام المحاكم فربما كان وجه مصر كله قد تغير، ولكن من قال بأنك تريد فعلا رفع الظلم عن المواطن؟
ألست أنت وحدك المسؤول الأول والأخير عما لحق بالوطن في ولاياتك الأربع؟
مئات الالاف من المصريين ينتظرون كلمة العدالة في قضايا مؤجلة أو تنتظر دورها أو غير مكتملة الأركان، والقضاة والمستشارون يعملون في ظروف بعيدة تماما عن أهمية المعلومات والشفافية والتعاون بين أجهزة الدولة وتضيع الحقوق، ويقع ظلم جديد على مواطنيك فضلا عن ظلمك أنت لهم.
والصفر كان هناك .. عندما لم تعرف، سيدي الرئيس، أن بناء الدولة الحديثة المكتملة الأركان، والباحثة عن مكان بين الأمم المتمدنة يبدأ من تصفية واعدام والغاء وحذف كل القوانين والمواد المتخلفة والحمقاء التي وَرَّثّهَا جيلٌُ لجيلٍ واستبقها الزمنُ فتخلّفت عنه عقودا طويلة ، ولم تناسب إلا الموظف الموميائي القاسي والذي ينتشي بالغلظة، ويتلذذ بتعذيب المواطنين، ويطالب الأرملة أن تعود بعد أسبوع، ويطلب من الأمي أن يوَقّع، ويمرر الطلب على كل موظفي الادارة فيجمع توقيعات كأنها انتخابات المجلس المحلي، ويفتح نافذة للرشوة حتى يجنب المواطن عذاب الانتظار.
ستظل مصر تتراجع ما لم يجلس في قصرها زعيم يعرف قيمتها وقدرها، ويبدأ من القاء كل القوانين والمواد التي تكرس الظلم والتأخر والتراجع في مزبلة التاريخ، ويستبدل بها أكثر القوانين تقدمية وتمدنا وعدالة مستعينا لها من الشرق والغرب ومنظمات حقوق الانسان وروح الاسلام وخبرات رجال القانون المصريين والعرب، وفتح باب الاجتهاد الفكري النابع من التربة المصرية ومشاكلها وقضاياها وهمومها لوضع قوانين جديدة وملزمة.
والصفر كان هناك .. عندما اخترق الكبرياء أسرتك، وتعامل كل منها مع مصر العظيمة على أنها ملكية خاصة أورثتهم إياها بأرضها وسمائها وترابها وعبيدها، فأن يصبح علاء مبارك مليارديرا وسط ملايين من المصريين الذين لا يجدون طعام العشاء، وأن يَضْحَى جمال مبارك رئيسا فعليا يستمد سلطته من الأب ويصغر بجانبه المصريون، فيأمر وينهى ويعين من يشاء ويضع سياسة الدولة ويخطط لمستقبلها، وأن تَمْسَى سيدةُ مصر الأولي رأسا ثانيا للدولة فتحكم دون وظيفة، وتنفق من ميزانية غير محددة، وتتحكم في اختيارات هي من حق رئيس الدولة، ولا ينتقص التوزع هذا من سلطتك المطلقة، فنحن هنا أمام حالة استرقاق لشعب لا يقرها دين او عرف أو كرامة أو عدالة.
والصفر كان هناك .. عندما أصبحت علاقتك بالأجهزة الأمنية غير صحية بالمرة، فأنت، سيدي الرئيس، لم تفهم أن المخابرات العامة ومباحث أمن الدولة والمخابرات العسكرية كلها تعمل في خدمة شعب مصر وحمايته والحفاظ على مكتسباته، وأن رجالها عاهدوا الله وأنفسهم على أن يكون مواطنين وطنيين قبل أن تلتقطهم أنت ليصبحوا حراسا لنظامك، ويغمضوا أعينهم على تجاوزات أسرتك ورجالك، ويشاهدوا بأم أعينهم تزوير الانتخابات وتزييف النتائج، في المحليات والبلديات ومجلس الشعب وغيره.
كان بامكانك، لو كنت تملك ذرة اخلاص لمصر ورعاياك، أن تبعد أجهزتنا الوطنية الأمنية التي نفتخر بها، ونحتمي برجالها، ونأمن على مستقبلنا في وجودها، ومنها نبصر بصيص أمل قد يشرق يوما على أولادنا وأحفادنا، لكنك رفضت أن تشاركك السلطة، وأن تكشف عورات رجالك، وأن تفضح تجاوزات المحيطين بك.
لذا قمت بتصغيرها، أعني حاولت تقزيمها، وتعمدت اهانتها وكان آخرها عندما رفض قاتل المصريين والفلسطينيين الارهابي آرييل شارون استقبال رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان، ولو أمرت بانشاء وزارة أو إدارة خاصة بشؤون السلام، مثلا، وجعلت موظفا كبيرا بها مسؤولا عن الوساطة التي تقوم بها بين الفلسطينيين والاسرائيليين لما أحزنتنا في الاهانات الموجهة لرئيس المخابرات المصرية، فهو في أعيننا يمثل النقاء والطهارة والوطنية ( لا أعني شخصا معينا ولكن أي رئيس استخبارات مصرية ).
نريد أن نرى وزير الدفاع خارجا من ثكنة عسكرية أو متفحصا سلاحا صنعه مصريون أو متناولا الطعام في كانتين أحد المعسكرات، ولا يهمنا أن يحضر حفلا غنائيا، ويجلس ساعات طويلة يستمع لأغنيات مديح زائف عن القائد الأعلى للقوات المسلحة.
والصفر كان هناك .. عندما فقدت مصر دورها الريادي، وأصبحت اهانة رئيس الجمهورية أمرا طبيعيا، حتى الملك عبد الله بن الحسين المحسوب على القوى الغربية قطع زيارته لأمريكا حفاظا على كرامته، أما أنت فبقيت هناك أصغر من مصر العظيمة بكثير، واستمعت إلى شارون وهو يهدد ويتوعد، وتعمد سيد البيت الأبيض أن يسقط حق العودة عن الفلسطينيين وأنت هناك، تماما كما عرض السادات زيارة القدس أمام أبي عمار.
والصفر كان هناك .. عندما أصبح المصريون ملطشة لتجار الموت غرقا وهم يهربون من جنتك الموعودة إلى أي مكان ولو كان سجنا على الشاطيء في مالطا أو في جوف كفيل جشع في الخليج، أو في الجماهيرية العظيمة البائسة، أو في نعوش عائدة بهم بعد قتلهم، أو في قاع البحر لتلتهمهم الأسماك، فأي جحيم هو أفضل من جنتك.
والصفر كان هناك .. عندما فقد أحبابنا .. شركاء الوطن من الأقباط الثقة بعدالة الوطن، وأفسحت الدولة المجال للمعاقين ذهنيا بتعليم المسلمين تعاليم دينهم تميزا واستعلاء على الآخرين، واستمر دور الأقباط هامشيا، ومنعهم ظلمك من حقوقهم الكاملة كمواطنين لهم في الوطن مثلما للمسلمين لا ينقص منه شيء، فهم ليسوا في مناصب عليا أو وزارات سيادية أو قيادات اعلامية أو محافظين أو قادة ميدانيين في الجيش أو لواءات في الأجهزة الأمنية أو طلاب في جامعة الأزهر، فأنت تصنع الفتنة الطائفية ثم يبكي اعلامك عليها.
والصفر كان هناك .. في أكثر الأماكن فسادا ( بعد جمرك الاسكندرية ) أعني ماسبيرو حيث تم تجييش حمقى ومتخلفين وبلهاء وتمت صناعة الاستحمار الاعلامي خشية الوعي المتجدد لدى الشعب، وقامت القيادات الاعلامية الفاسدة باستبعاد الأحرار والمستقلين وأصحاب الكفاءات والشرفاء ( وآخرهم حمدي قنديل الذي لا تسمح سفارة واشنطون به في اعلامك )، وبعدما تم تدمير الصرح الاعلامي وتدجين قيادييه، واغتيال اللغة العربية، وقتل الابداع، وقام صفوت الشريف بالمهمة كما يريدها زعيمه وسيده، جاء ممدوح البلتاجي من عالم السياحة وثقافة التسول والفشل الذي حققه في مقابل نجاح جزر صغيرة غير مرئية وبلاد فقيرة في جذب ملايين السائحين، وسيكمل المهمة في الاعلام المصري، وسيخرج كمال الشاذلي لسانه لخصومه، وسيتحكم صفوت الشريف في طلبات انشاء أحزاب جديدة.
والصفر كان هناك .. مع توريث العرش رغم أنوفنا، واستمرار عهد زادت فيه الأمية، وأكلت الأمراض أجساد المصريين، وعاثت البلهارسيا في أكباد عدة ملايين من مواطنيك، وأصبح سعر الدواء قاصما لظهر أي أسرة متوسطة الحال، وتحول الأزهر الشريف إلى محاكم تفتيش في بطون الكتب القديمة والجديدة، ورفضت تغيير الدستور بما يتناسب مع العصر، ولم تتخل عن ذرة واحدة من سلطاتك حتى تشكيل الحكومة تعمدت اهانة رئيس الوزراء الجديد حين أوحيت للاعلام بنشر احتفاظك بحق تعيين وزراء الدفاع والخارجية والداخلية حتى أن الدكتور ممدوح البلتاجي قال بأن رئيس الجمهورية كلف رئيس الوزراء باختياره وزيرا للاعلام.. إنهم يعرفون أدوارهم، فكلهم خدم تحت قدميك، ويطيعون أسرتك، ويهيئون أنفسهم للرئيس الشاب القادم.الآن هل تعرف، سيدي الرئيس، لماذا سمعت ضجة خلف باب غرفتك في المستشفى في ميونيخ؟ كان هناك سبعون مليونا هم كل رعاياك( إلا قليلا) يقفون خلف عزرائيل، ويطلبون منه الدخول عليك، فقد انتظروا طويلا، لذا لا تصدقنا عندما نقول لك كذبا وخوفا ورعبا:حمدا لله على سلامتك فنحن جبناء، وهنيئا لمبارك الثاني في استعبادنا أو استحمارنا ربع قرن جديد!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج